الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِن ضُرٍّ﴾ ثُمَّ كُسِيَ حُلَّةً وجَلَسَ عَلى مَكانٍ مُشْرِفٍ ولَمْ تَعْلَمِ امْرَأتُهُ بِذَلِكَ فَأدْرَكَتْها الرِّقَّةُ عَلَيْهِ فَقالَتْ في نَفْسِها: هَبْ أنَّهُ طَرَدَنِي أفَأتْرُكُهُ حَتّى يَمُوتَ جُوعًا وتَأْكُلَهُ السِّباعُ لَأرْجِعَنَّ فَلَمّا رَجَعَتْ ما رَأتْ تِلْكَ الكُناسَةَ ولا تِلْكَ الحالَ فَجَعَلَتْ تَطُوفُ حَيْثُ الكُناسَةُ وتَبْكِي وهابَتْ صاحِبَ الحُلَّةِ أنْ تَأْتِيَهُ وتَسْألَهُ فَدَعاها أيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقالَ: ما تُرِيدِينَ يا أمَةَ اللَّهِ ؟ فَبَكَتْ وقالَتْ: أُرِيدُ ذَلِكَ المُبْتَلى الَّذِي كانَ مُلْقًى عَلى الكُناسَةِ قالَ لَها: ما كانَ مِنكِ ؟ فَبَكَتْ وقالَتْ: بَعْلِي قالَ: أتَعْرِفِينَهُ إذا رَأيْتِهِ ؟ قالَتْ: وهَلْ يَخْفى عَلَيَّ فَتَبَسَّمَ فَقالَ: أنا ذَلِكَ فَعَرَفَتْهُ بِضَحِكِهِ فاعْتَنَقَتْهُ ﴿وآتَيْناهُ أهْلَهُ ومِثْلَهم مَعَهُمْ﴾ الظّاهِرُ أنَّهُ عَطْفٌ عَلى (كَشَفْنا ) فَيَلْزَمُ أنْ يَكُونَ داخِلًا مَعَهُ في حَيِّزِ تَفْصِيلِ اسْتِجابَةِ الدُّعاءِ، وفِيهِ خَفاءٌ لِعَدَمِ ظُهُورِ كَوْنِ الإتْيانِ المَذْكُورِ مَدْعُوًّا بِهِ وإذا عُطِفَ عَلى (اسْتَجَبْنا ) لا يَلْزَمُ ذَلِكَ، وقَدْ سُئِلَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ، أخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ وابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ جُوَيْبَرَ عَنِ الضَّحّاكِ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما قالَ: «سَألْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآتَيْناهُ﴾ إلَخْ قالَ: رَدَّ اللَّهُ تَعالى امْرَأتَهُ إلَيْهِ وزادَ في شَبابِها حَتّى ولَدَتْ لَهُ سِتًّا وعِشْرِينَ ذَكَرًا»» فالمَعْنى عَلى هَذا آتَيْناهُ في الدُّنْيا مِثْلَ أهْلِهِ عَدَدًا مَعَ زِيادَةِ مِثْلٍ آخَرَ، وقالَ ابْنُ مَسْعُودَ والحَسَنُ وقَتادَةُ في الآيَةِ: إنَّ اللَّهَ تَعالى أحْيا لَهُ أوْلادَهُ الَّذِينَ هَلَكُوا في بَلائِهِ وأُوتِيَ مِثْلُهم في الدُّنْيا، والظّاهِرُ أنَّ المِثْلَ مِن صُلَبِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أيْضًا، وقِيلَ: كانُوا نَوافِلَ وجاءَ في خَبَرٍ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ لَهُ أنْدَرانِ أنْدَرُ لِلْقَمْحِ وأنْدَرُ لِلشَّعِيرِ فَبَعَثَ اللَّهُ تَعالى سَحابَتَيْنِ فَأفْرَغَتْ إحْداهُما في أنْدَرِ القَمْحِ الذَّهَبَ حَتّى فاضَ وأفْرَغَتِ الأُخْرى في أنْدَرِ الشَّعِيرِ الوَرِقَ حَتّى فاضَ، وأخْرَجَ أحْمَدُ والبُخارِيُّ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: ««بَيْنَما أيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَغْتَسِلُ عُرْيانًا خَرَّ عَلَيْهِ جَرادٌ مِن ذَهَبٍ فَجَعَلَ أيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَحْثِي في ثَوْبِهِ فَناداهُ رَبُّهُ سُبْحانَهُ يا أيُّوبُ ألَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمّا تَرى: قالَ: بَلى وعِزَّتِكَ لَكِنْ لا غِنى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ»»، وعاشَ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ الخَلاصِ مِنَ البَلاءِ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما سَبْعِينَ سَنَةً، ويَظْهَرُ مِن هَذا مَعَ القَوْلِ بِأنَّ عُمْرَهُ حِينَ أصابَهُ البَلاءُ سَبْعُونَ أنَّ مُدَّةَ عُمْرِهِ فَوْقَ ثَلاثٍ وتِسْعِينَ بِكَثِيرٍ، ولَمّا ماتَ عَلَيْهِ السَّلامُ أوْصى إلى ابْنِهِ حَرْمَلَ كَما رُوِيَ عَنْ وهْبٍ، والآيَةُ ظاهِرَةٌ في أنَّ الأهْلَ لَيْسَ المَرْأةَ ﴿رَحْمَةً مِن عِنْدِنا وذِكْرى لِلْعابِدِينَ﴾ أيْ وآتَيْناهُ ما ذُكِرَ لِرَحْمَتِنا أيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ وتَذْكِرَةً لِغَيْرِهِ مِنَ العابِدِينَ لِيَصْبِرُوا كَما صَبَرَ فَيُثابُوا كَما أُثِيبَ، فَرَحْمَةً نُصِبَ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ ( ولِلْعابِدِينَ ) مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرى، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ( رَحْمَةً وذِكْرى ) تَنازُعًا فِيهِ عَلى مَعْنى (p-82)وآتَيْناهُ العابِدِينَ الَّذِينَ مِن جُمْلَتِهِمْ أيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ وذِكْرِنا إيّاهم بِالإحْسانِ وعَدَمِ نِسْيانِنا لَهم. وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ نَصْبَ (رَحْمَةً ) عَلى المَصْدَرِ وهو كَما تَرى
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب