الباحث القرآني

﴿وَإذِ﴾ أيْ: واذْكُرْ إذْ ﴿ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ﴾ اخْتَبَرَهُ بِأوامِرَ ونَواهٍ، والِاخْتِبارُ مِنّا: لِظُهُورِ ما لَمْ نَعْلَمْ، ومِنَ اللهِ: لِإظْهارِ ما قَدْ عُلِمَ، وعاقِبَةُ الِابْتِلاءِ: ظُهُورُ الأمْرِ الخَفِيِّ في الشاهِدِ والغائِبِ جَمِيعًا، فَلِذا تَجُوزُ إضافَتُهُ إلى اللهِ (p-١٢٧)تَعالى. وقِيلَ: اخْتِبارُ اللهِ عَبْدَهُ مَجازٌ عَنْ تَمْكِينِهِ مِنَ اخْتِبارِ أحَدِ الأمْرَيْنِ، كَأنَّهُ يَمْتَحِنُهُ ما يَكُونُ مِنهُ حَتّى يُجازِيَهُ عَلى حَسَبِ ذَلِكَ. وقَرَأ أبُو حَنِيفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (إبْراهِيمُ رَبَّهُ) بِرَفْعِ إبْراهِيمَ، وهي قِراءَةُ ابْنِ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، أيْ: دَعاهُ بِكَلِماتٍ مِنَ الدُعاءِ فِعْلَ المُخْتَبِرِ، هَلْ يُجِيبُهُ إلَيْهِنَّ أمْ لا؟ ﴿فَأتَمَّهُنَّ﴾ أيْ: قامَ بِهِنَّ حَقَّ القِيامِ، وأدّاهُنَّ أحْسَنَ التَأْدِيَةِ مِن غَيْرِ تَفْرِيطٍ وتَوانٍ، ونَحْوُهُ: ﴿وَإبْراهِيمَ الَّذِي وفّى﴾ [النَجْمُ: ٣٧]. ومَعْناهُ في قِراءَةِ أبِي حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: فَأعْطاهُ ما طَلَبَهُ، لَمْ يَنْقُصْ مِنهُ شَيْئًا، والكَلِماتُ عَلى هَذا ما سَألَ إبْراهِيمُ رَبَّهُ في قَوْلِهِ: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَدًا آمِنًا﴾ [البَقَرَةُ: ١٢٦]، ﴿واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ [البَقَرَةُ: ١٢٨] ﴿وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنهُمْ﴾ [البَقَرَةُ: ١٢٩]، ﴿رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا﴾ [البَقَرَةُ: ١٢٧]. والكَلِماتُ عَلى القِراءَةِ المَشْهُورَةِ خَمْسُ في الرَأْسِ: الفَرْقُ، وقَصُّ الشارِبِ، والسِواكُ، والمَضْمَضَةُ، والِاسْتِنْشاقُ. وخَمْسُ في الجَسَدِ: الخِتانُ، وتَقْلِيمُ الأظْفارِ، ونَتْفُ الإبِطِ، وحَلْقُ العانَةِ، والِاسْتِنْجاءُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- هي ثَلاثُونَ سَهْمًا مِنَ الشَرائِعِ، عَشْرٌ في بَراءَةٍ ﴿التائِبُونَ﴾ الآيَةُ [التَوْبَةُ: ١١٢]، وعَشْرٌ في الأحْزابِ ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ﴾ الآيَةُ [الأحْزابُ: ٣٥]، وعَشْرٌ في المُؤْمِنِينَ والمَعارِجِ إلى قَوْلِهِ: " يُحافِظُونَ " [المُؤْمِنُونَ: ٩ والمَعارِجُ: ٣٤]. وقِيلَ: هي مَناسِكُ الحَجِّ، ﴿قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا﴾ هو اسْمُ (p-١٢٨)مَن يُؤْتَمُ بِهِ، أيْ: يَأْتَمُّونَ بِكَ في دِينِهِمْ ﴿قالَ ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ أيْ: واجْعَلْ مِن ذُرِّيَّتِي إمامًا يُقْتَدى بِهِ، ذُرِّيَّةَ الرَجُلِ: أوْلادُهُ ذُكُورُهم وإناثُهم فِيهِ سَواءٌ، فِعِّيلَةٌ مِنَ الذَرْءِ، أيِ: الخَلْقِ، فَأُبْدِلَتِ الهَمْزَةُ ياءً ﴿قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظالِمِينَ﴾ بِسُكُونِ الياءِ، حَمْزَةُ وحَفْصٌ. أيْ: لا تُصِيبُ الإمامَةُ أهْلَ الظُلْمِ مِن ولَدِكَ، أيْ: أهْلُ الكُفْرِ، أخْبَرَ أنَّ إمامَةَ المُسْلِمِينَ لا تَثْبُتُ لِأهْلِ الكُفْرِ، وأنَّ مِن أوْلادِهِ المُسْلِمِينَ والكافِرِينَ. قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَبارَكْنا عَلَيْهِ وعَلى إسْحاقَ ومِن ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [الصافّاتُ: ١١٣]. والمُحْسِنُ: المُؤْمِنُ، والظالِمُ: الكافِرُ. قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: هَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ الفاسِقَ لَيْسَ بِأهْلٍ لِلْإمامَةِ، قالُوا: وكَيْفَ يَجُوزُ نَصْبُ الظالِمِ لِلْإمامَةِ، والإمامُ إنَّما هو لِكَفِّ الظَلَمَةِ، فَإذا نُصِّبَ مَن كانَ ظالِمًا في نَفْسِهِ، فَقَدْ جاءَ المَثَلُ السائِرُ: "مَنِ اسْتَرْعى الذِئْبَ ظَلَمَ". ولَكُنّا نَقُولُ: المُرادُ بِالظالِمِ: الكافِرُ هُنا، إذْ هو الظالِمُ المُطْلَقُ. وقِيلَ: إنَّهُ سَألَ أنْ يَكُونَ ولَدُهُ نَبِيًّا كَما كانَ هُوَ، فَأُخْبِرَ أنَّ الظالِمَ لا يَكُونُ نَبِيًّا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب