الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا في كِتابِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ.
وظاهِرُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الواجِبَ تَعْلِيقُ الأحْكامِ المُتَّصِلَةِ بِالشُّهُورِ والسِّنِينَ، مِن عِباداتٍ وغَيْرِها، بِالأشْهُرِ العَرَبِيَّةِ دُونَ الشُّهُورِ الَّتِي يَعْتَبِرُها العَجَمُ والرُّومُ، وإنَّ شُهُورَ الرُّومِ وإنْ لَمْ تَزِدْ عَلى اثْنَيْ عَشَرَ، ولَكِنَّها مُخْتَلِفَةُ الأعْدادِ، مِنها ما يَزِيدُ عَلى ثَلاثِينَ، ومِنها ما يَنْقُصُ. وشُهُورُ (p-٢٠٠)العَرَبِ لا تَزِيدُ عَلى ثَلاثِينَ، ومِنها ما يَنْقُصُ، والَّذِي يَنْقُصُ لا يَتَعَيَّنُ لَهُ شَهْرٌ، وإنَّما تَفاوُتُها في النُّقْصانِ، والتَّمامِ عَلى حَسَبِ سَيْرِ القَمَرِ في البُرُوجِ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ .
ولا خِلافَ أنَّ هَذِهِ الأرْبَعَةَ الحُرُمَ لَها ضَرْبٌ مِنَ الِاخْتِصاصِ، وأنَّها رَجَبٌ، وذُو القِعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ.
وإذا خَصَّها اللَّهُ تَعالى بِأنَّها حُرُمٌ، فَلا بُدَّ أنْ يَكُونَ لِهَذا الِاخْتِصاصِ مَعْنًى، ولَيْسَ يَظْهَرُ ذَلِكَ المَعْنى في حُكْمٍ سِوى المُقابَلَةِ، وقَدْ نُسِخَ ذَلِكَ، أوْ تَحْرِيمُ القَتْلِ، حَتّى إنَّ الدِّيَةَ تَتَغَلَّظُ بِالأشْهُرِ الحُرُمِ، فَهَذا وجْهُ التَّخْصِيصِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ﴾، عَلى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ هو راجِعٌ إلى الجَمِيعِ، وعَلى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: هو راجِعٌ إلى الأشْهُرِ الحُرُمِ خاصَّةً، ومَن يُخَصِّصُ بِالأرْبَعَةِ يَقُولُ: لِأنَّها إلَيْها أقْرَبُ، ولَها مَزِيَّةُ تَعْظِيمِ الظُّلْمِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ .
فِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى وضَعَ هَذِهِ الشُّهُورَ وسَمّاها بِأسْمائِها، عَلى ما رَتَّبَها عَلَيْهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ، وأنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلى أنْبِيائِهِ في الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ، وهو مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا﴾ .
وحُكْمُها باقٍ عَلى ما كانَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ نَزَّلَها عَنْ مَرْتَبَتِها تَغْيِيرُ المُشْرِكِينَ لِأسْمائِها وتَقْدِيمُ المُؤَخَّرِ، وتَأْخِيرُ المُقَدَّمِ، في الِاسْمِ فِيها، والمَقْصُودُ مِن (p-٢٠١)ذَلِكَ اتِّباعُ أمْرِ اللَّهِ تَعالى فِيها، ورَفْضُ ما كانَتْ عَلَيْهِ الجاهِلِيَّةُ مِن تَأْخِيرِ أسْماءِ الشُّهُورِ وتَقْدِيمِها، وتَعْلِيقِ الأحْكامِ عَلى الأسْماءِ الَّتِي رَتَّبُوها عَلَيْها، ولِذَلِكَ «قالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حَجَّةِ الوَداعِ في خُطْبَتِهِ بِالعَقَبَةِ: ”أيُّها النّاسُ، إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ“» .
وإنَّ الَّذِي تَجْعَلُهُ الجاهِلِيَّةُ، مِن جَعْلِ المُحَرَّمِ صَفَرًا وصَفَرٍ مُحَرَّمًا، لَيْسَ يَتَغَيَّرْنَ، ما وضَعَهُ اللَّهُ تَعالى.
والَّذِينَ صارُوا إلى جَعْلِ بَعْضِ السِّنِينَ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، لَيْسَ عَلى ما تَوَهَّمُوهُ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يَضَعْ غَيْرَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، فَهَذا وجْهٌ.
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ في كِتابِ اللَّهِ، أنَّ اللَّهَ تَعالى قَسَّمَ الزَّمانَ في الأصْلِ اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا، فَجَعَلَ نُزُولَ الشَّمْسِ في كُلِّ بُرْجٍ مِنَ البُرُوجِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، قِسْمًا مِنها، فَيَكُونُ قَطْعُها لِلْفَلَكِ في ثَلاثِمِائَةٍ وخَمْسٍ وسِتِّينَ يَوْمًا ورُبْعِ يَوْمٍ، فَيَجِيءُ نَصِيبُ كُلِّ قِسْمٍ مِنها بِالأيّامِ ثَلاثِينَ يَوْمًا وكَسْرًا، وقَسَّمَ الأزْمِنَةَ أيْضًا عَلى سَيْرِ القَمَرِ، فَصارَ القَمَرُ يَقْطَعُ الفَلَكَ كُلَّ تِسْعَةٍ وعِشْرِينَ يَوْمًا، ونِصْفٍ، وجَعَلَ السَّنَةَ القَمَرِيَّةَ ثَلاثَمِائَةٍ وأرْبَعَةً وخَمْسِينَ يَوْمًا، ورُبْعَ يَوْمٍ، واخْتَلَفَتْ سَنَةُ الشَّمْسِ والقَمَرِ، مَعَ اتِّفاقِ أعْدادِ شُهُورِها، وكانَ تَفاوُتُ ما بَيْنَها أحَدَ عَشَرَ يَوْمًا بِالتَّقْرِيبِ، وكانَتْ شُهُورُ القَمَرِ ثَلاثِينَ وتِسْعَةً وعِشْرِينَ، فِيما يَتَعَلَّقُ بِها مِن أحْكامِ الشَّرْعِ، ولَمْ يَكُنْ لِلنِّصْفِ الَّذِي هو زِيادَةٌ عَلى تِسْعَةٍ وعِشْرِينَ يَوْمًا حُكْمٌ، وكانَ ذَلِكَ هو القِسْمَةَ الَّتِي قَسَّمَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْها السَّنَةَ في ابْتِداءِ وضْعِ الخَلْقِ، ثُمَّ جاءَتِ الأُمَمُ فَغَيَّرَتْ هَذا الوَضْعَ، وكانَ قَصْدُهم بِذَلِكَ أنْ لا تَتَغَيَّرَ الشُّهُورُ عَنْ (p-٢٠٢)أوْقاتِها الَّتِي هي عَلَيْها شِتاءً وصَيْفًا وخَرِيفًا ورَبِيعًا، فاقْتَضاهم ذَلِكَ أوْضاعًا مُخْتَلِفَةً. فَوَضَعَتِ الرُّومُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، بَعْضُها ثَمانِيَةٌ وعِشْرُونَ، وبَعْضُها ثَمانِيَةٌ وعِشْرُونَ ونِصْفٌ، وبَعْضُها أحَدٌ وثَلاثُونَ، وكانَتْ شُهُورُ الفُرْسِ ثَلاثِينَ إلّا شَهْرًا واحِدًا، وهو أبازُ ماهْ، فَإنَّهُ خَمْسَةٌ وثَلاثُونَ، ثُمَّ كانَتْ تَكْبِسُ في كُلِّ مِائَةٍ وعِشْرِينَ سَنَةً شَهْرًا كامِلًا، فَتَصِيرُ السَّنَةُ ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَأمّا أشْهُرُ العَرَبِ، فَإنَّها تِسْعَةٌ وعِشْرُونَ أوْ ثَلاثُونَ، وأبْطَلَ اللَّهُ تَعالى كَبْسَةَ الفُرْسِ، وجَعْلَها ثَلاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا في بَعْضِ السَّنَةِ، وأبْطَلَ ما كانَ المُشْرِكُونَ عَلَيْهِ مِن تَغْيِيرِ النِّظامِ، وصارَتِ الشُّهُورُ الَّتِي لَها أسامٍ لا تُؤَدِّي الأسْماءُ مَعانِيَها، لِأنَّها تارَةً تَكُونُ في الصَّيْفِ، وتارَةً تَكُونُ في الشِّتاءِ، وأرادَ اللَّهُ تَعالى أنْ يَجْعَلَ شَهْرَ رَمَضانَ تارَةً في الصَّيْفِ، وتارَةً في الشِّتاءِ، اسْتِيغالُهم مَصالِحَ الدِّينِ والدُّنْيا في التَّخْفِيفِ تارَةً، وفي التَّغْلِيظِ أُخْرى، ولَمْ يَكُنْ صَوْمُنا كَصَوْمِ النَّصارى في الرَّبِيعِ لا يَخْتَلِفُ.
{"ayah":"إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرࣰا فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ یَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَاۤ أَرۡبَعَةٌ حُرُمࣱۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُوا۟ فِیهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَـٰتِلُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ كَاۤفَّةࣰ كَمَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ كَاۤفَّةࣰۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق