الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ومَن يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً ومَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهاجِرًا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللَّهِ وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: ١٠٠].
المرادُ بالهجرةِ في الآيةِ: الهِجْرةُ إلى المدينةِ، والمُراغَمُ هو التحوُّلُ مِن حالٍ إلى حالٍ، ومِن مكانٍ إلى مكانٍ، ومِن أرضٍ إلى أرضٍ، وبلدٍ إلى بلدٍ، رُوِيَ هذا عنِ ابنِ عبّاسٍ، رواهُ عنه عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، رَواهُ ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ[[«تفسير الطبري» (٧/٣٩٩)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٣/١٠٤٩).]].
والمرادُ بذلكَ: الحثُّ على الهِجْرةِ، فإنّ في الأرضِ رِزْقًا وسَعَةً، فليست الهجرةُ بمانعةٍ مِن ذلك، فالمرادُ بالسَّعةِ في الآيةِ الرِّزْقُ، وهذا كقولِهِ تعالى: ﴿وإنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِن سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠]، يَعني: مِن رِزْقِهِ، وكقولِهِ: ﴿ولا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنكُمْ والسَّعَةِ﴾ [النور: ٢٢]، وقولِهِ: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: ٧].
وفي هذا: عدَمُ اعتبارِ طلَبِ الرِّزْقِ في الهِجْرةِ إلى اللهِ، فمَن سافَرَ طلبًا للرِّزْقِ والعيشِ، لم يَكُنْ مُهاجِرًا إلى اللهِ، وإنّما إلى دُنْياهُ، فلا يأثَمُ بذلك إن كان مِن بلَدِ إسلامٍ إلى بلدِ إسلامٍ، ومَن نوى رِزْقًا وعَيْشًا يُقِيمُ به دِينًا، فهو على نِيَّتِه.
فضلُ مَن بَدَأَ طريقَ الحقِّ:
وفي قولِه تعالى: ﴿ومَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهاجِرًا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾، يَعني: تَمَّ أجرُهُ بالشروعِ في الأمرِ، فمَن عزَمَ على إقامةِ الحقِّ، وحالَ دونَهُ حائلٌ، آتاهُ اللهُ أجْرَهُ ولو لم يُتِمَّه.
ومَن أخَذَ بأوَّلِ أسبابِ الحقِّ وطريقِهِ، ثُمَّ عجَزَ أو أدْرَكَهُ الموتُ، آتاهُ اللهُ أجْرَهُ، وقد كان بعضُ مَن قال بالإسلامِ في مكَّةَ، سوَّلَتْ لهُم أنفسُهم خطَرَ الطريقِ، وخوفَ الموتِ مِن عدوٍّ وقاطعِ طريقٍ أو سَبُعٍ أو لَدْغةِ دابَّةٍ، فإن ماتوا فاتَتْهم دُنيا مَكَّةَ ودينُ المدينةِ، فلا حَفِظُوا دِينًا ولا دُنيا.
فبَيَّنَ اللهُ لهم أنّ مَن مات في خروجِهِ مُهاجِرًا إلى المدينةِ ـ ولو كان في أولِ طريقِه ـ أنّ أجْرَهُ على اللهِ، كما لو بلَغَ المدينةَ، وقد روى أحمدُ في «المُسنَدِ»، عن عبدِ اللهِ بنِ عَتِيكٍ، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: (مَن خَرَجَ مِن بَيْتِهِ مُجاهِدًا فِي سَبِيلِ اللهِ عزّ وجل ـ ثُمَّ قالَ: بِأَصابِعِهِ هَؤُلاءِ الثَّلاثِ: الوُسْطى والسَّبّابَةِ والإبْهامِ، فَجَمَعَهُنَّ، وقالَ: وأَيْنَ المُجاهِدُونَ ؟ ـ فَخَرَّ عَنْ دابَّتِهِ وماتَ، فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللهِ عزّ وجل، أوْ لَدَغَتْهُ دابَّةٌ فَماتَ، فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللهِ، أوْ ماتَ حَتْفَ أنْفِهِ، فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللهِ عزّ وجل)، واللهِ إنَّها لَكَلِمَةٌ ما سَمِعْتُها مِن أحَدٍ مِنَ العَرَبِ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: (فَماتَ فَقَدْ وقَعَ أجْرُهُ عَلى اللهِ، ومَن قُتِلَ قَعْصًا، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ المَآبَ)[[أخرجه أحمد (١٦٤١٤) (٤/٣٦).]].
وفضلُ الهجرةِ مِن بلدِ الكفرِ إلى بلدِ الإسلامِ يشترِكُ مع فضلِ الدخولِ في الإسلامِ في تكفيرِ ما سلَفَ مِنَ الذنوبِ، كما في حديثِ عمرِو بنِ العاصِ، قال ﷺ: (أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟! وأَنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟! وأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟!)[[أخرجه مسلم (١٢١) (١/١١٢).]].
وليس هذا لكلِّ ما يُطلَقُ عليه هِجْرةٌ، وإنّما هو خاصٌّ بالهجرةِ مِن بلدِ الكفرِ إلى بلدِ الإسلامِ، وأمّا الهِجْرةُ مِن بلَدِ الفِسْقِ إلى بلدِ الطاعةِ، ومِنَ البلدِ المُسلِمِ المفضولِ إلى البلدِ الفاضلِ، فأجرُ ذلك بمقدارِ ما ترَكَ، ومقدارِ ما أقبَلَ عليه.
{"ayah":"۞ وَمَن یُهَاجِرۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یَجِدۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُرَ ٰغَمࣰا كَثِیرࣰا وَسَعَةࣰۚ وَمَن یَخۡرُجۡ مِنۢ بَیۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ یُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق