الباحث القرآني

السّابِعُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ: أحَدُها: قُرِنَتِ الأرْواحُ بِالأجْسادِ. وثانِيها: قالَ الحَسَنُ: يَصِيرُونَ فِيها ثَلاثَةَ أزْواجٍ كَما قالَ: ﴿وكُنْتُمْ أزْواجًا ثَلاثَةً﴾ ﴿فَأصْحابُ المَيْمَنَةِ ما أصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ ﴿وأصْحابُ المَشْأمَةِ ما أصْحابُ المَشْأمَةِ﴾ ﴿والسّابِقُونَ السّابِقُونَ﴾ [الواقِعَةِ: ٨] . وثالِثُها: أنَّهُ (p-٦٤)يُضَمُّ إلى كُلِّ صِنْفٍ مَن كانَ في طَبَقَتِهِ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، فَيُضَمُّ المُبْرَزُ في الطّاعاتِ إلى مِثْلِهِ، والمُتَوَسِّطُ إلى مِثْلِهِ وأهْلُ المَعْصِيَةِ إلى مِثْلِهِ، فالتَّزْوِيجُ أنْ يُقْرَنَ الشَّيْءُ بِمِثْلِهِ، والمَعْنى أنْ يُضَمَّ كُلُّ واحِدٍ إلى طَبَقَتِهِ في الخَيْرِ والشَّرِّ. ورابِعُها: يُضَمُّ كُلُّ رَجُلٍ إلى مَن كانَ يَلْزَمُهُ مِن مَلِكٍ وسُلْطانٍ كَما قالَ: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأزْواجَهُمْ﴾ [الصّافّاتِ: ٢٢] قِيلَ: فَزِدْناهم مِنَ الشَّياطِينِ. وخامِسُها: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: زُوِّجَتْ نُفُوسُ المُؤْمِنِينَ بِالحُورِ العِينِ وقُرِنَتْ نُفُوسُ الكافِرِينَ بِالشَّياطِينِ. وسادِسُها: قُرِنَ كُلُّ امْرِئٍ بِشِيعَتِهِ اليَهُودِيُّ بِاليَهُودِيِّ والنَّصْرانِيُّ بِالنَّصْرانِيِّ، وقَدْ ورَدَ فِيهِ خَبَرٌ مَرْفُوعٌ. وسابِعُها: قالَ الزَّجّاجُ: قُرِنَتِ النُّفُوسُ بِأعْمالِها. واعْلَمْ أنَّكَ إذا تَأمَّلْتَ في الأقْوالِ الَّتِي ذَكَرْناها أمْكَنَكَ أنْ تَزِيدَ عَلَيْها ما شِئْتَ. الثّامِنُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ ﴿بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ فِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: وأدَ يَئِدُ مَقْلُوبٌ مِن آدَ يَئُودُ أوْدًا ثَقُلَ قالَ تَعالى: ﴿ولا يَئُودُهُ حِفْظُهُما﴾ [البَقَرَةِ: ٢٥٥] أيْ يُثْقِلُهُ؛ لِأنَّهُ إثْقالٌ بِالتُّرابِ، كانَ الرَّجُلُ إذا وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ فَأرادَ بَقاءَ حَياتِها ألْبَسَها جُبَّةً مِن صُوفٍ أوْ شَعْرٍ لِتَرْعى لَهُ الإبِلَ والغَنَمَ في البادِيَةِ، وإنْ أرادَ قَتْلَها تَرَكَها حَتّى إذا بَلَغَتْ قامَتُها سِتَّةَ أشْبارٍ فَيَقُولُ لِأُمِّها: طَيِّبِيها وزَيِّنِيها حَتّى أذْهَبَ بِها إلى أقارِبِها، وقَدْ حَفَرَ لَها بِئْرًا في الصَّحْراءِ فَيَبْلُغُ بِها إلى البِئْرِ فَيَقُولُ لَها انْظُرِي فِيها ثُمَّ يَدْفَعُها مِن خَلْفِها ويُهِيلُ عَلَيْها التُّرابَ حَتّى يَسْتَوِيَ البِئْرُ بِالأرْضِ، وقِيلَ: كانَتِ الحامِلُ إذا قَرَّبَتْ حَفَرَتْ حُفْرَةً فَتَمَخَّضَتْ عَلى رَأْسِ الحُفْرَةِ فَإذا ولَدَتْ بِنْتًا رَمَتْها في الحُفْرَةِ، وإذا ولَدَتِ ابْنًا أمْسَكَتْهُ، وهاهُنا سُؤالانِ: السُّؤالُ الأوَّلُ: ما الَّذِي حَمَلَهم عَلى وأْدِ البَناتِ؟ الجَوابُ: الخَوْفُ مِن لُحُوقِ العارِ بِهِمْ مِن أجْلِهِمْ أوِ الخَوْفُ مِنَ الإمْلاقِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم خَشْيَةَ إمْلاقٍ﴾ [الإسْراءِ: ٣١] وكانُوا يَقُولُونَ: إنَّ المَلائِكَةَ بَناتُ اللَّهِ فَألْحَقُوا البَناتَ بِالمَلائِكَةِ، وكانَ صَعْصَعَةُ بْنُ ناجِيَةَ مِمَّنْ مَنَعَ الوَأْدَ فافْتَخَرَ الفَرَزْدَقُ بِهِ في قَوْلِهِ: ؎ومِنّا الَّذِي مَنَعَ الوائِداتِ فَأحْيا الوَئِيدَ فَلَمْ تُوأدِ السُّؤالُ الثّانِي: فَما مَعْنى سُؤالِ المَوْءُودَةِ عَنْ ذَنْبِها الَّذِي قُتِلَتْ بِهِ، وهَلّا سُئِلَ الوائِدُ عَنْ مُوجِبِ قَتْلِهِ لَها؟ الجَوابُ: سُؤالُها وجَوابُها تَبْكِيتٌ لِقاتِلِها، وهو كَتَبْكِيتِ النَّصارى في قَوْلِهِ لِعِيسى: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائِدَةِ: ١١٦] . المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قُرِئَ (سَألَتْ)، أيْ خاصَمَتْ عَنْ نَفْسِها، وسَألَتِ اللَّهَ أوْ قاتِلَها، وقُرِئَ (قُتِّلَتْ) بِالتَّشْدِيدِ، فَإنْ قِيلَ اللَّفْظُ المُطابِقُ أنْ يُقالَ: ﴿سُئِلَتْ﴾ ﴿بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ ومَن قَرَأ سَألَتْ فالمُطابِقُ أنْ يَقْرَأ (بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتُ) فَما الوَجْهُ في القِراءَةِ المَشْهُورَةِ؟ قُلْنا: الجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: تَقْدِيرُ الآيَةِ: وإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ [ أيْ سُئِلَ ] الوائِدُونَ عَنْ أحْوالِها بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ. والثّانِي: أنَّ الإنْسانَ قَدْ يُسْألُ عَنْ حالِ نَفْسِهِ عِنْدَ المُعايَنَةِ بِلَفْظِ المُغايَبَةِ؛ كَما إذا أرَدْتَ أنْ تَسْألَ زَيْدًا عَنْ حالٍ مِن أحْوالِهِ، فَتَقُولُ: ماذا فَعَلَ زَيْدٌ في ذَلِكَ المَعْنى؟ ويَكُونُ زَيْدٌ هو المَسْؤُولَ، وهو المَسْؤُولَ عَنْهُ، فَكَذا هاهُنا. (p-٦٥)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب