الباحث القرآني
(p-٤٣٢)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآَيَةُ مِن أجْلِ النَّسِيءِ الَّذِي كانَتِ العَرَبُ تَفْعَلُهُ، فَرُبَّما وقَعَ حَجَّهم في رَمَضانَ، ورُبَّما وقَعَ في شَوّالَ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ؛ وكانُوا يَسْتَحِلُّونَ المُحَرَّمَ عامًا، ويُحَرِّمُونَ مَكانَهُ صَفَرُ، وتارَةً يُحَرِّمُونَ المُحَرَّمَ ويَسْتَحِلُّونَ صَفَرَ. قالَ الزَّجّاجُ: أعْلَمَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أنَّ عَدَدَ شُهُورِ المُسْلِمِينَ الَّتِي تُعُبِّدُوا بِأنْ يَجْعَلُوهُ لِسَنَتِهِمُ: اثْنا عَشَرَ شَهْرًا عَلى مَنازِلِ القَمَرِ؛ فَجُعِلَ حَجُّهم وأعْيادُهم عَلى هَذا العَدَدِ، فَتارَةً يَكُونُ الحَجُّ والصَّوْمُ في الشِّتاءِ، وتارَةً في الصَّيْفِ، بِخِلافِ ما يَعْتَمِدُهُ أهْلُ الكِتابِ، فَإنَّهم يَعْمَلُونَ عَلى أنَّ السَّنَةَ ثَلاثُمِائَةِ يَوْمٍ وخَمْسَةٌ وسِتُّونَ يَوْمًا وبَعْضُ يَوْمٍ. وجُمْهُورُ القُرّاءِ عَلى فَتْحِ "عَيْنِ اثْنا عَشَرَ" . وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: اثْنا عَشَرَ، وأحَدَ عَشَرَ، وتِسْعَةَ عَشَرَ، بِسُكُونِ العَيْنِ فِيهِنَّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي كِتابِ اللَّهِ﴾ أيْ: في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: في الإمامِ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ كُتُبُهُ ﴿يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ وفِيها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها رَجَبٌ، وذُو القِعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، قالَهُ الأكْثَرُونَ وقالَ القاضِي أبُو يَعْلى: إنَّما سَمّاها حَرَمًا لِمَعْنَيَيْنِ.
أحَدُهُما: تَحْرِيمُ القِتالِ فِيها، وقَدْ كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ أيْضًا. والثّانِي: لَتَعْظِيمُ انْتِهاكِ المَحارِمِ فِيها أشَدُّ مِن تَعْظِيمِهِ في غَيْرِها، وكَذَلِكَ تَعْظِيمُ الطّاعاتِ فِيها.
(p-٤٣٣)والثّانِي: أنَّها الأشْهُرُ الَّتِي أُجِّلَ المُشْرِكُونَ فِيها لَلسِّياحَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: ذَلِكَ القَضاءُ المُسْتَقِيمُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: ذَلِكَ الحَسابُ الصَّحِيحُ والعَدَدُ المُسْتَوِي، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ﴾ اخْتَلَفُوا في كِنايَةِ "فِيهِنَّ" عَلى قَوْلَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّها تَعُودُ عَلى الِاثْنى عَشَرَ، شَهْرًا قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. فَعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى: لا تَجْعَلُوا حَرامَها حَلالًا، ولا حَلالَها حَرامًا، كَفِعْلِ أهْلِ النَّسِيءِ.
والثّانِي: أنَّها تَرْجِعُ إلى الأرْبَعَةِ الحُرُمِ، وهو قَوْلُ قَتادَةَ، والفَرّاءِ؛ واحْتَجَّ بِأنَّ العَرَبَ تَقُولُ لِما بَيْنَ الثَّلاثَةِ إلى العَشْرَةِ: لَثَلاثُ لَيالٍ خَلَوْنَ، وأيّامٌ خَلَوْنَ؛ فَإذا جُزْتَ العَشْرَةَ قالُوا: خَلَتْ ومَضَتْ؛ ويَقُولُونَ لِما بَيْنَ الثَّلاثَةِ إلى العَشْرَةِ: هُنَّ، وهَؤُلاءِ، فَإذا جُزَّتِ العَشْرَةُ، قالُوا: هي، وهَذِهِ؛ إرادَةَ أنْ تَعْرِفَ سِمَةَ القَلِيلِ مِنَ الكَثِيرِ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: العَرَبُ تُعِيدُ الهاءَ والنُّونَ عَلى القَلِيلِ مِنَ العَدَدِ، والهاءَ والألِفَ عَلى الكَثِيرِ مِنهُ؛ والقِلَّةُ: ما بَيْنَ الثَّلاثَةِ إلى العَشْرَةِ، والكَثْرَةُ: ما جاوَزَ العَشْرَةَ. يَقُولُونَ: وجَّهْتُ إلَيْكَ أكْبُشًا فاذْبَحْهُنَّ، وكِباشًا فاذْبَحْها؛ فَلِهَذا قالَ: ﴿مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ وقالَ ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ﴾ لِأنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ "فِيهِنَّ" الأرْبَعَةَ.
وَمَن قالَ مِنَ المُفَسِّرِينَ: إنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: "فِيهِنَّ" الِاثْنَيْ عَشَرَ، فَإنَّهُ مُمْكِنٌ؛ لِأنَّ العَرَبَ رُبَّما جَعَلَتْ عَلامَةَ القَلِيلِ لِلْكَثِيرِ، وعَلامَةَ الكَثِيرِ لِلْقَلِيلِ. وعَلى قَوْلِ مَن قالَ: تَرْجِعُ "فِيهِنَّ" إلى الأرْبَعَةِ؛ يَخْرُجُ في مَعْنى الظُّلْمِ فِيهِنَّ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
(p-٤٣٤)أحَدُها: أنَّهُ المَعاصِي؛ فَتَكُونُ فائِدَةَ تَخْصِيصِ النَّهْيِ عَنْهُ بِهَذِهِ الأشْهُرِ، أنَّ شَأْنَ المَعاصِي يُعَظَّمُ فِيها أشَدُّ مِن تَعْظِيمِهِ في غَيْرِها، وذَلِكَ لِفَضْلِها عَلى ما سِواها، كَقَوْلِهِ: ﴿وَجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ [البَقَرَةِ:٩٨] وإنْ كانا قَدْ دَخَلا في جُمْلَةِ المَلائِكَةِ، وقَوْلُهُ: ﴿فاكِهَةٌ ونَخْلٌ ورُمّانٌ﴾ [الرَّحْمَنُ:٦٨] وإنْ كانا قَدْ دَخَلا في جُمْلَةِ الفاكِهَةِ، وقَوْلُهُ: ﴿فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ في الحَجِّ﴾ [البَقَرَةِ:١٩٧] وإنْ كانَ مَنهِيًّا عَنْهُ في غَيْرِ الحَجِّ، وكَما أمَرَ بِالمُحافَظَةِ عَلى الصَّلاةِ الوُسْطى وإنْ كانَ مَأْمُورًا بِالمُحافَظَةِ عَلى غَيْرِها، هَذا قَوْلُ الأكْثَرِينَ.
والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالظُّلْمِ فِيهِنَّ فِعْلُ النَّسِيءِ، وهو تَحْلِيلُ شَهْرِ مُحَرَّمٍ وتَحْرِيمُ شَهْرِ حَلالٍ، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ.
والثّالِثُ: أنَّهُ البِدايَةُ بِالقِتالِ فِيهِنَّ؛ فَيَكُونُ المَعْنى: فَلا تَظْلِمُوا أنْفُسَكم بِالقِتالِ فِيهِنَّ إلّا أنْ تَبْدَؤُوا بِالقِتالِ قالَهُ مُقاتِلٌ.
والرّابِعُ: أنَّهُ تَرْكُ القِتالِ فِيهِنَّ؛ فَيَكُونُ المَعْنى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكم بِتَرْكِ المُحارِبَةِ لِعَدُوِّكم، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ، وهو عَكْسُ قَوْلِ مُقاتِلٍ. والسِّرُّ في أنَّ اللَّهَ تَعالى عَظَّمَ بَعْضَ الشُّهُورِ عَلى بَعْضٍ، لِيَكُونَ الكَفُّ عَنِ الهَوى فِيها ذَرِيعَةً إلى اسْتِدامَةِ الكَفِّ في غَيْرِها تَدْرِيجًا لِلنَّفْسِ إلى فِراقِ مَأْلُوفِها المَكْرُوهِ شَرْعًا.
{"ayah":"إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرࣰا فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ یَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَاۤ أَرۡبَعَةٌ حُرُمࣱۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُوا۟ فِیهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَـٰتِلُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ كَاۤفَّةࣰ كَمَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ كَاۤفَّةࣰۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق