الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن يُهاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً﴾؛ قِيلَ في المُراغَمِ إنَّهُ أرادَ مُتَّسَعًا لِهِجْرَتِهِ؛ لِأنَّ الرَّغْمَ أصْلُهُ الذُّلُّ، تَقُولُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ عَلى الرَّغْمِ مِن فُلانٍ، أيْ فَعَلْتُهُ عَلى الذُّلِّ والكُرْهِ. والرَّغامُ التُّرابُ؛ لِأنَّهُ يَتَيَسَّرُ لِمَن رامَهُ مَعَ احْتِقارِهِ وأرْغَمَ اللَّهُ أنْفَهُ أيْ ألْصَقْهُ بِالتُّرابِ إذْلالًا لَهُ؛ فَقالَ تَعالى: ﴿ومَن يُهاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً﴾ أيْ يَجِدْ في الأرْضِ مُتَّسَعًا سَهْلًا، كَما قالَ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فامْشُوا في مَناكِبِها وكُلُوا مِن رِزْقِهِ وإلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: ١٥] فَمُراغَمٌ وذَلُولٌ مُتَقارِبانِ في المَعْنى.
وقِيلَ في المُراغَمِ إنَّهُ ما يُرْغَمُ بِهِ مَن كانَ يَمْنَعُهُ مِنَ الهِجْرَةِ. وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وسَعَةً﴾ فَإنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ والرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ والضَّحّاكِ: أنَّهُ السَّعَةُ في الرِّزْقِ. ورُوِيَ عَنْ قَتادَةَ: أنَّهُ السَّعَةُ في إظْهارِ الدِّينِ لِما كانَ يَلْحَقُهم مِن تَضْيِيقِ المُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ في أمْرِ دِينِهِمْ حَتّى يَمْنَعُوهم مِن إظْهارِهِ.
* * *
وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ومَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهاجِرًا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ (p-٢٢٩)فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾ فِيهِ إخْبارٌ بِوُجُوبِ أجْرِ مَن هاجَرَ إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ وإنْ لَمْ تَتِمَّ هِجْرَتُهُ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن خَرَجَ مُتَوَجِّهًا لِفِعْلِ شَيْءٍ مِنَ القُرَبِ أنَّ اللَّهَ يُجازِيهِ بِقَدْرِ نِيَّتِهِ وسَعْيِهِ وإنِ اقْتُطِعَ دُونَهُ، كَما أوْجَبَ اللَّهُ أجْرَ مَن خَرَجَ مُهاجِرًا وإنْ لَمْ تَتِمَّ هِجْرَتُهُ.
وفِيهِ ما يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ قَوْلِ أبِي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ فِيمَن خَرَجَ يُرِيدُ الحَجَّ ثُمَّ ماتَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ وأوْصى أنْ يُحَجَّ عَنْهُ أنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنَ المَوْضِعِ الَّذِي ماتَ فِيهِ، وكَذَلِكَ الحاجُّ عَنِ المَيِّتِ أوْ عَمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ الحَجِّ بِنَفْسِهِ أنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِن حَيْثُ ماتَ الَّذِي قَصَدَ لِلْحَجِّ؛ لِأنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ لَهُ بِمِقْدارِ ما كانَ لَهُ مِنَ الخُرُوجِ والنَّفَقَةِ، فَلَمّا كانَ ذَلِكَ مُحْتَسَبًا لِلْأوَّلِ كانَ الَّذِي وجَبَ أنْ يَقْضِيَ عَنْهُ ما بَقِيَ.
وفِيهِ الدَّلالَةُ عَلى أنَّ مَن قالَ: " إنْ خَرَجْتُ مِن دارِي إلّا إلى الصَّلاةِ أوْ إلى الحَجِّ فَعَبْدِي حُرٌّ " فَخَرَجَ يُرِيدُ الصَّلاةَ أوِ الحَجَّ ثُمَّ لَمْ يَصِلْ ولَمْ يَحُجَّ وتَوَجَّهَ إلى حاجَةٍ أُخْرى أنَّهُ لا يَحْنَثُ في يَمِينِهِ؛ لِأنَّ خُرُوجَهُ بَدِيًّا كانَ لِلصَّلاةِ أوَلِلْحَجِّ لِمُقارَنَةِ النِّيَّةِ لَهُ، كَما كانَ خُرُوجُ مَن خَرَجَ مُهاجِرًا قُرْبَةً وهِجْرَةً لِمُقارَنَةِ النِّيَّةِ واقْتِطاعِ المَوْتِ لَهُ عَنِ الوُصُولِ إلى دارِ الهِجْرَةِ لَمْ يُبْطِلْ حُكْمَ الخُرُوجِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي وُجِدَ بَدِيًّا عَلَيْهِ، ولِذَلِكَ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الأعْمالُ بِالنِّيّاتِ ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوى، فَمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ ومَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها أوِ امْرَأةٍ يَتَزَوَّجُها فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ» فَأخْبَرَ أنَّ أحْكامَ الأفْعالِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالنِّيّاتِ، فَإذا كانَ خُرُوجُهُ عَلى نِيَّةِ الهِجْرَةِ كانَ مُهاجِرًا، وإذا كانَ عَلى نِيَّةِ الغَزْوِ كانَ غازِيًا.
واسْتَدَلَّ قَوْمٌ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ الغازِيَ إذا ماتَ في الطَّرِيقِ وجَبَ سَهْمُهُ مِنَ الغَنِيمَةِ لِوَرَثَتِهِ. وهَذِهِ الآيَةُ لا تَدُلُّ عَلى ما قالُوا؛ لِأنَّ كَوْنَها غَنِيمَةً مُتَعَلِّقٌ بِحِيازَتِها؛ إذْ لا تَكُونَ غَنِيمَةً إلّا بَعْدَ الحِيازَةِ؛ وقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] فَمَن ماتَ قَبْلَ أنْ يَغْنَمَ فَهو لَمْ يَغْنَمْ شَيْئًا فَلا سَهْمَ لَهُ؛ وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾ لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى وُجُوبِ سَهْمِهِ؛ لِأنَّهُ لا خِلافَ أنَّهُ لَوْ خَرَجَ غازِيًا مِن بَيْتِهِ فَماتَ في دارِ الإسْلامِ قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ دارَ الحَرْبِ أنَّهُ لا سَهْمَ لَهُ، وقَدْ وجَبَ أجْرُهُ عَلى اللَّهِ كَما وجَبَ أجْرُ الَّذِي خَرَجَ مُهاجِرًا وماتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ دارَ هِجْرَتِهِ واَللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"۞ وَمَن یُهَاجِرۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یَجِدۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُرَ ٰغَمࣰا كَثِیرࣰا وَسَعَةࣰۚ وَمَن یَخۡرُجۡ مِنۢ بَیۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ یُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق