الباحث القرآني
كُلَّما جَدَّ العارِفُ في الِاسْتِقامَةِ والدَّعْوَةِ إلى اللَّهِ، والقِيامِ لَهُ بِأمْرِهِ، جِدَّ العَدُوُّ في إغْراءِ السُّفَهاءِ بِهِ، فَهو في هَذِهِ العُقْبَةِ قَدْ لَبِسَ لَأْمَةَ الحَرْبِ، وأخَذَ في مُحارَبَةِ العَدُوِّ لِلَّهِ وبِاللَّهِ، فَعُبُودِيَّتُهُ فِيها عُبُودِيَّةُ خَواصِّ العارِفِينَ، وهي تُسَمّى عُبُودِيَّةَ المُراغَمَةِ، ولا يَنْتَبِهُ لَها إلّا أُولُو البَصائِرِ التّامَّةِ، ولا شَيْءَ أحَبُّ إلى اللَّهِ مِن مُراغَمَةِ ولِيِّهِ لِعَدُوِّهِ، وإغاظَتِهِ لَهُ، وقَدْ أشارَ سُبْحانَهُ إلى هَذِهِ العُبُودِيَّةِ في مَواضِعَ مِن كِتابِهِ:
أحَدُها: قَوْلُهُ ﴿وَمَن يُهاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً﴾ سَمّى المُهاجِرَ الَّذِي يُهاجِرُ إلى عِبادَةِ اللَّهِ مُراغِمًا يُراغِمُ بِهِ عَدُوُّ اللَّهِ وعَدُوُّهُ، واللَّهُ يُحِبُّ مِن ولِيِّهِ مُراغَمَةَ عَدُوِّهِ، وإغاظَتَهُ، كَما قالَ تَعالى
﴿ذَلِكَ بِأنَّهم لا يُصِيبُهم ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ في سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الكُفّارَ ولا يَنالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيْلًا إلّا كُتِبَ لَهم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ﴾ [التوبة: ١٢٠] وقالَ تَعالى في مِثْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وأتْباعِهِ ﴿وَمَثَلُهم في الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ فَآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ﴾ [الفتح: ٢٩]
فَمُغايَظَةُ الكُفّارِ غايَةٌ مَحْبُوبَةٌ لِلرَّبِّ مَطْلُوبَةٌ لَهُ، فَمُوافَقَتُهُ فِيها مِن كَمالِ العُبُودِيَّةِ، وشَرَعَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْمُصَلِّي إذا سَها في صِلاتِهِ سَجْدَتَيْنِ، وقالَ «إنْ كانَتْ صَلاتُهُ تامَّةً كانَتا تُرْغِمانِ أنْفَ الشَّيْطانِ» وفي رِوايَةٍ " «تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ» " وسَمّاها المُرْغِمَتَيْنِ.
فَمَن تَعَبَّدَ اللَّهَ بِمُراغَمَةِ عَدُوِّهِ، فَقَدْ أخَذَ مِنَ الصِّدِّيقِيَّةِ بِسَهْمٍ وافِرٍ، وعَلى قَدْرِ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِرَبِّهِ ومُوالاتِهِ ومُعاداتِهِ لِعَدُوِّهِ يَكُونُ نَصِيبُهُ مِن هَذِهِ المُراغَمَةِ، ولِأجْلِ هَذِهِ المُراغَمَةِ حُمِدَ التَّبَخْتُرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، والخُيَلاءُ والتَّبَخْتُرُ عِنْدَ صَدَقَةِ السِّرِّ، حَيْثُ لا يَراهُ إلّا اللَّهُ، لِما في ذَلِكَ مِن إرْغامِ العَدُوِّ، وبَذْلِ مَحْبُوبِهِ مِن نَفْسِهِ ومالِهِ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ.
وَهَذا بابٌ مِنَ العُبُودِيَّةِ لا يَعْرِفُهُ إلّا القَلِيلُ مِنَ النّاسِ، ومَن ذاقَ طَعْمَهُ ولَذَّتَهُ بَكى عَلى أيّامِهِ الأُوَلِ.
وَبِاللَّهِ المُسْتَعانُ، وعَلَيْهِ التُّكْلانُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ.
وَصاحِبُ هَذا المَقامِ إذا نَظَرَ إلى الشَّيْطانِ، ولاحَظَهُ في الذَّنْبِ، راغَمَهُ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، فَأحْدَثَتْ لَهُ هَذِهِ المُراغَمَةُ عُبُودِيَّةً أُخْرى.
فَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِن بَعْضِ لَطائِفِ أسْرارِ التَّوْبَةِ لا تَسْتَهْزِئْ بِها، فَلَعَلَّكَ لا تَظْفَرُ بِها في مُصَنَّفٍ آخَرَ ألْبَتَّةَ، ولِلَّهِ الحَمْدُ والمِنَّةُ، وبِهِ التَّوْفِيقُ.
{"ayah":"۞ وَمَن یُهَاجِرۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یَجِدۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُرَ ٰغَمࣰا كَثِیرࣰا وَسَعَةࣰۚ وَمَن یَخۡرُجۡ مِنۢ بَیۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ یُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق