الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ﴾ الآية، كان المشركون يقولون للنبي ﷺ: أرنا الملائكة يشهدون لك بالنبوة، أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أحق ما تقول أم باطل؟ والمسلمون يتمنون آية تأتيهم لعلهم يؤمنون، فقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ﴾ كما شاؤوا ورأوهم عيانًا ﴿وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى﴾ فشهدوا لك بالنبوة [[هذا قول الفراء في "معانيه" 1/ 350، و"النحاس" 2/ 475، والسمرقندي 1/ 507، وأخرجه ابن أبي حاتم 4/ 137 بسند جيد عن مجاهد، وذكره هود الهواري 1/ 552 عن الحسن، وذكره ابن الجوزي 3/ 106، والرازي 13/ 150، عن ابن عباس.]] ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ وقرئ (قِبَلا) [[قرأ ابن عامر ونافع (قِبَلًا) بكسر القاف وفتح الباء، وقرأ الباقون بضمهما. انظر: "السبعة" ص 265 - 266، و"المبسوط" ص 173، و"التذكرة" 2/ 408، و"التيسير" ص 106، و"النشر" 2/ 261، 262.]] قال أبو زيد: (يقال: لقيت فلانًا قِبَلًا ومُقَابَلة، وقَبَلاَ وقُبُلًا وقِبليًّا وقَبِيلاً، كله واحد، وهو المواجهة) [["النوادر" ص 235، وقبلاً: بكسر القاف وفتح الباء، ومقابلة: بضم الميم، وفتح القاف والباء، وقبلا بالفتح، وقبلاً: بالضم. وقبليًّا: بالفتح وتشديد الياء. وقبيلاً: بفتح القاف وكسر الباء.]]، والمعنى في القراءتين على ما قاله أبو زيد واحد وإن اختلف اللفظان، فأما من قرأ (قِبَلًا) بكسر القاف وفتح الباء، فقال أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 204.]] والفراء [["معاني الفراء" 1/ 351.]] والزجاج [["معاني الزجاج" 2/ 283، وهو قول الأخفش 2/ 286، واليزيدي في "غريبه" ص 141، وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" 1/ 169، والطبري 8/ 2، مكي في "تفسير المشكل" ص 79.]] وجميع أهل اللغة [[انظر: "العين" 5/ 166، و"الجمهرة" 1/ 372، و"تهذيب اللغة" 3/ 2826، و"الصحاح" 5/ 1795، و"المجمل" 3/ 741، و"المفردات" ص 653، و"اللسان" 6/ 3520 مادة (قبل).]]: (معناه: عيانًا، يقال: لقيته قِبَلًا أي: معاينةً).
قال ابن الأنباري [[ذكره السمين في "الدر" 5/ 112.]]: (قال أبو ذر [[أبو ذر: صحابي مشهور، اختلف في اسمه. والمشهور: جندب بن جنادة بن السكن الغفاري، مشهور بكنيته، صحابي فاضل جليل، أحد السابقين إلى الإسلام، رأس في الزهد والصدق، والعمل والعلم، لازم النبي ﷺ وجاهد معه، وفضله ومناقبه وثناء الأئمة عليه كثير، توفي رضي الله عنه سنة 32 هـ.
انظر: "طبقات ابن سعد" 4/ 219، و"الحلية" 1/ 156، و"الاستيعاب" 4/ 216، و"سير أعلام النبلاء" 2/ 46، و"الإصابة" 4/ 62، و"تهذيب التهذيب" 4/ 519.]]: قلت للنبي ﷺ: أنبيًّا كان آدم؟ فقال: "نعم كان نبيًّا كَلَّمَهُ الله قِبلًا") [[أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" ص 449 بسند ضعيف، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 198، وقال: (رواه الطبراني في الأوسط، وأحمد بنحوه، وفيه المسعودي قد اختلط) ا. هـ، وأخرجه أحمد في "المسند" 5/ 178 و179، والبخاري في "التاريخ الكبير" 5/ 447 بلفظ: (آدم نبي مكلم)، وفيه: المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة الكوفي، إمام صدوق اختلط قبل موته كما في "التقريب" 344 (3919) ، وعبيد بن الخشخاش، قال ابن حجر في "التقريب" == 376 (4371) مادة (لين)، وأبو عمر الدمشقي، قال ابن حجر في "التقريب" 660 (8265) (ضعيف). وأخرجه الحاكم 2/ 262 عن أبي أمامة بلفظ: (نبي معلم مكلم)، قال الحاكم: (حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) ا. هـ، وفيه: ممطور الأسود أبو سلام الحبشي، قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" ص 215: (سمعت أبي يقول: ممطور الحبشي عن أبي أمامة مرسل) ا. هـ، وانظر: "الدر المنثور" 1/ 104، وقال ابن الأثير في "النهاية" 4/ 8: (في حديث آدم إن الله كلمه قبلا -بكسر القاف وفتح الباء- أي: عيانًا ومقابلة، لا من وراء حجاب، ومن غير أن يولي أمره أو كلامه أحدًا من ملائكته) ا. هـ، وانظر: مرويات الإمام أحمد في "التفسير" 2/ 124 - 125.]].
ومن قرأ (قُبُلًا) [[أي: بالضم.]] فله ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون جمع قَبِيل [[قبيل: بفتح القاف وكسر البار كَرِغيف ورُغُف - أفاده السمين في "الدر" 5/ 113.]] الذي يراد به الكفيل، يقال: قَبَلْتُ [[قَبَلْتُ: بالفتح، أَقْبَل: بسكون القاف وفتح الباء، قَبَالة: بالفتح. أفاده السمين في "الدر" 5/ 113.]] بالرجل أقْبَل قَبَالةً، أي: كفلتُ به، ويكون المعنى: لو حُشر عليهم كل شيء فكفل بصحة ما تقول ما آمنوا [[ذكر هذا الوجه أكثرهم، وهو اختيار الفراء في "معانيه" 1/ 350.]].
فإن قيل: إذا لم يؤمنوا مع إنزال الملائكة إليهم وأن يكلمهم الموتى، مع أن ذلك مما [يبهر] [[في (ش): (يبهز)، وهو تصحيف.]] ظهوره، ويضطرب مشاهدته، فكيف يؤمنون بالكفالة التي هي قول لا يبهر ولا يضطر، ويجوز أن لا يصدقوا بكفالتهم، وأي أعجوبة في كفالتهم حتى تذكر مع إنزال الملائكة وكلام الموتى؟ قيل: في الأشياء المحشورة ما ينطق وما لا ينطق، فإذا نطق بالكفالة من لا ينطق كان ذلك موضع بهر الآية، ومعنى ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ جمعنا [[في (ش): تكرر لفظ (جمعنا عليهم).]] {عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ} في الدنيا. الوجه الثاني: أن يكون (قُبُلًا) جمع قبيل [[قبيل: بفتح القاف، وكسر الياء: وهم الجماعة، والصنف، وهذا الوجه قول الأخفش في "معانيه" 2/ 286، وأبي عبيدة في "المجاز" 1/ 204، واليزيدي في "غريب القرآن" ص 141، وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" 1/ 169، ومكي في "تفسير المشكل" ص 79، وقال الإِمام البخاري في "صحيحه" 8/ 296، مع فتح الباري: (قُبلا جمع قبيل، والمعنى: أنه ضروب للعذاب، كل ضرب منها قبيل) ا. هـ، وقال ابن الأنباري في قصيدة في "مشكل اللغة"، وشرحها في مجلة "مجمع اللغة" 4/ 64/ 647: (القبل، بالضم: الضروب والجماعات من العذاب، جمع قبيل) ا. هـ.]] بمعنى الصنف، المعنى: ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [قبيلًا قبيلاً] [[في (أ): (قبلًا قبيلًا) ولعله تصحيف.]]، والأعجوبة في هذا هو جمع الأشياء جنسًا جنسًا، وجمع الأشياء ليس في العرف [[في "الحجة" لأبي علي 3/ 386، بعد ذكر ما تقدم قال: (فموضع ما يبهر هو اجتماعها مع أن ذلك ليس في العرف).]] أن تجمع وتحشر إلى موضع. الوجه الثالث: أن يكون (قُبلًا) بمعنى (قِبلًا) [[أي يكون قبلاً: بالضم، بمعنى قبلًا بكسر القاف وفتح الباء.]] أي: مواجهة ومعاينة، كما فسره أبو زيد [[وكذلك المبرد كما حكاه النحاس في "إعراب القرآن" 574 عنه.]]، وهذا في المعنى كالقراءة [[ما تقدم: هو قول أبي علي في "الحجة" 3/ 384 - 387، بتصرف. انظر: "معاني القراءات" 1/ 380، و"الحجة" لابن زنجلة ص 267، و"الكشف" 1/ 446.]] الأولى [[ذكر نحو ما تقدم أكثرهم. انظر: "معاني الفراء" 1/ 350، والزجاج 2/ 283 ، والنحاس 2/ 475، و"تفسير السمرقندي" 1/ 507، وابن عطية 5/ 321، وابن الجوزي 3/ 107، والقرطبي 7/ 66، وذكره الرازي 13/ 150، السمين في "الدر" 5/ 112، عن الواحدي.= وأظهر الأقوال توافق القراءتين بمعنى: المعاينة والمقابلة. وهو ظاهر كلام ابن كثير 2/ 185، وقال أبو حيان في "البحر" 4/ 206: (هذا القول عندي أحسن؛ لاتفاق القراءتين) ا. هـ وأخرجه الطبري 12/ 49، وابن أبي حاتم 4/ 1370، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 205، بسند جيد عن ابن عباس، وأخرجه الطبري بسند جيد عن قتادة، وحكاه الماوردي 2/ 157، عن ابن زيد وابن إسحاق، وأخرج ابن حسنون في "اللغات" ص 24، و"الوزان" ص 3/ ب، بسند جيد عن ابن عباس قال: (قبلًا يعني: عيانًا؛ الضم بلغة تميم، والكسر بلغة كنانة) اهـ.]].
وقوله تعالى: ﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ قال الزجاج [["معاني الزجاج" 2/ 283، ومثله ذكر السمرقندي 1/ 507.]]: (أعلم الله جل وعز أنهم لا يؤمنون، وهو كإعلام نوح في قوله تعالى: ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: 36]، قال عكرمة [[لم أقف عليه.]]: (هذا في أهل الشقاء)، وقال ابن جريج [[أخرجه الطبري 8/ 1، بسند جيد، وذكره ابن عطية 5/ 320، وقال: (هذا لا يثبت إلا بسند) ا. هـ. وانظر: "الدر المنثور" 3/ 72.]]: (نزلت هذه الآية في المستهزئين الذين ذكروا في سورة الحجر) [[يعني قوله تعالى: ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ﴾ [الحجر: 90]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر: 95]، وانظر: سبب نزولها في "زاد المسير" 4/ 417 - 421.]].
قال ابن عباس في هذه الآية: (أخبر الله تعالى نبيه ﷺ بما سبق في علمه وقضائه وقدره من الشقوة عليهم، ليعزى رسوله ويصبره، وذلك أن حزن النبي ﷺ اشتد حين كذّبه قومه، وكفروا بالله، وصاروا إلى العذاب، ولهذا قال الله تعالى له: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾ [الكهف: 6] [[أخرج البيهقي في "الأسماء والصفات" ص 1/ 250 بسند جيد عن ابن عباس قال: (إن رسول الله ﷺ كان يحرص أن يؤمن جميع الناس، ويبايعوه على الهدى، == فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبقت له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبقت له من الله الشقاوة في الذكر الأول، ثم قال لنبيه ﷺ: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: 3] ا. هـ
وأخرج الطبري في "تفسيره" 8/ 1، وابن أبي حاتم 3/ 103 أ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص 105 بسند جيد عنه قال: (﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ وهم أهل الشقاء ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ وهم أهل السعادة الذي سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان) اهـ.]].
وقال ابن الأنباري: (أقسم الكافرون أن الآية متى [أنزلت] [[في (ش): (نزلت).]] آمنوا بها، فقدر المؤمنون أن هذا القول صحيح منهم، فدلهم جل اسمه على أن قولهم ليس بحقٍّ، وأنه لو أحضرهم هؤلاء الآيات التي عددها ما كانوا ليؤمنوا ويعترفوا بصحة ما يشاهدون منها، إلا أن يهديهم إلى ذلك، ويسهل عليهم تبين الآيات وقبولها، وهو معنى قوله ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾) [[لم أقف عليه. وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 284.]]، وهذا نص في تكذيب القدرية [[انظر: "تفسير الرازي" 13/ 151، و"البحر المحيط" 4/ 26، وقال ابن عطية في "تفسيره" 5/ 320: (وهذا يتضمن الرد على المعتزلة في قولهم بالآيات التي تضطر الكفار إلى الإيمان) ا. هـ]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ قال ابن عباس: (يجهلون الحق أنه من الله) [["تنوير المقباس" 2/ 53.]]. وقيل: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ أنهم لو أتوا بكل آية ما آمنوا [[ذكره أكثر المفسرين. انظر: "تفسير السمرقندي" 1/ 508، والماوردي 2/ 157، وابن الجوزي 3/ 107، والرازي 13/ 151، والقرطبي 7/ 67، و"البحر المحيط" 4/ 206.]].
وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ الآية [الأنعام: 112] قوله: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ منسوق على قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ [الأنعام: 108] أي: كما فعلنا ذلك ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾، وقيل [[أكثرهم على أن الكاف في محل نصب نعتًا لمصدر محذوف، واختلفت عباراتهم في تقديره، فقال الطبري في "تفسيره" 8/ 3 (يقول: وكما ابتليناك يا محمد بأن جعلنا لك من مشركي قومك أعداء، كذلك ابتلينا من قبلك من الأنبياء والرسل بأن جعلنا لهم أعداء من قومهم) ا. هـ ملخصًا.
وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 284، و"النحاس" 2/ 476، و"تفسير الماوردي" 2/ 157، وابن الجوزي 3/ 108، و"التبيان" 1/ 354، و"الفريد" 2/ 215، و"تفسير القرطبي" 7/ 67.
ونقل الرازي 13/ 152، قول الواحدي بدون نسبة، وذكره السمين في "الدر" 5/ 115، عن الواحدي.]]: (معناه: جعلنا لك عدًّا، كما جعلنا لمن قبلك من الأنبياء) فيكون قوله ﴿وَكَذَلِكَ﴾ عطفًا على معنى ما تقدم من الكلام، وما تقدم يدل على معناه على أنه جعل له أعداء، قال المفسرون [[ذكر ذلك أكثرهم. انظر: "تفسير الطبري" 8/ 3، وابن عطية 5/ 322، والقرطبي 7/ 67.]]: (وهذا تعزية للنبي ﷺ، يقول: كما ابتليناك بهؤلاء القوم فكذلك جعلنا لكل نبي قبلك عدوًا ليعظم ثوابه على ما يكابد من أذاه).
قال الزجاج [["معاني الزجاج" 2/ 284.]] وابن الأنباري: (وعدو [[عدو: بفتح العين، وضم الدال. انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2347، و"اللسان" 5/ 2845 مادة (عدا).]] في معنى: أعداء)، وأنشد أبو بكر: إذا أنا لم أَنْفَغ صديقي بودِّهِ ... فإنَّ عدوِّي لن يَضُرَّهُم بُغْضي [[الشاهد للنابغة الشيباني في "ديوانه" ص 117، و"الزاهر" 1/ 216 - 217، وللنابغة الذبياني في "ملحق ديوانه" ص 231، وبلا نسبة في الرازي 13/ 154، و"البحر" 4/ 207، و"الدر المصون" 5/ 116.]]
أراد: أعدائي فأدى الواحد عن الجميع [["الزاهر" 1/ 216 - 218، ولم يذكر الآية، وذكر ذلك الرازي 13/ 154 عن ابن الأنباري.]] كقوله عز وجل: ﴿حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات: 24] جعل ﴿المُكْرَمِينَ﴾ وهو جمع نعتًا للضيف وهو واحد؛ لأنه أراد بالواحد الجمع) و ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ منصوب على البدل من عدوٍّ ومفسرٍ له، ويجوز أن يكون (عدوًّا) منصوبًا على أن مفعول ثان. المعنى: وكذلك جعلنا شياطين الإنس والجن أعداء للأنبياء [[هذا قول الزجاج في "معانيه" 2/ 284، والنحاس في "إعرابه" 1/ 575، والأزهري في "تهذيبه" 3/ 2347، وأكثرهم على أن في الآية وجهين: الأول: أن (عدوا) مفعول أول، و (لكل نبي) في موضع المفعول الثاني قدم، و (شياطين) بدل من عدو. والوجه الثاني: أن المفعول الأول (شياطين)، و (عدوًا) مفعول ثانٍ مقدم، و (لكل نبي) حال من (عدوًا) لأنه صفته، وقال الفراء في "معانيه" 1/ 351، والطبري 8/ 3: (نصب العدو والشياطين بجعلنا)، وجوز ابن الأنباري في "البيان" 1/ 335 جعل (شياطين) مفعولًا ثانيًا لجعل. وانظر: "التبيان" 1/ 354، و"الفريد" 2/ 215، و"الدر المصون" 5/ 115.]].
واختلفوا في معنى ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ على قولين:
أحدهما: أن المعنى مردة الإنس والجن، والشيطان [[قال المبرد في "الكامل" 3/ 96: (زعم أهل اللغة أن كل متمرد من جنٍّ أو إنس أو سبع أو حية يقال له: شيطان، وأن قولهم: تشيطن، إنما معناه: تخبث وتنكر، وقد قال الله جل وعز: ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ ا. هـ. وانظر: "العين" 6/ 237، و"الجمهرة" 2/ 867، و"تهذيب اللغة" 2/ 1878، و"الصحاح" 5/ 2144،== و"المجمل" 2/ 502، و"مقاييس اللغة" 3/ 183، و"المفردات" ص 454، و"اللسان" 4/ 2265 مادة (شطن).]] كل عاتٍ متمرد من الإنس والجن، وهذا قول ابن عباس في [[ذكره الرازي 13/ 154، و"تنوير المقباس" 2/ 53، نحوه، وأخرج ابن أبي حاتم 3/ 371، نحوه، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 74.]] رواية عطاء ومجاهد [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 102، والبغوي 3/ 179، والرازي 13/ 154، عن مجاهد والحسن وقتادة.]] وقتادة [[أخرج عبد الرزاق 1/ 2/ 216، والطبري 8/ 5، وابن أبي حاتم 4/ 1371 بسند جيد نحوه.]] والحسن [[ذكره هود الهواري 1/ 552، والماوردي 2/ 158، ابن الجوزي 3/ 108.]]، وهؤلاء قالوا: (إن من الجن شياطين، ومن الإنس شياطين، وأن الشيطان من الجن إذا أعياه المؤمن، وعجز عن إغوائه ذهب إلى متمردٍ من الإنس، وهو شيطان الإنس، فأغراه بالمؤمن ليفتنه). يدل على هذا ما روى (إن النبي ﷺ[قال] [[لفظ: (قال) ساقط من (أ).]] لأبي ذر: "هل تعوذت بالله من شر شياطين الجن والإنس؟ " قال: قلت: وهل للإنس من شياطين؟ قال: "نعم، هم شر من شياطين الجن" [[أخرجه أحمد في "المسند" 5/ 178 - 179، والنسائي في "سننه" 8/ 275 في الاستعاذة، باب الاستعاذة من شر شياطين الجن، والطبري في "تفسيره" 8/ 5، وابن أبي حاتم 4/ 1371، من عدة طرق، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 159 - 160: (رواه أحمد والطبراني في الكبير، ومداره على علي بن زيد، وهو ضعيف، ورواه أحمد والبزار والطبراني في "الأوسط" بنحوه، وعند النسائي طرف منه، وفيه المسعودي، وقد اختلط) ا. هـ. وقد ذكر ابن كثير في "تفسيره" 2/ 186 طرقًا أخرى للحديث ثم قال: (فهذه طرق لهذا الحديث ومجموعها يفيد قوته وصحته والله أعلم) ا. هـ. وانظر: "كشف الأستار" 1/ 93 ، و"المطالب العالية" 4/ 207 (3441)، و"الدر المنثور" 3/ 73، وقوله: "قال: نعم، هم شر من شياطين الجن" لم أقف عليها.]].
وقال مالك [[مالك بن دينار البصري، أبو يحيى، تابعي، إمام عابد، زاهد، ثقة، كان يكتب المصاحف، توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاثين ومائة 130هـ أو نحوها. انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 243، و"الجرح والتعديل" 8/ 208، و"حلية الأولياء" 2/ 357، و"سير أعلام النبلاء" 5/ 362، و"تهذيب التهذيب" 4/ 11.]] بن دينار: (إن شيطان [الإنس] [[لفظ (الإنس) ساقط من (أ)، وملحق بالهامش.]] أشد عليَّ من شيطان الجن، وذلك أني إذا تعوذت بالله يذهب عني شيطان الجن، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عيانًا) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 183 أ، والواحدي في "الوسيط" 1/ 102، والبغوي في "تفسيره" 3/ 180، وابن الجوزي 3/ 109، والقرطبي 7/ 68.]].
وشرح ابن عباس هذا شرحًا شافيًا فقال [[ذكر أبو حيان في "البحر" 4/ 207، نحوه، وقوله: (أما عدوه من شياطين الجن ..) لم أقف عليه بعد طول بحث.]] في رواية عطاء: (أما عدوّه من شياطين الجن، فالأبيض الذي كان يأتي في صورة جبريل [[عن عبد الله بن مسعود قال: (قال رسول الله ﷺ: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن"، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: "وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسْلَم، فلا يأمرني إلا بخير" ا. هـ، قال الإمام النووي: (فأسلم: برفع الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال: معناه أسلم أنا من شره وفتنته، واختلفوا على رواية الفتح، قيل: أسلم من الإِسلام وصار مؤمنا لا يأمرني إلا بخير، وهذا هو الظاهر. وقيل: أسلم بمعنى استسلم وانقاد. قال القاضي عياض: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي ﷺ من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه ..) ا. هـ ملخصًا. وانظر: "النهاية" لابن الأثير 2/ 395.]] يوحي إليه، وأما الإنس فالوليد بن المغيرة [[الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومي، أبو عبد شمس القرشي، أحد المستهزئين المجاهرين بالأذى والعداوة للرسول ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم، توفي بعد الهجرة بثلاثة أشهر، وهو والد الصحابي الجليل وسيف الله المسلول == خالد بن الوليد رضي الله عنه. انظر: "سيرة ابن هشام" 1/ 283، و"جوامع السير" ص 53، و"الكامل" لابن الأثير 2/ 48، و"الأعلام" 8/ 122]]، والعاص [[العاص بن وائل بن هاشم السهمي، أحد المستهزئين والمجاهرين بالعداوة والأذى للرسول ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم، توفي بعد الهجرة بشهرين، وهو والد الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه. انظر: "المراجع السابقة"، و"الأعلام" 3/ 247.]] بن وائل، وأبو جهل، وعتبة [[عتبة وشيبة: ابنا ربيعة بن عبد شمس القرشي، من المستهزئين قتلا في بدر. انظر: "المراجع السابقة"، و"الأعلام" 3/ 181، 4/ 200.]]، وشيبة، وأبي بن خلف، وأخوه أمية) [[أبي، وأمية: ابنا خلف بن وهب الجمحي، من المستهزئين وأشدهم، وأكثرهم أذى للرسول ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم، قتل أمية في بدر، ورمى النبي ﷺ يوم أحد أبيًّا بحربة فقتله. انظر: "جوامع السير" ص 54، و"الكامل" في التاريخ 2/ 148، و"الأعلام" 2/ 22.]]، وذكر أسماء المستهزئين [[المستهزؤون: طبقة لهم قوة ورياسة، اختلف في عددهم وأسمائهم وكيفية هلاكهم، وقد أخرج الطبري 14/ 70 - 73، والطبراني في "الكبير" 11/ 113، والبيهقي في "سننه" 9/ 8، في "الدلائل" 2/ 85 - 86 من طرق جيدة عن ابن عباس، عددهم وأسماءهم وكيفية هلاكهم، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 47، وقال: (رجاله ثقات)، وقال السيوطي في "الدر" 3/ 73: (أخرجه الطبراني، والبيهقي، وأبو نعيم، وابن مردويه بسند حسن، والضياء في المختارة) ا. هـ وانظر: الماوردي 2/ 157، والزمخشري 2/ 399، وابن الجوزي 4/ 421، والقرطبي 10/ 62، وابن كثير 2/ 186.]].
القول الثاني: أن الجميع من ولد إبليس، وأضيف [[قال السمين في "الدر" 5/ 115 - 116: (الراجح أنه من باب إضافة الصفة لموصوفها ، والأصل الإنس والجن الشياطين، ويحتمل أن يكون من الإضافة التي بمعنى اللام، المعنى: الشياطين التي للإنس والشياطين التي للجن، فإن إبليس == قسم جنده قسمين: قسم متسلط على الإنس، وآخر على الجن، كذا جاء في التفسير) ا. هـ بتصرف]] الشياطين إلى الإنس، أي: الذي يغوونهم، وهذا قول عكرمة [[أخرجه الطبري 8/ 4، من طرق، عن عكرمة والسدي، وذكره السمرقندي 1/ 508، وابن الجوزي 3/ 108، عن عكرمة.]] والضحاك [[ذكره القرطبي 7/ 68، وأبو حيان في "البحر" 4/ 207، عن الضحاك والكلبي.]] والسدي [[ذكره ابن أبي حاتم 4/ 1372، وذكره الماوردي 2/ 158، عن عكرمة والسدي.]] والكلبي [[ذكره هود الهواري 1/ 552، وذكره البغوي 3/ 179، عن عكرمة والضحاك، والسدي والكلبي.]] عن أبي صالح، عن ابن عباس [[أخرجه الفراء في "معانيه" 1/ 351، وابن أبي حاتم 4/ 1372، بسند ضعيف، وذكره النحاس في "إعرابه" 1/ 575، وقال القرطبي 7/ 67: (قال النحاس وروى عن ابن عباس بإسناد ضعيف) ا. هـ.]]، وهؤلاء قالوا: (معناه: شياطين الإنس التي مع الإنس، وشياطين الجن التي مع الجن، وذلك أن إبليس قسم جنده فريقين: فبعث منهم فريقًا إلى الجن، وفريقًا إلى الإنس، فالفريقان شياطين الإنس والجن) [[هذا قول غريب وليس له وجه مفهوم، كما أفاده الطبراني في "تفسيره" 12/ 52، والراجح: هو الأول عند أكثر أهل العلم، ومنهم الطبري، والقرطبي في "تفسيره" 7/ 68، وابن كثير 2/ 186، وقال النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 575: (ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: 121] فهذا يبين معى ذلك) اهـ.
وقال ابن عطية في "تفسيره" 5/ 320: (قول السدي وعكرمة لا يستند إلى خبر ولا إلى نظر).]].
وقوله تعالى: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ أي: يُلقي وُيسرّ [[قال ابن الأنباري في "الزاهر" 2/ 341: (المعنى: يسر بعضهم إلى بعض، وهذا أصل الحرف) ا. هـ.]].
قال عطاء، عن ابن عباس: (يناجي بعضهم بعضًا بكذب) [[لم أقف عليه، وأخرج ابن أبي حاتم 4/ 1372، عن عطاء عنه قال: (يوسوس).]].
ومعناه على القول الأول: ما قاله مجاهد [[أخرجه الطبري 8/ 3، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 74.]] وقتادة [[سبق تخريجه.]]: (وهو أن شياطين الجن الذين هم من جند إبليس يوحون إلى كفار الإنس ومردتهم فيغوونهم بالمؤمنين)، كما ذكرنا أن الشيطان من الجن إذا أعياه المؤمن أغرى به شيطانًا من الإنس.
وعلى القول الثاني معناه: ما قاله الكلبي، وهو أنه قال: (إن إبليس جعل فرقة من شياطينه مع الإنس، وفرقة مع الجن، فإذا التقى شيطان الإنس وشيطان الجن قال: أضللت صاحبي بكذا وكذا، فأضل به صاحبك، ويقول له شيطان الجن مثل ذلك، فهذا وحي بعضهم إلى بعض).
قال الفراء: (حدثني بذلك حبّان [[في (ش): حيان، وكذا في "معاني الفراء" 1/ 351، وهو تصحيف، والصواب حبان بالباء، كما في "معاني الفراء" 3/ 7 و8 و53 و60 و66 و77، وهو: حِبَّان بن علي العنزى، أبو علي الكوفي، إمام فاضل، صالح فقيه، ضعفه أئمة الجرح والتعديل، توفي سنة 171 هـ، وله 60 سنة. انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 270، و"ميزان الاعتدال" 1/ 449، و"تهذيب التهذيب" 1/ 345، و"تقريب التهذيب" ص 149 (1076).]]، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس) [[إسناده ضعيف، وقد سبق تخريجه.]].
وعلى القول الأول المراد بالجن: الشياطين من ولد إبليس، والمراد بالجن في القول الثاني: [ولد] [[في (ش): (والد)، وهو تحريف.]] الجان [[الذي يظهر أنه على القول الأول: يكون المراد بالجن: ولد إبليس والجان، == وعلى القول الثاني: المراد بالجن: ولد إبليس؛ لأنه قسمهم إلى قسمين: قسم مع الإنس، وقسم مع الجن، والله أعلم. انظر: تفسير الرازي 13/ 154، فقد ذكر القول الثاني: ثم قال: (وعلى هذا القول، فالشياطين نوع مغاير للجن، وهم أولاد إبليس) اهـ.]].
وقوله تعالى: ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ﴾، الزخرف: الباطل [[في (أ): (الباطل من الباطل الكلام)، وعلى الباطل الثانية ضرب، وهو الصواب.]] من الكلام الذي زين ووشي بالكذب، يقال: فلان يزخرف كلامه، إذا زيَّنه بالباطل والكذب، وكل شيء حسنٍ مموهٍ فهو زخرف كالنقوش، وبيت مُزَخْرَفٌ منقوش [[الزخرف: بضم الزاي المشددة، وسكون الخاء، وضم الراء: الزِّينة. وأصله الذَّهَب، ثم سمي كل زينة زخرفًا، ثم شبه كل مُمَوه مزور به، وبيت مزخرف، أي: مزين. انظر: "العين" 4/ 338، و"الجمهرة" 2/ 1144، و"المنجد" ص 219، و"الصحاح" 4/ 1369، و"المفردات" ص 379، و"اللسان" 3/ 1821 (زخرف).]]، ومنه الحديث: (إن رسول الله ﷺ لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزخرف فنُحِي) [[لم أقف على سنده وهو في: "تهذيب اللغة" 2/ 1520، و"النهاية" لابن الأثير 2/ 299، و"اللسان" 3/ 1821، و"عمدة الحفاظ" ص 219، و"الدر المصون" 5/ 116، و"تاج العروس" 12/ 246 (زخرف). ومن المشهور أن البيت كان فيه تماثيل وصور، فأمر النبي ﷺ بإخراج التماثيل، وطمس الصور. قال ابن حجر في "فتح الباري" 8/ 17: (روى عمر بن شيبة، عن عمرو بن دينار، بسند صحيح قال: (بلغني أن النبي ﷺ أمر بطمس الصور التي كانت في البيت) ا. هـ وأخرج البخاري في "صحيحه" مع فتح الباري 8/ 16، عن ابن عباس قال: (إن النبي ﷺ لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام. فقال النبي ﷺ: "قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط") ا. هـ وانظر: في الصور والتماثيل التي كانت موجودة في البيت عند فتح مكة ، و"أخبار مكة" للأزرقى 1/ 119 - 123 و165 - 169، و"المصنف" == لابن أبي شيبة 7/ 403 (36894)، و"مجمع الزوائد" 6/ 176، و"المطالب العالية" 17/ 469 (4303).]]، يعني بالزخرف: نقوشًا، وتصاوير زينت به الكعبة وكانت مموهة بالذهب فأمر بها حتى حُتَّت [[هذا التوجيه ذكره أصحاب المراجع السابقة، وقوله: حُتَّت: بضم الحاء وتَشديد التاء المفتوحة، والحَثُّ بفتح الحاء: الحَكُّ والقَشْر، وفَرْكُ الشيء اليابس. انظر: "اللسان" 2/ 767 مادة (حتت).]] قال الزجاج: (والزخرف في اللغة: الزينة، المعنى: أن بعضهم يزين لبعض الأعمال القبيحة و ﴿غُرُورًا﴾ منصوب على المصدر، وهذا المصدر محمول على المعنى، لأن معنى: إيحاء الزخرف من القول معنى الغرور، فكأنه قال: [يَغُرّون] [[في (أ): (تغرون).]] غُرُورًا) [["معاني الزجاج" 2/ 284، وانظر: "إعراب النحاس" 1/ 575، و"المشكل" 1/ 266، و"التبيان" 1/ 354، و"الدر المصون" 5/ 116، ونقل ذلك الرازي في "تفسيره" 13/ 155، 156 عن الواحدي.]]، وهذا معنى قول الضحاك: (شياطين الإنس يوحون إلى الإنس، وشياطين الجن يوحون إلى الجن) [[سبق تخريجه.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في "الفتاوى" 18/ 56 عند شرح الآية: (أخبر سبحانه وتعالى أن جميع الأنبياء لهم أعداء، وهم شياطين الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض القول المزخرف، وهو المزين المحسن، يغرون به، والغرور: التلبيس والتمويه، وهذا شأن كل كلام وعمل يخالف ما جاءت به الرسل من أمر المتكلمة وغيرهم من الأولين والآخرين، ثم قال ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ فعلم أن مخالفة الرسل وترك الإيمان بالآخرة متلازمان، فمن لم يؤمن بالآخرة أصغى إلى زخرف أعدائهم، فخالف الرسل كما هو موجود في أصناف الكفار والمنافقين في هذه الأمة وغيرها ..) ا. هـ.
وانظر: "بدائع التفسير" 2/ 173.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾، الهاء تعود إلى إيحاء القول بالغرور، والمدلول عليه بقوله ﴿يُوحِي﴾ والفعل يدل على المصدر [[انظر: "التبيان" 1/ 354، و"الفريد" 2/ 216.]]، قال الزجاج: (أي: لو شاء لمنع الشياطين من الوسوسة للإنس والجن، ولكن الله عز وجل يمتحن بما يعلم أنه الأجزل في الثواب) [["معاني الزجاج" 2/ 284، وفيه: (يمتحن ما يعلم أنه الأبلغ في الحكمة، والأجزل في الثواب والأصلح للعباد) ا. هـ. وانظر: "تفسير الطبري" 8/ 3، و"معاني النحاس" 2/ 477.]] [وقوله تعالى] [[في (ش): وقوله تعالى: (لله هم وما يفترون)، وهو تحريف ظاهر.]]: ﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ قال ابن عباس: (يريد: ما زين لهم إبليس وغرّهم به) [["تنوير المقباس" 2/ 53، وذكره الرازي في "تفسيره" 13/ 156، وأبو حيان في "البحر" 4/ 207.]].
{"ayah":"۞ وَلَوۡ أَنَّنَا نَزَّلۡنَاۤ إِلَیۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَحَشَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ كُلَّ شَیۡءࣲ قُبُلࣰا مَّا كَانُوا۟ لِیُؤۡمِنُوۤا۟ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ یَجۡهَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق