الباحث القرآني
ولَمّا عابَ سُبْحانَهُ أهْلَ الضَّلالِ وكانَ جُلُّهم مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وجَمِيعُ طَوائِفِ المَلَلِ تُعَظِّمُهُ ومِنهُمُ العَرَبُ وبَيْتُهُ الَّذِي بَناهُ أكْبَرُ مَفاخِرِهِمْ وأعْظَمُ مَآثِرِهِمْ ذَكَّرَ الجَمِيعَ ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ تَذْكِيرًا يُؤَدِّي إلى ثُبُوتِ هَذا الدِّينِ بِاطِّلاعِ هَذا النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي لَمْ يُخالِطْ عالِمًا قَطُّ عَلى ما لا يَعْلَمُهُ إلّا خَواصُّ العُلَماءِ، وذَكَرَ البَيْتَ الَّذِي بَناهُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ عِمادَ صَلاحِهِمْ، وأمَرَ بِأنْ يَتَّخِذَ بَعْضَ ما هُناكَ مُصَلًّى تَعْظِيمًا لِأمْرِهِ وتَفْخِيمًا لِعَلِيِّ قَدْرِهِ؛ وفي التَّذْكِيرِ بِوَفائِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الَّذِينَ وفَّوْا بِحَقِّ التِّلاوَةِ وبَعْدَ دَعْوَةِ بَنِي إسْرائِيلَ عامَّةً إلى الوَفاءِ بِالشُّكْرِ حَثٌّ عَلى الِاقْتِداءِ بِهِ، وكَذا في ذِكْرِ الإسْلامِ والتَّوْحِيدِ هَزٌّ لِجَمِيعِ مَن يُعَظِّمُهُ إلى اتِّباعِهِ في ذَلِكَ.
وقالَ الحَرالِّيُّ: لَمّا وصَلَ الحَقُّ تَعالى بِالدَّعْوَةِ العامَّةِ الأُولى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ﴾ [البقرة: ٢١] ذَكَرَ أمْرَ آدَمَ وافْتِتاحِ اسْتِخْلافِهِ لِيَقَعَ بِذَلِكَ جَمْعُ النّاسِ كافَّةً في طَرَفَيْنِ في اجْتِماعِهِمْ في أبٍ واحِدٍ (p-١٤٩)ولِدِينٍ واحِدٍ نَظَمَ تَعالى بِذَلِكَ وصْلَ خِطابِ أهْلِ الكِتابِ بِذِكْرِ إبْراهِيمَ، لِيَقَعَ بِذَلِكَ اجْتِماعُهم أيْضًا في أبٍ واحِدٍ ومِلَّةٍ واحِدَةٍ اخْتِصاصًا بِتَبَعِيَّةِ الإمامَةِ الإبْراهِيمِيَّةِ مِن عُمُومِ تَبَعِيَّةِ الخِلافَةِ الآدَمِيَّةِ تَنْزِيلًا لِلْكِتابِ وتَرْفِيعًا لِلْخَلْقِ إلى عُلُوِّ اخْتِصاصِ الحَقِّ، فَكَما ذَكَرَ تَعالى في الِابْتِداءِ تَذْكِيرًا مَعْطُوفًا عَلى أُمُورٍ تَجاوَزَها الإفْصاحُ مِن أمْرِ آدَمَ عَطَفَ أيْضًا التَّذْكِيرَ بِابْتِداءِ أمْرِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى أُمُورٍ تَجاوَزَها الإفْصاحُ هي أخَصُّ مِن مُتَجاوَزِ الأوَّلِ كَما أنَّ إفْصاحَها أخَصُّ مِن إفْصاحِها وأعْلى رُتْبَةً مِن حَيْثُ إنَّ الخَلْقَ والأمْرَ مَبْدُوءٌ مِن حَدٍّ لَمْ يَزَلْ ولا يَزالُ يَتَكامَلُ إلى غايَةٍ لَيْسَ وراءَها مَرْمًى فَقالَ تَعالى: ﴿وإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ﴾ انْتَهى. والمَعْنى أنَّهُ عامَلَهُ بِالأمْرِ بِأُمُورٍ شاقَّةٍ مُعامَلَةَ المُخْتَبِرِ المُمْتَحِنِ، وقالَ: (p-١٥٠)﴿رَبُّهُ﴾ أيِ: المُحْسِنُ إلَيْهِ إشْعارًا بِأنَّ تَكْلِيفَ العِبادِ هو غايَةُ الإحْسانِ إلَيْهِمْ وفي ابْتِداءِ قِصَّتِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿بِكَلِماتٍ فَأتَمَّهُنَّ﴾ بَيانٌ لِأنَّ أسْنى أحْوالِ العِبادِ الإذْعانُ والتَّسْلِيمُ لِمَن قامَتِ الأدِلَّةُ عَلى صِدْقِهِ والمُبادَرَةِ لِأمْرِهِ دُونَ اعْتِراضٍ ولا تَوَقُّفٍ ولا بَحْثٍ عَنْ عِلَّةٍ، وفي ذَلِكَ إشارَةٌ إلى تَبْكِيتِ المُدَّعِينَ لِاتِّباعِهِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ حَيْثُ اعْتَرَضُوا في ذَبْحِ البَقَرَةِ وارْتَكَبُوا غايَةَ التَّعَنُّتِ مَعَ ما في ذَبْحِها مِن وُجُوهِ الحِكَمِ بَعْدَ أنْ أساؤُوا الأدَبَ عَلى نَبِيِّهِمْ في ذَلِكَ وفي غَيْرِهِ في أوَّلِ أمْرِهِمْ وأثْنائِهِ وآخِرِهِ فَأوْرَثَهم ذَلِكَ نَكالًا وبُعْدًا، فَظَهَرَ أنَّ الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ حالُ إبْراهِيمَ ومَن ذُكِرَ مَعَهُ مِنَ الأنْبِياءِ والرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأنَّهُمُ المُنْعَمُ عَلَيْهِمْ؛ والظّاهِرُ عَطْفُ ”إذْ“ عَلى ”نِعْمَتِي“ في قَوْلِهِ ﴿يا بَنِي إسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٢٢] أيْ: واذْكُرُوا إذِ ابْتَلى أباكم إبْراهِيمَ فَأتَمَّ ما ابْتَلاهُ بِهِ فَما لَكم أنْتُمْ لا تَقْتَدُونَ بِهِ فَتَفْعَلُوا عِنْدَ الِابْتِلاءِ فِعْلَهُ في إيفاءِ العَهْدِ والثَّباتِ عَلى الوَعْدِ لِأُجازِيَكم عَلى ذَلِكَ جَزائِي لِلْمُحْسِنِينَ، والإتْمامُ التَّوْفِيَةُ لِما لَهُ صُورَةٌ تَلْتَئِمُ مِن أجْزاءٍ وآحادٍ - قالَهُ الحَرالِّيُّ.
فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَما جُوزِيَ عَلى شُكْرِهِ بِالإتْمامِ قَبْلُ ؟ ﴿قالَ﴾ لَهُ رَبُّهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”قالَ“ بَيانًا لابْتَلى ﴿إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ﴾ أيْ: كافَّةً ﴿إمامًا﴾ كَما كانَتْ خِلافَةُ أبِيهِ آدَمَ لِبَنِيهِ كافَّةً، والإمامُ ما يُتْبَعُ هِدايَةً إلى سَدادٍ، (p-١٥١)قالَهُ الحَرالِّيُّ. واسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ: ﴿قالَ﴾ أيْ: إبْراهِيمُ ﴿ومِن﴾ أيْ: واجْعَلْ مِن ﴿ذُرِّيَّتِي﴾ أئِمَّةً ﴿قالَ لا يَنالُ﴾ أيْ: قَدْ أجَبْتُكَ وعاهَدْتُكَ بِأنْ أُحْسِنَ إلى ذُرِّيَّتِكَ لَكِنْ لا يَنالُ ﴿عَهْدِي﴾ الَّذِي عَهِدْتُهُ إلَيْكَ بِالإمامَةِ ﴿الظّالِمِينَ﴾ مِنهم، لِأنَّهم نَفَوْا أنْفُسَهم عَنْكَ في أُبُوَّةِ الدِّينِ؛ وفي ذَلِكَ أتَمُّ تَرْغِيبٍ في التَّخَلُّقِ بِوَفائِهِ لا سِيَّما لِلَّذِينِ دُعُوا قَبْلَها إلى الوَفاءِ بِالعَهْدِ، وإشارَةٌ إلى أنَّهم إنْ شَكَرُوا أبْقى رِفْعَتَهم كَما أدامَ رِفْعَتَهُ، وإنْ ظَلَمُوا لَمْ تَنَلْهم دَعْوَتُهُ فَضَرَبْتُ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةَ وما مَعَها ولا يَجْزِي أحَدٌ عَنْهم شَيْئًا ولا هم يُنْصَرُونَ؛ والذُّرِّيَّةُ مِمّا يَجْمَعُ مَعْنى الذَّرِّ والدَّرْءِ، والذُّرِّيُّ مُخْتَلِفٌ كَوْنُهُ عَلى وُجُوهِ اشْتِقاقِهِ، فَيَكُونُ فَعْلُولَةً كَأنَّهُ ذَرُورَةٌ ثُمَّ خُفِّفَ بِقَلْبِ الرّاءِ ياءً اسْتِثْقالًا لِلتَّضْعِيفِ ثُمَّ كُسِرَ ما قَبْلَ الياءَيْنِ تَحْقِيقًا لَهُما. لِأنَّهُ اجْتَمَعَ بَعْدَ القَلْبِ واوٌ وياءٌ سُبِقَتْ إحْداهُما بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً، أوْ تَكُونُ فِعْلِيَّةً مِنَ الذَّرِّ مَنسُوبًا، ومِنَ الذَّرِّ مُخَفَّفُ فَعُولَةٍ بِقَلْبِ الهَمْزَةِ ياءً ثُمَّ الواوِ ياءً لِاجْتِماعِها مَعَها سابِقَةً إحْداهُما (p-١٥٢)بِالسُّكُونِ ثُمَّ الإدْغامُ، أوْ فَعِيلَةٌ إنْ يَكُنْ في الكَلامِ لِما فِيهِ مِن ثِقَلِ اجْتِماعِ الضَّمِّ والكَسْرِ - قالَهُ الحَرالِّيُّ، وفِيهِ تَصَرُّفٌ.
{"ayah":"۞ وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَـٰتࣲ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّی جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامࣰاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِیۖ قَالَ لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











