الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿يابَنِي إسْرائِيلَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ولا هم يُنْصَرُونَ﴾ قَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذا في صَدْرِ السُّورَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ، ووَجْهُ التَّكْرارِ الحَثُّ عَلى اتِّباعِ الرَّسُولِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ، ذَكَرَ مَعْناهُ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ. وقالَ البَقاعِيُّ في تَفْسِيرِهِ: إنَّهُ لَمّا طالَ المَدى في اسْتِقْصاءِ تَذْكِيرِهِمْ بِالنِّعَمِ ثُمَّ في بَيانِ عَوارِهِمْ وهَتْكِ أسْتارِهِمْ، وخَتَمَ ذَلِكَ بِالتَّرْهِيبِ لِتَضْيِيعِ أدْيانِهِمْ بِأعْمالِهِمْ وأحْوالِهِمْ وأقْوالِهِمْ، أعادَ ما صَدَّرَ بِهِ قِصَّتَهم مِنَ التَّذْكِيرِ بِالنِّعَمِ، والتَّحْذِيرِ مِن حُلُولِ النِّقَمِ يَوْمَ تُجْمَعُ الأُمَمُ، ويَدُومُ فِيهِ النَّدَمُ لِمَن زَلَّتْ بِهِ القَدَمُ، لِيُعْلَمَ أنَّ ذَلِكَ فَذْلَكَةُ القِصَّةِ، والمَقْصُودُ بِالذّاتِ الحَثُّ عَلى انْتِهازِ الفُرْصَةِ. انْتَهى. وأقُولُ: لَيْسَ هَذا بِشَيْءٍ، فَإنَّهُ لَوْ كانَ سَبَبُ التَّكْرارِ ما ذَكَرَهُ مِن طُولِ المَدى وأنَّهُ عادَ ما صَدَّرَ بِهِ قِصَّتهمْ لِذَلِكَ - لَكانَ الأوْلى بِالتَّكْرارِ، والأحَقُّ بِإعادَةِ الذِّكْرِ هو قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿يابَنِي إسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكم وأوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكم وإيّايَ فارْهَبُونِ﴾ فَإنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَعَ كَوْنِها أوَّلَ الكَلامِ مَعَهم والخِطابِ لَهم في هَذِهِ السُّورَةِ، هي أيْضًا أوْلى بِأنْ تُعادَ وتُكَرَّرَ لِما فِيها مِنَ الأمْرِ بِذِكْرِ النِّعَمِ والوَفاءِ بِالعَهْدِ والرَّهْبَةِ لِلَّهِ سُبْحانَهُ، وبِهَذا تَعْرِفُ صِحَّةَ ما قَدَّمْناهُ لَكَ عِنْدَ بَيانِ شَرْعِ اللَّهِ سُبْحانَهُ في خِطابِ بَنِي إسْرائِيل مِن هَذِهِ السُّورَةِ فَراجِعْهُ ثُمَّ حَكى البَقاعِيُّ بَعْدَ كَلامِهِ السّابِقِ عَنِ الحَوالِي أنَّهُ قالَ: كَرَّرَهُ تَعالى إظْهارًا لِمَقْصِدِ التِئامِ آخِرِ الخِطابِ بِأوَّلِهِ، ولِيُتَّخَذَ هَذا الإفْصاحُ والتَّعْلِيمُ أصْلًا لِما يُمْكِنُ بِأنْ يَرِدَ مِن نَحْوِهِ في سائِرِ القُرْآنِ حَتّى كانَ الخِطابُ إذا انْتَهى إلى غايَةِ خاتَمِهِ يَجِبُ أنْ يَلْحَظَ القَلْبُ بِذاتِهِ تِلْكَ الغايَةَ فَيَتْلُوها لِيَكُونَ في تِلاوَتِهِ جامِعًا لِطَرَفَيِ الثَّناءِ، وفي تَفْهِيمِهِ جامِعًا لِمَعانِي طَرَفَيِ المَعْنى. انْتَهى. وأقُولُ: لَوْ كانَ هَذا هو سَبَبَ التَّكْرارِ لَكانَ الأوْلى بِهِ ما عَرَّفْناكَ. وأمّا قَوْلُهُ: ولِيُتَّخَذَ ذَلِكَ أصْلًا لِما يَرِدُ مِنَ التَّكْرارِ في سائِرِ القُرْآنِ، فَمَعْلُومٌ أنَّ حُصُولَ هَذا الأمْرِ في الأذْهانِ وتَقَرُّرَهُ في الأفْهامِ لا يَخْتَصُّ بِتَكْرِيرِ آيَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَكُونُ افْتِتاحُ هَذا المَقْصِدِ بِها، فَلَمْ تَتِمَّ حِينَئِذٍ النُّكْتَةُ في تَكْرِيرِ هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ بِخُصُوصِهِما، ولِلَّهِ الحِكْمَةُ البالِغَةُ الَّتِي لا تَبْلُغُها الأفْهامُ ولا تُدْرِكُها العُقُولُ، فَلَيْسَ في تَكْلِيفِ هَذِهِ المُناسَباتِ المُتَعَسِّفَةِ إلّا ما عَرَّفْناكَ بِهِ هُنالِكَ فَتَذَكَّرْ. قَوْلُهُ: ﴿وإذِ ابْتَلى﴾ الِابْتِلاءُ: الِامْتِحانُ والِاخْتِبارُ: أيِ ابْتَلاهُ بِما أمَرَهُ بِهِ، و" إبْراهِيمَ " مَعْناهُ في السُّرْيانِيَّةِ أبٌ رَحِيمٌ، كَذا قالَ الماوَرْدِيُّ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ومَعْناهُ في العَرَبِيَّةِ ذَلِكَ. قالَ السُّهَيْلِيُّ: وكَثِيًرا ما يَقَعُ الِاتِّفاقُ بَيْنَ السُّرْيانِيِّ والعَرَبِيِّ. وقَدْ أوْرَدَ صاحِبُ الكَشّافِ هُنا سُؤالًا في رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلى إبْراهِيمَ مَعَ كَوْنِ رُتْبَتِهِ التَّأْخِيرَ، وأجابَ عَنْهُ بِأنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَفْظًا فَرَجَعَ إلَيْهِ، والأمْرُ في هَذا أوْضَحُ مِن أنْ يُشْتَغَلَ بِذِكْرِهِ، أوْ تَرِدَ في مِثْلِهِ الأسْئِلَةُ أوْ يُسَوَّدَ وجْهُ القِرْطاسِ بِإيضاحِهِ. قَوْلُهُ: بِكَلِماتٍ قَدِ اخْتَلَفَ العُلَماءُ في تَعْيِينِها، فَقِيلَ: هي شَرائِعُ الإسْلامِ، وقِيلَ: ذَبْحُ ابْنِهِ، وقِيلَ: أداءُ الرِّسالَةِ، وقِيلَ: هي خِصالُ الفِطْرَةِ، وقِيلَ: هي قَوْلُهُ: ﴿إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا﴾ وقِيلَ: بِالطَّهارَةِ كَما سَيَأْتِي بَيانُهُ. قالَ الزَّجّاجُ: وهَذِهِ الأقْوالُ لَيْسَتْ بِمُتَناقِضَةٍ، لِأنَّ هَذا كُلَّهُ مِمّا ابْتُلِيَ بِهِ إبْراهِيمُ. انْتَهى. وظاهِرُ النَّظْمِ القُرْآنِيِّ أنَّ الكَلِماتِ (p-٩١)هِيَ قَوْلُهُ: ﴿قالَ إنِّي جاعِلُكَ﴾ وما بَعْدَهُ، ويَكُونُ ذَلِكَ بَيانًا لِلْكَلِماتِ، وسَيَأْتِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ ما يُوافِقُ ذَلِكَ، وعَنْ آخَرِينَ ما يُخالِفُهُ. وعَلى هَذا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿قالَ إنِّي جاعِلُكَ﴾ مُسْتَأْنَفًا كَأنَّهُ قِيلَ: ماذا قالَ لَهُ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ ما حاصِلُهُ: إنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالكَلِماتِ جَمِيعَ ذَلِكَ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ بَعْضَ ذَلِكَ، ولا يَجُوزُ الجَزْمُ بِشَيْءٍ مِنها أنَّهُ المُرادُ عَلى التَّعْيِينِ إلّا بِحَدِيثٍ أوْ إجْماعٍ، ولَمْ يَصِحَّ في ذَلِكَ خَبَرٌ بِنَقْلِ الواحِدِ ولا بِنَقْلِ الجَماعَةِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، ثُمَّ قالَ: فَلَوْ قالَ قائِلٌ: إنَّ الَّذِي قالَهُ مُجاهِدٌ وأبُو صالِحٍ والرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ، أوْلى بِالصَّوابِ، يَعْنِي أنَّ الكَلِماتِ هي قَوْلُهُ: ﴿إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا﴾ وقَوْلُهُ: ﴿وعَهِدْنا إلى إبْراهِيمَ﴾ وما بَعْدَهُ. ورَجَّحَ ابْنُ كَثِيرٍ أنَّها تَشْمَلُ جَمِيعَ ما ذُكِرَ، وسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِما هو الحَقُّ بَعْدَ إيرادِ ما ورَدَ عَنِ السَّلَفِ الصّالِحِ. وقَوْلُهُ: ﴿فَأتَمَّهُنَّ﴾ أيْ قامَ بِهِنَّ أتَمَّ قِيامٍ، وامْتَثَلَ أكْمَلَ امْتِثالٍ. والإمامُ: هو ما يُؤْتَمُّ بِهِ، ومِنهُ قِيلَ لِلطَّرِيقِ إمامٌ ولِلْبِناءِ إمامٌ، لِأنَّهُ يُؤْتَمُّ بِذَلِكَ، أيْ يَهْتَدِي بِهِ السّالِكُ، والإمامُ لَمّا كانَ هو القُدْوَةَ لِلنّاسِ لِكَوْنِهِمْ يَأْتَمُّونَ بِهِ ويَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ هَذا اللَّفْظُ. وقَوْلُهُ: ﴿ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ دُعاءً مِن إبْراهِيمَ، أيْ واجْعَلْ مِن ذُرِّيَّتِي أئِمَّةً، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا مِن إبْراهِيمَ بِقَصْدِ الِاسْتِفْهامِ وإنْ لَمْ يَكُنْ بِصِيغَتِهِ، أيْ ومِن ذُرِّيَّتِي ماذا يَكُونُ يا رَبِّ ؟ فَأخْبَرَهُ أنَّ فِيهِمْ عُصاةً وظَلَمَةً، وأنَّهم لا يَصْلُحُونَ لِذَلِكَ ولا يَقُومُونَ بِهِ ولا يَنالُهم عَهْدُ اللَّهِ سُبْحانَهُ. والذُّرِّيَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الذَّرِّ، لِأنَّ اللَّهَ أخْرَجَ الخَلْقَ مِن ظَهْرِ آدَمَ حِينَ أشْهَدَهم عَلى أنْفُسِهِمْ كالذَّرِّ، وقِيلَ: مَأْخُوذَةٌ مِن ذَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ يَذْرَؤُهم: إذا خَلَقَهم. وفِي الكِتابِ العَزِيزِ: ﴿فَأصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ﴾ قالَ في الصِّحاحِ: ذَرَّتِ الرِّيحُ السَّحابَ وغَيْرَهُ تَذْرُوهُ وتَذْرِيهِ ذَرْوًا وذَرْيًا، أيْ نَسَفَتْهُ، وقالَ الخَلِيلُ: إنَّما سُمُّوا ذُرِّيَّةً لِأنَّ اللَّهَ تَعالى ذَرَأها عَلى الأرْضِ كَما ذَرَأ الزّارِعُ البِذْرَ. واخْتُلِفَ في المُرادِ بِالعَهْدِ فَقِيلَ: الإمامَةُ، وقِيلَ: النُّبُوَّةُ، وقِيلَ: عَهْدُ اللَّهِ: أمْرُهُ، وقِيلَ: الأمانُ مِن عَذابِ الآخِرَةِ، ورَجَّحَهُ الزَّجّاجُ والأوَّلُ أظْهَرُ كَما يُفِيدُهُ السِّياقُ. وقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ عَلى أنَّ الإمامَ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ مِن أهْلِ العَدْلِ والعَمَلِ بِالشَّرْعِ كَما ورَدَ، لِأنَّهُ إذا زاغَ عَنْ ذَلِكَ كانَ ظالِمًا. ويُمْكِنُ أنْ يُنْظَرَ إلى ما يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ العَهْدِ وما تُفِيدُهُ الإضافَةُ مِنَ العُمُومِ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ اعْتِبارًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ مِن غَيْرِ نَظَرٍ إلى السَّبَبِ ولا إلى السِّياقِ، فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى اشْتِراطِ السَّلامَةِ مِن وصْفِ الظُّلْمِ في كُلِّ مَن تَعَلَّقَ بِالأُمُورِ الدِّينِيَّةِ. وقَدِ اخْتارَ ابْنُ جَرِيرٍ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ وإنْ كانَتْ ظاهِرَةً في الخَبَرِ أنَّهُ لا يَنالُ عَهْدُ اللَّهِ بِالإمامَةِ ظالِمًا، فَفِيها إعْلامٌ مِنَ اللَّهِ لِإبْراهِيمَ الخَلِيلِ أنَّهُ سَيُوجَدُ مِن ذُرِّيَّتِهِ مَن هو ظالِمٌ لِنَفْسِهِ. انْتَهى. ولا يَخْفاكَ أنَّهُ لا جَدْوى لِكَلامِهِ هَذا. فالأوْلى أنْ يُقالَ: إنَّ هَذا الخَبَرَ في مَعْنى الأمْرِ لِعِبادِهِ أنْ لا يُوَلُّوا أُمُورَ الشَّرْعِ ظالِمًا، وإنَّما قُلْنا: إنَّهُ في مَعْنى الأمْرِ، لِأنَّ أخْبارَهُ تَعالى لا يَجُوزُ أنْ تَتَخَلَّفَ، وقَدْ عَلِمْنا أنَّهُ قَدْ نالَ عَهْدُهُ مِنِ الإمامَةِ وغَيْرِها كَثِيرًا مِنَ الظّالِمِينَ. قَوْلُهُ: ﴿وإذْ جَعَلْنا البَيْتَ﴾ هو الكَعْبَةُ غَلَبَ عَلَيْهِ كَما غَلَبَ النَّجْمُ عَلى الثُّرَيّا، و﴿مَثابَةً﴾ مَصْدَرٌ مِن ثابَ يَثُوبُ مَثابًا ومَثابَةً، أيْ مَرْجِعًا يَرْجِعُ الحُجّاجُ إلَيْهِ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ عَنْهُ، ومِنهُ قَوْلُ ورَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ في الكَعْبَةِ: ؎مَثابٌ لِأقْفاءِ القَبائِلِ كُلِّها تَخُبُّ إلَيْها اليَعْمَلاتُ الذَّوابِلُ وقَرَأ الأعْمَشُ " مَثاباتٍ " وقِيلَ: المَثابَةُ مِنَ الثَّوابِ، أيْ يُثابُونَ هُنالِكَ. وقالَ مُجاهِدٌ: المُرادُ أنَّهم لا يَقْضُونَ مِنهُ أوْطارَهم، قالَ الشّاعِرُ: ؎جُعِلَ البَيْتُ مَثاباتٍ لَهم ∗∗∗ لَيْسَ مِنهُ الدَّهْرُ يَقْضُونَ الوَطَرَ قالَ الأخْفَشُ: ودَخَلَتِ الهاءُ لِكَثْرَةِ مَن يَثُوبُ إلَيْهِ فَهي كَعَلّامَةٍ ونَسّابَةٍ. وقالَ غَيْرُهُ: هي لِلتَّأْنِيثِ ولَيْسَتْ لِلْمُبالَغَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿وأمْنًا﴾ هو اسْمُ مَكانٍ، أيْ مَوْضِعُ أمْنٍ. وقَدِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ عَلى أنَّهُ لا يُقامُ الحَدُّ عَلى مَن لَجَأ إلَيْهِ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾ وقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مَنسُوخٌ. وقَوْلُهُ: ﴿واتَّخِذُوا مِن مَقامِ إبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ قَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ بِفَتْحِ الخاءِ عَلى أنَّهُ فِعْلٌ ماضٍ، أيْ جَعَلْنا البَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وأمْنًا واتَّخَذُوهُ مُصَلًّى. وقَرَأ الباقُونَ عَلى صِيغَةِ الأمْرِ عَطْفًا عَلى ( اذْكُرُوا ) المَذْكُورِ أوَّلِ الآياتِ، أوْ عَلى ( اذْكُرُوا ) المُقَدَّرِ عامِلًا في قَوْلِهِ: وإذْ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلى تَقْدِيرِ القَوْلِ، أيْ وقُلْنا اتَّخِذُوا. والمَقامُ في اللُّغَةِ: مَوْضِعُ القِيامِ. قالَ النَّحّاسُ: هو مِن قامَ يَقُومُ، يَكُونُ مَصْدَرًا واسْمًا لِلْمَوْضِعِ، ومَقامُ مَن أقامَ، ولَيْسَ مِن هَذا قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎وفِيهِمْ مَقاماتٌ حِسانٌ وُجُوهُها ∗∗∗ وأنْدِيَةٌ يَنْتابُها القَوْلُ والفِعْلُ لِأنَّ مَعْناهُ أهْلُ مَقاماتٍ. واخْتُلِفَ في تَعْيِينِ المَقامِ عَلى أقْوالٍ: أصَحُّها أنَّهُ الحَجَرُ الَّذِي يَعْرِفُهُ النّاسُ ويُصَلُّونَ عِنْدَهُ رَكْعَتَيِ الطَّوافِ، وقِيلَ: المَقامُ الحَجُّ كُلُّهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطاءٍ ومُجاهِدٍ، وقِيلَ: عَرَفَةُ والمُزْدَلِفَةُ، رُوِيَ عَنْ عَطاءٍ أيْضًا. وقالَ الشَّعْبِيُّ: الحَرَمُ كُلُّهُ مَقامُ إبْراهِيمَ. ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ. وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ﴾ قالَ: ابْتَلاهُ اللَّهُ بِالطَّهارَةِ: خَمْسٌ في الرَّأْسِ، وخَمْسٌ في الجَسَدِ؛ في الرَّأْسِ قَصُّ الشّارِبِ، والمَضْمَضَةُ، والِاسْتِنْشاقُ والسِّواكُ، وفَرْقُ الرَّأْسِ، وفي الجَسَدِ: تَقْلِيمُ الأظْفارِ، وحَلْقُ العانَةِ، والخِتانُ، ونَتْفُ الإبِطِ، وغَسْلُ مَكانِ الغائِطِ والبَوْلِ بِالماءِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وابْنُ عَساكِرَ عَنْهُ قالَ: ما ابْتُلِيَ أحَدٌ بِهَذا الدِّينِ فَقامَ بِهِ كُلِّهِ إلّا إبْراهِيمُ. وقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ فَقِيلَ لَهُ: ما الكَلِماتُ ؟ قالَ: سِهامُ الإسْلامِ ثَلاثُونَ سَهْمًا: عَشْرَةٌ في ( بَراءَةٌ ) ﴿التّائِبُونَ العابِدُونَ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ، وعَشْرَةٌ في أوَّلِ سُورَةِ " قَدْ أفْلَحَ " و" سَألَ سائِلٌ " ﴿والَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ الآياتِ، وعَشْرَةٌ في (p-٩٢)الأحْزابِ ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ، ﴿فَأتَمَّهُنَّ﴾ كُلَّهُنَّ فَكَتَبَ لَهُ بَراءَةً قالَ تَعالى: ﴿وإبْراهِيمَ الَّذِي وفّى﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والحاكِمُ عَنْهُ قالَ: مِنهُنَّ مَناسِكُ الحَجِّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قالَ: الكَلِماتُ ﴿إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا﴾ ﴿وإذْ يَرْفَعُ إبْراهِيمُ القَواعِدَ﴾ والآياتُ في شَأْنِ المَناسِكِ، والمَقامِ الَّذِي جُعِلَ لِإبْراهِيمَ، والرِّزْقِ الَّذِي رُزِقَ ساكِنُو البَيْتِ وبَعْثِ مُحَمَّدٍ في ذُرِّيَّتِهِما. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ﴾ قالَ: ابْتُلِيَ بِالآياتِ الَّتِي بَعْدَها. وأخْرَجا أيْضًا عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الكَلِماتُ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ إبْراهِيمُ فَأتَمَّهُنَّ: فِراقُ قَوْمِهِ في اللَّهِ حِينَ أُمِرَ بِمُفارَقَتِهِمْ، ومُحاجَّتُهُ نُمْرُوذَ في اللَّهِ حِينَ وقَفَهُ عَلى ما وقَفَهُ عَلَيْهِ مِن خَطَرِ الأمْرِ الَّذِي فِيهِ خِلافُهم، وصَبْرُهُ عَلى قَذْفِهِمْ إيّاهُ في النّارِ لِيَحْرِقُوهُ في اللَّهِ، والهِجْرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مِن وطَنِهِ وبِلادِهِ حِينَ أمَرَهُ بِالخُرُوجِ عَنْهم، وما أمَرَهُ بِهِ مِنَ الضِّيافَةِ والصَّبْرِ عَلَيْها، وما ابْتُلِيَ بِهِ مِن ذَبْحِ ولَدِهِ، فَلَمّا مَضى عَلى ذَلِكَ كُلِّهِ قالَ اللَّهُ لَهُ ﴿أسْلِمْ قالَ أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الحَسَنِ قالَ: ابْتَلاهُ بِالكَوْكَبِ فَرَضِيَ عَنْهُ، وابْتَلاهُ بِالقَمَرِ فَرَضِيَ عَنْهُ، وابْتَلاهُ بِالشَّمْسِ فَرَضِيَ عَنْهُ، وابْتَلاهُ بِالهِجْرَةِ فَرَضِيَ عَنْهُ، وابْتَلاهُ بِالخِتانِ فَرَضِيَ عَنْهُ، وابْتَلاهُ بِابْنِهِ فَرَضِيَ عَنْهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَأتَمَّهُنَّ﴾ قالَ: فَأدّاهُنَّ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عَطاءٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مِن فِطْرَةِ إبْراهِيمَ السِّواكُ» قُلْتُ: وهَذا عَلى تَقْدِيرِ أنَّ إسْنادَهُ إلى عَطاءٍ صَحِيحٌ فَهو مُرْسَلٌ لا تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ، ولا يَحِلُّ الِاعْتِمادُ عَلى مِثْلِهِ في تَفْسِيرِ كَلامَ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وهَكَذا لا يَحِلُّ الِاعْتِمادُ عَلى مِثْلِ ما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: مِن فِطْرَةِ إبْراهِيمَ غَسْلُ الذَّكَرِ والبَراجِمِ، ومِثْلِ ما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في مُصَنَّفِهِ عَنْهُ قالَ: سِتٌّ مِن فِطْرَةِ إبْراهِيمَ: قَصُّ الشّارِبِ، والسِّواكُ، والفَرْقُ، وقَصُّ الأظْفارِ، والِاسْتِنْجاءُ، وحَلْقُ العانَةِ، قالَ: ثَلاثَةٌ في الرَّأْسِ، وثَلاثَةٌ في الجَسَدِ. وقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الصَّحِيحِ وغَيْرِهِ مِن طَرِيقِ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ مَشْرُوعِيَّةُ تِلْكَ العَشْرِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، ولَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّها الكَلِماتُ الَّتِي ابْتُلِيَ بِها إبْراهِيمُ، وأحْسَنُ ما رُوِيَ عَنْهُ ما أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُصُّ أوْ يَأْخُذُ مِن شارِبِهِ. قالَ: كانَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ إبْراهِيمُ يَفْعَلُهُ» . ولا يَخْفاكَ أنَّ فِعْلَ الخَلِيلِ لَهُ لا يَسْتَلْزِمُ أنَّهُ مِنَ الكَلِماتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِها، وإذا لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولا جاءَنا مِن طَرِيقٍ تَقُومُ بِها الحُجَّةُ تَعْيِينُ تِلْكَ الكَلِماتِ لَمْ يَبْقَ لَنا إلّا أنْ نَقُولَ: إنَّها ما ذَكَرَها اللَّهُ سُبْحانَهُ في كِتابِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿قالَ إنِّي جاعِلُكَ﴾ إلى آخِرِ الآياتِ، ويَكُونُ ذَلِكَ بَيانًا لِلْكَلِماتِ أوِ السُّكُوتُ وإحالَةُ العِلْمِ في ذَلِكَ عَلى اللَّهِ سُبْحانَهُ. وأمّا ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ونَحْوِهِ مِنَ الصَّحابَةِ ومَن بَعْدَهم في تَعْيِينِها، فَهو أوَّلًا أقْوالُ صَحابَةٍ لا يَقُومُ بِها الحُجَّةُ فَضْلًا عَنْ أقْوالِ مَن بَعْدِهِمْ، وعَلى تَقْدِيرِ أنَّهُ لا مَجالَ لِلِاجْتِهادِ في ذَلِكَ، وأنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا في التَّعْيِينِ اخْتِلافًا يَمْتَنِعُ مَعَهُ العَمَلُ بِبَعْضِ ما رُوِيَ عَنْهم دُونَ البَعْضِ الآخَرِ. بَلِ اخْتَلَفَتِ الرِّواياتُ عَنِ الواحِدِ مِنهم كَما قَدَّمْنا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، فَكَيْفَ يَجُوزُ العَمَلُ بِذَلِكَ - وبِهَذا تَعْرِفُ ضَعْفَ قَوْلِ مَن قالَ: إنَّهُ يُصارُ إلى العُمُومِ ويُقالُ: تِلْكَ الكَلِماتُ هي جَمِيعُ ما ذَكَرْنا هُنا، فَإنَّ هَذا يَسْتَلْزِمُ تَفْسِيرَ كَلامِ اللَّهِ بِالضَّعِيفِ والمُتَناقِضِ وما لا تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا﴾ يُقْتَدى بِدِينِكَ وهَدْيِكَ وسُنَّتِكَ ﴿قالَ ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ إمامًا لِغَيْرِ ذُرِّيَّتِي ﴿قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ أنْ يُقْتَدى بِدِينِهِمْ وهَدْيِهِمْ وسُنَّتِهِمْ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ قالَ: قالَ اللَّهُ لِإبْراهِيمَ: ﴿إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا قالَ ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ فَأبى أنْ يَفْعَلَ، ثُمَّ قالَ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: هَذا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ لا يَنالُ عَهْدُهُ ظالِمًا، فَأمّا في الدُّنْيا فَقَدْ نالُوا عَهْدَهُ فَوارَثُوا بِهِ المُسْلِمِينَ وغازُوهم وناكَحُوهم، فَلَمّا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ قَصَرَ اللَّهُ عَهْدَهُ وكَرامَتَهُ عَلى أوْلِيائِهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ في تَفْسِيرِ الآيَةِ أنَّهُ قالَ: لا أجْعَلُ إمامًا ظالِمًا يُقْتَدى بِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: يُخْبِرُهُ أنَّهُ إنْ كانَ في ذُرِّيَّتِهِ ظالِمٌ لا يَنالُ عَهْدَهُ ولا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يُوَلِّيَهُ شَيْئًا مِن أمْرِهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: لَيْسَ لِظالِمٍ عَلَيْكَ عَهْدٌ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وقَدْ أخْرَجَ وكِيعُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن حَدِيثِ عَلِيٍّ «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في قَوْلِهِ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ قالَ: لا طاعَةَ إلّا في المَعْرُوفِ»، بِإسْنادِهِ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ هَكَذا: قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حامِدٍ، حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الأسَدِيُّ، حَدَّثَنا سُلَيْمُ بْنُ سَعِيدٍ الدّامَغانِيُّ، حَدَّثَنا وكِيعٌ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِن حَدِيثِ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «لا طاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ في تَفْسِيرِ الآيَةِ: لَيْسَ لِلظّالِمِ عَهْدٌ وإنْ عاهَدْتَهُ فانْقُضْهُ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ وعَطاءٍ ومُقاتِلٍ وابْنِ حِبّانَ نَحْوُ ذَلِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿مَثابَةً لِلنّاسِ وأمْنًا﴾ قالَ: يَثُوبُونَ إلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: لا يَقْضُونَ مِنهُ وطَرًا يَأْتُونَهُ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلى أهْلِيهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَيْهِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ والبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: (p-٩٣)﴿وأمْنًا﴾ قالَ: أمْنًا لِلنّاسِ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ مِن حَدِيثِ أنَسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: وافَقْتُ رَبِّي في ثَلاثٍ ووافَقَنِي رَبِّي في ثَلاثٍ، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ مِن مَقامِ إبْراهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: ﴿واتَّخِذُوا مِن مَقامِ إبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ وقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ نِساءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ البَرُّ والفاجِرُ، فَلَوْ أمَرْتَهُنَّ أنْ يَحْتَجِبْنَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجابِ، واجْتَمَعَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نِساؤُهُ في الغَيْرَةِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: ﴿عَسى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْواجًا خَيْرًا مِنكُنَّ﴾ فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ. وأخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وغَيْرُهُ مُخْتَصَرًا مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ. وأخْرَجَ مُسْلِمٌ وغَيْرُهُ مِن حَدِيثِ جابِرٍ " «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَمَلَ ثَلاثَةَ أشْواطٍ ومَشى أرْبَعًا، حَتّى إذا فَرَغَ عَمَدَ إلى مَقامِ إبْراهِيمَ فَصَلّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿واتَّخِذُوا مِن مَقامِ إبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾ "» وفي مَقامِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ مُسْتَوْفاةٌ في الأُمَّهاتِ وغَيْرِها، والأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ مَقامَ إبْراهِيمَ هو الحَجَرُ الَّذِي كانَ إبْراهِيمُ يَقُومُ عَلَيْهِ لِبِناءِ الكَعْبَةِ لَمّا ارْتَفَعَ الجِدارُ، أتاهُ إسْماعِيلُ بِهِ لِيَقُومَ فَوْقَهُ، كَما في البُخارِيِّ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ، وهو الَّذِي كانَ مُلْصَقًا بِجِدارِ الكَعْبَةِ. وأوَّلُ مَن نَقَلَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ كَما أخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزّاقِ والبَيْهَقِيُّ بِإسْنادٍ صَحِيحٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن حَدِيثِ جابِرٍ في وصْفِ حَجِّ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَمّا طافَ النَّبِيُّ ﷺ قالَ لَهُ عُمَرُ: هَذا مَقامُ إبْراهِيمَ ؟ قالَ: نَعَمْ» . وأخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب