الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأتَمَّهُنَّ﴾، الآيَةُ. دَلَّتْ عَلى أنَّ التَّنَظُّفَ ونَفْيَ الأوْساخِ والأقْذارِ عَنِ الثِّيابِ والبَدَنِ مَأْمُورٌ بِهِ، وقَدْ «قالَ سُلَيْمانُ بْنُ فَرَجٍ أبُو واصِلٍ: أتَيْتُ أبا أيُّوبَ فَصافَحْتُهُ فَرَأى في أظْفارِي طُولًا، فَقالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ يَسْألُ عَنْ أخْبارِ السَّماءِ، فَقالَ: يَجِيءُ أحَدُكم فَيَسْألُ عَنْ أخْبارِ السَّماءِ وأظْفارُهُ كَأنَّها أظْفارُ الطَّيْرِ يَجْتَمِعُ فِيها الوَسَخُ والنَّفْثُ؟» وقالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «خَمْسٌ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَدَعُهُنَّ في سَفَرٍ ولا حَضَرٍ: المِرْآةُ، والكُحْلُ، والمُشْطُ، والمُدْرِي، والسِّواكُ» . * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا﴾ (p-١٥)الإمامُ: مَن يُؤْتَمُّ بِهِ في أمْرِ الدِّينِ، كالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، والخَلِيفَةِ والعالِمِ. أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى إبْراهِيمَ أنَّهُ جاعِلُهُ لِلنّاسِ إمامًا، وسَألَ إبْراهِيمُ رَبَّهُ أنْ يَجْعَلَ مِن ذُرِّيَّتِهِ أئِمَّةً، فَقالَ تَعالى: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ . ودَلَّ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ عَلى أنَّ الإجابَةَ قَدْ وقَعَتْ لَهُ في أنَّ مِن ذُرِّيَّتِهِ أئِمَّةً، ولَكِنْ لا إمامَةَ لِظالِمٍ حَتّى لا يُقْتَدى بِهِ، ولا يَجِبُ عَلى النّاسِ قَبُولُ قَوْلِهِ في أمْرِ الدِّينِ. نَعَمْ: كانَ يَجُوزُ أنْ تَظْهَرَ المُعْجِزَةُ عَلى يَدِ فاسِقٍ ظالِمٍ، ويَجِبَ قَبُولُ قَوْلِهِ لِوُجُودِ الدَّلِيلِ، وإنْ لَمْ يَجِبْ قَبُولُ قَوْلِ الفاسِقِ، لِعَدَمِ ظُهُورِ الصِّدْقِ الَّذِي هو دَلِيلُ قَبُولِ قَوْلِهِ، فَأمّا دَلِيلُ المُعْجِزَةِ فَلا يَخْتَلِفُ بِالظُّلْمِ وعَدَمِهِ عَقْلًا، غَيْرَ أنَّ العِصْمَةَ وجَبَتْ لِلْأنْبِياءِ سَمْعًا. ويَجُوزُ عَقْلًا وُجُوبُ قَبُولِ قَوْلِ الفاسِقِ، ولَكِنْ دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّ عَهْدَ اللَّهِ تَعالى لا يَنالُ الظّالِمِينَ. فَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ النُّبُوَّةَ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ ما أوْدَعَهم مِن أمْرِ دِينِهِ، وأجازَ قَوْلَهم فِيهِ، وأمَرَ النّاسَ بِقَبُولِهِ مِنهم. ويُطْلَقُ العَهْدُ عَلى الأمْرِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ عَهِدَ إلَيْنا﴾ [آل عمران: ١٨٣]، يَعْنِي أمَرَنا، وقالَ: ﴿ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم يا بَنِي آدَمَ﴾ [يس: ٦٠] . يَعْنِي: ألَمْ أُقَدِّمْ إلَيْكُمُ الأمْرَ بِهِ. (p-١٦)وإذا كانَ عَهْدُ اللَّهِ هو أوامِرُهُ، فَقَوْلُهُ: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾، لا يُرِيدُ بِهِ أنَّهم غَيْرُ مَأْمُورِينَ لِأنَّ ذَلِكَ خِلافُ الإجْماعِ، فَدَلَّ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ أنْ يَكُونُوا بِمَحَلِّ مَن تُقْبَلُ مِنهم أوامِرُ اللَّهِ، ولا يُؤْمَنُونَ عَلَيْها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب