الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ ولَكِنَّ أكْثَرَهم يَجْهَلُونَ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ تَفْصِيلَ ما ذَكَرَهُ عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ بِقَوْلِهِ: ﴿وما يُشْعِرُكم أنَّها إذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ فَبَيَّنَ أنَّهُ تَعالى لَوْ أعْطاهم ما طَلَبُوهُ مِن إنْزالِ المَلائِكَةِ وإحْياءِ المَوْتى حَتّى كَلَّمُوهم بَلْ لَوْ زادَ في (p-١٢٣)ذَلِكَ ما لا يَبْلُغُهُ اقْتِراحُهم بِأنْ يَحْشُرَ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ. وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «المُسْتَهْزِئُونَ بِالقُرْآنِ كانُوا خَمْسَةً: الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيُّ، والعاصِي بْنُ وائِلٍ السَّهْمِيُّ، والأسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ، والأسْوَدُ بْنُ المُطَّلِبِ، والحارِثُ بْنُ حَنْظَلَةَ، ثُمَّ إنَّهم أتَوُا الرَّسُولَ ﷺ في رَهْطٍ مِن أهْلِ مَكَّةَ، وقالُوا لَهُ: أرِنا المَلائِكَةَ يَشْهَدُوا بِأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، أوِ ابْعَثْ لَنا بَعْضَ مَوْتانا حَتّى نَسْألَهم أحَقٌّ ما تَقُولُهُ أمْ باطِلٌ ؟ أوِ ائْتِنا بِاللَّهِ والمَلائِكَةِ قَبِيلًا أيْ كَفِيلًا عَلى ما تَدَّعِيهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ»، وقَدْ ذَكَرْنا مِرارًا أنَّهم لَمّا اتَّفَقُوا عَلى أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ دَفْعَةً واحِدَةً كانَ القَوْلُ بِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في الواقِعَةِ الفُلانِيَّةِ مُشْكِلًا صَعْبًا، فَأمّا عَلى الوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْناهُ، وهو أنَّ المَقْصُودَ مِنهُ جَوابُ ما ذَكَرَهُ بَعْضُهم، وهو أنَّهم أقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لَوْ جاءَتْهم آيَةٌ لَآمَنُوا بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعالى هَذا الكَلامَ بَيانًا لِكَذِبِهِمْ، وأنَّهُ لا فائِدَةَ في إنْزالِ الآياتِ بَعْدَ الآياتِ، وإظْهارِ المُعْجِزاتِ بَعْدَ المُعْجِزاتِ، بَلِ المُعْجِزَةُ الواحِدَةُ لا بُدَّ مِنها لِيَتَمَيَّزَ الصّادِقُ عَنِ الكاذِبِ، فَأمّا الزِّيادَةُ عَلَيْها فَتَحَكُّمٌ مَحْضٌ ولا حاجَةَ إلَيْهِ وإلّا فَلَهم أنْ يَطْلُبُوا بَعْدَ ظُهُورِ المُعْجِزَةِ الثّانِيَةِ ثالِثَةً، وبَعْدَ الثّالِثَةِ رابِعَةً، ويَلْزَمُ أنْ لا تَسْتَقِرَّ الحُجَّةُ وأنْ لا يَنْتَهِيَ الأمْرُ إلى مَقْطَعٍ ومَفْصِلٍ، وذَلِكَ يُوجِبُ سَدَّ بابِ النُّبُوّاتِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ ”قِبَلًا“ هاهُنا وفي الكَهْفِ بِكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الباءِ، وقَرَأ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِالضَّمِّ فِيهِما في السُّورَتَيْنِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو هاهُنا وفي الكَهْفِ بِالكَسْرِ، قالَ الواحِدِيُّ: قالَ أبُو زَيْدٍ يُقالُ: لَقِيتُ فُلانًا قِبَلا ومُقابَلَةً وقُبُلًا وقِبِلًا وقَبِيلًا كُلُّهُ واحِدٌ. وهو المُواجَهَةُ. قالَ الواحِدِيُّ: فَعَلى قَوْلِ أبِي زَيْدٍ المَعْنى في القِراءَتَيْنِ واحِدٌ وإنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظانِ، ومِنَ النّاسِ مَن أثْبَتَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَفاوُتًا في المَعْنى، فَقالَ أمّا مَن قَرَأ: ”قِبَلًا“ بِكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الباءِ، فَقالَ أبُو عُبَيْدَةَ والفَرّاءُ والزَّجّاجُ: مَعْناهُ عِيانًا، يُقالُ: لَقِيتُهُ قِبَلًا أيْ مُعايَنَةً، ورُوِيَ عَنْ أبِي ذَرٍّ، قالَ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أكانَ آدَمُ نَبِيًّا ؟ قالَ: ”نَعَمْ كانَ نَبِيًّا كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعالى قِبَلًا» “ وأمّا مَن قَرَأ ”قُبُلًا“ فَلَهُ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنْ يَكُونَ جَمْعَ قَبِيلٍ الَّذِي يُرادُ بِهِ الكَفِيلُ، يُقالُ: قَبِلْتُ بِالرَّجُلِ أُقْبِلُ قُبالَةً أيْ كُلِّفْتُ بِهِ. ويَكُونُ المَعْنى لَوْ حَشَرَ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ وكُفِلُوا بِصِحَّةِ ما يَقُولُ لَما آمَنُوا، ومَوْضِعُ الإعْجازِ فِيهِ أنَّ الأشْياءَ المَحْشُورَةَ مِنها ما يَنْطِقُ ومِنها ما لا يَنْطِقُ، فَإذا أنْطَقَ اللَّهُ الكُلَّ وأطْبَقُوا عَلى قَبُولِ هَذِهِ الكَفالَةِ كانَ ذَلِكَ مِن أعْظَمِ المُعْجِزاتِ. وثانِيها: أنْ يَكُونَ ”قُبُلًا“ جَمْعَ قُبَيْلٍ بِمَعْنى الصِّنْفِ والمَعْنى: وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبَيْلًا قُبَيْلًا، ومَوْضِعُ الإعْجازِ فِيهِ هو حَشْرُها بَعْدَ مَوْتِها، ثُمَّ إنَّها عَلى اخْتِلافِ طَبائِعِها تَكُونُ مُجْتَمِعَةً في مَوْقِفٍ واحِدٍ. وثالِثُها: أنْ يَكُونَ ”قُبُلًا“ بِمَعْنى قِبَلًا أيْ مُواجَهَةً ومُعايَنَةً كَما فَسَّرَهُ أبُو زَيْدٍ. * * * أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ فَفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: المُرادُ مِنَ الآيَةِ أنَّهُ تَعالى لَوْ أظْهَرَ جَمِيعَ تِلْكَ الأشْياءِ العَجِيبَةِ الغَرِيبَةِ لِهَؤُلاءِ الكُفّارِ، فَإنَّهم لا يُؤْمِنُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ إيمانَهم. قالَ أصْحابُنا: فَلَمّا لَمْ يُؤْمِنُوا دَلَّ ذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ تَعالى ما شاءَ مِنهُمُ الإيمانَ، وهَذا نَصٌّ في المَسْألَةِ. قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: دَلَّ الدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ تَعالى أرادَ الإيمانَ مِن جَمِيعِ الكُفّارِ، والجُبّائِيُّ ذَكَرَ الوُجُوهَ المَشْهُورَةَ الَّتِي لَهم في هَذِهِ المَسْألَةِ: أوَّلُها: أنَّهُ تَعالى لَوْ لَمْ يُرِدْ مِنهُمُ الإيمانَ لَما وجَبَ عَلَيْهِمُ الإيمانُ كَما لَوْ لَمْ يَأْمُرْهم لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ. وثانِيها: لَوْ أرادَ الكُفْرَ مِنَ الكافِرِ لَكانَ الكافِرُ (p-١٢٤)مُطِيعًا لِلَّهِ بِفِعْلِ الكُفْرِ؛ لِأنَّهُ لا مَعْنى لِلطّاعَةِ إلّا بِفِعْلِ المُرادِ. وثالِثُها: لَوْ جازَ مِنَ اللَّهِ أنْ يُرِيدَ الكُفْرَ لَجازَ أنْ يَأْمُرَ بِهِ. ورابِعُها: لَوْ جازَ أنْ يُرِيدَ مِنهُمُ الكُفْرَ لَجازَ أنَّهُ يَأْمُرُنا بِأنْ نُرِيدَ مِنهُمُ الكُفْرَ. قالُوا: فَثَبَتَ بِهَذِهِ الدَّلائِلِ أنَّهُ تَعالى ما شاءَ إلّا الإيمانَ مِنهم وظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ يَقْتَضِي أنَّهُ تَعالى ما شاءَ الإيمانَ مِنهم، والتَّناقُضُ بَيْنَ الدَّلائِلِ مُمْتَنِعٌ فَوَجَبَ التَّوْفِيقُ؛ وطَرِيقُهُ أنْ نَقُولَ: إنَّهُ تَعالى شاءَ مِنَ الكُلِّ الإيمانَ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ عَلى سَبِيلِ الِاخْتِيارِ، وأنَّهُ تَعالى ما شاءَ مِنهُمُ الإيمانَ الحاصِلَ عَلى سَبِيلِ الإلْجاءِ والقَهْرِ، وبِهَذا الطَّرِيقِ زالَ الإشْكالُ. واعْلَمْ أنَّ هَذا الكَلامَ أيْضًا ضَعِيفٌ مِن وُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ الإيمانَ الَّذِي سَمَّوْهُ بِالإيمانِ الِاخْتِيارِيِّ، إنْ عَنَوْا بِهِ أنَّ قُدْرَتَهُ صالِحَةٌ لِلْإيمانِ والكُفْرِ عَلى السَّوِيَّةِ، ثُمَّ إنَّهُ يَصْدُرُ عَنْها الإيمانُ دُونَ الكُفْرِ لا لِداعِيَةٍ مُرَجِّحَةٍ ولا لِإرادَةٍ مُمَيِّزَةٍ، فَهَذا قَوْلٌ بِرُجْحانِ أحَدِ طَرَفَيِ المُمْكِنِ عَلى الآخَرِ لا لِمُرَجِّحٍ وهو مُحالٌ، وأيْضًا فَبِتَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْقُولًا في الجُمْلَةِ إلّا أنَّ حُصُولَ ذَلِكَ الإيمانِ لا يَكُونُ مِنهُ، بَلْ يَكُونُ حادِثًا لا لِسَبَبٍ ولا مُؤَثِّرَ أصْلًا؛ لِأنَّ الحاصِلَ هُناكَ لَيْسَ إلّا القُدْرَةَ، وهي بِالنِّسْبَةِ إلى الضِّدَّيْنِ عَلى السَّوِيَّةِ، ولَمْ يَصْدُرْ مِن هَذا القَدْرِ تَخْصِيصٌ لِأحَدِ الطَّرَفَيْنِ عَلى الآخَرِ بِالوُقُوعِ والرُّجْحانِ، ثُمَّ إنَّ أحَدَ الطَّرَفَيْنِ قَدْ حَصَلَ بِنَفْسِهِ، فَهَذا لا يَكُونُ صادِرًا مِنهُ بَلْ يَكُونُ صادِرًا لا عَنْ سَبَبٍ البَتَّةَ، وذَلِكَ يُبْطِلُ القَوْلَ بِالفِعْلِ والفاعِلِ والتَّأْثِيرِ والمُؤَثِّرِ أصْلًا، ولا يَقُولُهُ عاقِلٌ، وإمّا أنْ يَكُونَ هَذا الَّذِي سَمَّوْهُ بِالإيمانِ الِاخْتِيارِيِّ هو أنَّ قُدْرَتَهُ وإنْ كانَتْ صالِحَةً لِلضِّدَّيْنِ إلّا أنَّها لا تَصِيرُ مَصْدَرًا لِلْإيمانِ إلّا إذا انْضَمَّ إلى تِلْكَ القُدْرَةِ حُصُولُ داعِيَةِ الإيمانِ كانَ هَذا قَوْلًا بِأنَّ مَصْدَرَ الإيمانِ هو مَجْمُوعُ القُدْرَةِ مَعَ الدّاعِي، وذَلِكَ المَجْمُوعُ مُوجِبٌ لِلْإيمانِ، فَذَلِكَ هو عَيْنُ ما يُسَمُّونَهُ بِالجَبْرِ وأنْتُمْ تُنْكِرُونَهُ، فَثَبَتَ أنَّ هَذا الَّذِي سَمَّوْهُ بِالإيمانِ الِاخْتِيارِيِّ لَمْ يَحْصُلْ مِنهُ مَعْنًى مَعْقُولٌ مَفْهُومٌ، وقَدْ عَرَفْتَ أنَّ هَذا الكَلامَ في غايَةِ القُوَّةِ. والوَجْهُ الثّانِي: سَلَّمْنا أنَّ الإيمانَ الِاخْتِيارِيَّ مُمَيَّزٌ عَنِ الإيمانِ الحاصِلِ بِتَكْوِينِ اللَّهِ تَعالى، إلّا أنّا نَقُولُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ﴾ وكَذا وكَذا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا، مَعْناهُ: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إيمانًا اخْتِيارِيًّا بِدَلِيلِ أنَّ عِنْدَ ظُهُورِ هَذِهِ الأشْياءِ لا يَبْعُدُ أنْ يُؤْمِنُوا إيمانًا عَلى سَبِيلِ الإلْجاءِ والقَهْرِ، فَثَبَتَ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ المُرادُ: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا عَلى سَبِيلِ الِاخْتِيارِ، ثُمَّ اسْتَثْنى عَنْهُ فَقالَ: ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ والمُسْتَثْنى يَجِبُ أنْ يَكُونَ مِن جِنْسِ المُسْتَثْنى عَنْهُ، والإيمانُ الحاصِلُ بِالإلْجاءِ والقَهْرِ لَيْسَ مِن جِنْسِ الإيمانِ الِاخْتِيارِيِّ، فَثَبَتَ أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: المُرادُ بِقَوْلِنا: إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ، الإيمانُ الِاضْطِرارِيُّ بَلْ يَجِبُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ الإيمانَ الِاخْتِيارِيَّ، وحِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ دَلِيلُ أصْحابِنا ويَسْقُطُ عَنْهُ سُؤالُ المُعْتَزِلَةِ بِالكُلِّيَّةِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ الجُبّائِيُّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ يَدُلُّ عَلى حُدُوثِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّها لَوْ كانَتْ قَدِيمَةً لَمْ يُجِزْ أنْ يُقالَ ذَلِكَ، كَما لا يُقالُ: لا يَذْهَبُ زَيْدٌ إلى البَصْرَةِ إلّا أنْ يُوَحِّدَ اللَّهَ تَعالى، وتَقْرِيرُهُ أنّا إذا قُلْنا: لا يَكُونُ كَذَلِكَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ فَهَذا يَقْتَضِي تَعْلِيقَ حُدُوثِ هَذا الجَزاءِ عَلى حُصُولِ المَشِيئَةِ فَلَوْ كانَتِ المَشِيئَةُ قَدِيمَةً لَكانَ الشَّرْطُ قَدِيمًا، ويَلْزَمُ مِن حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ المَشْرُوطِ، فَيَلْزَمُ كَوْنُ الجَزاءِ قَدِيمًا. والحِسُّ دَلَّ عَلى أنَّهُ مُحْدَثٌ، فَوَجَبَ كَوْنُ الشَّرْطِ حادِثًا، وإذا كانَ الشَّرْطُ هو المَشِيئَةَ لَزِمَ القَوْلُ بِكَوْنِ المَشِيئَةِ حادِثَةً، هَذا تَقْرِيرُ هَذا الكَلامِ. والجَوابُ: أنَّ المَشِيئَةَ وإنْ كانَتْ قَدِيمَةً إلّا أنَّ تَعَلُّقَها بِإحْداثِ ذَلِكَ المُحْدَثِ في الحالِ إضافَةٌ حادِثَةٌ (p-١٢٥)وهَذا القَدْرُ يَكْفِي لِصِحَّةِ هَذا الكَلامِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى خَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهم يَجْهَلُونَ﴾ قالَ أصْحابُنا: المُرادُ، يَجْهَلُونَ بِأنَّ الكُلَّ مِنَ اللَّهِ وبِقَضائِهِ وقَدَرِهِ، وقالَ المُعْتَزِلَةُ: المُرادُ، أنَّهم جَهِلُوا أنَّهم يَبْقَوْنَ كُفّارًا عِنْدَ ظُهُورِ الآياتِ الَّتِي طَلَبُوها، والمُعْجِزاتِ الَّتِي اقْتَرَحُوها، وكانَ أكْثَرُهم يَظُنُّونَ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب