(فاستجبنا له) نداءه الذي في ضمنه الدعاء (فكشفنا ما به من ضر) أي شفاه الله مما كان به وأعاده بما ذهب عليه. وقال له اركض برجلك فركض فنبعت عين ماء، فأمره أن يغتسل منها، ففعل فذهب كل داء كان بظاهره، ثم مشى أربعين خطوة، فأمره أن يضرب برجله الأرض مرة أخرى ففعل فنبعت عين ماء بارد، فأمره أن يشرب منها، فشرب فذهب كل داء كان بباطنه، فصار كأصح ما كان.
عن عبد الله بن عبد بن عمير قال: كان لأيوب أخوان جاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقام من بعيد، فقال أحدهما للآخر: لو كان علم الله من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعاناً وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصدق من السماء وهما يسمعان.
ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصاً قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان، ثم خر ساجداً وقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه، وقد رواه ابن أبي حاتم مرفوعاً بنحو هذا.
(وآتيناه أهله ومثلهم معهم) قيل تركهم الله عز وجل وأعطاه مثلهم في الدنيا. قال النحاس: والإسناد بذلك صحيح، وقد كان مات أهله جميعاً إلا امرأته فأحياهم الله في أقل من طرف البصر وآتاه مثلهم معهم، وهو ظاهر القرآن، وبه قال أكثر المفسرين، وكان له سبعة بنين وسبع بنات. وقيل كان ذلك بأن ولد له ضعف الذين أماتهم الله؛ فيكون معنى الآية على هذا آتيناه مثل أهله ومثلهم معهم. وعن مجاهد قال: قيل له يا أيوب إن أهلك لك في الجنة فإن شئت أتيناك بهم وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم، قال له بل اتركهم لي في الجنة، قال فتركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا، وقال ابن مسعود: أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم.
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه، كانا من أخص إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد، قال وما ذاك؟ قال منذ ثماني عشرة سنة ولم يرحمه الله فيكشف عنه ما به.
فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب لا أدري ما نقول غير أن الله يعلم أني أمر بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق " [[المستدرك كتاب التاريخ 2/ 581.]] وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيديه حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك، رأيت نبي الله المبتلى؛ والله على ْذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً، قال فإني أنا هو.
قال وكان له اندران، أندر للقمح واندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على اندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في اندر الشعير الورق حتى فاض.
وأندر هو البيدر بلغة أهل الشام والجمع الأنادر؛ والبيدر موضع يداس فيه الطعام، وأندر اسم جنس فيكون مصروفاً (رحمة من عندنا) أي آتيناه ذلك لرحمتنا له (وذكرى للعابدين) أي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر فيثابوا كثوابه، واختلف في مدة إقامته على البلاء، فقيل سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ليال؛ وقيل ثلاثين سنة، وقيل ثماني عشرة سنة.
قال الكرخي: وهذا القول هو الصحيح، وعاش أيوب ثلاثاً وستين سنة وكان أيوب رجلاً من الروم، ينتسب للعيص بن إسحاق، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران.
{"ayah":"فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرࣲّۖ وَءَاتَیۡنَـٰهُ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةࣰ مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَـٰبِدِینَ"}