الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ الآية، قد ذكرنا معنى العدة والشهر في سورة البقرة [[انظر النسخة الأزهرية: (1/ 112 ب) وقد قال هنا: (والعدة: (فعله) من العد، وهو بمعنى المعدود، كالطحن بمعنى المطحون، ومنه يقال للجماعة المعدودة من الناس: عدة، وعدة المرأة من هذا) اهـ. وقال في نفس النسخة (1/ 113 ب): (الشهر مأخوذ من الشهرة، تقول: شهر الشيء يشهره شهرًا، إذا أظهره، وسمي الشهر شهرًا لشهرة أمره في حاجة الناس إليه في معاملاتهم ... إلخ).]]، قال أبو إسحاق: "أعلم الله -عز وجل- أن عدة شهور المسلمين التي تُعبدوا بأن يجعلوها لسنتهم اثنا عشر شهراً، على منازل القمر، واستهلال الأهلة، وكان أهل الكتاب يعملون على أن السنة ثلثمائة وخمس وستون يومًا وبعض يوم، على هذا يجري أمر النصارى واليهود، فأعلم الله -عز وجل- أن سني المسلمين على الأهلة" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 145 باختصار وتصرف.]].
قوله تعالى: ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾، قال الواقدي: "يعني اللوح المحفوظ" [[لم أجده في كتابه "المغازي".]]، وهو قول عامة أهل التأويل [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 124 - 129، والثعلبي 6/ 105 أ، وابن الجوزي 3/ 432.]]، ونحو هذا يحكى عن ابن عباس ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ قال: "في الإمام [[في (م): (الأيام)، وهو خطأ.]] الذي عند الله كتبه يوم خلق السموات والأرض" [[ذكر، ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 432، والمؤلف في "الوسيط" 2/ 494.]].
قال أبو علي الفارسي: " [لا يجوز تعلق] [[في (ح): (يجوز أن لا يعلق)، وما أثبته موافق لما في "الحجة للقراء السبعة".]] الكتاب بالعدة؛ لأن فيه [[في (ف): (فيها)، وما أثبته موافق لما في "الحجة".]] فصلاً بين الصلة والموصول بالخبر الذي هو اثنا عشر، ولكنه يتعلق بمحذوف على أن يكون صفة للخبر تقديره: "اثنا عشر شهرًا مكتوبًا في كتاب الله"، قال: والكتاب لا يكون إلا مصدرًا، ولا يجوز أن يعني به كتاب من الكتب؛ وذلك لتعلق اليوم به، وسائر الظروف لا تتعلق بأسماء الأعيان؛ لأنه لا معاني في أسماء الأعيان للفعل، (لا تقول: غلامك يوم الجمعة)، على أن يتعلق اليوم بالغلام، فبهذا يعلم أنه مصدر" هذا كلامه [["الحجة للقراء السبعة" 2/ 458 بتصرف، والجملة التي بين القوسين مزيدة في كلام أبي علي.]].
ويمكن أن يكون الكتاب اسمًا على ما ذكره أهل التفسير [[سبق ذكر قول ابن عباس وعامة أهل التأويل.]]، ويضمر للظرف ما [[في (ح): (وما).]] يتعلق به على أن يكون المعنى: ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾: كتبه يوم خلق السموات والأرض، على ما يحكى عن ابن عباس [[سبق تخريجه عند ذكر أول الآية.]]، وذكر أبو علي هذه الآية في "المسائل الحلبية"، فقال: "الفائدة في قوله: ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ بعد قوله: ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ أن في ﴿كِتَابِ اللَّهِ﴾ من الاختصاص ما ليس في قوله: ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ ألا ترى أنه قد توصف أشياء بأنها عنده ولا توصف بأنها في كتابه كقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [لقمان: 34] ففي ﴿كِتَابَ اللَّهِ﴾ معنى زائد على ما في ﴿عِنْدِ اللَّهِ﴾ فجرى في هذا المعنى مجرى قولك: خرج من الدار من البيت [[في (ى): (خرج من البيت)، والصواب ما في (ح) و (م)، وهو موافق لما في المسائل الحلبيات.]] و ﴿عِنْدِ اللَّهِ﴾ متعلق بالمصدر الذي هو العدة وهو العامل فيه.
وقوله تعالى: ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ متعلق بمحذوف لأنه صفة لـ (اثني عشر) قال: ويجوز أن يكون متعلقا بـ"حرم" على تقدير: منها أربعة حرم في كتاب الله، أي: فيما كتب الله يوم خلق السموات والأرض، والمعنى: أن الحرم منها في كتاب الله أي فيما فرض كونه [[في (ى): (من كونه)، وما في (ح) و (م) موافق لما في "المسائل الحلبيات".]] حرمًا أربعة أشهر لا أكثر منه [[في "الحلبيات": منها.]]، فإذا نسأتم أنتم المشهور فجعلتم [[هكذا في جميع النسخ، وفي "الحلبيات": جعلتم، وتصرف الواحدي يغيّر المعنى الذي يريده أبو علي؛ فمعنى عبارة أبي علي: إن الله حرّم أربعة أشهر فقط فإذا نسأتم المشهور كانت الحرم أكثر من أربعة، بينما جملة (فجعلتم أكثر من أربعة أشهر) في عبارة الواحدي تفسير لمعنى النسيء ولا يتم بها المعنى، ولذا اضطر لزيادة جملة (كان ذلك زيادة في الكفر) ليتم المعنى، وهذه الجملة بهذا المعنى مقحمة في كلام أبي علي.]] أكثر من أربعة أشهر وحللتم ما حرم الله وحرمتم ما أحل الله كان ذلك زيادة في الكفر، كما ذمهم الله بفعل ذلك" [["المسائل الحلبيات" ص 307 بتصرف.]].
وقوله تعالى: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم [[في (ح) و (ى): (رجب والمحرم ... إلخ.]]، في قول الجميع، ومعنى الحرم: أنه يعظم انتهاك المحارم فيها بأشد [[في (ى): (أشد)، وقد أثبت ما في (ح) و (م) لموافقته لما في "الوسيط" 2/ 494.]] مما يعظم في غيرها، وكانت العرب تعظمها حتى لو لقي الرجل منهم قاتل أبيه لم يهجه.
قال أهل المعاني: "وفي جعل بعض المشهور أعظم حرمة من بعض فوائد من المصلحة في الكف عن الظلم فيها لعظم منزلتها في حكم خالقها، فربما أدى ذلك إلى ترك الظلم رأسًا؛ لانطفاء الثائرة في تلك المدة" [[ذكره بنحوه الماوردي في "النكت والعيون" 2/ 360، وابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 434 دون نسبة، ولم أجده في كتب أهل المعاني التي بين يدي.]].
وقد ذكرنا هذا مستقصى عند قوله: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: 97] [[انظر النسخة (ح) 2/ 74 أحيث قال: (اختلف المفسرون وأصحاب المعاني في هذه الآية، فقال ابن عباس في بعض الروايات: "قوله ﴿قيامًا للناس﴾ قيامًا لدينهم ومعالم لحجهم"، وقال سعيد بن جير: " ﴿قيامًا للناس﴾ صلاحًا لدينهم"
فعلى هذا، القيام مصدر قولك: قام قيامًا والمعنى: إن الله جعل الكعبة سببًا لقيام الناس إليها للحج وقضاء النسك، فيصلح بذلك دينهم، لأنه يحط عنهم الذنوب والأوزار عندها ..
وقال جماعة من المفسرين وأكثر أصحاب المعاني: القيام ههنا يراد به القوام، وهو العماد الذي يقوم به الشيء، والتقدير فيه: جعل الله الحج للكعبة البيت الحرام قيامًا لمعاش الناس ومكاسبهم ..) إلخ.]] الآية.
وقوله: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ الدين له معان كثيرة في اللغة، ومناه ههنا [[ساقط من (ى).]]: الحساب، ومنه قيل: "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت" [[هذا بعض حديث رواه الترمذي (2459)، كتاب صفة القيامة، وابن ماجه (2460) في "السنن"، كتاب الزهد، باب ذكر الموت، وأحمد في "المسند" 4/ 124، والحاكم في "المستدرك"، كتاب الإيمان 1/ 57، والبيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب الجنائز، باب ما ينبغي لكل مسلم .. رقم (6514) 3/ 517، والبغوي في "شرح السنة"، كتاب الرقاق، باب الاجتناب عن الشهوات، رقم (4011) 7/ 333.
قال الترمذي: حديث حسن، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط البخاري، وتعقبه الذهبي بقوله: لا والله، أبو بكر واه.
قلت: والحديث في جميع المصادر السابقة يدور على هذا الراوي الضعيف وهو أبو بكر ابن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي، قال الحافظ في "تقريب التهذيب" ص 623 (7974): "ضعيف، وكان قد سرق بيته فاختلط".]] أي: حاسبها، و"القيم": معناه المستقيم، وقد ذكرناه عند قوله: ﴿دِينًا قِيَمًا﴾ [الأنعام: 161]. قال المفسرون وأهل المعاني: "ذلك الحساب المستقيم الصحيح، والعدد المستوي" [[انظر: "تفسير غريب القرآن" ص 194، و"معاني القرآن" للنحاس 3/ 206، و"النكت والعيون" 2/ 360، و"زاد المسير" 3/ 432.]]. وقال الحسن: " ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾: الذي [[في (ى): (أي).]] لا يبدل ولا يغير" [[ذكره الفخر الرازي في "تفسيره" 16/ 53.]]، فالقيم على هذا بمعنى [[في (ج): (معنى).]]: القائم الدائم الذي لا يزول.
قال أهل العلم: "فالواجب على المسلمين بدليل هذه الآية أن يعتبروا به في بيوعهم، ومُدد ديونهم، وأحوال زكاتهم، وسائر أحكامهم، السنة العربية بالأهلة، ولا يجوز لهم [[ساقط من: (ى).]] اعتبار السنة العجمية والرومية [[السنة العجمية هي السنة الفارسية وهي اثنا عشر شهرًا، كل شهر ثلاثون يومًا عدا شهر واحد فإنه خمسة وثلاثون يومًا، وأما السنة الرومية فهي أيضًا اثنا عشر شهرًا، لكن الشهور مختلفة فشهر ثمانية وعشرون يومًا، وشهر ثلاثون يومًا وشهر واحد وثلاثون يومًا، وتعرف اليوم بالسنة الميلادية.
انظر تفصيل ما سبق في: "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 936.]] [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 2/ 445، و"أحكام القرآن" لإلكيا الهراسي 4/ 199، و"تفسير الرازي" 16/ 55، و"الجامع الأحكام القرآن" للقرطبي 8/ 133.]].
قوله تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، قال ابن عباس في رواية عطاء: "تحفّظوا من أنفسكم فيها واجتنبوا الخطايا، فإن الحسنات فيها تضعف والسيئات فيها تضعف [[السيئة لا تضعف بالمعنى المتبادر للتضعيف، وإنما يجزى بمثلها من غير زيادة كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: 160]، ولكن السيئة تعظم لسبب من الأسباب فيعظم جزاؤها، ومن ذلك: حرمة الزمان كما في هذه الآية وحرمة المكان كالحرم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: 25] ومن ذلك أيضًا مكانة الشخص، قال تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ [الأحزاب: 30]، وكون الشخص ممن يقتدى به، قال تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النحل: 25]، وغير ذلك من أسباب عظمة السيئة، وعلى هذا يحمل قول ابن عباس المذكور -ولا يصح عنه- وقد جاء ذلك مصرحًا به في رواية الوالبي الصحيحة، ونصها: "ثم خص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرمًا، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم". انظر تخريج الرواية في الهامش التالي.]] " [["الوسيط" 2/ 494، وقد سبق بيان أن رواية عطاء مكذوبة ورواه بمعناه من رواية الوالبي الإمام ابن جرير 10/ 126، وابن أبي حاتم 6/ 1793، وابن المنذر والبيهقي في "شعب الإيمان" كما في "الدر المنثور" 3/ 425 وفيه زيادة.]]، فعلى هذا القول: الكناية تعود إلى الحرم، وهو قول قتادة، قال: "الظلم في الأشهر الحرم أعظم وزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء، فاصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس، ومن الأرض والمساجد، والأيام والشهور والليالي، فعظموا ما عظم الله" [[ذكر المؤلف قول قتادة بمعناه، وقد أخرجه ابن جرير 10/ 127، وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 425، ورواه مختصرًا ابن أبي حاتم 6/ 1793، والثعلبي 6/ 105 ب.]].
وقال محمد بن إسحاق: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ بأن تجعلوا حرامها حلالاً، وحلالها حرامًا كما فعل أهل الشرك في النسيء" [["سيرة ابن هشام" 2/ 206.]]، وعلى هذا: الكناية تعود إلى الشهور كلها [وقد روي عن ابن عباس أنه [[ساقط من (ى).]] قال: " ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [[ساقط من (ح).]]: في الشهور كلها" [[رواه ابن جرير 10/ 126، وابن أبي حاتم 6/ 1792، واللفظ له، وابن المنذر والبيهقي في "شعب الإيمان" كما في "الدر المنثور" 3/ 425.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (م).]]، وحكى الزجاج القولين جميعًا، وقال: "من قال في الأربعة: أراد تعظيم شأن المعاصي فيهن كما قال تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197]، وهذه الأشياء لا تجوز في غير الحج، ولكنه -عز وجل- عرّف الأيام التي تكون فيها المعاصي أكثر إثمًا وعقابًا" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 446 بنحوه.]]، واختار الفراء أن تكون الكناية راجعة إلى الأربعة لقوله: ﴿فِيهِنَّ﴾ ولم يقل (فيها) كما قال: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ لما عادت الكناية إلى كلها، قال: وكذلك كلام العرب لما بين الثلاثة إلى العشرة يقولون: لثلاث خلون، إلى العشرة [(فإذا جُزت العشرة) [[ما بين القوسين ساقط من (ى).]] قالوا: خلت، ويقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (م).]]: (هن) و (هؤلاء) [[من (م).]] فإذا جزت العشرة قالوا: (هي) و (هذه) إرادة أن تُعرف سمة القليل من الكثير، قال: "ويجوز في كل واحد ما جار في صاحبه"، وأنشد:
أصبحن في قُرح وفي داراتها ... سبع ليال غير معلوفاتها [[في (ى): (معروفاتها)، وهو خطأ.]] [[سبق تخريج هذا الرجز عند تفسير الآية 25 من سورة براءة.
وقد بين ابن منظور في "لسان العرب" 6/ 3574 أن (قُرْح) بضم القاف وسكون الراء: اسم وادي القرى أو سوق فيه.
والدارات: جمع دارة وهي كل أرض واسعة بين جبال. المصدر نفسه (دور) 4/ 296.]]
ولم يقل: غير معلوفاتهن وهي سبع، وكل صواب؛ إلا أن المؤْثر ما فسرت لك [["معاني القرآن" 1/ 435 باختصار.]].
والأصل في هذا أن جمع القلة يكنى عنه كما يكنى عن جماعة مؤنثة، ويكنى عن جمع الكثرة كما يكنى عن واحدة مؤنثة، كما قال حسان:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى [[في (ى): (في الضحى)، والمثبت موافق لديوانه.]] ... وأسيافنا يقطرن من نجدة [[في (م): (حدة)، والمثبت موافق لديوانه.]] دما [[انظر: "شرح ديوان حسان" ص 221 وقال الشارح: الجفنات: القصاع، والغر: البيض من كثرة الشحم وبياض اللحم، يصف حسان قومه بالندى والبأس.]]
فقال: يلمعن ويقطرن؛ لأن الأسياف والجفنات جمع قلة، ولو جمع جمع [[ساقط من (ى).]] الكثرة لقال: تلمع وتقطر، هذا هو الاختيار، ويجوز إجراء أحدهما مجرى الآخر، كقول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب [[انظر: البيت في "ديوان النابغة" ص 32، ونسب إليه أيضًا في "إصلاح المنطق" ص 24، و"خزانة الأدب" 3/ 327، و"كتاب سيبويه" 2/ 326.]] فقال: بهن والسيوف جمع كثرة، وروي عن ابن عباس أيضًا أنه قال: " ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ باستحلال القتل والغارة فيهن" [[رواه الثعلبي 6/ 105 ب، والبغوي 4/ 45.]]، وهذا يوجب ترك القتال في الأربعة الحرم، وبقاؤها على ما كانت قبل الإسلام، وقد ذكرنا الخلاف في هذا الحكم في سورة البقرة [[انظر النسخة الأزهرية: 1/ 132 أحيث قال: (وأما حكم القتال في الشهر الحرام اليوم فالعلماء فيه مختلفون، قال ابن جريج: "حلف لي عطاء بالله ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام، إلا أن يقاتلوا"، وروى أبو الزبير عن جابر قال: "لم يكن رسول الله -ﷺ- يغزوا في الشهر الحرام إلا أن يغزا، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ"، وسئل سعيد بن المسيب هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال: نعم، وقال ذلك سليمان بن يسار، وهو مذهب قتادة وغيره من العلماء، يرون القتال في الشهر الحرام، قال أبو عبيدة: والناس اليوم بالثغور جميعًا على هذا القول).]]، في قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: 217].
وقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾، قال ابن عباس: "كافة: جميعًا" [[رواه ابن جرير 10/ 128، وابن أبي حاتم 6/ 1793، وابن المنذر والبيهقي في "شعب الإيمان" كما في "الدر المنثور" 3/ 425، وهو من رواية علي بن أبي طلحة.]]، يريد: قاتلوهم كلهم ولا تُحابوا [[في (ى): (تخافوا)، وأثبت ما في (ح) و (م) لموافقته لـ"الوسيط" 2/ 494، و"تفسير الرازي" 16/ 54، والمحاباة: قال الخليل في كتاب "العين" (حبو) 3/ 309: "الحباء: عطاء بلا مَنٍّ ولا جزاء، حبوته أحبوه حباء، ومنه أخذت المحاباة". وفي "لسان العرب" (حبو) 2/ 766: "حابى الرجل حباء: نصره واختصه ومال إليه".]] بعضهم بترك القتال؛ كما أنهم يستحلون قتال جميعكم، ويجوز أن يكون المعنى: قاتلوهم بأجمعكم، مجتمعين على قتالهم كما يفعلون هم، يريد: تعاونوا وتناصروا على ذلك ولا تتجادلوا، وكلا المعنيين يحتمله قوله [[يعني ابن عباس.]]: جميعًا، والمعنى الثاني يوجب تعين فرض القتال على كل أحد، ونذكر الخلاف فيه في قوله -عز وجل-: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ [التوبة: 41] الآية.
قال الفراء: "كافة يقول: جميعًا، والكافة لا تكون مذكرة ولا مجموعة على عدد الرجال، فتقول: كافّين أو كافات للنسوة، ولكنها (كافة) بالهاء والتوحيد؛ لأنها وإن كانت على لفظ (فاعلة) فإنها في مذهب مصدر مثل: الخاصة والعاقبة والعافية [[من (ى).]]؛ لذلك لم تُدخل فيها العرب الألف واللام؛ لأنها في [[في (ى): (من)، وأثبت ما في (ح) و (م) لموافقته و"معاني القرآن" للفراء.]] مذهب قولك: قاموا معًا، [وقاموا جميعًا" [[اهـ. كلام الفراء، انظر: "معاني القرآن" 1/ 436.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]].
وقال الزجاج: ﴿كَافَّةً﴾ منصوب على الحال، وهو مصدر على (فاعلة) كما قالوا: العاقبة والعافية، ولا يجوز أن يثنى ويجمع، كما أنك إذا قلت: قاتلوهم عامة لم تثن ولم تجمع، وكذلك (خاصة)، هذا مذهب النحويين" [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 446 باختصار.
انظر نسبة القول للنحويين في: "تهذيب اللغة" (كف) 4/ 3164، و"لسان العرب" (كفف) 7/ 3905، وانظر توضيح المسألة في: "البحر المحيط" 2/ 120، و"الكليات" لأبي البقاء ص 775.]].
وقد أحكمنا الكلام في هذا الحرف عند قوله: ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: 208] [[انظر: النسخة الأزهرية: 1/ 126 ب حيث قال: ومعنى (الكافة) في اللغة: الحاجزة المانعة، يقال: كففت فلانًا عن السوء فكفّ يكف كفًّا .. وقيل لطرف اليد كف لأنه يكف بها عن سائر البدن، ورجل مكفوف: كف بصره من أن ينظر، فالكافة معناها المانعة، ثم صارت اسمًا للجملة الجامعة؛ لأنها تمنع من الشذوذ والتفرق.]].
وقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾، قال ابن عباس: "يريد مع أوليائه الذين يخافونه فيما كلفهم من أمره ونهيه" [["الوجيز" 6/ 486 مختصرًا.]]، قال الزجاج: "تأويله أنه ضامن لهم النصر" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 447، والمراد أن هذه معية خاصة لأوليائه، تستلزم النصر والتأييد والحفظ والرعاية.]].
{"ayah":"إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرࣰا فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ یَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَاۤ أَرۡبَعَةٌ حُرُمࣱۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُوا۟ فِیهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَـٰتِلُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ كَاۤفَّةࣰ كَمَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ كَاۤفَّةࣰۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق