الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَلَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلا أنْ يَشاءَ اللهُ ولَكِنَّ أكْثَرَهم يَجْهَلُونَ﴾ ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الإنْسِ والجِنِّ يُوحِي بَعْضُهم إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا ولَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهم وما يَفْتَرُونَ﴾
أخْبَرَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ لَوْ أتى بِجَمِيعِ ما اقْتَرَحُوهُ؛ مِن إنْزالِ المَلائِكَةِ؛ وإحْياءِ سَلَفِهِمْ؛ حَسْبَما كانَ مِنَ اقْتِراحِ بَعْضِهِمْ أنْ يُحْشَرَ قُصَيٌّ ؛ وغَيْرُهُ؛ فَيُخْبِرَ بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ؛ أو يُجْمَعَ عَلَيْهِمْ كُلُّ شَيْءٍ يُعْقَلُ أنْ يُحْشَرَ عَلَيْهِمْ؛ ما آمَنُوا؛ إلّا بِالمَشِيئَةِ؛ واللُطْفِ الَّذِي يَخْلُقُهُ تَعالى ؛ ويَخْتَرِعُهُ في نَفْسِ مَن شاءَ؛ لا رَبَّ غَيْرُهُ؛ وهَذا يَتَضَمَّنُ الرَدَّ عَلى المُعْتَزِلَةِ في قَوْلِهِمْ بِالآياتِ الَّتِي تَضْطَرُّ الكُفّارَ إلى الإيمانِ؛ وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في المُسْتَهْزِئِينَ؛ قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: لا يَثْبُتُ إلّا بِسَنَدٍ.
وقَرَأ نافِعٌ ؛ وابْنُ عامِرٍ ؛ وغَيْرُهُما: "قِبَلًا"؛ بِكَسْرِ القافِ؛ وفَتْحِ الباءِ؛ ومَعْناهُ: "مُواجَهَةً؛ ومُعايَنَةً"؛ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -؛ وغَيْرُهُ؛ ونَصْبُهُ عَلى الحالِ؛ وقالَ المُبَرِّدُ: اَلْمَعْنى: "ناحِيَةً"؛ كَما تَقُولُ: "لِي قِبَلَ فُلانٍ دَيْنٌ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَنَصْبُهُ - عَلى هَذا - هو عَلى الظَرْفِ؛ وقَرَأ عاصِمٌ ؛ وحَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ ؛ وغَيْرُهُمْ: "قُبُلًا"؛ بِضَمِّ القافِ؛ والباءِ؛ وكَذَلِكَ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ هُنا؛ وقَرَأ: "اَلْعَذابَ (p-٤٤٣)قِبَلًا"؛ مَكْسُورَةَ القافِ؛ واخْتُلِفَ في مَعْناهُ؛ فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ؛ ومُجاهِدٌ ؛ وابْنُ زَيْدٍ: "قُبُلٌ": جَمْعُ "قَبِيلٌ"؛ أيْ: صِنْفًا صِنْفًا؛ ونَوْعًا نَوْعًا؛ كَما يُجْمَعُ "قَضِيبٌ"؛ عَلى "قُضُبٌ"؛ وغَيْرُهُ؛ وقالَ الفَرّاءُ ؛ والزَجّاجُ: هو جَمْعُ "قَبِيلٌ"؛ وهُوَ: "اَلْكَفِيلُ"؛ أيْ: "وَحَشَرَنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ كُفَلاءَ بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ"؛ وذَكَرَهُ الفارِسِيُّ ؛ وضَعَّفَهُ؛ وقالَ بَعْضُهُمْ: "قُبُلٌ"؛ بِالضَمِّ؛ بِمَعْنى: "قِبَلٌ"؛ بِكَسْرِ القافِ؛ أيْ: "مُواجَهَةً"؛ كَما تَقُولُ: "قُبُلَ"؛ و"دُبُرَ"؛ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿قُدَّ مِن قُبُلٍ﴾ [يوسف: ٢٦] ؛ ومِنهُ قِراءَةُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -: "لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ"؛ أيْ لِاسْتِقْبالِها؛ ومُواجَهَتِها في الزَمَنِ؛ وقَرَأ الحَسَنُ؛ وأبُو رَجاءٍ ؛ وأبُو حَيْوَةَ: "قُبْلًا"؛ بِضَمِّ القافِ؛ وسُكُونِ الباءِ؛ وذَلِكَ عَلى جِهَةِ التَخْفِيفِ؛ وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "قَبْلًا"؛ بِفَتْحِ القافِ؛ وإسْكانِ الباءِ؛ وقَرَأ أُبَيٌّ؛ والأعْمَشُ: "قَبِيلًا"؛ بِفَتْحِ القافِ؛ وكَسْرِ الباءِ؛ وزِيادَةِ ياءٍ؛ والنَصْبُ في هَذا كُلِّهِ عَلى الحالِ.
وقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلَكِنَّ أكْثَرَهم يَجْهَلُونَ﴾ ؛ اَلضَّمِيرُ عائِدٌ إلى الكُفّارِ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ؛ والمَعْنى: "يَجْهَلُونَ أنَّ الآيَةَ تَقْتَضِي إيمانَهُمْ؛ ولا بُدَّ"؛ فَيَقْتَضِي اللَفْظُ أنَّ الأقَلَّ لا يَجْهَلُ؛ فَكانَ فِيهِمْ مَن يَعْتَقِدُ أنَّ الآيَةَ لَوْ جاءَتْ لَمْ يُؤْمِن إلّا أنْ يَشاءَ اللهُ تَعالى لَهُ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ يَتَضَمَّنُ تَسْلِيَةَ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وعَرْضَ القُدْوَةِ عَلَيْهِ؛ أيْ: "إنَّ هَذا الَّذِي امْتُحِنْتَ بِهِ يا مُحَمَّدُ؛ مِنَ الأعْداءِ؛ قَدِ امْتُحِنَ بِهِ غَيْرُكَ مِنَ الأنْبِياءِ؛ لِيَبْتَلِيَ اللهُ تَعالى أُولِي العَزْمِ مِنهُمْ"؛ و"عَدُوًّا"؛ مُفْرَدٌ في مَعْنى الجَمْعِ؛ ونَصْبُهُ عَلى المَفْعُولِ الأوَّلِ لِـ "جَعَلْنا"؛ والمَفْعُولُ الثانِي في قَوْلِهِ: "لِكُلِّ نَبِيٍّ"؛ و"شَياطِينَ"؛ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ - سُبْحانَهُ -: "عَدُوًّا"؛ ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ المَفْعُولُ الأوَّلُ "شَياطِينَ"؛ والثانِي "عَدُوًّا"؛ وقَوْلُهُ تَعالى ﴿شَياطِينَ الإنْسِ والجِنِّ﴾ ؛ يُرِيدُ بِهِ المُتَمَرِّدِينَ - مِنَ النَوْعَيْنِ - الَّذِينَ هم (p-٤٤٤)مِن شِيَمِ السُوءِ؛ كالشَياطِينِ؛ وهَذا قَوْلُ جَماعَةٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ؛ ويُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «أبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - أنَّهُ صَلّى يَوْمًا؛ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "تَعَوَّذْ يا أبا ذَرٍّ مِن شَياطِينِ الجِنِّ والإنْسِ"؛ قالَ: وإنَّ مِنَ الإنْسِ لِشَياطِينَ؟ قالَ: "نَعَمْ"؛» قالَ السُدِّيُّ ؛ وعِكْرِمَةُ: اَلْمُرادُ بِالشَياطِينِ: اَلْمُوَكَّلُونَ بِالإنْسِ؛ والشَياطِينُ المُوَكَّلُونَ بِمُؤْمِنِي الجِنِّ؛ وزَعَما أنَّ لِلْجِنِّ شَياطِينَ مُوَكَّلِينَ بِغَوايَتِهِمْ؛ وأنَّهم يُوحُونَ إلى شَياطِينِ الإنْسِ بِالشَرِّ؛ والوَسْوَسَةِ؛ يَتَعَلَّمُها بَعْضُهم مِن بَعْضٍ؛ قالا: ولا شَياطِينَ مِنَ الإنْسِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا قَوْلٌ لا يَسْتَنِدُ إلى خَبَرٍ؛ ولا إلى نَظَرٍ.
و"يُوحِي"؛ مَعْناهُ: يُلْقِيهِ في اخْتِفاءٍ؛ فَهو كالمُناجاةِ؛ والسِرارِ؛ و﴿زُخْرُفَ القَوْلِ﴾ ؛ مَعْناهُ: "مُحَسِّنَهُ؛ ومُزَيِّنَهُ بِالأباطِيلِ"؛ قالَهُ عِكْرِمَةُ ؛ ومُجاهِدٌ ؛ والزَخْرَفَةُ أكْثَرُ ذَلِكَ؛ إنَّما تُسْتَعْمَلُ في الشَرِّ والباطِلِ؛ و"غُرُورًا"؛ نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ؛ ومَعْناهُ أنَّهم يُغْرُونَ بِهِ المُضَلِّلِينَ؛ ويُوهِمُونَ لَهم أنَّهم عَلى شَيْءٍ؛ والأمْرُ بِخِلافٍ؛ والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى "فَعَلُوهُ"؛ عائِدٌ عَلى اعْتِقادِهِمُ العَداوَةَ؛ ويُحْتَمَلُ عَلى الوَحْيِ؛ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ "يُوحِي"؛
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَذَرْهم وما يَفْتَرُونَ﴾ ؛ لَفْظٌ يَتَضَمَّنُ الأمْرَ بِالمُوادَعَةِ؛ مَنسُوخٌ بِآياتِ القِتالِ؛ قالَ قَتادَةُ: كُلُّ "ذَرْ"؛ في كِتابِ اللهِ تَعالى فَهو مَنسُوخٌ بِالقِتالِ؛ و"يَفْتَرُونَ"؛ مَعْناهُ: "يَخْتَلِفُونَ؛ ويَشْتَقُّونَ"؛ وهو مِن "اَلْفِرْيَةُ"؛ تَشْبِيهًا بِفَرْيِ الأدِيمِ.
{"ayahs_start":111,"ayahs":["۞ وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَاۤ إِلَیۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ كُلَّ شَیۡءࣲ قُبُلࣰا مَّا كَانُوا۟ لِیُؤۡمِنُوۤا۟ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَجۡهَلُونَ","وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوࣰّا شَیَـٰطِینَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ یُوحِی بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضࣲ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا یَفۡتَرُونَ"],"ayah":"۞ وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَاۤ إِلَیۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ كُلَّ شَیۡءࣲ قُبُلࣰا مَّا كَانُوا۟ لِیُؤۡمِنُوۤا۟ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَجۡهَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق