الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ فِيهِمْ قَوْلانِ: (p-١٢٠)أحَدُهُما: أنَّهُمُ النِّساءُ يَسْتَأْذِنَّ في هَذِهِ الأوْقاتِ خاصَّةً ويَسْتَأْذِنَّ الرِّجالَ في جَمِيعِ الأوْقاتِ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ. الثّانِي: أنَّهُمُ العَبِيدُ والإماءُ. وَفِي المَعْنى بِالِاسْتِئْذانِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: العَبْدُ دُونَ الأمَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلى سَيِّدِهِ في هَذِهِ الأوْقاتِ الثَّلاثَةِ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ، ومُجاهِدٌ. الثّانِي: أنَّها الإماءُ لِأنَّ العَبْدَ يَجِبُ أنَّ يَسْتَأْذِنَ أبَدًا في هَذِهِ الأوْقاتِ وغَيْرِها، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: أنَّهُ عَلى عُمُومِهِ في العَبْدِ والأمَةِ، قالَهُ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ. ﴿والَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ مِنكُمْ﴾ هُمُ الصِّغارُ الأحْرارُ فَمَن كانَ مِنهم غَيْرَ مُمَيِّزٍ لا يَصِفُ ما رَأى فَلَيْسَ مِن أهْلِ الِاسْتِئْذانِ ومَن كانَ مُمَيِّزًا يَصِفُ ما رَأى ويَحْكِي ما شاهَدَ فَهو المَعْنِيُّ بِالِاسْتِئْذانِ. ﴿ثَلاثَ مَرّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكم مِنَ الظَّهِيرَةِ ومِن بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ﴾ وهَذِهِ السّاعاتُ الثَّلاثُ هي أوْقاتُ اسْتِئْذانِ مَن تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ولا يَلْزَمُهُمُ الِاسْتِئْذانُ في غَيْرِها مِنَ الأوْقاتِ، فَذَكَرَ الوَقْتَ الأوَّلَ وهو مِن قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وهو مِن بَعْدِ الِاسْتِيقاظِ مِنَ النَّوْمِ إلى صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ ذَكَرَ الوَقْتَ الثّانِيَ فَقالَ: ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ﴾ وهو وقْتُ الخَلْوَةِ لِنَوْمَةِ القائِلَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الوَقْتَ الثّالِثَ فَقالَ: ﴿وَمِن بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ﴾ يَعْنِي الآخِرَةَ وقَدْ تُسَمِّيها العامَّةُ العَتَمَةَ وسُمِّيَتِ العِشاءَ لِأنَّ ظَلامَ وقْتِها يُعَشِّي البَصَرَ. وَإنَّما خَصَّ هَذِهِ الأوْقاتِ الثَّلاثَةَ لِأنَّها أوْقاتُ خَلَواتِ الرَّجُلِ مَعَ أهْلِهِ ولِأنَّهُ رُبَّما بَدا فِيها عِنْدَ خَلْوَتِهِ ما يَكْرَهُ أنْ يَرى مِن جَسَدِهِ، فَقَدْ رُوِيَ «أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ كانَ في مَنزِلِهِ وقْتَ القائِلَةِ فَأنْفَذَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَبِيٍّ مِن أوْلادِ الأنْصارِ يُقالُ لَهُ مُدْلِجٌ فَدَخَلَ عَلى عُمَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ وكانَ نائِمًا فاسْتَيْقَظَ عُمَرُ بِسُرْعَةٍ فانْكَشَفَ شَيْءٌ مِن جَسَدِهِ فَنَظَرَ إلَيْهِ الغُلامُ فَحَزِنَ عُمَرُ فَقالَ: ودِدْتُ لَوْ أنَّ اللَّهَ بِفَضْلِهِ نَهى أبْناءَنا عَنِ الدُّخُولِ عَلَيْنا في هَذِهِ السّاعاتِ إلّا بِإذْنِنا، ثُمَّ انْطَلَقَ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَوَجَدَ هَذِهِ الآيَةَ قَدْ أُنْزِلَتْ فَخَرَّ ساجِدًا [شُكْرًا لِلَّهِ] .» (p-١٢١)﴿ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ﴾ يَعْنِي: هَذِهِ السّاعاتُ الثَّلاثُ هي أوْقاتُ العَوْراتِ فَصارَتْ مِن عَوْراتِ الزَّمانِ فَجَرَتْ مَجْرى عَوْراتِ الأبْدانِ فَلِذَلِكَ خُصَّتْ بِالإذْنِ. ﴿لَيْسَ عَلَيْكم ولا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي لَيْسَ عَلَيْكم يا أهْلَ البُيُوتِ جُناحٌ في تَبَذُّلِكم في هَذِهِ الأوْقاتِ. الثّانِي: لَيْسَ عَلَيْكم جَناحٌ في مَنعِهِمْ في هَذِهِ الأوْقاتِ. وَلا عَلى المَمْلُوكِينَ والصِّغارِ جَناحٌ في تَرْكِ الِاسْتِئْذانِ فِيما سِوى هَذِهِ الأوْقاتِ. ﴿طَوّافُونَ عَلَيْكم بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ﴾ يَعْنِي أنَّهم طَوّافُونَ عَلَيْكم لِلْخِدْمَةِ لَكم فَلَمْ يَنَلْهم حَرَجٌ في دُخُولِ مَنازِلِكم، والطَّوّافُونَ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ الدُّخُولَ والخُرُوجَ. ثُمَّ أوْجَبَ عَلى مَن بَلَغَ مِنَ الصِّبْيانِ الِاسْتِئْذانَ إذا احْتَلَمُوا وبَلَغُوا لِأنَّهم صارُوا بِالبُلُوغِ في حُكْمِ الرِّجالِ فَقالَ تَعالى: ﴿وَإذا بَلَغَ الأطْفالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَما اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ يَعْنِي الرِّجالَ. قَوْلُهُ: ﴿والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ﴾ والقَواعِدُ جَمْعُ قاعِدَةٍ وهُنَّ اللّاتِي قَعَدْنَ بِالكِبَرِ عَنِ الحَيْضِ والحَمْلِ ولا يَحِضْنَ ولا يَلِدْنَ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: بَلْ سُمِّينَ بِذَلِكَ لِأنَّهُنَّ بَعْدَ الكِبَرِ يَكْثُرُ مِنهُنَّ القُعُودُ. وَقالَ زَمْعَةُ: لا تُرادُ، فَتَقْعُدُ عَنِ الِاسْتِمْتاعِ بِها والأوَّلُ أشْبَهُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎ فَلَوْ أنَّ ما في بَطْنِهِ بَيْنَ نِسْوَةٍ حَبِلْنَ ولَوْ كانَ القَواعِدُ عُقَّرا وَقَوْلُهُ: ﴿اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا﴾ أيْ أنَّهُنَّ لِأجْلِ الكِبَرِ لا يُرِدْنَ الرِّجالَ ولا يُرِيدُهُنَّ الرِّجالُ. ﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: جِلْبابُها وهو الرِّداءُ الَّذِي فَوْقَ خِمارِها فَتَضَعُهُ عَنْها إذا سَتَرَها باقِي ثِيابِها قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ جُبَيْرٍ. الثّانِي: خِمارُها ورِداؤُها، قالَهُ جابِرُ بْنُ زَيْدٍ. (p-١٢٢)﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ﴾ والتَّبَرُّجُ أنْ تُظْهِرَ مِن زِينَتِها ما يَسْتَدْعِي النَّظَرَ إلَيْها فَإنَّهُ في القَواعِدِ وغَيْرِهِنَّ مَحْظُورٌ. وَإنَّما خَصَّ القَواعِدَ بِوَضْعِ الجِلْبابِ لِانْصِرافِ النُّفُوسِ عَنْهُنَّ ما لَمْ يَبْدُ شَيْءٌ مِن عَوْراتِهِنَّ. والشّابّاتُ المُشْتَهَياتُ يَمْنَعْنَ مِن وضْعِ الجِلْبابِ أوِ الخِمارِ ويُؤْمَرْنَ بِلُبْسٍ أكْثَفِ الجَلابِيبِ لِئَلّا تَصِفَهُنَّ ثِيابُهُنَّ. وَقَدْ رَوى مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِلزَّوْجِ ما تَحْتَ الدِّرْعِ، ولِلِابْنِ والأخِ ما فَوْقَ الدِّرْعِ، ولِغَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ أرْبَعَةُ أثْوابٍ: دِرْعٌ وخِمارٌ وجِلْبابٌ وإزارٌ» . ﴿وَأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ﴾ يَعْنِي إنْ يَسْتَعْفِفِ القَواعِدُ عَنْ وضْعِ ثِيابِهِنَّ ويَلْزَمْنَ لُبْسَ جَلابِيبِهِنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ مِن وضْعِها وإنْ سَقَطَ الحَرَجُ عَنْهُنَّ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب