الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿وإذ ابتلى﴾ ، وإذا اختبر. * * * يقال منه:"ابتليت فلانا أبتليه ابتلاء"، ومنه قول الله عز وجل: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ [سورة النساء: ٦] ، يعني به: اختبروهم. [[انظر ما سلف في الجزء ٢: ٤٨، ٤٩.]] . * * * وكان اختبار الله تعالى ذكره إبراهيم، اختبارا بفرائض فرضها عليه، وأمر أمره به. وذلك هو"الكلمات" التي أوحاهن إليه، وكلفه العمل بهن، امتحانا منه له واختبارا. * * * ثم اختلف أهل التأويل في صفة"الكلمات" التي ابتلى الله بها إبراهيم نبيه وخليله صلوات الله عليه. * * * فقال بعضهم: هي شرائع الإسلام، وهي ثلاثون سهما. [[السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر، وهي القداح. ثم سمى ما يفوز به الفالج سهما، ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهما. وقوله هنا يدل على أنهم استعملوه في كل جزء من شيء يتجزأ وهو جملة واحدة. فقوله: "سهما" هنا، أي خصلة وشعبة. وسيأتي شاهدها في الأخبار الآتية.]] * ذكر من قال ذلك: ١٩٠٧- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، قال ابن عباس: لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم، ابتلاه الله بكلمات، فأتمهن. قال: فكتب الله له البراءة فقال: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [سورة النجم: ٣٧] . قال: عشر منها في"الأحزاب"، وعشر منها في"براءة"، وعشر منها في"المؤمنون" و"سأل سائل"، وقال: إن هذا الإسلام ثلاثون سهما. [[سيأتي بيانها في الأثر التالي.]] ١٩٠٨- حدثنا إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد الطحان، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله غير إبراهيم، ابتلي بالإسلام فأتمه، فكتب الله له البراءة فقال:"وإبراهيم الذي وفى"، فذكر عشرا في"براءة" [١١٢] فقال: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ﴾ إلى آخر الآية، [[في المطبوعة: "الآيات"، والصواب ما أثبت.]] وعشرا في"الأحزاب" [٣٥] ، ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ ، وعشرا في"سورة المؤمنون" [١-٩] إلى قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ ، وعشرا في"سأل سائل" [٢٢-٣٤] ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ . ١٩٠٩- حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه قال، حدثنا علي بن الحسن قال، حدثنا خارجة بن مصعب، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الإسلام ثلاثون سهما، وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلا إبراهيم، قال الله: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ ، فكتب الله له براءة من النار. [[الخبر ١٩٠٩- عبد الله بن أحمد بن شبويه: هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن ثابت بن مسعود بن يزيد، أبو عبد الرحمن، عرف بابن شبويه، وهو من أئمة الحديث، كما قال الخطيب. مترجم في تاريخ بغداد ٩: ٣٧١، وله ترجمة موجزة في ابن أبي حاتم. ووقع في المطبوعة هنا"عبيد الله بن أحمد بن شبرمة". وهو تحريف وخطأ. صححناه من التاريخ، ومما سيأتي في التفسير. علي بن الحسن بن شقيق بن دينار: ثقة، من شيوح أحمد، والبخاري، وغيرهما. مترجم في التهذيب، وفي شرح المسند: ٧٤٣٧. وهذا الخبر سيأتي بهذا الإسناد، في التفسير: ٢٧: ٤٣ (بولاق) . وكذلك رواه أبو جعفر بهذا الإسناد، في التاريخ ١: ١٤٤. وذكره ابن كثير ١: ٣٠٢، ونسبه أيضًا لابن أبي حاتم، والحاكم. وذكره السيوطي ١: ١١١-١١٢، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وابن مردويه، وابن عساكر. وهذا الإسناد صحيح.]] * * * وقال آخرون: هي خصال عشر من سنن الإسلام. * ذكر من قال ذلك: ١٩١٠- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، ابتلاه الله بالطهارة: خمس في الرأس، وخمس في الجسد. في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء. [[الخبر: ١٩١٠- وهذا الإسناد صحيح أيضًا. وهو في تفسير عبد الرزاق (مخطوطة دار الكتب المصورة) ، بهذا الإسناد. وكذلك رواه أبو جعفر في التاريخ ١: ١٤٤، من تفسير عبد الرزاق. بهذا الإسناد. وكذلك رواه الحاكم ٢: ٢٦٦، من طريق ابن طاوس عن أبيه، به. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وذكره ابن كثير ١: ٣٠١. وكذلك ذكره السيوطي ١: ١١١ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه.]] ١٩١١- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحكم بن أبان، عن القاسم بن أبي بزة، عن ابن عباس، بمثله- ولم يذكر أثر البول. ١٩١٢- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال قال، حدثنا قتادة في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، ابتلاه بالختان، وحلق العانة، وغسل القبل والدبر، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط. قال أبو هلال: ونسيت خصلة. ١٩١٣- حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن مطر، عن أبي الخلد قال: ابتلي إبراهيم بعشرة أشياء، هن في الإنسان: سنة: الاستنشاق، وقص الشارب، والسواك، ونتف الإبط، وقلم الأظفار، وغسل البراجم، والختان، وحلق العانة، وغسل الدبر والفرج [[الخبر: ١٩١٣- مطر: هو ابن طهمان الوراق. وأبو الجلد: بفتح الجيم وسكون اللام، سبق بيانه: ٤٣٤. وفي المطبوعة"أبو الخلد" بالخاء المعجمة بدل الجيم، وهو تصحيف تكرر فيها كثيرا. البراجم جمع برجمة (بضم الباء وسكون الراء وضم الجيم) : وهي ظهور القصب من مفاصل الأصابع.]] . * * * وقال بعضهم: بل"الكلمات" التي ابتلي بهن عشر خلال؛ بعضهن في تطهير الجسد، وبعضهن في مناسك الحج. * ذكر من قال ذلك: ١٩١٤- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال: حدثنا محمد بن حرب قال، حدثنا ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن حنش، عن ابن عباس في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" قال، ستة في الإنسان، وأربعة في المشاعر. فالتي في الإنسان: حلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، والغسل يوم الجمعة. وأربعة في المشاعر: الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة. [[الخبر: ١٩١٤- ابن هبيرة: هو عبد الله بن هبيرة السبائي المصري، وهو ثقة، وثقه أحمد وغيره، وخرج له مسلم في الصحيح. حنش، بفتحتين وبالشين المعجمة: هو ابن عبد الله السبائي الصنعاني، من صنعاء دمشق -وهي قرية بالغوطة من دمشق- وهو تابعي ثقة. وهذا الخبر رواه أيضًا ابن أبي حاتم، عن يونس بن عبد الأعلى. عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، بهذا الإسناد - كما في ابن كثير ١: ٣٠٢. وهو إسناد صحيح.]] * * * وقال آخرون: بل ذلك:"إني جاعلك للناس إماما"، في مناسك الحج. * ذكر من قال ذلك: ١٩١٥- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن"، فمنهن:"إني جاعلك للناس إماما"، وآيات النسك. [[يأتي بيان آيات النسك في الخبرين التاليين.]] ١٩١٦- حدثنا أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح مولى أم هانئ في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، منهن"إني جاعلك للناس إماما" ومنهن آيات النسك: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ [سورة البقرة: ١٢٧] . ١٩١٧- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" قال الله لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إماما! قال: نعم. قال: ومن ذريتي. قال: لا ينال عهدي الظالمين. قال: تجعل البيت مثابة للناس. قال: نعم. [قال] : وأمنا. قال: نعم. [قال] : وتجعلنا مسلمين لك، ومن ذريتنا أمة مسلمة لك. قال: نعم. [قال] : وترينا مناسكنا وتتوب علينا. قال: نعم. قال: وتجعل هذا البلد آمنا. قال: نعم. قال: وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم. قال: نعم. ١٩١٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ١٩١٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، أخبره به عن عكرمة، فعرضته على مجاهد فلم ينكره. ١٩٢٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه. قال ابن جريج: فاجتمع على هذا القول مجاهد وعكرمة جميعا. ١٩٢١- حدثنا سفيان قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" قال، ابتلي بالآيات التي بعدها:"إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين". ١٩٢٢- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن"، فالكلمات:"إني جاعلك للناس إماما"، وقوله:"وإذ جعلنا البيت مثابة للناس"، وقوله:"واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وقوله:"وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل" الآية، وقوله:"وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت" الآية. قال: فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم. [[في المطبوعة: "فذلك كلمة من الكلمات"، والصواب من ابن كثير ١: ٣٠٣.]] ١٩٢٣- حدثني محمد بن سعد [[في المطبوعة: "محمد بن سعيد"، وهو خطأ، وهو إسناد دائر في الطبري، وانظر رقم: ٣٠٥.]] قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن"، فمنهن:"إني جاعلك للناس إماما"، ومنهن:"وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت"، ومنهن الآيات في شأن النسك، والمقام الذي جعل لإبراهيم، والرزق الذي رزق ساكنو البيت، ومحمد ﷺ في ذريتهما عليهما السلام. * * * وقال آخرون: بل ذلك مناسك الحج خاصة. * ذكر من قال ذلك: ١٩٢٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سلم بن قتيبة قال، حدثنا عمر بن نبهان، عن قتادة، عن ابن عباس في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، مناسك الحج. [[الخبر: ١٩٢٤- هذا الإسناد ضعيف من ناحيتين. أما سلم -بفتح السين وسكون اللام- ابن قتيبة أبو قتيبة: فإنه ثقة، خرج له البخاري في صحيحه. وأما الضعف، فلأن"عمر بن نبهان الغبري" بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة: ضعيف جدا، ذمه الإمام أحمد، وقال ابن معين: ليس بشيء. وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣/١/١٣٨. والوجه الآخر من الضعف: أنه منقطع، لأن قتادة لم يدرك ابن عباس.]] ١٩٢٥- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، كان ابن عباس يقول في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، المناسك. ١٩٢٦- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال، قال ابن عباس: ابتلاه بالمناسك. ١٩٢٧- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: بلغنا عن ابن عباس أنه قال: إن الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم، المناسك. ١٩٢٨- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، مناسك الحج. ١٩٢٩- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، منهن مناسك الحج. [[الخبران: ١٩٢٨، ١٩٢٩- أبو إسحق: هو السبيعي، عمرو بن عبد الله الهمداني، الإمام التابعي الثقة، التميمي: هو"أربدة" بسكون الراء وكسر الباء الموحدة. ويقال"أربد" بدون هاء. وهو تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ١/٢/٦٤، وابن أبي حاتم ١/١/٣٤٥، وقد عرف بأني راوي التفسير عن ابن عباس. وفي المسند: ٢٤٠٥- في حديث آخر"عن أبي إسحاق، عن التميمي الذي يحدث التفسير". لم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي.]] * * * وقال آخرون: هي أمور، منهن الختان. * ذكر من قال ذلك: ١٩٣٠- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سلم بن قتيبة، عن يونس بن أبي إسحاق، عن الشعبي:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، منهن الختان. ١٩٣١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، قال: سمعت الشعبي يقول، فذكر مثله. ١٩٣٢- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال، سمعت الشعبي - وسأله أبو إسحاق عن قول الله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" - قال، منهن الختان، يا أبا إسحاق. * * * وقال آخرون: بل ذلك الخلال الست: الكوكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والختان، التي ابتلي بهن فصبر عليهن. * ذكر من قال ذلك: ١٩٣٣- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: قلت للحسن:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن". قال: ابتلاه بالكوكب، فرضي عنه؛ وابتلاه بالقمر، فرضي عنه؛ وابتلاه بالشمس، فرضي عنه؛ وابتلاه بالنار، فرضي عنه؛ وابتلاه بالهجرة، وابتلاه بالختان. ١٩٣٤- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: إي والله، ابتلاه بأمر فصبر عليه: ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر، فأحسن في ذلك، وعرف أن ربه دائم لا يزول، فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما كان من المشركين؛ ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله؛ ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة، فصبر على ذلك؛ فابتلاه الله بذبح ابنه وبالختان، فصبر على ذلك. ١٩٣٥- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عمن سمع الحسن يقول في قوله:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، ابتلاه الله بذبح ولده، وبالنار، وبالكوكب، والشمس، والقمر. ١٩٣٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سلم بن قتيبة قال، حدثنا أبو هلال، عن الحسن:"وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال، ابتلاه بالكوكب، وبالشمس والقمر، فوجده صابرا. * * * وقال آخرون بما: ١٩٣٧- حدثنا به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم ربه: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ﴾ [سورة البقرة: ١٢٧-١٢٩] * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله عز وجل أخبر عباده أنه اختبر إبراهيم خليله بكلمات أوحاهن إليه، وأمره أن يعمل بهن فأتمهن، كما أخبر الله جل ثناؤه عنه أنه فعل. [[في المطبوعة: "وأتمهن" بالواو، والأجود ما أثبت.]] وجائز أن تكون تلك الكلمات جميع ما ذكره من ذكرنا قوله في تأويل"الكلمات"، وجائز أن تكون بعضه. لأن إبراهيم صلوات الله عليه قد كان امتحن فيما بلغنا بكل ذلك، فعمل به، وقام فيه بطاعة الله وأمره الواجب عليه فيه. وإذ كان ذلك كذلك، فغير جائز لأحد أن يقول: عنى الله بالكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم شيئا من ذلك بعينه دون شيء، ولا عنى به كل ذلك، إلا بحجة يجب التسليم لها: من خبر عن الرسول ﷺ، أو إجماع من الحجة. ولم يصح في شيء من ذلك خبر عن الرسول بنقل الواحد، ولا بنقل الجماعة التي يجب التسليم لما نقلته. غير أنه روي عن النبي ﷺ في نظير معنى ذلك خبران، لو ثبتا، أو أحدهما، كان القول به في تأويل ذلك هو الصواب. أحدهما، ما:- ١٩٣٨- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا رشدين بن سعد قال، حدثني زبّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، قال: كان النبي ﷺ يقول: ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله: ﴿الَّذِي وَفَّى﴾ ؟ [سورة النجم:٣٧] لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [سورة الروم: ١٧] حتى يختم الآية. [[الحديث: ١٩٣٩- إسناده منهار لا تقوم له قائمة. وقد ضعفه الطبري نفسه، هو والحديث الذي بعده. وقال ابن كثير ١: ٣٠٤- بعد إشارته إلى ذلك: "وهو كما قال، فإنه لا يجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما، وضعفهما من وجود عديدة، فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء، مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه". رشدين بن سعد: ضعيف جدا، وقد فصلنا القول فيه في شرح المسند: ٥٧٤٨، و"رشدين": بكسر الراء وسكون الشين المعجمة وكسر الدال وبعد الياء نون، ووقع في المطبوعة وفي ابن كثير"راشد". وهو تصحيف. زبان بن فائد المصري الحمراوي: ضعيف أيضًا. قال أحمد: "أحاديثه مناكير"، وضعفه ابن معين. مترجم في التهذيب، والكبير ٢/١/٤٠٥، وابن أبي حاتم ١/٢/٦١٦. وقال ابن حبان في كتاب المجروحين (ص: ٢١٠ مخطوطة مصور عندي) : "منكر الحديث جدا، يتفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة". و"زبان": بالزاي المعجمة وتشديد الباء الموحدة. ووقع في المطبوعة"ريان" بالراء والتحتية، وهو تصحيف. سهل بن معاذ بن أنس الجهني: ضعيف أيضًا، ضعفه ابن معين. وقال ابن حبان في كتاب المجروحين (ص: ٢٣٢) : "روى عنه زبان بن فائد، منكر الحديث جدا. فلست أدري أوقع التخليط في حديثه منه أو من زبان بن فائد؟ فإن كان من أحدهما فالأخبار التي رواها أحدهما ساقطة". وهذا الحديث -على ما فيه من ضعف شديد- رواه أحمد في المسند: ١٥٦٨٨ (ج ٣ ص ٤٣٩ حلبي) . بل إنه روى هذه النسخة، التي كاد ابن حبان أن يجزم بأنها موضوعة.]] والآخر منهما ما:- ١٩٣٩- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا الحسن بن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ:"وإبراهيم الذي وفى" قال، أتدرون ما"وفى"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: وفي عمل يومه، أربع ركعات في النهار. [[الحديث: ١٩٣٩- ضعفه أيضًا الطبري ووافقه ابن كثير، كما قلنا في الذي قبله. الحسن بن عطية بن نجيح الكوفي: ثقة، روى عنه البخاري في الكبير ٢/١/٢٩٩، ولم يذكر فيه جرحا، وروى عنه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: "صدوق". وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ١/٢/٢٧. وهو غير"الحسن بن عطية بن سعد العوفي، السابق ترجمته في: ٣٠٥. إسرائيل: هو ابن يونس بن إسحاق السبيعي، وهو ثقة، مضى في: ١٢٩١. جعفر بن الزبير الحنفي، أو الباهلي، الدمشقي ثم البصري: ضعيف جدا. مترجم في التهذيب، وفي الكبير للبخاري ١/٢/١٩١، وفي الضعفاء له، ص: ٧، وقال: "متروك الحديث، تركوه"، وفي ابن أبي حاتم ١/١/٤٧٩. وقال ابن حبان في كتاب المجروحين (ص: ١٤٢) : "روى عن القاسم مولى معاوية وغيره، أشياء كأنها موضوعة". وقال أبو حاتم: "روى جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، نسخة موضوعة، أكثر من مئة حديث". وأما القاسم: فهو ابن عبد الرحمن الشامي، وكنيته أبو عبد الرحمن، وقد اختلف فيه، والراجح أنه ثقة، وأن ما أنكر عليه إنما جاء من الرواة عنه الضعفاء. وقد بينا ذلك في شرح المسند: ٥٩٨، وما علقنا به على تهذيب السنن للمنذري: ٢٣٧٦. والحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦: ١٢٩، ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وغيرهم، وقال: "بسند ضعيف".]] * * * قال أبو جعفر: فلو كان خبر سهل بن معاذ عن أبيه صحيحا سنده، كان بينا أن الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فقام بهن، هو قوله كلما أصبح وأمسى:"فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون"- أو كان خبر أبي أمامة عدولا نقلته، كان معلوما أن الكلمات التي أوحين إلى إبراهيم فابتلي بالعمل بهن: أن يصلي كل يوم أربع ركعات. غير أنهما خبران في أسانيدهما نظر. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في معنى"الكلمات" التي أخبر الله أنه ابتلي بهن إبراهيم، ما بينا آنفا. ولو قال قائل في ذلك: إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس، أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم، كان مذهبا. لأن قوله:"إني جاعلك للناس إماما"، وقوله:"وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين" وسائر الآيات التي هي نظير ذلك، كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلي بهن إبراهيم. [[وقد نقل ابن كثير في تفسيره ١: ٣٠٤ هذه الفقرة من أول قوله"ولو قال قائل" ثم عقب عليه بقوله: "قلت: والذي قاله أولا: من أن الكلمات تشمل جميع ما ذكر، أقوى من هذا الذي جوزه من قول مجاهد ومن قال مثله. لأن السياق يعطى غير ما قالوه، والله أعلم". لم يأت ابن كثير بشيء، فإن قول الطبري بين، وهو قاض بأن الصواب هو القول الأول، وأن هذا الثاني لو قيل كان مذهبا. وهذه كلمة تضعيف لا كلمة تقوية.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"فأتمهن"، فأتم إبراهيم الكلمات. و"إتمامه إياهن"، إكماله إياهن، بالقيام لله بما أوجب عليه فيهن، وهو الوفاء الذي قال الله جل ثناؤه: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [سورة النجم: ٣٧] ، يعني وفى بما عهد إليه،"بالكلمات"، بما أمره به من فرائضه ومحنته فيها، [[في المطبوعة: "يعني: وفى بما عهد إليه بالكتاب فأمره به من فرائضه ومحنه فيها"، وهي عبارة مضطربة لا تستقيم، وكأن الصواب ما أثبته.]] كما:- ١٩٤٠- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس:"فأتمهن"، أي فأداهن. ١٩٤١- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"فأتمهن"، أي عمل بهن فأتمهن. ١٩٤٢- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"فأتمهن"، أي عمل بهن فأتمهن. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"إني جاعلك للناس إماما"، فقال الله: يا إبراهيم، إني مصيرك للناس إماما، يؤتم به ويقتدى به، كما:- ١٩٤٣- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"إني جاعلك للناس إماما"، ليؤتم به ويقتدى به. * * * يقال منه:"أممت القوم فأنا أؤمهم أما وإمامة"، إذا كنت إمامهم. * * * وإنما أراد جل ثناؤه بقوله لإبراهيم:"إني جاعلك للناس إماما"، إني مصيرك تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي، تتقدمهم أنت، [[في المطبوعة: "فتقدمهم أنت"، ليست بشيء.]] ويتبعون هديك، ويستنون بسنتك التي تعمل بها، بأمري إياك ووحيي إليك. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: قال إبراهيم- لمّا رفع الله منزلته وكرمه، فأعلمه ما هو صانع به، من تصييره إماما في الخيرات لمن في عصره، ولمن جاء بعده من ذريته وسائر الناس غيرهم، يهتدى بهديه ويقتدى بأفعاله وأخلاقه -: يا رب، ومن ذريتي فاجعل أئمة يقتدي بهم، كالذي جعلتني إماما يؤتم بي ويقتدى بي. مسألة من إبراهيم ربه سأله إياها، كما:- ١٩٤٤- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: قال إبراهيم:"ومن ذريتي"، يقول: فاجعل من ذريتي من يؤتم به ويقتدى به. * * * وقد زعم بعض الناس أن قول إبراهيم:"ومن ذريتي"، مسألة منه ربه لعقبه أن يكونوا على عهده ودينه، كما قال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ [سورة إبراهيم:٣٥] ، فأخبر الله جل ثناؤه أن في عقبه الظالم المخالف له في دينه، بقوله:"لا ينال عهدي الظالمين". * * * والظاهر من التنزيل يدل على غير الذي قاله صاحب هذه المقالة. لأن قول إبراهيم صلوات الله عليه:"ومن ذريتي"، في إثر قول الله جل ثناؤه:"إني جاعلك للناس إماما". فمعلوم أن الذي سأله إبراهيم لذريته، لو كان غير الذي أخبر ربه أنه أعطاه إياه، لكان مبينا. [[قوله: "لكان مبينا"، أي لجاء ما سأل إبراهيم ربه مبينا في الآية.]] ولكن المسألة لما كانت مما جرى ذكره، اكتفى بالذكر الذي قد مضى، من تكريره وإعادته، فقال:"ومن ذريتي"، بمعنى: ومن ذريتي فاجعل مثل الذي جعلتني به، من الإمامة للناس. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) ﴾ قال أبو جعفر: هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماما يقتدي به أهل الخير. وهو من الله جل ثناؤه جواب لما يتوهم في مسألته إياه [[في المطبوعة: "لما توهم"، وهي خطأ، والصواب ما أثبته، بالبناء للمجهول.]] أن يجعل من ذريته أئمة مثله. فأخبر أنه فاعل ذلك، إلا بمن كان من أهل الظلم منهم، فإنه غير مُصَيِّره كذلك، ولا جاعله في محل أوليائه عنده، بالتكرمة بالإمامة. لأن الإمامة إنما هي لأوليائه وأهل طاعته، دون أعدائه والكافرين به. * * * واختلف أهل التأويل في العهد الذي حرم الله جل ثناؤه الظالمين أن ينالوه. فقال بعضهم: ذلك"العهد"، هو النبوة. * ذكر من قال ذلك: ١٩٤٥- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"قال لا ينال عهدي الظالمين"، يقول: عهدي، نبوتي. فمعنى قائل هذا القول في تأويل الآية: لا ينال النبوة أهل الظلم والشرك. * * * وقال آخرون: معنى"العهد": عهد الإمامة. فتأويل الآية على قولهم: لا أجعل من كان من ذريتك بأسرهم ظالما، إماما لعبادي يقتدى به. * ذكر من قال ذلك: ١٩٤٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"قال لا ينال عهدي الظالمين" قال، لا يكون إمام ظالما. ١٩٤٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قال الله:"لا ينال عهدي الظالمين" قال، لا يكون إمام ظالما. ١٩٤٨- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة بمثله. ١٩٤٩- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في قوله:"قال لا ينال عهدي الظالمين" قال، لا يكون إمام ظالم يقتدى به. ١٩٥٠- حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. ١٩٥١- حدثنا مشرَّف بن أبان الحطاب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد في قوله:"لا ينال عهدي الظالمين" قال، لا أجعل إماما ظالما يقتدى به. [[الخبر: ١٩٥١- مشرف بن أبان أبو ثابت الحطاب، شيخ الطبري: ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد ١٣: ٢٢٤، وذكر أنه يروي عن ابن عيينة، وغيره. مات ببغداد سنة ٢٤٣. ولم أجد له ترجمة ولا ذكرا غير ذلك، و"مشرف": بوزن"محمد"، كما نص على أنه الجادة في المشتبه للذهبي، ص: ٤٨٤، والتبصير للحافظ ابن حجر (مخطوط مصور) . ووقع في المطبوعة"مسروق"، وهو خطأ بين، وقد مضى في: ١٣٨٣ باسم"بشر بن أبان الحطاب". وهو خطأ أيضًا. ثم هو سيأتي على الصواب: "مشرف" - في: ٢٣٨٢. وأما"الحطاب"، فهكذا هو الثابت هنا بالحاء المهملة، وفي تاريخ بغداد"الخطاب" بالمعجمة. ولم أستطع الترجيح بينهما.]] . ١٩٥٢- حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"لا ينال عهدي الظالمين" قال، لا أجعل إماما ظالما يقتدى به. ١٩٥٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:"لا ينال عهدي الظالمين": قال: لا يكون إماما ظالم. قال ابن جريج: وأما عطاء فإنه قال:"إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي"، فأبى أن يجعل من ذريته ظالما إماما. قلت لعطاء: ما عهده؟ قال: أمره. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: أنه لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمه. * ذكر من قال ذلك: ١٩٥٤- حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"لا ينال عهدي الظالمين"، يعني: لا عهد لظالم عليك في ظلمه، أن تطيعه فيه. ١٩٥٥- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، عن إسرائيل، عن مسلم الأعور، عن مجاهد، عن ابن عباس:"قال لا ينال عهدي الظالمين" قال، ليس للظالمين عهد، وإن عاهدته فانقضه. ١٩٥٦- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس قال، ليس لظالم عهد. * * * وقال آخرون: معنى"العهد" في هذا الموضع: الأمان. فتأويل الكلام على معنى قولهم: قال الله لا ينال أماني أعدائي، وأهل الظلم لعبادي. أي: لا أؤمنهم من عذابي في الآخرة. * ذكر من قال ذلك: ١٩٥٧- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"قال لا ينال عهدي الظالمين"، ذلكم عند الله يوم القيامة، لا ينال عهده ظالم، فأما في الدنيا، فقد نالوا عهد الله، فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم به. [[في المطبوعة: "وعادوهم"، والصواب من الدر المنثور ١: ١١٨، وقوله: "غازوهم" أي كانوا معهم في الغزو وشاركوهم في الغنائم.]] فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه. ١٩٥٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"لا ينال عهدي الظالمين" قال، لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم، وأكل به وعاش. ١٩٥٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن، عن إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم:"قال لا ينال عهدي الظالمين" قال، لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمون. فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به، وأكل وأبصر وعاش. * * * وقال آخرون: بل"العهد" الذي ذكره الله في هذا الموضع: دين الله. * ذكر من قال ذلك: ١٩٦٠- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: قال الله لإبراهيم:"لا ينال عهدي الظالمين" فقال: فعهد الله الذي عهد إلى عباده، دينه. يقول: لا ينال دينه الظالمين. ألا ترى أنه قال: ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [سورة الصافات:١١٣] ، يقول: ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق. ١٩٦١- حدثني يحيى بن جعفر قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"لا ينال عهدي الظالمين" قال، لا ينال عهدي عدو لي يعصيني، ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني. [[الأثر: ١٩٦١- يحيى بن جعفر، هو يحيى بن أبي طالب، وانظر الأثر رقم: ٢٨٤.]] * * * قال أبو جعفر: وهذا الكلام، وإن كان ظاهره ظاهر خبر = عن أنه لا ينال من ولد إبراهيم صلوات الله عليه عهد الله - الذي هو النبوة والإمامة لأهل الخير، بمعنى الاقتداء به في الدنيا، والعهد الذي بالوفاء به ينجو في الآخرة، من وفى لله به في الدنيا [[سياق هذه الجملة المعترضة: ". . لا ينال من ولد إبراهيم عهد الله. . . من كان منهم ظالما. . . ".]] - من كان منهم ظالما متعديا جائرا عن قصد سبيل الحق [[وسياق هذه الجملة التي اعترضتها الجملة الطويلة السالفة: "وإن كان ظاهره ظاهر خبر. . فهو إعلام من الله. . . "، وهكذا دأب أبي جعفر رضي الله عنه.]] . فهو إعلام من الله تعالى ذكره لإبراهيم: أن من ولده من يشرك به، ويجور عن قصد السبيل، ويظلم نفسه وعباده، كالذي:- ١٩٦٢- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مجاهد في قوله:"لا ينال عهدي الظالمين" قال: إنه سيكون في ذريتك ظالمون [[الأثر: ١٩٦٢- في المطبوعة"عتاب بن بشر"، وهو خطأ. هو عتاب بن بشير الجزري أبو الحسن ويقال أبو سهل الحراني (تهذيب التهذيب) والتاريخ الكبير للبخاري ٤/١/٥٦.]] * * * وأما نصب"الظالمين"، فلأن العهد هو الذي لا ينال الظالمين. وذكر أنه في قراءة ابن مسعود:"لا ينال عهدي الظالمون"، بمعنى: أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهد الله. * * * وإنما جاز الرفع في"الظالمين" والنصب، وكذلك في"العهد"، لأن كل ما نال المرء فقد ناله المرء، كما يقال:"نالني خير فلان، ونلت خيره"، فيوجه الفعل مرة إلى الخير ومرة إلى نفسه. * * * وقد بينا معنى"الظلم" فيما مضى، فكرهنا إعادته. [[انظر ما سلف ١: ٥٢٣-٥٢٤.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب