الباحث القرآني
﴿ومَن يُهاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً ومَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهاجِرًا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللَّهِ وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ .
جُمْلَةُ ﴿ومَن يُهاجِرْ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ﴾ [النساء: ٩٧] . ومَن شَرْطِيَّةٌ. والمُهاجَرَةُ في سَبِيلِ اللَّهِ هي المُهاجَرَةُ لِأجْلِ دِينِ اللَّهِ.
والسَّبِيلُ اسْتِعارَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وزادَها قَبُولًا أنَّ المُهاجَرَةَ نَوْعٌ مِنَ السَّيْرِ، فَكانَ لِذِكْرِ السَّبِيلِ مَعَها ضَرْبٌ مِنَ التَّوْرِيَةِ.
والمُراغَمُ اسْمُ مَكانٍ مِن راغَمَ إذا ذَهَبَ في الأرْضِ، وفِعْلُ راغَمَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّغامِ بِفَتْحِ الرّاءِ وهو التُّرابُ. أوْ هو مِن راغَمَ غَيْرَهُ إذا غَلَبَهُ وقَهَرَهُ، ولَعَلَّ أصْلَهُ أنَّهُ أبْقاهُ عَلى الرَّغامِ، أيِ التُّرابِ، أيْ يَجِدُ مَكانًا يُرْغِمُ فِيهِ مَن أرْغَمَهُ، أيْ يَغْلِبُ فِيهِ قَوْمَهُ بِاسْتِقْلالِهِ عَنْهم كَما أرْغَمُوهُ بِإكْراهِهِ عَلى الكُفْرِ، قالَ الحارِثُ بْنُ وعْلَةَ الذُّهْلِيُّ:
؎لا تَأْمَنَنَّ قَوْمًا ظَلَمْتَهم وبَدَأْتَهم بِالشَّتْمِ والرَّغَمِ
؎إنْ يَأْبِرُوا نَخْلًا لِغَيْرِهِمْ ∗∗∗ والشَّيْءُ تَحْقِرُهُ وقَدْ يَنْمِي
أيْ أنْ يَكُونُوا عَوْنًا لِلْعَدُوِّ عَلى قَوْمِهِمْ. ووَصْفُ المُراغَمِ بِالكَثِيرِ لِأنَّهُ أُرِيدَ بِهِ جِنْسُ الأمْكِنَةِ. والسَّعَةُ ضِدُّ الضِّيقِ، وهي حَقِيقَةُ اتِّساعِ الأمْكِنَةِ، وتُطْلَقُ عَلى رَفاهِيَةِ العَيْشِ، فَهي سَعَةٌ مَجازِيَّةٌ. فَإنْ كانَ المُراغَمُ هو الذَّهابُ في الأرْضِ فَعَطْفُ السَّعَةِ عَلَيْهِ عَطْفَ (p-١٨١)تَفْسِيرٍ، وإنْ كانَ هو مَكانُ الإغاضَةِ فَعَطْفُ السَّعَةِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهُ يَجِدُهُ مُلائِمًا مِن جِهَةِ إرْضاءِ النَّفْسِ، ومِن جِهَةِ راحَةِ الإقامَةِ. ثُمَّ نَوَّهَ اللَّهُ بِشَأْنِ الهِجْرَةِ بِأنْ جَعَلَ ثَوابَها حاصِلًا بِمُجَرَّدِ الخُرُوجِ مِن بَلَدِ الكُفْرِ، ولَوْ لَمْ يَبْلُغْ إلى البَلَدِ المُهاجَرِ إلَيْهِ، بِقَوْلِهِ ومَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهاجِرًا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ إلَخْ.
ومَعْنى المُهاجَرَةِ إلى اللَّهِ المُهاجَرَةُ إلى المَوْضِعِ الَّذِي يَرْضاهُ اللَّهُ. وعُطِفَ الرَّسُولُ عَلى اسْمِ الجَلالَةِ لِلْإشارَةِ إلى خُصُوصِ الهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ لِلِالتِحاقِ بِالرَّسُولِ وتَعْزِيزِ جانِبِهِ، لِأنَّ الَّذِي يُهاجِرُ إلى غَيْرِ المَدِينَةِ قَدْ سَلِمَ مِن إرْهاقِ الكُفْرِ ولَمْ يَحْصُلْ عَلى نُصْرَةِ الرَّسُولِ، ولِذَلِكَ بادَرَ أهْلُ هِجْرَةِ الحَبَشَةِ إلى اللَّحاقِ بِالرَّسُولِ حِينَ بَلَغَهم مُهاجَرُهُ إلى المَدِينَةِ.
ومَعْنى يُدْرِكْهُ المَوْتُ. أيْ في الطَّرِيقِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ مُهاجِرًا، أيْ لا يَرْجِعُ بَعْدَ هِجْرَتِهِ إلى بِلادِ الكُفْرِ وهو الأصَحُّ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في الهِجْرَةِ المُرادَةِ مِن هَذِهِ الآيَةِ: فَقِيلَ: الهِجْرَةُ إلى المَدِينَةِ، وقِيلَ: الهِجْرَةُ إلى الحَبَشَةِ. واخْتُلِفَ في المَعْنِيِّ بِالمَوْصُولِ مِن قَوْلِهِ ومَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهاجِرًا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ. فَعِنْدَ مَن قالُوا: إنَّ المُرادَ الهِجْرَةُ إلى المَدِينَةِ قالُوا المُرادُ بِمَن يَخْرُجْ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ كانَ بَقِيَ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيءِ ﷺ إلى المَدِينَةِ، فَلَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾ [النساء: ٩٧] إلى قَوْلِهِ ﴿وكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: ٩٩] كَتَبَ بِها النَّبِيءُ ﷺ إلى المُسْلِمِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ، وكانَ هَذا الرَّجُلُ مَرِيضًا، فَقالَ: إنِّي لَذُو مالٍ وعَبِيدٍ، فَدَعا أبْناءَهُ وقالَ لَهم: احْمِلُونِي إلى المَدِينَةِ. فَحَمَلُوهُ عَلى سَرِيرٍ، فَلَمّا بَلَغَ التَّنْعِيمَ تُوُفِّيَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيهِ. وتَعُمُّ أمْثالَهُ، فَهي عامَّةٌ في سِياقِ الشَّرْطِ لا يُخَصِّصُها سَبَبُ النُّزُولِ.
وكانَ هَذا الرَّجُلُ مِن كِنانَةَ، وقِيلَ مِن خُزاعَةَ، وقِيلَ مِن جُنْدَعٍ، واخْتُلِفَ في اسْمِهِ عَلى عَشَرَةِ أقْوالٍ: جُنْدُبُ بْنُ حَمْزَةَ الجُنْدَعِيُّ، حُنْدُجُ بْنُ ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ الخُزاعِيُّ. ضَمْرَةُ بْنُ بَغِيضٍ اللَّيْثِيُّ، ضَمْرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الضَّمْرِيُّ، ضَمْرَةُ بْنُ ضَمْرَةَ بْنِ نُعَيْمٍ. ضَمْرَةُ مِن خُزاعَةَ (كَذا) . ضَمْرَةُ بْنُ العِيصِ. العِيصُ بْنُ ضَمْرَةَ بْنِ زِنْباعٍ، حَبِيبُ بْنُ ضَمْرَةَ، أكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ.
(p-١٨٢)والَّذِينَ قالُوا: إنَّها الهِجْرَةُ إلى الحَبَشَةِ قالُوا: إنَّ المَعْنِيَّ بِمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ خالِدُ بْنُ حِزامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ الأسَدِيُّ ابْنُ أخِي خَدِيجَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، خَرَجَ مُهاجِرًا إلى الحَبَشَةِ فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ في الطَّرِيقِ فَماتَ. وسِياقُ الشَّرْطِ يَأْبى هَذا التَّفْسِيرَ.
{"ayah":"۞ وَمَن یُهَاجِرۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یَجِدۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُرَ ٰغَمࣰا كَثِیرࣰا وَسَعَةࣰۚ وَمَن یَخۡرُجۡ مِنۢ بَیۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ یُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق