الباحث القرآني

(p-٤٢٩٧)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٨٣] ﴿وأيُّوبَ إذْ نادى رَبَّهُ أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأنْتَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ﴾ [٨٤] ﴿فاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِن ضُرٍّ وآتَيْناهُ أهْلَهُ ومِثْلَهم مَعَهم رَحْمَةً مِن عِنْدِنا وذِكْرى لِلْعابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٤] . ﴿وأيُّوبَ إذْ نادى رَبَّهُ أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأنْتَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ﴾ ﴿فاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِن ضُرٍّ وآتَيْناهُ أهْلَهُ ومِثْلَهم مَعَهم رَحْمَةً مِن عِنْدِنا وذِكْرى لِلْعابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٤] أيِ: اذْكُرْ أيُّوبَ وما أصابَهُ مِنَ البَلاءِ ودُعاءَهُ رَبَّهُ في كَشْفِ ما نَزَلَ بِهِ، واسْتِجابَتَهُ تَعالى دُعاءَهُ وما امْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِ في رَفْعِ البَلاءِ. وما ضاعَفَ لَهُ بَعْدَ صَبْرِهِ مِنَ النَّعْماءِ، لِتَعْلَمَ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأنَّ عاقِبَةَ العُسْرِ اليُسْرُ. وأنَّ لَكَ الأُسْوَةَ بِمِثْلِ هَذا النَّبِيِّ الصَّبُورِ، فِيما يَنْزِلُ أحْيانًا بِكَ مِن ضُرٍّ. وأنَّ البَلاءَ لَمْ يَنْجُ مِنهُ الأنْبِياءُ. بَلْ هم أشَدُّ النّاسِ ابْتِلاءً. كَما في الحَدِيثِ ««أشَدُّ النّاسِ بَلاءً الأنْبِياءُ ثُمَّ الصّالِحُونَ ثُمَّ الأمْثَلُ فالأمْثَلُ»» . وإنَّ مِن أسْبابِ الفَرَجِ دُعاءَهُ تَعالى والِابْتِهالَ إلَيْهِ والتَّضَرُّعَ لَهُ، وذَكَّرَهُ بِأسْمائِهِ الحُسْنى وصِفاتِهِ العُلْيا. وإنَّ البَلاءَ لا يَدُلُّ عَلى الهَوانِ والشَّقاءِ. فَإنَّ السَّعادَةَ والشَّقاءَ في هَذا العالَمِ لا يَتَرَتَّبانِ عَلى صالِحِ الأعْمالِ وسَيِّئِها. لِأنَّ الدُّنْيا لَيْسَتْ دارَ جَزاءٍ. وإنَّ عاقِبَةَ الصِّدْقِ في الصَّبْرِ، هي تَوْفِيَةُ الأجْرِ ومُضاعَفَةُ البِرِّ. وقَدْ رُوِيَ أنَّ أيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ، لَمّا امْتُحِنَ بِما فَقَدَ أرْزاقَهُ وهَلَكَ بِهِ جَمِيعُ آلِ بَيْتِهِ، وبِما لَبِثَ يُعانِي مِن قُرُوحِ جَسَدِهِ آلامًا، وصَبَرَ وشَكَرَ، رَحِمَهُ مَوْلاهُ فَعادَتْ لَهُ صِحَّةُ بَدَنِهِ وأُوتِيَ أضْعافَ ما فَقَدَهُ. ورُزِقَ عِدَّةَ أوْلادٍ، وعاشَ عُمْرًا طَوِيلًا أبْصَرَ أوْلادَهُ إلى الجِيلِ الرّابِعِ. ولِذا قالَ تَعالى: ﴿وذِكْرى لِلْعابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٤] أيْ: تَذْكِرَةٌ لِغَيْرِهِ (p-٤٢٩٨)مِنَ العابِدِينَ لِيَصْبِرُوا كَما صَبَرَ، حَتّى يُثابُوا كَما أُثِيبَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. وبِالجُمْلَةِ فالسِّرُّ هو تَثْبِيتُ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ وحَمْلُهم عَلى الصَّبْرِ في المُجاهَدَةِ في سَبِيلِ الحَقِّ. وقَدْ رَوى المُفَسِّرُونَ هَهُنا في بَلاءِ أيُّوبَ رِواياتٍ مُخْتَلِفاتٍ، بِأسانِيدَ واهِياتٍ، لا يُقامُ لَها عِنْدَ أئِمَّةِ الأثَرِ وزْنٌ. ولا تُعارُ مِنَ الثِّقَةِ أدْنى نَظَرٍ. نَعَمْ يُوجَدُ في التَّوْراةِ سِفْرٌ لِأيُّوبَ فِيهِ مِن شَرْحِ ضُرِّهِ، بِفَقْدِ كُلِّ مُقْتَنَياتِهِ ومَواشِيهِ وآلِ بَيْتِهِ، وبِنُزُولِ مَرَضٍ شَدِيدٍ بِهِ، عَدِمَ مَعَهُ الرّاحَةَ ولَذَّةَ الحَياةِ، غَرائِبُ. إلّا أنَّها مِمّا لا يُوثَقُ بِها جَمِيعُها. لِما داخَلَها مِنَ المَزِيجِ، وتَوَسَّعَ بِها في الدَّخِيلِ، حَتّى اخْتَلَطَ الحابِلُ بِالنّابِلِ. وإنْ كانَ يُؤْخَذُ مِن مَجْمُوعِها بَلاءٌ فادِحٌ وضُرٌّ مُدْهِشٌ. ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ خَيْرًا في أكْثَرِ مِمّا أجْمَلَهُ في تَنْزِيلِهِ الحَكِيمِ، لَتَفَضَّلَ عَلَيْنا بِتَفْصِيلِهِ. ولِذا يُوقَفُ عِنْدَ إجْمالِهِ فِيما أجْمَلَ، وتَفْصِيلِهِ فِيما فَصَّلَ. تَنْبِيهٌ: قالَ بَعْضُهُمْ: أكْثَرُ المُحَقِّقِينَ عَلى أنَّ أيُّوبَ كانَ بَعْدَ زَمَنِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِما السَّلامُ. وأنَّهُ كانَ غَنِيًّا مِن أرْبابِ العَقارِ والماشِيَةِ. وكانَ أمِيرًا في قَوْمِهِ. وأنَّ أمْلاكَهُ ومَنزِلَهُ في أرْضٍ خَصِيبَةٍ رائِعَةِ التُّرْبَةِ كَثِيرَةِ المُتَسَلْسِلَةِ في الجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ مِنَ البَحْرِ المَيِّتِ. ومِن جَبَلِ سُعَيْرٍ بَيْنَ بِلادِ أدُومَ وصَحْراءِ العَرَبِيَّةِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب