الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۝﴾ [النور: ٦٠]. المرأةُ القاعِدُ: هي التي قعَدَتْ عن الحَيْضِ والوَلَدِ لكِبَرِها، ولا تُرغَبُ غالبًا مِن الرِّجالِ، فيجوزُ لها وضعُ ثيابِها غيرَ متزيِّنةٍ. حِجابُ القواعدِ مِن النِّساءِ: اتَّفَقَ المفسِّرونَ مِن الصحابةِ والتابعينَ: أنّ الثيابَ التي رخَّصَ اللهُ بها للعجوزِ هي (الجلابيبُ)، والجلابيبُ جمعُ جِلْبابٍ، وهو ما يكونُ مِن لِباسٍ فَضْفاضٍ فوقَ الخِمارِ يَستوعِبُ أعلى البَدَنِ ووَسَطَه، ويُسدَلُ فيُغطّى به الوجهُ والصدرُ، ففي «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ: «فَخَمَّرْتُ وجْهِي بِجِلْبابِي»[[سبق تخريجه.]]. والجِلْبابُ قريبٌ مِن العَباءةِ اليومَ، لكنَّه غيرُ مفصَّلٍ، ويُسمّى القِناعَ أو المُلاءةَ. والفرقُ بينَ الخِمارِ والجلبابِ: أنّ الخِمارَ يكونُ تحتَ الجلبابِ، والخِمارُ تَلبَسُهُ المرأةُ وتشُدُّهُ على رأسِها وما دونَه، ويكونُ ملاصقًا للجسمِ مشدودًا، بخلافِ الجِلْبابِ فهو غطاءٌ زائدٌ فوقَهُ فَضْفاضٌ يُرخى غالبًا ولا يُشَدُّ، لا على الوجهِ، ولا على الصدرِ، بحيثُ يُبرِزُ حجمَ العضوِ، ولذا ورَدَ في «صحيحِ مسلمٍ»، عن أمِّ سُلَيْمٍ: (أنّها خَرَجَتْ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمارَها)[[أخرجه مسلم (٢٦٠٣).]]، يعني: تُدِيرُهُ على رأسِها وتشُدُّه، والخِمارُ هو الذي تَصُرُّ بطرَفِهِ بعضُ النِّساءِ الأوائلِ دنانيرَها، لتَماسُكِهِ وثباتِهِ عليها. والصحابةُ والتابعونَ رخَّصُوا للقاعدِ أنْ تضَعَ الجلبابَ الذي تُؤمَرُ به الشابَّةُ كما في آيةِ الأحزابِ، وقد جاء بسندٍ صحيحٍ ذلك عن ابنِ عبّاسٍ وابنِ مسعودٍ وابنِ عمرَ والشَّعْبيِّ وابنِ جُبَيْرٍ والحسنِ ومجاهِدٍ وعطاءٍ وعِكْرِمةَ وقتادةَ وغيرِهم، وهؤلاءِ كلُّهم لهم تفسيرٌ للزِّينةِ الظاهرةِ التي تُنهى الشابَّةُ عن إبدائِها إلاَّ لِمَن أذِنَ اللهُ لهنَّ أنْ يُبدِينَه، كما تقدَّمَ في قولِه: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ﴾ [النور: ٣١]. واتفَقوا هناك على أنّ ما تَختَصُّ به العجوزُ عن الشابَّةِ رفعُ الجلبابِ فقطْ، والجلابيبُ: هي ما تَختَصُّ بسَتْرِ الوجهِ مِن بَشَرةِ الجسمِ، وتكونُ فوقَ بقيَّةِ الثيابِ ثوبًا على ثوبٍ، فالجلبابُ فوقَ الخِمارِ، ويدُلُّ على أنّ الجلابيبَ ما كانتْ تستُرُ الوجوهَ للشابَّةِ جملةٌ مِن تفسيرِ أفصَحِ الناسِ وأقرَبِهم إلى الوحيِ، وهم الصحابةُ والتابعونَ، ولقد تقدَّم ذكْرُ هذه الآثارِ عند تفسيرِ قولِهِ تعالى: ﴿ولا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ﴾، فلتنظَرْ هناك. واتِّفاقُ الصحابةِ والتابعينَ على هذا المعنى دليلٌ على القَدْرِ الباقي الذي اختصَّتْ به الشابَّةُ وميَّزَها عن القاعدِ، وما اختصَّتْ به القاعدُ عن الشابَّةِ. ولا يتحقَّقُ فَهْمُ حِجابِ القواعدِ إلاَّ بفَهْمِ حجابِ الشابَّةِ، ويُعِينُ فهمُ حجابِ القواعدِ على فهمِ حجابِ الشابَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب