الباحث القرآني

قوله تعالى: {قُبُلاً} : قرأ نافع وابن عامر «قِبَلاً» هنا وفي الكهف بكسر القاف وفتح الباء، والكوفيون هنا وفي الكهف بضمها، وأبو عمرو وابن كثير بضمها هنا وكسر القاف وفتح الباء في الكهف، وقرأ الحسن البصري وأبو حَيْوة وأبو رجاء بالضم والسكون. وقرأ أُبَيّ والأعمش «قبيلاً» بياء مثناة من تحت بعد باء موحدة مكسورة. وقرأ طلحة بن مصرف «قَبْلا» بفتح القاف وسكون الباء. فأمَّا قراءة نافع وابن عامر ففيها وجهان، أحدهما: أنها بمعنى مُقَابلة أي: معايَنَةً ومُشَاهَدَةً، وانتصابه على هذا على الحال، قاله أبو عبيدة والفراء والزجاج، ونقله الواحدي أيضاً عن جميع أهل اللغة يقال: «لَقِيته قِبَلاً» أي عِياناً. وقال ابن الأنباري: «قال أبو ذر: قلت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنبيَّاً كان آدم؟ فقال: نعم كان نبياً، كلَّمه الله قِبَلاً» وبذلك فَسَّرها ابن عباس وقتادة وابن زيد، ولم يَحْكِ الزمخشري غيره فهو مصدر في موضع الحال كما تقدَّم. والثاني: أنها بمعنى ناحية وجهه، قاله المبرد وجماعة من أهل اللغة كأبي زيد، وانتصابه حينئذٍ على الظرف كقولهم: لي قِبَلُ فلان دَيْنٌ، وما قِبَلك حق. ويقال: لَقِيْتُ فلاناً قِبَلاً ومُقابلةً وقُبُلاً وقُبَلاً وقَبْلِيَّاً وقبيلاً، كلُّه بمعنى واحد، ذكر ذلك أبو زيد وأتبعه بكلام طويلٍ مفيد فَرَحِمَه الله تعالى وجزاه خيراً. وأمَّا قراءة الباقين هنا ففيها أوجه أحدها: أن يكون «قُبُلاً» جمع قبيل بمعنى كفيل كرَغيف ورُغُف وقضيب وقُضُب ونَصِيب ونُصُب. وانتصابه حالاً قال الفراء والزجاج: «جمع قبيل بمعنى كفيل أي: كفيلاً بصدق محمد عليه السلام» ، ويُقال: قَبَلْتُ الرجل أَقبَلُه قَبالة بفتح الباء في الماضي والقاف في المصدر أي: تكفَّلْت به والقبيل والكفيل والزعيم والأَذِين والضمين والحَمِيل بمعنى واحد، وإنما سُمِّيت الكفالة قَبالة لأنها أوكد تَقَبُّل، وباعتبار معنى الكَفالة سُمِّي العهدُ المكتوب قَبالة. وقال الفراء في سورة الأنعام: «قُبُلاً» جمع «قبيل» وهو الكفيل «. قال:» وإنما اخترت هنا أن يكون القُبُل في معنى الكفالة لقولهم {أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً} [الإِسراء: 92] يَضْمَنُون ذلك. الثاني: أن يكون جمع قبيل بمعنى جماعةً جماعةً أو صنفاً صنفاً، والمعنى: وحَشَرْنا عليهم كلَّ شيء فَوْجاً فوجاً ونوعاً نوعاً من سائر المخلوقات. الثالث: أن يكون «قُبْلاً» بمعنى قِبَلاً كالقراءة الأولى في أحد وجهيها وهو المواجهة أي: مواجهةً ومعاينةً، ومنه «آتيك قُبُلاً لا دُبُراً» أي: آتيك من قِبَل وجهك، وقال تعالى: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} [يوسف: 26] وقُرِئ «لقُبُل عِدَّتِهِنَّ» أي: لاستقبالها. وقال الفراء: «وقد يكون قُبُلاً: من قِبَل وجوههم» . وأمَّا الذي في الكهف فإنه يَصِحُّ فيه معنى المواجهة والمعاينة والجماعة صنفاً صنفاً؛ لأن المراد بالعذاب الجنس وسيأتي له مزيد بيان. و «قُبُلاً» نصب على الحال كما مَرَّ مِنْ «كلَّ» وإن كان نكرةً لعمومه وإضافته، وتقدَّم أنه في أحد أوجهه يُنْصَبُ على الظرف عند المبرد. وأمَّا قراءة الحسن فمخفَّفةٌ من المضموم، وقرأه أُبَيٌّ بالأصل وهو المفرد. وأمَّا قراءة طلحة فهو ظرفٌ مقطوعٌ عن الإِضافة معناه: أو يأتيَ بالله والملائكة قَبْلَه، ولكن كان ينبغي أن يُبْنَى لأن الإِضافة مُرادة. وقوله: {مَّا كَانُواْ} جواب «لو» وقد تقدَّم أنه إذا كان منفيَّاً امتنعَتِ اللام. وقال الحوفي: «التقدير لَمَا كانوا، حُذِفَتْ اللام وهي مرادةٌ» ، وهذا ليس بجيد لأن الجوابَ المنفيَّ ب «ما» يَقِلُّ دخولُها بل لا يجوز عند بعضهم، والمنفيُّ ب «لم» ممتنع البتة. وهذه اللام لام الجحود جارَّةٌ للمصدر المؤول من «أَنْ» والمنصوب بها، وقد تقدَّم تحقيق هذا كلِّه بعَوْن الله تعالى. قوله: {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} يجوز أن يكون متصلاً أي: ما كانوا ليؤمنوا في سائرِ الأحوال إلا في حال مشيئة الله أو في سائر الأزمان إلا في زمان مشيئته. وقيل: إنه استثناء من علة عامة أي: ما كانوا ليؤمنوا لشيء من الأشياء إلا لمشيئة الله تعالى. والثاني: أن يكون منقطعاً، نقل ذلك الحوفي وأبو البقاء واستبعده الشيخ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب