الباحث القرآني

ولَمّا رَهَّبَ مِن تَرْكِ الهِجْرَةِ؛ رَغَّبَ فِيها بِما يُسَلِّي عَمّا قَدْ يُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطانُ؛ مِن أنَّهُ لَوْ فارَقَ - رَفاهِيَةً - الوَطَنَ؛ وقَعَ في شِدَّةِ الغُرْبَةِ؛ وأنَّهُ رُبَّما تَجَشَّمَ المَشَقَّةَ؛ فاخْتَرَمَ قَبْلَ بُلُوغِ القَصْدِ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿ومَن يُهاجِرْ﴾؛ أيْ: يُوقِعِ الهِجْرَةَ لِكُلِّ ما أمَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - ورَسُولُهُ ﷺ بِهِجْرَتِهِ؛ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لا أعْظَمَ مِن (p-٣٧٦)مُلْكِهِ؛ ولا أوْضَحَ مِن سَبِيلِهِ؛ ولا أوْسَعَ؛ ﴿يَجِدْ في الأرْضِ﴾؛ أيْ: في ذاتِ الطُّولِ والعَرْضِ؛ ﴿مُراغَمًا﴾؛ أيْ: مَهْرَبًا؛ ومَذْهَبًا؛ ومُضْطَرَبًا؛ يَكُونُ مَوْضِعًا لِلْمُراغَمَةِ؛ يُغْضِبُ الأعْداءُ بِهِ؛ ويُرْغِمُ أُنُوفَهم بِسَبَبِ ما يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الرِّفْقِ؛ وحُسْنِ الحالِ؛ فَيَخْجَلُ مِمّا جَرُّوهُ مِن سُوءِ مُعامَلَتِهِمْ لَهُ؛ مِن ”الرَّغْمُ“؛ وهو الذُّلُّ؛ والهَوانُ؛ وأصْلُهُ: لُصُوقُ الأنْفِ بِالرَّغامِ؛ وهو التُّرابُ؛ تَقُولُ: ”راغَمْتُ فُلانًا“؛ أيْ: هَجَرْتَهُ؛ وهو يَكْرَهُ مُفارَقَتَكَ؛ لِذِلَّةٍ تَلْحَقُهُ بِذَلِكَ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ المَوْضِعُ؛ وإنْ كانَ واحِدًا؛ فَإنَّهُ لِكِبَرِهِ ذُو أجْزاءٍ عَدِيدَةٍ؛ وُصِفَ بِما يَقْتَضِي العَدَدَ؛ فَقالَ ﴿كَثِيرًا﴾؛ ولَمّا كانَتِ المُراغَمَةُ لَذَّةَ الرُّوحِ؛ فَكانَتْ أعَزَّ مِن لَذَّةِ البَدَنِ؛ فَقَدَّمَها؛ أتْبَعَها قَوْلَهُ: ﴿وسَعَةً﴾؛ أيْ: في الرِّزْقِ؛ كَما قالَ ﷺ: «”صُومُوا تَصِحُّوا؛ وسافِرُوا تَغْنَمُوا“؛» أخْرَجَهُ الطَّبَرانِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ –ولَفْظُهُ: «”واغْزُوا؛ وهاجِرُوا تُفْلِحُوا“». ولَمّا كانَ رُبَّما ماتَ المُهاجِرُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلى النَّبِيِّ ﷺ؛ فَظُنَّ أنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الهِجْرَةَ؛ مَعَ تَجَشُّمِهِ لِفِراقِ بَلَدِهِ؛ قالَ: ﴿ومَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ﴾؛ أيْ: فَضْلًا عَنْ بَلَدِهِ؛ ﴿مُهاجِرًا إلى اللَّهِ﴾؛ أيْ: رِضى المَلِكِ؛ (p-٣٧٧)الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ ﴿ورَسُولِهِ﴾؛ أيْ: لِيَكُونَ عِنْدَهُ؛ ﴿ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ﴾؛ أيْ: بَعْدَ خُرُوجِهِ مِن بَيْتِهِ؛ ولَوْ قَبْلَ الفُصُولِ مِن بَلَدِهِ؛ ﴿فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ﴾؛ أيْ: في هِجْرَتِهِ - بِحَسَبِ الوَعْدِ فَضْلًا؛ لا بِحَسَبِ الِاسْتِحْقاقِ عَدْلًا -: ﴿عَلى اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ تَمامُ الإحاطَةِ؛ فَلا يَنْقُصُهُ شَيْءٌ؛ وكَذا كُلُّ مَن نَوى خَيْرًا؛ ولَمْ يُدْرِكْهُ: ”لا حَسَدَ إلّا في اثْنَتَيْنِ“؛ فَهو مُوَفِّيهِ إيّاهُ تَوْفِيَةَ ما يَلْتَزِمُهُ الكَرِيمُ مِنكم. ولَمّا كانَ بَعْضُهم رُبَّما قَصَّرَ بِهِ عَنِ البُلُوغِ تَوانِيهِ في سَيْرِهِ؛ أوْ عَنْ خُرُوجِهِ مِن بَلَدِهِ؛ فَظَنَّ أنَّ هِجْرَتَهُ هَذِهِ لَمْ تَجْبُرْ تَقْصِيرَهُ؛ قالَ: ﴿وكانَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ جَمِيعُ صِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿غَفُورًا﴾؛ أيْ: لِتَقْصِيرٍ؛ إنْ كانَ؛ ﴿رَحِيمًا﴾؛ يُكْرِمُ بَعْدَ المَغْفِرَةِ بِأنْواعِ الكَراماتِ؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب