الباحث القرآني
.
(p-١٠٠٤)قَوْلُهُ: لا يَأْتَلِ أيْ يَحْلِفُ وزْنُهُ يَفْتَعِلُ مِنَ الألْيَةِ، وهي اليَمِينُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎تَألّى ابْنُ أوْسٍ حَلْفَةً لِيَرُدَّنِي إلى نِسْوَةٍ كَأنَّهُنَّ مَفايِدُ
وقَوْلُ الآخَرِ:
؎قَلِيلُ الألايا حافِظٌ لِيَمِينِهِ ∗∗∗ وإنْ بَدَرَتْ مِنهُ الألِيَّةُ بَرَّتِ
يُقالُ ائْتَلى يَأْتَلِي إذا حَلَفَ.
ومِنهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٢٦] وقالَتْ فِرْقَةٌ: هو مِن ألَوْتُ في كَذا إذا قَصَرْتُ، ومِنهُ لَمْ آلُ جُهْدًا أيْ: لَمْ أُقَصِّرْ، وكَذا مِنهُ قَوْلُهُ: ﴿لا يَأْلُونَكم خَبالًا﴾ [آل عمران: ١١٨] ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎وما المَرْءُ ما دامَتْ حُشاشَةُ نَفْسِهِ ∗∗∗ بِمُدْرِكِ أطْرافِ الخُطُوبِ ولا آلِ
والأوَّلُ أوْلى بِدَلِيلِ سَبَبِ النُّزُولِ، وهو ما سَيَأْتِي، والمُرادُ بِالفَضْلِ الغِنى والسَّعَةُ في المالِ ﴿أنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبى والمَساكِينَ والمُهاجِرِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ عَلى أنْ لا يُؤْتُوا.
قالَ الزَّجّاجُ: أنْ لا يُؤْتُوا فَحَذَفَ لا، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أبْرَحُ قاعِدًا ∗∗∗ ولَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْكَ وأوْصالِي
وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: لا حاجَةَ إلى إضْمارِ لا، والمَعْنى: لا يَحْلِفُوا عَلى أنْ لا يُحْسِنُوا إلى المُسْتَحِقِّينَ لِلْإحْسانِ الجامِعِينَ لِتِلْكَ الأوْصافِ، وعَلى الوَجْهِ الآخَرِ يَكُونُ المَعْنى: لا يُقَصِّرُوا في أنْ يُحْسِنُوا إلَيْهِمْ وإنْ كانَتْ بَيْنَهم شَحْناءُ لِذَنْبٍ اقْتَرَفُوهُ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ ( أنْ تُؤْتُوا ) بِتاءِ الخِطابِ عَلى الِالتِفاتِ.
ثُمَّ عَلَّمَهم سُبْحانَهُ أدَبًا آخَرَ فَقالَ ﴿ولْيَعْفُوا﴾ عَنْ ذَنْبِهِمُ الَّذِي أذْنَبُوهُ عَلَيْهِمْ وجِنايَتِهِمُ الَّتِي اقْتَرَفُوها، مِن عَفا الرَّبْعُ أيْ: دَرَسَ، والمُرادُ مَحْوُ الذَّنْبِ حَتّى يَعْفُوَ كَما يَعْفُو أثَرُ الرَّبْعِ ﴿ولْيَصْفَحُوا﴾ بِالإغْضاءِ عَنِ الجانِي والإغْماضِ عَنْ جِنايَتِهِ، وقُرِئَ بِالفَوْقِيَّةِ في الفِعْلَيْنِ جَمِيعًا.
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ تَرْغِيبًا عَظِيمًا لِمَن عَفا وصَفَحَ فَقالَ: ﴿ألا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكم﴾ بِسَبَبِ عَفْوِكم وصَفْحِكم عَنِ الفاعِلِينَ لِلْإساءَةِ عَلَيْكم ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أيْ كَثِيرُ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ لِعِبادِهِ مَعَ كَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ، فَكَيْفَ لا يَقْتَدِي العِبادُ بِرَبِّهِمْ في العَفْوِ والصَّفْحِ عَنِ المُسِيئِينَ إلَيْهِمْ.
﴿إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ﴾ قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ المُحْصَناتِ وذَكَرَنا الإجْماعَ عَلى أنَّ حُكْمَ المُحْصَنِينَ مِنَ الرِّجالِ حُكْمُ المُحْصَناتِ مِنَ النِّساءِ في حَدِّ القَذْفِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في هَذِهِ الآيَةِ هَلْ هي خاصَّةٌ أوْ عامَّةٌ ؟ فَقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هي خاصَّةٌ فِيمَن رَمى عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - .
وقالَ مُقاتِلٌ: هي خاصَّةٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ رَأْسِ المُنافِقِينَ.
وقالَ الضَّحّاكُ والكَلْبِيُّ: هَذِهِ الآيَةُ هي في عائِشَةَ وسائِرِ أزْواجِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - دُونَ سائِرِ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ، فَمَن قَذَفَ إحْدى أزْواجِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَهو مِن أهْلِ هَذِهِ الآيَةِ.
قالَ الضَّحّاكُ: ومِن أحْكامِ هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ لا تَوْبَةَ لِمَن رَمى إحْدى أزْواجِهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، ومَن قَذَفَ غَيْرَهُنَّ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ التَّوْبَةَ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿إلّا الَّذِينَ تابُوا﴾ [النور: ٥] وقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ خاصَّةٌ بِمَن أصَرَّ عَلى القَذْفِ ولَمْ يَتُبْ، وقِيلَ: إنَّها تَعُمُّ كُلَّ قاذِفٍ ومَقْذُوفٍ مِنَ المُحْصَناتِ والمُحَصَنِينَ، واخْتارَهُ النَّحّاسُ، وهو المُوافِقُ لِما قَرَّرَهُ أهْلُ الأُصُولِ مِن أنَّ الِاعْتِبارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
وقِيلَ: إنَّها خاصَّةٌ بِمُشْرِكِي مَكَّةَ، لِأنَّهم كانُوا يَقُولُونَ لِلْمَرْأةِ إذا خَرَجَتْ مُهاجِرَةً إنَّما خَرَجَتْ لِتَفْجُرَ.
قالَ أهْلُ العِلْمِ: إنْ كانَ المُرادُ بِهَذِهِ الآيَةِ المُؤْمِنِينَ مِنَ القَذَفَةِ، فالمُرادُ بِاللَّعْنَةِ الإبْعادُ وضَرْبُ الحَدِّ وهَجْرُ سائِرِ المُؤْمِنِينَ لَهم وزَوالُهم عَنْ رُتْبَةِ العَدالَةِ والبُعْدُ عَنِ الثَّناءِ الحَسَنِ عَلى ألْسِنَةِ المُؤْمِنِينَ، وإنْ كانَ المُرادُ بِها مَن قَذَفَ عائِشَةَ خاصَّةً كانَتْ هَذِهِ الأُمُورُ في جانِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ رَأْسِ المُنافِقِينَ، وإنْ كانَتْ في مُشْرِكِي مَكَّةَ فَإنَّهم مَلْعُونُونَ ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ ولَهم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ والمُرادُ بِالغافِلاتِ اللّاتِي غَفَلْنَ عَنِ الفاحِشَةِ بِحَيْثُ لا تَخْطُرُ بِبالِهِنَّ ولا يَفْطِنَّ لَها، وفي ذَلِكَ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى كَمالِ النَّزاهَةِ وطَهارَةِ الجَيْبِ ما لَمْ يَكُنْ في المُحْصَناتِ، وقِيلَ: هُنَّ السَّلِيماتُ الصُّدُورِ النَّقِيّاتُ القُلُوبِ.
﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ألْسِنَتُهم﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِما قَبْلَها مُبَيِّنَةٌ لِوَقْتِ حُلُولِ ذَلِكَ العَذابِ بِهِمْ وتَعْيِينُ اليَوْمِ لِزِيادَةِ التَّهْوِيلِ بِما فِيهِ مِنَ العَذابِ الَّذِي لا يُحِيطُ بِهِ وصْفٌ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ﴾ بِالفَوْقِيَّةِ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو حاتِمٍ، وقَرَأ الأعْمَشُ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ والكِسائِيُّ وخَلَفٌ بِالتَّحْتِيَّةِ، واخْتارَ هَذِهِ القِراءَةَ أبُو عَبِيدٍ لِأنَّ الجارَّ والمَجْرُورَ قَدْ حالَ بَيْنَ الِاسْمِ والفِعْلِ.
والمَعْنى: تَشْهَدُ ألْسِنَةُ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ في ذَلِكَ اليَوْمِ، وقِيلَ: تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ألْسِنَتُهم في ذَلِكَ اليَوْمِ بِما تَكَلَّمُوا بِهِ ﴿وأيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ﴾ بِما عَمِلُوا بِها في الدُّنْيا، وإنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ يُنْطِقُها بِالشَّهادَةِ عَلَيْهِمْ، والمَشْهُودُ مَحْذُوفٌ وهو ذُنُوبُهُمُ الَّتِي اقْتَرَفُوها أيْ: تَشْهَدُ هَذِهِ عَلَيْهِمْ بِذُنُوبِهِمُ الَّتِي اقْتَرَفُوها ومَعاصِيهِمُ الَّتِي عَمِلُوها.
﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ﴾ أيْ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ جَوارِحُهم بِأعْمالِهِمُ القَبِيحَةِ يُعْطِيهِمُ اللَّهُ جَزاءَهم عَلَيْها مُوَفَّرًا، فالمُرادُ بِالدِّينِ هاهُنا الجَزاءُ، وبِالحَقِّ الثّابِتِ الَّذِي لا شَكَّ في ثُبُوتِهِ.
قَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ يُوفِيهِمْ مُخَفَّفًا مَن أوْفى، وقَرَأ مَن عَداهُ بِالتَّشْدِيدِ مِن وفّى.
وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ ومُجاهِدٌ ( الحَقُّ ) بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِلَّهِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وقَرَأ الباقُونَ بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِدِينِهِمْ.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: ولَوْلا كَراهَةُ خِلافِ النّاسِ لَكانَ الوَجْهُ الرَّفْعَ لِيَكُونَ نَعْتًا لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - ولِتَكُونَ مُوافِقَةً لِقِراءَةِ أُبَيٍّ، وذَلِكَ أنَّ جَرِيرَ بْنَ حازِمٍ قالَ: رَأيْتُ في مُصْحَفِ أُبَيٍّ ( يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ الحَقَّ دِينَهم ) . قالَ النَّحّاسُ: وهَذا الكَلامُ مِن أبِي عُبَيْدَةَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأنَّهُ احْتَجَّ بِما هو مُخالِفٌ لِلسَّوادِ الأعْظَمِ، ولا حُجَّةَ أيْضًا فِيهِ؛ لِأنَّهُ لَوْ صَحَّ أنَّهُ في مُصْحَفِ أُبَيٍّ جازَ أنْ يَكُونَ دِينُهم بَدَلًا مِنَ الحَقِّ ﴿ويَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ المُبِينُ﴾ أيْ ويَعْلَمُونَ عِنْدَ مُعايَنَتِهِمْ لِذَلِكَ ووُقُوعِهِ عَلى ما نَطَقَ بِهِ الكِتابُ العَزِيزُ أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ الثّابِتُ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ، المُبِينُ المُظْهِرُ لِلْأشْياءِ كَما هي في أنْفُسِها، وإنَّما سُمِّيَ سُبْحانَهُ (p-١٠٠٥)الحَقُّ لِأنَّ عِبادَتَهُ هي الحَقُّ دُونَ عِبادَةِ غَيْرِهِ.
وقِيلَ: سُمِّيَ بِالحَقِّ أيْ: المَوْجُودُ لِأنَّ نَقِيضَهُ الباطِلُ وهو المَعْدُومُ.
ثُمَّ خَتَمَ سُبْحانَهُ الآياتِ الوارِدَةَ في أهْلِ الإفْكِ بِكَلِمَةٍ جامِعَةٍ فَقالَ: ﴿الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ أيِ الخَبِيثاتُ مِنَ النِّساءِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجالِ أيْ: مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ لا تَتَجاوَزُهم، وكَذا الخَبِيثُونَ مُخْتَصُّونَ بِالخَبِيثاتِ لا يَتَجاوَزُونَهُنَّ، وهَكَذا قَوْلُهُ: ﴿والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ﴾ قالَ مُجاهِدٌ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وعَطاءٌ وأكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: المَعْنى الكَلِماتُ الخَبِيثاتُ مِنَ القَوْلِ لِلْخَبِيثِينِ مِنَ الرِّجالِ والخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجالِ لِلْخَبِيثاتِ مِنَ الكَلِماتِ، والكَلِماتُ الطَّيِّباتُ مِنَ القَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النّاسِ، والطَّيِّبُونَ مِنَ النّاسِ لِلطَّيِّباتِ مِنَ الكَلِماتِ. قالَ النَّحّاسُ: وهَذا أحْسَنُ ما قِيلَ.
قالَ الزَّجّاجُ: ومَعْناهُ لا يَتَكَلَّمُ بِالخَبِيثاتِ إلّا الخَبِيثُ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، وهَذا ذَمٌّ لِلَّذِينَ قَذَفُوا عائِشَةَ بِالخَبِيثِ ومَدْحٌ لِلَّذِينَ بَرَّءُوها.
وقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلّا زانِيَةً﴾ [النور: ٣] فالخَبِيثاتُ الزَّوانِي، والطَّيِّباتُ العَفائِفُ، وكَذا الخَبِيثُونَ والطَّيِّبُونَ، والإشارَةُ هُنا بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُونَ﴾ إلى الطَّيِّبِينَ والطَّيِّباتِ أيْ: هم مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُهُ الخَبِيثُونَ والخَبِيثاتُ، وقِيلَ: الإشارَةُ إلى أزْواجِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، وقِيلَ: إلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وعائِشَةَ وصَفْوانَ بْنِ المُعَطَّلِ، وقِيلَ: عائِشَةَ وصَفْوانَ فَقَطْ.
قالَ الفَرّاءُ: وجَمَعَ كَما قالَ: ﴿فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ﴾ والمُرادُ أخَوانِ ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ﴾ أيْ هَؤُلاءِ المُبَرَّءُونَ لَهم مَغْفِرَةٌ عَظِيمَةٌ لِما لا يَخْلُو عَنْهُ البَشَرُ مِنَ الذُّنُوبِ ﴿ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ هو رِزْقُ الجَنَّةِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولا يَأْتَلِ﴾ الآيَةَ، يَقُولُ: لا يُقْسِمُوا أنْ لا يَنْفَعُوا أحَدًا.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: كانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثاثَةَ مِمَّنْ تَوَلّى كِبْرَهُ مِن أهْلِ الإفْكِ، وكانَ قَرِيبًا لِأبِي بَكْرٍ وكانَ في عِيالِهِ، فَحَلَفَ أبُو بَكْرٍ أنْ لا يُنِيلَهُ خَيْرًا أبَدًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ﴾ الآيَةَ، قالَتْ: فَأعادَهُ أبُو بَكْرٍ إلى عِيالِهِ وقالَ: لا أحْلِفُ عَلى يَمِينٍ فَأرى غَيْرَها خَيْرًا مِنها إلّا تَحَلَّلْتُها وأتَيْتُ الَّذِي هو خَيْرٌ. وقَدْ رُوِيَ هَذا مِن طُرُقٍ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ التّابِعِينَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: كانَ ناسٌ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قَدْ رَمَوْا عائِشَةَ بِالقَبِيحِ وأفْشَوْا ذَلِكَ وتَكَلَّمُوا فِيها، فَأقْسَمَ ناسٌ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مِنهم أبُو بَكْرٍ أنْ لا يَتَصَدَّقُوا عَلى رَجُلٍ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِن هَذا ولا يَصِلُوهُ، فَقالَ: لا يُقْسِمُ أُولُوا الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ أنْ يَصِلُوا أرْحامَهم وأنْ يُعْطُوهم مِن أمْوالِهِمْ كالَّذِي كانُوا يَفْعَلُونَ مِن قَبْلِ ذَلِكَ، فَأمَرَ اللَّهُ أنْ يُغْفَرَ لَهم وأنْ يُعْفى عَنْهم.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ﴾ الآيَةَ، قالَ: نَزَلَتْ في عائِشَةَ خاصَّةً.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ قالَ: هَذِهِ في عائِشَةَ وأزْواجِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، ولَمْ يُجْعَلْ لِمَن فَعَلَ ذَلِكَ تَوْبَةٌ، وجُعِلَ لِمَن رَمى امْرَأةً مِنَ المُؤْمِناتِ مِن غَيْرِ أزْواجِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - التَّوْبَةُ، ثُمَّ قَرَأ ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿إلّا الَّذِينَ تابُوا﴾ .
وأخْرَجَ أبُو يَعْلى وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ عُرِفَ الكافِرُ بِعَمَلِهِ فَجَحَدَ وخاصَمَ، فَيُقالُ: هَؤُلاءِ جِيرانُكَ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيُقالُ: أهْلُكَ وعَشِيرَتُكَ، فَيَقُولُ: كَذَبُوا، فَيُقالُ: احْلِفُوا فَيَحْلِفُونَ، ثُمَّ يُصْمِتُهُمُ اللَّهُ وتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ألْسِنَتُهم وأيْدِيهِمْ، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ النّارَ» .
وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - مِن طَرِيقِ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ ما يَتَضَمَّنُ شَهادَةَ الجَوارِحِ عَلى العُصاةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ﴾ قالَ: حِسابُهم، وكُلُّ شَيْءٍ في القُرْآنِ فَهو الحِسابُ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قَرَأ ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿الخَبِيثاتُ﴾ قالَ: مِنَ الكَلامِ ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ قالَ: مِنَ الرِّجالِ ﴿والخَبِيثُونَ﴾ مِنَ الرِّجالِ ﴿لِلْخَبِيثاتِ﴾ مِنَ الكَلامِ ﴿والطَّيِّباتُ﴾ مِنَ الكَلامِ ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ مِنَ النّاسِ ﴿والطَّيِّبُونَ﴾ مِنَ النّاسِ ﴿لِلطَّيِّباتِ﴾ مِنَ الكَلامِ، نَزَلَتْ في الَّذِينَ قالُوا في زَوْجَةِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - ما قالُوا مِنَ البُهْتانِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والفِرْيابِيٌّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ أيْضًا، وكَذا رُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ التّابِعِينَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في الآيَةِ قالَ: نَزَلَتْ في عائِشَةَ حِينَ رَماها المُنافِقُونَ بِالبُهْتانِ والفِرْيَةِ فَبَرَّأها اللَّهُ مِن ذَلِكَ، وكانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ هو الخَبِيثُ، فَكانَ هو أوْلى بِأنْ تَكُونَ لَهُ الخَبِيثَةُ ويَكُونُ لَها، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - طَيِّبًا، فَكانَ أوْلى أنْ تَكُونَ لَهُ الطَّيِّبَةُ، وكانَتْ عائِشَةُ الطَّيِّبَةُ، وكانَتْ أوْلى بِأنْ يَكُونَ لَها الطَّيِّبُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُونَ﴾ قالَ: هاهُنا بُرِئَّتْ عائِشَةُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَقَدْ نَزَلَ عُذْرِي مِنَ السَّماءِ، ولَقَدْ خُلِقْتُ طَيِّبَةً وعِنْدَ طَيِّبٍ، ولَقَدْ وُعِدْتُ مَغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["وَلَا یَأۡتَلِ أُو۟لُوا۟ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن یُؤۡتُوۤا۟ أُو۟لِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَلۡیَعۡفُوا۟ وَلۡیَصۡفَحُوۤا۟ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ","إِنَّ ٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡغَـٰفِلَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ لُعِنُوا۟ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ","یَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَیۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","یَوۡمَىِٕذࣲ یُوَفِّیهِمُ ٱللَّهُ دِینَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَیَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِینُ","ٱلۡخَبِیثَـٰتُ لِلۡخَبِیثِینَ وَٱلۡخَبِیثُونَ لِلۡخَبِیثَـٰتِۖ وَٱلطَّیِّبَـٰتُ لِلطَّیِّبِینَ وَٱلطَّیِّبُونَ لِلطَّیِّبَـٰتِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا یَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ"],"ayah":"یَوۡمَىِٕذࣲ یُوَفِّیهِمُ ٱللَّهُ دِینَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَیَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق