الباحث القرآني
ولَمّا تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِمّا يَنْبَنِي عَلى التّارِيخِ: الحَجُّ في غَيْرِ مَوْضِعٍ والأشْهُرُ وإتْمامُ عَهْدِ مَن لَهُ مُدَّةٌ إلى مُدَّتِهِ والزَّكاةُ والجِزْيَةُ، وخَتَمَ ذَلِكَ بِالكَنْزِ الَّذِي لا يُطْلَقُ شَرْعًا إلّا عَلى ما لَمْ تُؤَدَّ زَكاتُهُ، وكانَ مُشْرِكُو العَرَبِ - الَّذِينَ تَقَدَّمَ الأمْرُ بِالبَراءَةِ مِنهم والتَّأْذِينِ بِهَذِهِ الآياتِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ فِيهِمْ - قَدْ أحْدَثُوا في الأشْهُرِ بِالنَّسِيءِ الَّذِي أُمِرُوا أنْ يُنادُوا في الحَجِّ بِإبْطالِهِ - ما غَيَّرَ السِّنِينَ عَنْ مَوْضُوعِها الَّذِي وضَعَها اللَّهُ عَلَيْهِ، فَضاهَوْا بِهِ فِعْلَ أهْلِ الكِتابِ بِالتَّدَيُّنِ بِتَحْلِيلِ أكابِرِهِمْ وتَحْرِيمِهِمْ كَما ضاهى أُولَئِكَ قَوْلَ أهْلِ الشِّرْكِ في النُّبُوَّةِ والأُبُوَّةِ، قالَ تَعالى: ﴿إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ﴾ أيْ: مُنْتَهى عَدَدِ شُهُورِ السَّنَةِ ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ: في حُكْمِ وعِلْمِ الَّذِي خَلَقَ الزَّمانَ وحْدَهُ وهو الإلَهُ وحْدَهُ فَلا أمْرَ لِأحَدٍ مَعَهُ ﴿اثْنا عَشَرَ شَهْرًا﴾ أيْ: لا زِيادَةَ عَلَيْها ولا تَغْيِيرَ لَها كَما تَفْعَلُونَهُ في النَّسِيءِ ﴿فِي كِتابِ اللَّهِ﴾ أيْ: كَلامِ المَلِكِ المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا، وحُكْمُهُ الَّذِي هو مَجْمَعُ الهُدى، فَهو الحَقِيقُ بِأنْ يُكْتَبَ، (p-٤٥٠)ولَيْسَتِ الشُّهُورُ ثَلاثَةَ عَشَرَ ولا أكْثَرَ كَما كانَ يَفْعَلُ مَن أمَرْتُكم بِالبَراءَةِ مِنهم كائِنِينَ مَن كانُوا في النَّسِيءِ ﴿يَوْمَ﴾ أيْ: كانَ ذَلِكَ وثَبَتَ يَوْمَ ﴿خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ أيِ: اللَّذَيْنِ نَشَأ عَنْهُما الزَّمانُ.
والمَعْنى أنَّ الحُكْمَ بِذَلِكَ كانَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الزَّمانَ ﴿مِنها﴾ أيِ: الشُّهُورِ ﴿أرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ أيْ: بِأعْيانِها لا بِمُجَرَّدِ العَدَدِ ﴿ذَلِكَ﴾ أيِ: الأمْرُ العَظِيمُ والحُكْمُ العالِي الرُّتْبَةِ في الإتْقانِ خاصَّةً ﴿الدِّينُ القَيِّمُ﴾ أيِ: الَّذِي لا عِوَجَ فِيهِ ولا مَدْخَلَ لِلْعِبادِ، وإنَّما هو بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعالى لِلْقَمَرِ؛ رَوى البُخارِيُّ عَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ - يَعْنِي في حَجَّةِ الوادِعِ: «إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القِعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمادى وشَعْبانَ» ولَمّا بَيَّنَ الأمْرَ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ﴾ أيِ: الأشْهُرِ الحُرُمِ ﴿أنْفُسَكُمْ﴾ أيْ: بِسَبَبِ إنْساءِ بَعْضِها وتَحْرِيمِ غَيْرِهِ مَكانَهُ لِتُوافِقُوا العَدَدَ -لا العَيْنَ- اللّازِمُ عَنْهُ إخْلالُ كُلٍّ مِنها بِإيقاعِ الظُّلْمِ فِيهِ وتَحْرِيمِ كُلٍّ مِن غَيْرِها، قالَ قَتادَةُ: العَمَلُ الصّالِحُ والفاسِدُ فِيها أعْظَمُ مِنهُ في غَيْرِها وإنْ كانَ ذَلِكَ في نَفْسِهِ عَظِيمًا فَإنَّ اللَّهَ تَعالى لِعِظَمِ مَن أمَرَهُ ما شاءَ؛ وقالَ أبُو حَيّانَ ما حاصِلُهُ: إنَّ العَرَبَ تُعِيدُ الضَّمِيرَ عَلى جَمْعِ الكَثْرَةِ كالواحِدَةِ المُؤَنَّثَةِ فَلِذا قالَ: ﴿مِنها (p-٤٥١)أرْبَعَةٌ﴾ أيْ: مِنَ الشُّهُورِ، وعَلى جَمْعِ القِلَّةِ لِما لا يُعْقَلُ بِنُونِ جَمْعِ المُؤَنَّثِ فَلِذا قالَ: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ﴾ أيْ: في الأرْبَعَةِ.
ولَمّا كانَ إنْساؤُهم هو لِتَحِلَّ لَهُمُ المُقاتَلَةُ عَلى زَعْمِهِمْ قالَ: ﴿وقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافَّةً﴾ أيْ: كُلُّكم في ذَلِكَ سَواءٌ، في الِائْتِلافِ واجْتِماعِ الكَلِمَةِ ﴿كَما يُقاتِلُونَكم كافَّةً﴾ أيْ: كُلُّهم في ذَلِكَ سَواءٌ؛ وذَلِكَ الحُكْمُ في جَمِيعِ السَّنَةِ، لا أنْهاكم عَنْ قِتالِهِمْ في شَهْرٍ مِنها، فَأنْتُمْ لا تَحْتاجُونَ إلى تَغْيِيرِ حُكْمِي فِيها لِقِتالٍ ولا غَيْرِهِ إنِ اتَّقَيْتُمُ اللَّهَ، فَلا تَخافُوهم وإنْ زادَتْ جُمُوعُهم وتَضاعَفَتْ قُواهُمْ؛ لِأنَّ اللَّهَ يَكُونُ مَعَكم ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ﴾ أيِ: الَّذِي لَهُ جَمِيعُ العَظَمَةِ مَعَكُمْ، هَكَذا كانَ الأصْلُ ولَكِنَّهُ أظْهَرَ الوَصْفَ تَعْلِيقًا لِلْحُكْمِ بِهِ وتَعْمِيمًا فَقالَ: ﴿مَعَ المُتَّقِينَ﴾ جَمِيعِهِمْ، وهُمُ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ تَقْواهم عَلى ما شَرَعَهُ لَهُمْ، لا عَلى النَّسِيءِ ونَحْوِهِ، ومَن كانَ اللَّهُ مَعَهُ نُصِرَ لا مَحالَةَ.
{"ayah":"إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرࣰا فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ یَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَاۤ أَرۡبَعَةٌ حُرُمࣱۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُوا۟ فِیهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَـٰتِلُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ كَاۤفَّةࣰ كَمَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ كَاۤفَّةࣰۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق