الباحث القرآني
﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ومَن يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ والمُنْكَرِ ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ ما زَكا مِنكم مِن أحَدٍ أبَدًا ولَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشاءُ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكم والسَّعَةِ أنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبى والمَساكِينَ والمُهاجِرِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا ألا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكم واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ لُعِنُوا في الدُّنْيا والآخِرَةِ ولَهم عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ألْسِنَتُهم وأيْدِيهِمْ وأرْجُلُهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ ويَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ هُوالحَقُّ المُبِينُ﴾ ﴿الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ والخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُونَ لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ﴿خُطُواتِ الشَّيْطانِ﴾ تَفْسِيرًا وقِراءَةً في البَقَرَةِ. والضَّمِيرُ في (فَإنَّهُ) عائِدٌ عَلى (مَن) الشَّرْطِيَّةِ، أيْ: فَإنَّ مُتَّبِعَ خُطُواتِ الشَّيْطانِ ﴿يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ﴾، وهو ما أفْرَطَ قُبْحُهُ، (والمُنْكَرِ) وهو ما تُنْكِرُهُ العُقُولُ السَّلِيمَةُ، أيْ: يَصِيرُ رَأْسًا في الضَّلالِ بِحَيْثُ يَكُونُ آمِرًا يُطِيعُهُ أصْحابُهُ.
﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ﴾ بِالتَّوْبَةِ المُمَحِّصَةِ ما طَهُرَ أحَدٌ مِنكم. وقَرَأ الجُمْهُورُ (ما زَكى) بِتَخْفِيفِ الكافِ، وأمالَ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وأبُو حَيْوَةَ، والحَسَنُ، والأعْمَشُ، وأبُو جَعْفَرٍ، في رِوايَةٍ ورُوحٌ بِتَشْدِيدِها، وأمالَهُ الأعْمَشُ وكَتَبَ (زَكى) المُخَفَّفَ بِالياءِ، وهو مِن ذَواتِ الواوِ عَلى سَبِيلِ الشُّذُوذِ؛ لِأنَّهُ قَدْ يُمالُ، أوْ عَلى قِراءَةِ مَن شَدَّ الكافَ.
﴿ولَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشاءُ﴾ مِمَّنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعادَةُ، وكانَ عَمَلُهُ الصّالِحُ أمارَةً عَلى سَبْقِها أوْ مَن يَشاءُ بِقَبُولِ (p-٤٤٠)التَّوْبَةِ النَّصُوحِ.
﴿واللَّهُ سَمِيعٌ﴾: لِأقْوالِهِمْ، (عَلِيمٌ): بِضَمائِرِهِمْ.
﴿ولا يَأْتَلِ﴾ هو مُضارِعُ ائْتَلى افْتَعَلَ، مِنَ الألِيَّةِ وهي الحَلِفُ. وقِيلَ: مَعْناهُ يُقَصِّرُ مِنِ افْتَعَلَ ألَوْتُ قَصَّرْتُ، ومِنهُ ﴿لا يَأْلُونَكُمْ﴾ [آل عمران: ١١٨] . وقَوْلُ الشّاعِرِ:
؎وما المَرْءُ ما دامَتْ حُشاشَةُ نَفْسِهِ بِمُدْرِكِ أطْرافِ الخُطُوبِ ولا آلِ
وهَذا قَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ، واخْتارَهُ أبُو مُسْلِمٍ. وسَبَبُ نُزُولِها المَشْهُورُ أنَّهُ حَلِفُ أبِي بَكْرٍ عَلى مِسْطَحٍ أنْ لا يُنْفِقَ عَلَيْهِ ولا يَنْفَعَهُ بِنافِعَةٍ. وقالَ ابْنُ عَيّاشٍ والضَّحّاكُ: قَطَعَ جَماعَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ مَنافِعَهم عَمَّنْ قالَ في الإفْكِ، وقالُوا: لا نَصِلُ مَن تَكَلَّمَ فِيهِ، فَنَزَلَتْ في جَمِيعِهِمْ. والآيَةُ تَتَناوَلُ مَن هو بِهَذا الوَصْفِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿يَأْتَلِ﴾ . وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيّاشِ بْنِ رَبِيعَةَ، وأبُو جَعْفَرٍ مَوْلاهُ، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ، والحَسَنُ: يَتَألَّ، مُضارِعُ تَألّى، بِمَعْنى حَلَفَ. قالَ الشّاعِرُ:
؎تَألّى ابْنُ أوْسٍ حَلْفَةً لِيَرُدَّنِي ∗∗∗ إلى نِسْوَةٍ كَأنَّهُنَّ مَعائِدُ
والفَضْلُ والسَّعَةُ يَعْنِي المالَ، وكانَ مِسْطَحٌ ابْنَ خالَةِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكانَ مِنَ المُهاجِرِينَ، ومِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، وكانَ ما نُسِبَ إلَيْهِ داعِيًا أبا بَكْرٍ أنْ لا يُحْسِنَ إلَيْهِ، فَأُمِرَ هو ومَن جَرى مَجْراهُ بِالعَفْوِ والصَّفْحِ، وحِينَ سَمِعَ أبُو بَكْرٍ: ﴿ألا تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾، قالَ: بَلى، أُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، ورَدَّ إلى مِسْطَحٍ نَفَقَتَهُ، وقالَ: واللَّهِ لا أنْزِعُها أبَدًا. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ وابْنُ قُطَيْبٍ، وأبُو البَرَهْسَمِ: أنْ تُؤْتُوا، بِالتّاءِ عَلى الِالتِفاتِ، ويُناسِبُهُ: ﴿ألا تُحِبُّونَ﴾، و﴿أنْ يُؤْتُوا﴾ نَصَبَ الفِعْلَ المَنهِيَّ، فَإنْ كانَ بِمَعْنى الحَلِفِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ كَراهَةَ ﴿أنْ يُؤْتُوا﴾ وأنْ لا يُؤْتُوا، فَحَذَفَ لا، وإنْ كانَ بِمَعْنى يُقَصِّرُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: في أنْ يُؤْتُوا أوْ عَنْ أنْ يُؤْتُوا. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، والحَسَنُ، وسُفْيانُ بْنُ الحُسَيْنِ وأسْماءُ بِنْتُ يَزِيدَ: ولْتَعْفُوا ولْتَصْفَحُوا، بِالتّاءِ أمْرُ خِطابٍ لِلْحاضِرِينَ.
﴿إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ﴾ عامٌّ في الرّامِينَ، وانْدَرَجَ فِيهِ الرّامِيانِ تَغْلِيبًا لِلْمُذَكَّرِ عَلى المُؤَنَّثِ. و(المُحْصَناتِ) ظاهِرُهُ أنَّهُ عامٌّ في النِّساءِ العَفائِفِ. وقالَ النَّحّاسُ: مِن أحْسَنِ ما قِيلَ فِيهِ: أنَّهُ عامٌّ لِجَمِيعِ النّاسِ مِن ذَكَرٍ وأُنْثى، وأنَّ التَّقْدِيرَ يَرْمُونَ الأنْفُسَ (المُحْصَناتِ) فَيَدْخُلُ فِيهِ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ. وقِيلَ: هو خاصٌّ بِمَن تَكَلَّمَ فِيها في حَدِيثِ الإفْكِ. وقِيلَ: خاصٌّ بِأُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ وكُبْراهُنَّ مَنزِلَةً وجَلالَةً، تِلْكَ فَعَلى أنَّهُ خاضَ بِها جُمِعَتْ إرادَةً لَها ولِبَناتِها مِن نِساءِ الأُمَّةِ المَوْصُوفاتِ بِتِلْكَ الصِّفاتِ مِنَ الإحْصانِ والعَقْلِ والإيمانِ، كَما قالَ:
؎قَدْنِيَ مِن نَصْرِ الخَبِيبِينَ قَدِي
يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وأشْياعَهُ. و﴿الغافِلاتِ﴾ السَّلِيماتُ الصُّدُورِ النَّقِيّاتُ القُلُوبِ اللّاتِي لَيْسَ فِيهِنَّ دَهاءٌ ولا مَكْرٌ؛ لِأنَّهُنَّ لَمْ يُجَرِّبْنَ الأُمُورَ ولا يَفْطَنَّ لِما يَفْطَنُ لَهُ المُجَرِّباتُ، كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎ولَقَدْ لَهَوْتُ بِطَفْلَةٍ مَيّالَةٍ ∗∗∗ بَلْهاءَ تُطْلِعُنِي عَلى أسْرارِها
وكَذَلِكَ البُلْهُ مِنَ الرِّجالِ في قَوْلِهِ «أكْثَرُ أهْلِ الجَنَّةِ البُلْهُ» .
﴿لُعِنُوا في الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ في قَذْفِ المُحْصَناتِ. قِيلَ: هَذا الِاسْتِثْناءُ بِالتَّوْبَةِ، وفي هَذِهِ لَمْ يَجِئِ اسْتِثْناءٌ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ مَن خاضَ في حَدِيثِ الإفْكِ وتابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، والصَّحِيحُ أنَّ الوَعِيدَ في هَذِهِ الآيَةِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ، ولا فَرْقَ بَيْنَ الكُفْرِ والفِسْقِ وأنَّ مَن تابَ غُفِرَ لَهُ. ويُناسِبُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ كَما قِيلَ نَزَلَتْ في مُشْرِكِي مَكَّةَ، كانَتِ المَرْأةُ إذا خَرَجَتْ إلى المَدِينَةِ مُهاجِرَةً قَذَفُوها وقالُوا: خَرَجَتْ لِتَفَجُرَ؛ قالَهُ أبُو حَمْزَةَ اليَمانِيُّ، ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ﴾، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها نَزَلَتْ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، كانَ يَشُكُّ في الدِّينِ فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ عَلِمَ حَيْثُ لا يَنْفَعُهُ. والنّاصِبُ لِـ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ﴾ ما تَعَلَّقَ بِهِ الجارُّ والمَجْرُورُ، وهو: (ولَهم) . وقالَ الحَوْفِيُّ: العامِلُ فِيهِ (عَذابٌ)، ولا يَجُوزُ لِأنَّهُ مَوْصُوفٌ إلّا عَلى رَأْيِ الكُوفِيِّينَ. وقَرَأ الأخَوانِ والزَّعْفَرانِيُّ وابْنُ مِقْسَمٍ وابْنُ سَعْدانَ: يَشْهَدُ، بِياءٍ مِن تَحْتُ؛ لِأنَّهُ تَأْنِيثٌ مَجازِيٌّ، ووَقَعَ (p-٤٤١)الفَصْلُ، وباقِي السَّبْعَةِ بِالتّاءِ، ولَمّا كانَ قَلْبُ الكافِرِ لا يُرِيدُ ما يَشْهَدُ بِهِ أنْطَقَ اللَّهُ الجَوارِحَ والألْسِنَةَ والأيْدِيَ والأرْجُلَ بِما عَمِلُوا في الدُّنْيا وأقْدَرَها عَلى ذَلِكَ، ولَيْسَتِ الحَياةُ شَرْطًا لِوُجُودِ الكَلامِ. وقالَتِ المُعْتَزِلَةُ: يَخْلُقُ في هَذِهِ الجَوارِحِ الكَلامَ، وعِنْدَهُمُ المُتَكَلِّمُ فاعِلُ الكَلامِ، فَتَكُونُ تِلْكَ الشَّهادَةُ مِنَ اللَّهِ في الحَقِيقَةِ، إلّا أنَّهُ تَعالى أضافَها إلى الجَوارِحِ تَوَسُّعًا. وقالُوا أيْضًا: إنَّهُ تَعالى يُنْشِئُ هَذِهِ الجَوارِحَ عَلى خِلافِ ما هي عَلَيْهِ، ويُلْجِئُها أنْ تَشْهَدَ عَلى الإنْسانِ وتُخْبِرَ عَنْهُ بِأعْمالِهِ. قالَ القاضِي: وهَذا أقْرَبُ إلى الظّاهِرِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أنَّها بِفِعْلِ الشَّهادَةِ.
وانْتَصَبَ (يَوْمَئِذٍ) بِـ ﴿يُوَفِّيهِمُ﴾، والتَّنْوِينُ في (إذٍ) عِوَضٌ مِنَ الجُمْلَةِ المَحْذُوفَةِ، والتَّقْدِيرُ يَوْمَ إذْ تَشْهَدُ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ ﴿يُوفِيهِمُ﴾ مُخَفَّفًا، والدِّينُ هُنا الجَزاءُ، أيْ: جَزاءُ أعْمالِهِمْ. وقالَ:
؎ولَمْ يَبْقَ سِوى العَدِّ ∗∗∗ وإنْ دِنّاهم كَما دانُوا
ومِنهُ: كَما تَدِينُ تُدانُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (الحَقَّ) بِالنَّصْبِ صِفَةً لِـ (دِينَهُمُ) . وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ ومُجاهِدٌ وأبُو رَوْقٍ وأبُو حَيْوَةَ بِالرَّفْعِ، صِفَةً لِلَّهِ، ويَجُوزُ الفَصْلُ بِالمَفْعُولِ بَيْنَ المَوْصُولِ وصِفَتِهِ، و(يَعْلَمُونَ) إلى آخِرِهِ يُقَوِّي قَوْلَ مَن قالَ: إنَّ الآيَةَ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ؛ لِأنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يَعْلَمُ (أنَّ اللَّهَ هُوالحَقُّ المُبِينُ) .
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولَوْ قَلَبْتَ القُرْآنَ كُلَّهُ وفَتَّشْتَ عَمّا أُوعِدَ بِهِ العُصاةُ لَمْ تَرَ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - قَدْ غَلَّظَ في شَيْءٍ تَغْلِيظَهُ في الإفْكِ، وما أنْزَلَ مِنَ الآياتِ القَوارِعِ المَشْحُونَةِ بِالوَعِيدِ الشَّدِيدِ، والعَذابِ البَلِيغِ، والزَّجْرِ العَنِيفِ، واسْتِعْظامِ ما رَكِبَ مِن ذَلِكَ واسْتِفْظاعِ ما أقْدَمَ عَلَيْهِ ما نَزَّلَ فِيهِ عَلى طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ وأسالِيبَ مُتْقَنَةٍ، كُلُّ واحِدٍ مِنها كافٍ في بابِهِ، ولَوْ لَمْ يُنْزِلْ إلّا هَذِهِ الثَّلاثَ لَكَفى بِها حَيْثُ جَعَلَ القَذَفَةَ مَلْعُونِينَ في الدّارَيْنِ جَمِيعًا، وتَوَعَّدَهم بِالعَذابِ العَظِيمِ في الآخِرَةِ، وأنَّ ألْسِنَتَهم وأيْدِيَهم وأرْجُلَهم تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِما أفَكُوا وبَهَتُوا بِهِ، وأنَّهُ ﴿يُوَفِّيهِمْ﴾ جَزاءَ الحَقِّ الَّذِي هم أهْلُهُ حَتّى يَعْلَمُوا عِنْدَ اللَّهِ ﴿أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ﴾، فَأوْجَزَ في ذَلِكَ وأشْبَعَ وفَصَّلَ وأجْمَلَ وأكَّدَ وكَرَّرَ، وجاءَ بِما لَمْ يَقَعْ في وعِيدِ المُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأوْثانِ إلّا ما هو دُونَهُ في الفَظاعَةِ، انْتَهى. وهو كَلامٌ حَسَنٌ. ثُمَّ قالَ بَعْدَ كَلامٍ (فَإنْ قُلْتَ): ما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿الحَقُّ المُبِينُ﴾ ؟ (قُلْتُ): مَعْناهُ ذُو الحَقِّ المُبِينِ العادِلِ الَّذِي لا ظُلْمَ في حُكْمِهِ، والمُحِقُّ الَّذِي لا يُوصَفُ بِباطِلٍ، ومَن هَذِهِ صِفَتُهُ لَمْ تَسْقُطْ عِنْدَهُ إساءَةُ مُسِيءٍ ولا إحْسانُ مُحْسِنٍ، فَحَقُّ مِثْلِهِ أنْ يُتَّقى وتُجْتَنَبَ مَحارِمُهُ، انْتَهى. وفي قَوْلِهِ: لَمْ تَسْقُطْ عِنْدَهُ إساءَةُ مُسِيءٍ، دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ.
والظّاهِرُ أنَّ ﴿الخَبِيثاتُ﴾ وصْفٌ لِلنِّساءِ، وكَذَلِكَ (الطَّيِّباتُ) أيِ: النِّساءُ الخَبِيثاتُ لِلرِّجالِ (الخَبِيثِينَ)، ويُرَجِّحُهُ مُقابَلَتُهُ بِالذُّكُورِ، فالمَعْنى أنَّ ﴿الخَبِيثاتُ﴾ مِنَ النِّساءِ يَنْزِعْنَ لِلْخِباثِ مِنَ الرِّجالِ، فَيَكُونُ قَرِيبًا مِن قَوْلِهِ: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلّا زانِيَةً أوْ مُشْرِكَةً﴾ [النور: ٣]، وكَذَلِكَ (الطَّيِّباتُ) مِنَ النِّساءِ ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ مِنَ الرِّجالِ، ويَدُلُّ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ قَوْلُ عائِشَةَ حِينَ ذَكَرَتِ التِّسْعَ الَّتِي ما أُعْطِيَتْهُنَّ امْرَأةٌ غَيْرُها. وفي آخِرِها: ولَقَدْ خُلِقْتُ طَيِّبَةً عِنْدَ طَيِّبٍ، ولَقَدْ وُعِدْتُ مَغْفِرَةً ورِزْقًا كَرِيمًا. وهَذا التَّأْوِيلُ نَحا إلَيْهِ ابْنُ زَيْدٍ، فَهو تَفْرِيقٌ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وأشْباهِهِ، والرَّسُولِ وأصْحابِهِ، فَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ إلّا كُلَّ طَيِّبَةٍ، وأُولَئِكَ خَبِيثُونَ فَهم أهْلُ النِّساءِ الخَبائِثِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والضَّحّاكُ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ: هي الأقْوالُ والأفْعالُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلاءِ، فَقالَ بَعْضُهم: الكَلِماتُ والفِعْلاتُ الخَبِيثَةُ لا يَقُولُها ولا يَرْضاها إلّا الخَبِيثُونَ مِنَ النّاسِ، فَهي لَهم وهم لَها بِهَذا الوَجْهِ. وقالَ بَعْضُهم: الكَلِماتُ والفِعْلاتُ لا تَلِيقُ وتَلْصِقُ عِنْدَ رَمْيِ الرّامِي وقَذْفِ القاذِفِ إلّا بِالخَبِيثِينَ مِنَ النّاسِ، فَهي لَهم وهم لَها بِهَذا الوَجْهِ.
(أُولَئِكَ) إشارَةٌ لِلطَّيِّبِينَ أوْ إشارَةٌ لَهم ولِلطَّيِّباتِ إذا عَنى بِهِنَّ النِّساءَ.
﴿مُبَرَّئُونَ مِمّا يَقُولُونَ﴾، أيْ: يَقُولُ الخَبِيثُونَ مِن خَبِيثاتِ الكَلِمِ، أوِ القاذِفُونَ الرّامُونَ المُحْصَناتِ (p-٤٤٢)ووَعَدَ الطَّيِّبِينَ المَغْفِرَةَ عِنْدَ الحِسابِ والرِّزْقَ الكَرِيمَ في الجَنَّةِ.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ وَمَن یَتَّبِعۡ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَإِنَّهُۥ یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدࣰا وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ","وَلَا یَأۡتَلِ أُو۟لُوا۟ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن یُؤۡتُوۤا۟ أُو۟لِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَلۡیَعۡفُوا۟ وَلۡیَصۡفَحُوۤا۟ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ","إِنَّ ٱلَّذِینَ یَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡغَـٰفِلَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ لُعِنُوا۟ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ","یَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَیۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","یَوۡمَىِٕذࣲ یُوَفِّیهِمُ ٱللَّهُ دِینَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَیَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِینُ","ٱلۡخَبِیثَـٰتُ لِلۡخَبِیثِینَ وَٱلۡخَبِیثُونَ لِلۡخَبِیثَـٰتِۖ وَٱلطَّیِّبَـٰتُ لِلطَّیِّبِینَ وَٱلطَّیِّبُونَ لِلطَّیِّبَـٰتِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا یَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ"],"ayah":"یَوۡمَىِٕذࣲ یُوَفِّیهِمُ ٱللَّهُ دِینَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَیَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق