الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ﴾ والتَّنْوِينُ عِوَضٌ عَنِ الجُمْلَةِ المُضافَةِ إلَيْها، والتَّوْفِيَةُ إعْطاءُ الشَّيْءِ وافِيًا، والدِّينُ هُنا الجَزاءُ ومِنهُ كَما تَدِينُ تُدانُ، والحَقُّ المُوجِدُ بِحَسْبِ مُقْتَضى الحِكْمَةِ، وقَرِيبٌ مِنهُ تَفْسِيرُهُ بِالثّابِتِ الَّذِي يَحِقُّ أنْ يُثْبِتَ لَهم لا مَحالَةَ أيْ يَوْمَئِذٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أعْضاؤُهُمُ المَذْكُورَةُ بِأعْمالِهِمُ القَبِيحَةِ يُعْطِيهِمُ اللَّهُ تَعالى جَزاءَهُمُ المُطابِقَ لِمُقْتَضى الحِكْمَةِ وافِيًا تامًّا، والكَلامُ اسْتِئْنافٌ مُسَوِّقٌ لِبَيانِ تَرْتِيبِ حُكْمِ الشَّهادَةِ عَلَيْها مُتَضَمِّنٌ لِبَيانِ ذَلِكَ المُبْهَمِ المَحْذُوفِ فِيما سَبَقَ عَلى وجْهِ الإجْمالِ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ بَدَلًا مِن ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ﴾ مِن جَوَّزَ تَعَلَّقَ ذاكَ بِيُوفِيهِمْ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما «يُوفِيهِمْ» مُخَفَّفًا، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ ومُجاهِدٌ وأبُو رَوَّقٍ وأبُو حَيْوَةَ «( الحَقّ)» بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِلِاسْمِ الجَلِيلِ، ويَجُوزُ الفَصْلُ بِالمَفْعُولِ بَيْنَ المَوْصُوفِ وصْفَتِهِ، ومَعْنى الحَقِّ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ عَلى ما قالَ الرّاغِبُ المُوجِدُ لِلشَّيْءِ بِحَسْبِ ما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ، وفَسَّرَهُ بَعْضُهم بِالعادِلِ، والأكْثَرُونَ عَلى تَفْسِيرِهِ بِالواجِبِ لِذاتِهِ، وكَذا في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ويَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ المُبِينُ﴾ والمُبِينُ إمّا مِن أبانَ اللّازِمَ أيِ الظّاهِرِ حَقِّيَتِهِ عَلى تَقْدِيرِ جَعْلِهِ نَعْتًا لِلْحَقِّ أوِ الظّاهِرِ أُلُوهِيَّتِهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى تَقْدِيرِ جَعْلِهِ خَبَرًا ثانِيًا أوْ مِن أبانَ المُعْتَدِي أيِ المُظْهِرِ لِلْأشْياءِ كَما هي في أنْفُسِها، وجُمْلَةُ ( يَعْلَمُونَ ) مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ﴾ فَإنْ كانَتْ مُقَيَّدَةً بِما قُيِّدَتْ بِهِ الأُولى فالمَعْنى يَوْمَ إذْ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أعْضاؤُهُمُ المَذْكُورَةُ بِأعْمالِهِمُ القَبِيحَةِ يَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ إلَخْ، وإنْ لَمْ تَكُنْ مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ جازَ أنْ يَكُونَ المَعْنى ويَعْلَمُونَ عِنْدَ مُعايَنَتِهِمُ الأهْوالِ والخُطُوبِ أنَّ اللَّهَ إلَخْ، والظّاهِرُ أنَّ الشَّهادَةَ عَلى الأوَّلِ ولِلْمُعايَنَةِ عَلى الثّانِي دَخَلا في حُصُولِ العِلْمِ بِمَضْمُونِ ما في حَيِّزِ ( يَعْلَمُونَ ) فَتَأمَّلْ لِتَعْرِفَ كَيْفِيَّةَ الِاسْتِدْلالِ عَلى ذَلِكَ فَإنَّ فِيهِ خَفاءً لا سِيَّما مَعَ مُلاحَظَةِ الحَصْرِ المَأْخُوذِ مِن تَعْرِيفِ الطَّرَفَيْنِ وضَمِيرِ الفَصْلِ، وقِيلَ: إنَّ عِلْمَ الخَلْقِ بِصِفاتِهِ تَعالى يَوْمَ القِيامَةِ ضَرُورِيٌّ: وإنْ تَفاوَتُوا في ذَلِكَ مِن بَعْضِ الوُجُوهِ فَيَعْلَمُونَ ما ذَكَرَ مِن غَيْرِ مَدْخَلِيَّةِ أحَدِ الأمْرَيْنِ، ولَعَلَّ فائِدَةَ هَذا العِلْمِ يَأْسُهم مِن إنْقاذِ أحَدِ إيّاهم مِمّا هم فِيهِ أوِ انْسِدادِ بابِ الِاعْتِراضِ المُرَوِّحِ لِلْقَلْبِ في الجُمْلَةِ عَلَيْهِمْ أوْ تَبَيُّنِ خَطَئِهِمْ في رَمْيِهِمْ حَرَمَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالباطِلِ لِما أنَّ حَقِّيَتَّهُ تَأْبى كَوْنَهُ عَزَّ وجَلَّ حَقًّا أيْ مُوجِدًا لِلْأشْياءِ بِحَسْبِ ما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ لِما قَدَّمْنا مِن أنَّ فُجُورَ زَوْجاتِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مُخِلٌّ بِحِكْمَةِ البِعْثَةِ، وكَذا تَأْبى كَوْنَهُ عَزَّ وجَلَّ حَقًّا أيْ واجِبًا لِذاتِهِ بِناءً عَلى أنَّ الوُجُوبَ الذّاتِيَّ يَسْتَتْبِعُ الإنْصافَ بِالحِكْمَةِ بَلْ بِجَمِيعِ الصِّفاتِ الكامِلَةِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ ظاهِرَةٌ جِدًّا في أنَّ الآيَةَ في ابْنِ أبِيّ وأضْرابِهِ مِنَ المُنافِقِينَ الرّامِينَ حَرَمَ الرَّسُولِ ﷺ لِأنَّ المُؤْمِنَ عالِمٌ أنَّ اللَّهَ تَعالى هو الحَقُّ المُبِينُ مُنْذُ كانَ في الدُّنْيا لا أنَّهُ يَحْدُثُ لَهُ عِلْمُ ذَلِكَ يَوْمَ القِيامَةِ. ومَن ذَهَبَ إلى أنَّها في الرّامِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ أوْ فِيهِمْ وفي غَيْرِهِمْ مِنَ المُنافِقِينَ قالَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ العِلْمِ بِذَلِكَ التِفاتُ الذِّهْنِ وتَوَجُّهُهُ إلَيْهِ ولا يَأْبى ذَلِكَ كَوْنُهُ حاصِلًا قَبِلَ. قَدْ حَمَلَ السَّيِّدُ السَّنَدَ قَدَّسَ سِرَّهُ في حَواشِي المَطالِعِ العِلْمُ في قَوْلِهِمْ في تَعْرِيفِ الدَّلالَةِ كَوْنُ الشَّيْءِ بِحالَةٍ يُلْزِمُ مِنَ العِلْمِ بِهِ العِلْمَ بِشَيْءٍ آخَرَ عَلى ذَلِكَ لِئَلّا يَرُدَّ أنَّهُ يَلْزَمُ عَلى الظّاهِرِ أنْ لا يَكُونَ لِلَفْظِ دَلالَةٍ عِنْدَ التَّكْرارِ لِامْتِناعِ عِلْمِ المَعْلُومِ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ عِلْمُهُمُ الحاصِلُ قَبْلَ مُنْزِلَةِ غَيْرِ الحاصِلِ لِعَدَمِ تَرَتُّبِ ما يَقْتَضِيهِ مِنَ الكَفِّ عَنِ الرَّمْيِ (p-131)عَلَيْهِ ومِثْلُ هَذا التَّنْزِيلِ شائِعٌ في الكِتابِ الجَلِيلِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ يَعْلَمُونَ عِيانًا مُقْتَضى أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ المُبِينُ. أعْنِي الِانْتِقامَ مِنَ الظّالِمِ لِلْمَظْلُومِ. ويُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الكُلَّ خِلافُ الظّاهِرِ فَتَدَبَّرْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب