الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأتَمَّهُنَّ﴾؛ اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " ابْتَلاهُ بِالمَناسِكِ " . وقالَ الحَسَنُ: " ابْتَلاهُ بِقَتْلِ ولَدِهِ والكَواكِبِ " .
ورَوى طاوُوسٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " ابْتَلاهُ بِالطَّهارَةِ خَمْسٌ في الرَّأْسِ وخَمْسٌ في الجَسَدِ فالخَمْسَةُ في الرَّأْسِ: قَصُّ الشّارِبِ، والمَضْمَضَةُ، والِاسْتِنْشاقُ، والسِّواكُ، وفَرْقُ الرَّأْسِ؛ وفي الجَسَدِ: تَقْلِيمُ الأظْفارِ، وحَلْقُ العانَةِ، والخِتانُ، ونَتْفُ الإبْطِ، وغَسْلُ أثَرِ الغائِطِ والبَوْلِ بِالماءِ " .
ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ» وذَكَرَ هَذِهِ الأشْياءَ إلّا أنَّهُ قالَ مَكانَ الفَرْقِ: «إعْفاءُ اللِّحْيَةِ» ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَأْوِيلَ الآيَةِ.
ورَواهُ عَمّارٌ وعائِشَةُ وأبُو هُرَيْرَةَ عَلى اخْتِلافٍ مِنهم في الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ، كَرِهْتُ الإطالَةَ بِذِكْرِ أسانِيدِها وسِياقَةِ ألْفاظِها؛ إذْ هي المَشْهُورَةُ، وقَدْ نَقَلَها النّاسُ قَوْلًا وعَمَلًا وعَرَفُوها مِن سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وما ذُكِرَ فِيهِ مِن تَأْوِيلِ الآيَةِ مَعَ ما قَدَّمْنا مِنِ اخْتِلافِ السَّلَفِ فِيهِ فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعالى ابْتَلى إبْراهِيمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ، ويَكُونُ مُرادُ الآيَةِ جَمِيعَهُ، وأنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أتَمَّ ذَلِكَ كُلَّهُ ووَفّى بِهِ وقامَ بِهِ عَلى حَسَبِ ما أمَرَهُ اللَّهُ تَعالى بِهِ مِن غَيْرِ نُقْصانٍ؛ لِأنَّ ضِدَّ الإتْمامِ النَّقْصُ، وقَدْ أخْبَرَ اللَّهُ بِإتْمامِهِنَّ وما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ العَشْرَ الخِصالِ في الرَّأْسِ والجَسَدِ مِنَ الفِطْرَةِ، فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ فِيها مُقْتَدِيًا بِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ أوْحَيْنا إلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٣] وبِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠] وهَذِهِ الخِصالُ قَدْ ثَبَتَتْ مِن سُنَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ومُحَمَّدٍ ﷺ وهي تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ التَّنْظِيفُ ونَفْيُ الأقْذارِ (p-٨٢)والأوْساخِ عَنِ الأبَدانِ والثِّيابِ مَأْمُورًا بِها.
ألا تَرى أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا حَظَرَ إزالَةَ التَّفَثِ والشَّعْرِ في الإحْرامِ أمَرَ بِهِ عِنْدَ الإحْلالِ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] ومِن نَحْوِ ذَلِكَ ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في غُسْلِ يَوْمِ الجُمُعَةِ «أنْ يَسْتاكَ وأنْ يَمَسَّ مِن طِيبِ أهْلِهِ» فَهَذِهِ كُلُّها خِصالٌ مُسْتَحْسَنَةٌ في العُقُولِ مَحْمُودَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ في الأخْلاقِ والعاداتِ، وقَدْ أكَّدَها التَّوْقِيفُ مِنَ الرَّسُولِ ﷺ .
وقَدْ حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَيّانَ التَّمّارُ قالَ: حَدَّثَنا أبُو الوَلِيدِ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبارَكِ قالا: حَدَّثَنا قُرَيْشُ بْنُ حَيّانَ العِجْلِيُّ قالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ فَرُّوخَ أبُو واصِلٍ قالَ: أتَيْتُ أبا أيُّوبَ فَصافَحْتُهُ فَرَأى في أظْفارِي طُولًا فَقالَ: «جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ يَسْألُهُ عَنْ خَبَرِ السَّماءِ، فَقالَ: يَجِيءُ أحَدُكم يَسْألُ عَنْ خَبَرِ السَّماءِ وأظْفارُهُ كَأنَّها أظْفارُ الطَّيْرِ يَجْتَمِعُ فِيها الخَباثَةُ والتَّفَثُ ؟» .
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أيُّوبَ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوانَ الحَذّاءُ قالَ: حَدَّثَنا الضَّحّاكُ بْنُ زَيْدٍ الأهْوازِيُّ عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ خالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أبِي حازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قُلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ «إنَّكَ تَهِمُ قالَ: وما لِي لا أهِمُ ورُفْغُ أحَدِكم بَيْنَ أظْفارِهِ وأنامِلِهِ» .
وقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ «كانَ يُقَلِّمُ أظْفارَهُ ويَقُصُّ شارِبَهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ أنْ يَرُوحَ إلى الجُمُعَةِ». وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ البَصْرِيُّ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنْ وكِيعٍ، عَنِ الأوْزاعِيِّ، عَنْ حَسّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «أتانا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَرَأى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقالَ: أما كانَ يَجِدُ هَذا ما يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ ؟ ورَأى رَجُلًا آخَرَ عَلَيْهِ ثِيابٌ وسِخَةٌ فَقالَ: أما كانَ يَجِدُ هَذا ما يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ ؟» حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ إسْحاقَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ السَّدُوسِيُّ قالَ: حَدَّثَنا أبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلى قالَ: حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: «خَمْسٌ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَدَعُهُنَّ في سَفَرٍ ولا حَضَرٍ: المِرْآةُ والمُكْحُلَةُ والمُشْطُ والمِدْرى والسِّواكِ» .
وقَدْ رُوِيَ أنَّهُ وقَّتَ في ذَلِكَ أرْبَعِينَ يَوْمًا؛ حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا الحُسَيْنُ بْنُ المُثَنّى عَنْ مُعاذٍ قالَ: حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إبْراهِيمَ قالَ: حَدَّثَنا صَدَقَةُ الدَّقِيقِيُّ قالَ: حَدَّثَنا أبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: «وقَّتَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في حَلْقِ العانَةِ وقَصِّ الشّارِبِ ونَتْفِ الإبْطِ أرْبَعِينَ يَوْمًا» .
ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ كانَ يَتَنَوَّرُ؛ حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا إدْرِيسُ الحَدّادُ قالَ: حَدَّثَنا عاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قالَ: حَدَّثَنا كامِلُ بْنُ العَلاءِ قالَ: حَدَّثَنا حَبِيبُ بْنُ أبِي ثابِتٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ إذا أطْلى ولِيَ مَغابِنَهُ بِيَدِهِ» .
حَدَّثَنا (p-٨٣)عَبْدُ الباقِي: حَدَّثَنا مُطَيْرٌ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ: حَدَّثَنا مَعْنُ بْنُ عِيسى عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «أطْلى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَطَلاهُ رَجُلٌ فَسَتَرَ عَوْرَتَهُ بِثَوْبٍ وطَلى الرَّجُلُ سائِرَ جَسَدِهِ، فَلَمّا فَرَغَ قالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: اُخْرُجْ عَنِّي ثُمَّ طَلى النَّبِيُّ ﷺ عَوْرَتَهُ بِيَدِهِ» وقَدْ رَوى حَبِيبُ بْنُ أبِي ثابِتٍ عَنْ أنَسٍ قالَ: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ لا يَتَنَوَّرُ، فَإذا كَثُرَ شَعْرُهُ حَلَقَهُ» .
وهَذا يَحْتَمِلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ أنَّ عادَتَهُ كانَتِ الحَلْقَ، وأنَّ ذَلِكَ كانَ الأكْثَرَ الأعَمَّ لِيَصِحَّ الحَدِيثانِ، وأمّا ما ذُكِرَ مِن تَوْقِيتِ الأرْبَعِينَ في الحَدِيثِ المُتَقَدِّمِ فَجائِزٌ أنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ في التَّأْخِيرِ مُقَدَّرَةً بِذَلِكَ وأنَّ تَأْخِيرَها إلى ما بَعْدَ الأرْبَعِينَ مَحْظُورٌ يَسْتَحِقُّ فاعِلُهُ اللَّوْمَ لِمُخالَفَةِ السُّنَّةِ، لا سِيَّما في قَصِّ الشّارِبِ وقَصِّ الأظْفارِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ ذَكَرَ أبُو جَعْفَرٍ الطَّحاوِيُّ أنَّ مَذْهَبَ أبِي حَنِيفَةَ وزُفَرَ وأبِي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ في شَعْرِ الرَّأْسِ والشّارِبِ أنَّ الإحْفاءَ أفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ عَنْهُ وإنْ كانَ مَعَهُ حَلْقُ بَعْضِ الشَّعْرِ؛ قالَ: وقالَ ابْنُ الهَيْثَمِ عَنْ مالِكٍ إحْفاءُ الشّارِبِ عِنْدِي مُثْلَةٌ قالَ مالِكٌ: وتَفْسِيرُ حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ في إحْفاءِ الشّارِبِ الإطارُ، وكانَ يَكْرَهُ أنْ يُؤْخَذَ مِن أعْلاهُ، وإنَّما كانَ يُوَسِّعُ في الإطارِ مِنهُ فَقَطْ وذَكَرَ عَنْهُ أشْهَبُ قالَ: وسَألْتُ مالِكًا عَمَّنْ أحْفى شارِبِهِ قالَ: أرى أنْ يَوْجَعَ ضَرْبًا، لَيْسَ حَدِيثُ النَّبِيِّ ﷺ في الإحْفاءِ كانَ يَقُولُ لَيْسَ يُبْدِي حَرْفَ الشَّفَتَيْنِ الإطارُ ثُمَّ قالَ: لَمْ يَحْلِقْ شارِبَهُ، هَذِهِ بِدَعٌ تَظْهَرُ في النّاسِ، كانَ عُمَرَ إذا حَزَبَهُ أمْرٌ نَفَخَ فَجَعَلَ يَفْتِلُ شارِبَهُ.
وسُئِلَ الأوْزاعِيُّ عَنِ الرَّجُلِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ، فَقالَ: أمّا في الحَضَرِ لا يُعْرَفُ إلّا في يَوْمِ النَّحْرِ، وهو في العُرْفِ وكانَ عَبْدَةُ بْنُ أبِي لُبابَةَ يَذْكُرُ فِيهِ فَضْلًا عَظِيمًا.
وقالَ اللَّيْثُ: لا أُحِبُّ أنْ يَحْلِقَ أحَدٌ شارِبَهُ حَتّى يَبْدُوَ الجِلْدُ، وأكْرَهُهُ؛ ولَكِنْ يَقُصُّ الَّذِي عَلى طَرَفِ الشّارِبِ، وأكْرَهُ أنْ يَكُونَ طَوِيلَ الشّارِبِ وقالَ إسْحاقُ بْنُ أبِي إسْرائِيلَ: سَألْتُ عَبْدَ المَجِيدِ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أبِي رُوادٍ عَنْ حَلْقِ الرَّأْسِ فَقالَ: أمّا بِمَكَّةَ فَلا بَأْسَ بِهِ؛ لِأنَّهُ بَلَدُ الحَلْقِ، وأمّا في غَيْرِهِ مِنَ البُلْدانِ فَلا، قالَ أبُو جَعْفَرٍ: ولَمْ نَجِدْ في ذَلِكَ عَنِ الشّافِعِيِّ شَيْئًا مَنصُوصًا؛ وأصْحابُهُ الَّذِينَ رَأيْناهم: المُزَنِيُّ والرَّبِيعُ، كانا يُحْفِيانِ شَوارِبَهُما، فَدَلَّ عَلى أنَّهُما أخَذا ذَلِكَ عَنِ الشّافِعِيِّ، وقَدْ رَوَتْ عائِشَةُ وأبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «الفِطْرَةُ عَشْرَةٌ، مِنها قَصُّ الشّارِبِ» .
ورَوى المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ أخَذَ مِن شَوارِبِهِ عَلى سِواكٍ» . وهَذا جائِزٌ مُباحٌ، وإنْ كانَ غَيْرُهُ أفْضَلَ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ فَعَلَهُ لِعَدَمِ آلَةِ الإحْفاءِ في الوَقْتِ، ورَوى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجُزُّ شارِبَهُ»؛ وهَذا يَحْتَمِلُ (p-٨٤)الإحْفاءَ، ورَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أحْفُوا الشّارِبَ وأعْفُوا اللِّحى» .
ورَوى العَلاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «جُزُّوا الشَّوارِبَ وأرْخُوا اللِّحى» وهَذا يَحْتَمِلُ الإحْفاءَ أيْضًا ورَوى عُمَرُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «أحْفُوا الشَّوارِبَ وأعْفُوا اللِّحى» وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مُرادَهُ بِالخَبَرِ الأوَّلِ الإحْفاءُ، والإحْفاءُ يَقْتَضِي ظُهُورَ الجِلْدِ بِإزالَةِ الشَّعْرِ، كَما يُقالُ رِجْلٌ حافٍ، إذا لَمْ يَكُنْ في رِجْلِهِ شَيْءٌ ويُقالُ حَفِيَتْ رِجْلُهُ وحَفِيَتِ الدّابَّةُ؛ إذا أصابَ أسْفَلَ رِجْلِها وهْنٌ مِنَ الحَفاءِ قالَ: ورُوِيَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأبِي أُسَيْدَ ورافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وجابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وأبِي هُرَيْرَةَ أنَّهم كانُوا يُحْفُونَ شَوارِبَهم وقالَ إبْراهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَطّابٍ: رَأيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَحْلِقُ شارِبَهُ كَأنَّهُ يَنْتِفُهُ. وقالَ بَعْضُهم: حَتّى يُرى بَياضُ الجِلْدِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: ولَمّا كانَ التَّقْصِيرُ مَسْنُونًا في الشّارِبِ عِنْدَ الجَمِيعِ كانَ الحَلْقُ أفْضَلَ؛ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ المُحَلِّقِينَ» ثَلاثًا؛ ودَعا لِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً، فَجَعَلَ حَلْقَ الرَّأْسِ أفْضَلَ مِنَ التَّقْصِيرِ، وما احْتَجَّ بِهِ مالِكٌ أنَّ عُمَرَ كانَ يَفْتِلُ شارِبَهُ إذا غَضِبَ فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ كانَ يَتْرُكُهُ حَتّى يُمْكِنَ فَتْلُهُ ثُمَّ يَحْلِقُهُ كَما تَرى كَثِيرًا مِنَ النّاسِ يَفْعَلُهُ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا﴾ فَإنَّ الإمامَ مَن يُؤْتَمُّ بِهِ في أُمُورِ الدِّينِ مِن طَرِيقِ النُّبُوَّةِ، وكَذَلِكَ سائِرُ الأنْبِياءِ أئِمَّةٌ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لِما ألْزَمَ اللَّهُ تَعالى النّاسَ مِنِ اتِّباعِهِمْ والِائْتِمامِ بِهِمْ في أُمُورِ دِينِهِمْ؛ فالخُلَفاءُ أئِمَّةٌ؛ لِأنَّهم رُتِّبُوا في المَحَلِّ الَّذِي يَلْزَمُ النّاسَ اتِّباعُهم وقَبُولُ قَوْلِهِمْ وأحْكامِهِمْ، والقُضاةُ والفُقَهاءُ أئِمَّةٌ أيْضًا، ولِهَذا المَعْنى الَّذِي يُصَلِّي بِالنّاسِ يُسَمّى إمامًا؛ لِأنَّ مَن دَخَلَ في صَلاتِهِ لَزِمَهُ الِاتِّباعُ لَهُ والِائْتِمامُ بِهِ.
وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّما جُعِلَ الإمامُ إمامًا لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَإذا رَكَعَ فارْكَعُوا، وإذا سَجَدَ فاسْجُدُوا» وقالَ: «لا تَخْتَلِفُوا عَلى إمامِكم» فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ اسْمَ الإمامَةِ مُسْتَحَقٌّ لِمَن يَلْزَمُ اتِّباعُهُ والِاقْتِداءُ بِهِ في أُمُورِ الدِّينِ أوْ في شَيْءٍ مِنها وقَدْ يُسَمّى بِذَلِكَ مَن يُؤْتَمَ بِهِ في الباطِلِ، إلّا أنَّ الإطْلاقَ لا يَتَناوَلُهُ، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿وجَعَلْناهم أئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النّارِ﴾ [القصص: ٤١] فَسُمُّوا أئِمَّةً؛ لِأنَّهم أنْزَلُوهم بِمَنزِلَةِ مِن يُقْتَدى بِهِمْ في أُمُورِ الدِّينِ وإنْ لَمْ يَكُونُوا أئِمَّةً يَجِبُ الِاقْتِداءُ بِهِمْ كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَما أغْنَتْ عَنْهم آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ﴾ [هود: ١٠١] وقالَ: ﴿وانْظُرْ إلى إلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفًا﴾ [طه: ٩٧] يَعْنِي في زَعْمِكَ واعْتِقادِكَ وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أخْوَفُ ما أخافُ عَلى أُمَّتِي أئِمَّةٌ مُضِلُّونَ» والإطْلاقُ إنَّما يَتَناوَلُ مَن يَجِبُ الِائْتِمامُ بِهِ في دِينِ اللَّهِ تَعالى وفي الحَقِّ (p-٨٥)والهُدى.
ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا﴾ قَدْ أفادَ ذَلِكَ مِن غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وأنَّهُ لَمّا ذَكَرَ أئِمَّةَ الضَّلالِ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ ﴿يَدْعُونَ إلى النّارِ﴾ [القصص: ٤١]
وإذا ثَبَتَ أنَّ اسْمَ الإمامَةِ يَتَناوَلُ ما ذَكَرْناهُ، فالأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ في أعْلى رُتْبَةِ الإمامَةِ، ثُمَّ الخُلَفاءُ الرّاشِدُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ العُلَماءُ والقُضاةُ العُدُولُ ومَن ألْزَمَ اللَّهُ تَعالى الِاقْتِداءَ بِهِمْ، ثُمَّ الإمامَةُ في الصَّلاةِ ونَحْوِها، فَأخْبَرَ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ عَنْ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ جاعِلُهُ لِلنّاسِ إمامًا وأنَّ إبْراهِيمَ سَألَهُ أنْ يَجْعَلَ مِن ولَدِهِ أئِمَّةً بِقَوْلِهِ: ﴿ومِن ذُرِّيَّتِي﴾؛ لِأنَّهُ عُطِفَ عَلى الأوَّلِ فَكانَ بِمَنزِلَةِ " واجْعَلْ مِن ذُرِّيَّتِي أئِمَّةً " .
ويَحْتَمِلُ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ ﴿ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ مَسْألَتَهُ تَعْرِيفَهُ هَلْ يَكُونُ مِن ذُرِّيَّتِي أئِمَّةٌ ؟ فَقالَ تَعالى في جَوابِهِ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ فَحَوى ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ أنَّهُ سَيَجْعَلُ مِن ذُرِّيَّتِهِ أئِمَّةً إمّا عَلى وجْهِ تَعْرِيفِهِ ما سَألَهُ أنْ يُعَرِّفَهُ إيّاهُ، وإمّا عَلى وجْهِ إجابَتِهِ إلى ما سَألَ لِذُرِّيَّتِهِ إذا كانَ قَوْلُهُ ﴿ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ مَسْألَتَهُ أنْ يَجْعَلَ مِن ذُرِّيَّتِهِ أئِمَّةً، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ أرادَ الأمْرَيْنِ جَمِيعًا، وهو مَسْألَتُهُ أنْ يَجْعَلَ مِن ذُرِّيَّتِهِ أئِمَّةً وأنْ يُعَرِّفَهُ ذَلِكَ، وأنَّهُ إجابَةٌ إلى مَسْألَتِهِ؛ لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنهُ إجابَةٌ إلى مَسْألَتِهِ لَقالَ: " لَيْسَ في ذُرِّيَّتِكَ أئِمَّةٌ " وقالَ: " لا يَنالُ عَهْدِي مِن ذُرِّيَّتِكَ أحَدٌ " فَلَمّا قالَ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ دَلَّ عَلى أنَّ الإجابَةَ قَدْ وقَعَتْ لَهُ في أنَّ في ذُرِّيَّتِهِ أئِمَّةً، ثُمَّ قالَ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ فَأخْبَرَ أنَّ الظّالِمِينَ مِن ذُرِّيَّتِهِ لا يَكُونُونَ أئِمَّةً ولا يَجْعَلُهم مَوْضِعَ الِاقْتِداءِ بِهِمْ وقَدْ رُوِيَ عَنْ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ أنَّهُ النُّبُوَّةَ.
وعَنْ مُجاهِدٍ: أنَّهُ أرادَ أنَّ الظّالِمَ لا يَكُونُ إمامًا، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: " لا يَلْزَمُ الوَفاءُ بِعَهْدِ الظّالِمِ، فَإذا عَقَدَ عَلَيْكَ في ظُلْمٍ فانْقُضْهُ " . وقالَ الحَسَنُ: " لَيْسَ لَهم عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ يُعْطِيهِمْ عَلَيْهِ خَيْرًا في الآخِرَةِ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ جَمِيعُ ما رُوِيَ مِن هَذِهِ المَعانِي يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ مُرادًا لِلَّهِ تَعالى، وهو مَحْمُولٌ عَلى ذَلِكَ عِنْدَنا، فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الظّالِمُ نَبِيًّا ولا خَلِيفَةً لِنَبِيٍّ ولا قاضِيًا، ولا مَن يَلْزَمُ النّاسَ قَبُولُ قَوْلِهِ في أُمُورِ الدِّينِ مِن مُفْتٍ أوْ شاهِدٍ أوْ مُخْبِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خَبَرًا فَقَدْ أفادَتِ الآيَةُ أنَّ شَرْطَ جَمِيعِ مَن كانَ في مَحَلِّ الِائْتِمامِ بِهِ في أمْرِ الدِّينِ العَدالَةُ والصَّلاحُ، وهَذا يَدُلُّ أيْضًا عَلى أئِمَّةَ الصَّلاةِ يَنْبَغِي أنْ يَكُونُوا صالِحِينَ غَيْرَ فُسّاقٍ ولا ظالِمِينَ لِدَلالَةِ الآيَةِ عَلى شَرْطِ العَدالَةِ لِمَن نُصِبَ مَنصِبَ الِائْتِمامِ بِهِ في أُمُورِ الدِّينِ؛ لِأنَّ عَهْدَ اللَّهِ هو أوامِرُهُ، فَلَمْ يُجْعَلْ قَبُولُهُ عَنِ الظّالِمِينَ مِنهم وهو ما أوْدَعَهم مِن أُمُورِ دِينِهِ وأجازَ قَوْلَهم فِيهِ وأمَرَ النّاسَ بِقَبُولِهِ مِنهم والِاقْتِداءِ بِهِمْ فِيهِ.
ألا تَرى إلى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم يا بَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا (p-٨٦)الشَّيْطانَ إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٠] يَعْنِي أُقَدِّمُ إلَيْكُمُ الأمْرَ بِهِ؛ وقالَ تَعالى: ﴿الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ عَهِدَ إلَيْنا﴾ [آل عمران: ١٨٣] ومِنهُ عَهْدُ الخُلَفاءِ إلى أُمَرائِهِمْ وقُضاتِهِمْ إنَّما هو ما يَتَقَدَّمُ بِهِ إلَيْهِمْ لِيَحْمِلُوا النّاسَ عَلَيْهِ ويَحْكُمُوا بِهِ فِيهِمْ؛ وذَلِكَ لِأنَّ عَهْدَ اللَّهِ إذا كانَ إنَّما هو أوامِرُهُ لَمْ يَخْلُ قَوْلُهُ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ مِن أنْ يُرِيدَ أنَّ الظّالِمِينَ غَيْرُ مَأْمُورِينَ أوْ أنَّ الظّالِمِينَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونُوا بِمَحَلِّ مَن يُقْبَلُ مِنهم أوامِرُ اللَّهِ تَعالى وأحْكامُهُ ولا يُؤْمَنُونَ عَلَيْها؛ فَلَمّا بَطَلَ الوَجْهُ الأوَّلُ لِاتِّفاقِ المُسْلِمِينَ عَلى أنَّ أوامِرَ اللَّهِ تَعالى لازِمَةٌ لِلظّالِمِينَ كَلُزُومِها لِغَيْرِهِمْ وأنَّهم إنَّما اسْتَحَقُّوا سِمَةَ الظُّلْمِ لِتَرْكِهِمْ أوامِرَ اللَّهِ، ثَبَتَ الوَجْهُ الآخَرُ وهو أنَّهم غَيْرُ مُؤْتَمَنِينَ عَلى أوامِرِ اللَّهِ تَعالى وغَيْرُ مُقْتَدًى بِهِمْ فِيها، فَلا يَكُونُونَ أئِمَّةً في الدِّينِ، فَثَبَتَ بِدَلالَةِ هَذِهِ الآيَةِ بُطْلانُ إمامَةِ الفاسِقِ وأنَّهُ لا يَكُونُ خَلِيفَةً، وأنَّ مَن نَصَّبَ نَفْسَهُ في هَذا المَنصِبِ وهو فاسِقٌ لَمْ يَلْزَمِ النّاسَ اتِّباعُهُ ولا طاعَتُهُ.
وكَذَلِكَ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا طاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخالِقِ» . ودَلَّ أيْضًا عَلى أنَّ الفاسِقَ لا يَكُونُ حاكِمًا، وأنَّ أحْكامَهُ لا تَنْفُذُ إذا ولِيَ الحُكْمَ، وكَذَلِكَ لا تُقْبَلُ شَهادَتُهُ ولا خَبَرُهُ إذا أخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ولا فُتْياهُ إذا كانَ مُفْتِيًا، وأنَّهُ لا يُقَدَّمُ لِلصَّلاةِ، وإنْ كانَ لَوْ قُدِّمَ واقْتَدى بِهِ مُقْتَدٍ كانَتْ صَلاتُهُ ماضِيَةً فَقَدْ حَوى قَوْلُهُ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ هَذِهِ المَعانِيَ كُلَّها ومِنَ النّاسِ مَن يَظُنُّ أنَّ مَذْهَبَ أبِي حَنِيفَةَ تَجْوِيزُ إمامَةِ الفاسِقِ وخِلافَتِهِ وأنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الحاكِمِ فَلا يُجِيزُ حُكْمَهُ، وذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ المُتَكَلِّمِينَ وهو المُسَمّى زُرْقانَ وقَدْ كَذَبَ في ذَلِكَ وقالَ بِالباطِلِ، ولَيْسَ هو أيْضًا مِمَّنْ تُقْبَلُ حِكايَتُهُ ولا فَرْقَ عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ القاضِي وبَيْنَ الخَلِيفَةِ في أنَّ شَرْطَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما العَدالَةُ، وأنَّ الفاسِقَ لا يَكُونُ خَلِيفَةً ولا يَكُونُ حاكِمًا؛ كَما لا تُقْبَلُ شَهادَتُهُ ولا خَبَرُهُ لَوْ رَوى خَبَرًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وكَيْفَ يَكُونُ خَلِيفَةً ورِوايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وأحْكامُهُ غَيْرُ نافِذَةٍ وكَيْفَ يَجُوزُ أنْ يُدْعى ذَلِكَ عَلى أبِي حَنِيفَةَ وقَدْ أكْرَهَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ في أيّامِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلى القَضاءِ وضَرَبَهُ فامْتَنَعَ مِن ذَلِكَ وحُبِسَ فَلَجَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ وجَعَلَ يَضْرِبُهُ كُلَّ يَوْمٍ أسْواطًا.
فَلَمّا خِيفَ عَلَيْهِ قالَ لَهُ الفُقَهاءُ: فَتَوَلَّ شَيْئًا مِن أعْمالِهِ أيَّ شَيْءٍ كانَ حَتّى يَزُولَ عَنْكَ هَذا الضَّرْبُ فَتَوَلّى لَهُ عَدَّ أحْمالِ التِّبْنِ الَّذِي يَدْخُلُ، فَخَلّاهُ، ثُمَّ دَعاهُ المَنصُورُ إلى مِثْلِ ذَلِكَ فَأبى، فَحَبَسَهُ حَتّى عَدَّ لَهُ اللَّبِنَ الَّذِي كانَ يُضْرَبُ لِسُورِ مَدِينَةِ بَغْدادَ وكانَ مَذْهَبُهُ مَشْهُورًا في قِتالِ الظَّلَمَةِ وأئِمَّةِ الجَوْرِ، ولِذَلِكَ قالَ الأوْزاعِيُّ: " احْتَمَلْنا أبا حَنِيفَةَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَتّى جاءَنا بِالسَّيْفِ يَعْنِي قِتالَ الظَّلَمَةِ فَلَمْ نَحْتَمِلْهُ، وكانَ مِن (p-٨٧)قَوْلِهِ: وُجُوبُ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ فَرْضٌ بِالقَوْلِ، فَإنْ لَمْ يُؤْتَمَرْ لَهُ فَبِالسَّيْفِ، عَلى ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ .
وسَألَهُ إبْراهِيمُ الصّائِغُ وكانَ مِن فُقَهاءِ أهْلِ خُراسانَ ورُواةِ الأخْبارِ ونُسّاكِهِمْ عَنِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، فَقالَ: " هو فَرْضٌ " وحَدَّثَهُ بِحَدِيثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «أفْضَلُ الشُّهَداءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ورَجُلٌ قامَ إلى إمامٍ جائِرٍ فَأمَرَهُ بِالمَعْرُوفِ ونَهاهُ عَنِ المُنْكَرِ فَقُتِلَ» . فَرَجَعَ إبْراهِيمُ إلى مَرْوَ وقامَ إلى أبِي مُسْلِمٍ صاحِبِ الدَّوْلَةِ فَأمَرَهُ ونَهاهُ وأنْكَرَ عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وسَفْكَهُ الدِّماءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فاحْتَمَلَهُ مِرارًا ثُمَّ قَتَلَهُ.
وقَضِيَّتُهُ في أمْرِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ مَشْهُورَةٌ وفي حَمْلِهِ المالَ إلَيْهِ وفُتْياهُ النّاسَ سِرًّا في وُجُوبِ نُصْرَتِهِ والقِتالِ مَعَهُ وكَذَلِكَ أمْرُهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وإبْراهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، وقالَ لِأبِي إسْحاقَ الفَزارِيِّ حِينَ قالَ لَهُ: لِمَ أشَرْتَ عَلى أخِي بِالخُرُوجِ مَعَ إبْراهِيمَ حَتّى قُتِلَ ؟ قالَ: مَخْرَجُ أخِيكَ أحَبُّ إلَيَّ مِن مَخْرَجِكَ " .
وكانَ أبُو إسْحاقَ قَدْ خَرَجَ إلى البَصْرَةِ، وهَذا إنَّما أنْكَرَهُ عَلَيْهِ أغْمارُ أصْحابِ الحَدِيثِ الَّذِينَ بِهِمْ فُقِدَ الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ حَتّى تَغَلَّبَ الظّالِمُونَ عَلى أُمُورِ الإسْلامِ، فَمَن كانَ هَذا مَذْهَبَهُ في الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ كَيْفَ يَرى إمامَةَ الفاسِقِ ؟ فَإنَّما جاءَ غَلَطُ مَن غَلِطَ في ذَلِكَ، إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَمَّدَ الكَذِبَ مِن جِهَةِ قَوْلِهِ وقَوْلِ سائِرِ مَن يَعْرِفُ قَوْلَهُ مِنَ العِراقِيِّينَ، أنَّ القاضِيَ إذا كانَ عَدْلًا في نَفْسِهِ فَوَلِي القَضاءَ مِن قِبَلِ إمامٍ جائِرٍ أنَّ أحْكامَهُ نافِذَةٌ وقَضاياهُ صَحِيحَةٌ وأنَّ الصَّلاةَ خَلْفَهم جائِزَةٌ مَعَ كَوْنِهِمْ فُسّاقًا وظَلَمَةً، وهَذا مَذْهَبٌ صَحِيحٌ ولا دَلالَةَ فِيهِ عَلى أنَّ مِن مَذْهَبِهِ إمامَةَ الفاسِقِ، وذَلِكَ لِأنَّ القاضِيَ إذا كانَ عَدْلًا فَإنَّما يَكُونُ قاضِيًا بِأنْ يُمْكِنَهُ تَنْفِيذُ الأحْكامِ وكانَتْ لَهُ يَدٌ وقُدْرَةٌ عَلى مَنِ امْتَنَعَ مِن قَبُولِ أحْكامِهِ حَتّى يُجْبِرَهُ عَلَيْها، ولا اعْتِبارَ في ذَلِكَ بِمَن ولّاهُ؛ لِأنَّ الَّذِي ولّاهُ إنَّما هو بِمَنزِلَةِ سائِرِ أعْوانِهِ.
ولَيْسَ شَرْطُ أعْوانِ القاضِي أنْ يَكُونُوا عُدُولًا؛ ألا تَرى أنَّ أهْلَ بَلَدٍ لا سُلْطانَ عَلَيْهِمْ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلى الرِّضا بِتَوْلِيَةِ رَجُلٍ عَدْلٍ مِنهُمُ القَضاءَ حَتّى يَكُونُوا أعْوانًا لَهُ عَلى مَنِ امْتَنَعَ مِن قَبُولِ أحْكامِهِ لَكانَ قَضاؤُهُ نافِذًا وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلايَةٌ مِن جِهَةِ إمامٍ ولا سُلْطانٍ ؟ وعَلى هَذا تَوَلّى شُرَيْحٌ وقُضاةُ التّابِعِينَ القَضاءَ مِن قِبَلِ بَنِي أُمَيَّةَ، وقَدْ كانَ شُرَيْحٌ قاضِيًا بِالكُوفَةِ إلى أيّامِ الحَجّاجِ، ولَمْ يَكُنْ في العَرَبِ ولا آلِ مَرْوانَ أظْلَمُ ولا أكْفَرُ ولا أفْجَرُ مِن عَبْدِ المَلِكِ، ولَمْ يَكُنْ في عُمّالِهِ أكْفَرُ ولا أظْلَمُ ولا أفْجَرُ مِن الحَجّاجِ وكانَ عَبْدُ المَلِكِ أوَّلَ مَن قَطَعَ ألْسِنَةَ النّاسِ في الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ (p-٨٨)والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، صَعِدَ المِنبَرَ فَقالَ: " إنِّي واللَّهِ ما أنا بِالخَلِيفَةِ المُسْتَضْعَفِ يَعْنِي عُثْمانَ ولا بِالخَلِيفَةِ المُصانَعِ يَعْنِي مُعاوِيَةَ وإنَّكم تَأْمُرُونَنا بِأشْياءَ تَنْسَوْنَها في أنْفُسِكم؛ واللَّهِ لا يَأْمُرُنِي أحَدٌ بَعْدَ مَقامِي هَذا بِتَقْوى اللَّهِ إلّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ " وكانُوا يَأْخُذُونَ الأرْزاقَ مِن بُيُوتِ أمْوالِهِمْ وقَدْ كانَ المُخْتارُ الكَذّابُ يَبْعَثُ إلى ابْنِ عَبّاسٍ ومُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ وابْنِ عُمَرَ بِأمْوالٍ، فَيَقْبَلُونَها، وذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ عَنِ القَعْقاعِ قالَ: كَتَبَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مَرْوانَ إلى ابْنِ عُمَرَ " ارْفَعْ إلَيَّ حَوائِجَكَ " فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «إنَّ اليَدَ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى» وأحْسَبُ أنَّ اليَدَ العُلْيا يَدُ المُعْطِي وأنَّ اليَدَ السُّفْلى يَدُ الآخِذِ، وإنِّي لَسْتُ سائِلَكَ شَيْئًا ولا رادًّا عَلَيْكَ رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ مِنكَ، والسَّلامُ وقَدْ كانَ الحَسَنُ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والشَّعْبِيُّ وسائِرُ التّابِعِينَ يَأْخُذُونَ أرْزاقَهم مِن أيْدِي هَؤُلاءِ الظَّلَمَةِ، لا عَلى أنَّهم كانُوا يَتَوَلَّوْنَهم ولا يَرَوْنَ إمامَتَهم، وإنَّما كانُوا يَأْخُذُونَها عَلى أنَّها حُقُوقٌ لَهم في أيْدِي قَوْمٍ فَجَرَةٍ.
وكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ عَلى وجْهِ مُوالاتِهِمْ وقَدْ ضَرَبُوا وجْهَ الحَجّاجِ بِالسَّيْفِ، وخَرَجَ عَلَيْهِ مِنَ القُرّاءِ أرْبَعَةُ آلافِ رَجُلٍ هم خِيارُ التّابِعِينَ وفُقَهاؤُهم فَقاتَلُوهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأشْعَثِ بِالأهْوازِ ثُمَّ بِالبَصْرَةِ ثُمَّ بِدَيْرِ الجَماجِمِ مِن ناحِيَةِ الفُراتِ بِقُرْبِ الكُوفَةِ وهم خالِعُونَ لِعَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ لاعِنُونَ لَهم مُتَبَرِّئُونَ مِنهم وكَذَلِكَ كانَ سَبِيلُ مَن قَبْلَهم مَعَ مُعاوِيَةَ حِينَ تَغَلَّبَ عَلى الأمْرِ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ وقَدْ كانَ الحَسَنُ والحُسَيْنُ يَأْخُذانِ العَطاءَ وكَذَلِكَ مَن كانَ في ذَلِكَ العَصْرِ مِنَ الصَّحابَةِ وهم غَيْرُ مُتَوَلِّينَ لَهُ بَلْ مُتَبَرِّئُونَ مِنهُ عَلى السَّبِيلِ الَّتِي كانَ عَلَيْها عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى أنْ تَوَفّاهُ اللَّهُ تَعالى إلى جَنَّتِهِ ورِضْوانِهِ.
فَلَيْسَ إذًا في وِلايَةِ القَضاءِ مِن قِبَلِهِمْ ولا أخْذِ العَطاءِ مِنهم دَلالَةٌ عَلى تَوْلِيَتِهِمْ واعْتِقادِ إمامَتِهِمْ ورُبَّما احْتَجَّ بَعْضُ أغْبِياءِ الرَّفَضَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ في رَدِّ إمامَةِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ لِأنَّهُما كانا ظالِمَيْنِ حِينَ كانا مُشْرِكَيْنِ في الجاهِلِيَّةِ وهَذا جَهْلٌ مُفْرِطٌ؛ لِأنَّ هَذِهِ السِّمَةَ إنَّما تَلْحَقُ مَن كانَ مُقِيمًا عَلى الظُّلْمِ، فَأمّا التّائِبُ مِنهُ فَهَذِهِ السِّمَةُ زائِلَةٌ عَنْهُ، فَلا جائِزَ أنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ؛ لِأنَّ الحُكْمَ إذا كانَ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ فَزالَتِ الصِّفَةُ زالَ الحُكْمُ، وصِفَةُ الظُّلْمِ صِفَةُ ذَمٍّ، فَإنَّما يَلْحَقُهُ ما دامَ مُقِيمًا عَلَيْهِ، فَإذا زالَ عَنْهُ زالَتِ الصِّفَةِ عَنْهُ؛ كَذَلِكَ يَزُولُ عَنْهُ الحُكْمُ الَّذِي عَلِقَ بِهِ مِن نَفْيِ نَيْلِ العَهْدِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿ولا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [هود: ١١٣] إنَّما هو نَهْيٌ عَنِ الرُّكُونِ إلَيْهِمْ ما أقامُوا عَلى الظُّلْمِ ؟
(p-٨٩)وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما عَلى المُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١] إنَّما هو ما أقامُوا عَلى الإحْسانِ فَقَوْلُهُ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ لَمْ يَنْفِ بِهِ العَهْدَ عَمَّنْ تابَ عَنْ ظُلْمِهِ؛ لِأنَّهُ في هَذِهِ الحالَةِ لا يُسَمّى ظالِمًا كَما لا يُسَمّى مَوْسُومًا مَن تابَ مِنَ الكُفْرِ كافِرًا.
ومَن تابَ مِنَ الفِسْقِ فاسِقًا، وإنَّما يُقال: كانَ كافِرًا، وكانَ فاسِقًا، وكانَ ظالِمًا؛ واللَّهُ تَعالى لَمْ يَقُلْ: " لا يَنالُ عَهْدِي مَن كانَ ظالِمًا " وإنَّما نَفى ذَلِكَ عَمَّنْ كانَ مَوْسُومًا بِسِمَةِ الظّالِمِ، والِاسْمُ لازِمٌ لَهُ باقٍ عَلَيْهِ.
{"ayah":"۞ وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَـٰتࣲ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّی جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامࣰاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِیۖ قَالَ لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق