الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية، قال عامة المفسرين: (إن النبي ﷺ عرض على عمه أبي طالب الإسلام عند وفاته، وذكر له وجوب حقه عليه، وقال: "أعني على نفسك بكلمة أشفع لك بها عند الله يوم القيامة"، فأبى أبو طالب، فقال النبي ﷺ: "لأستغفرن لك حتى أنهى عن ذلك" فاستغفر له بعدما مات، فاستغفر المسلمون لآبائهم وذوي قراباتهم، فنزلت هذه الآية [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 41 - 43، وابن أبي حاتم 6/ 1894، والثعلبي 6/ 152 أ، والبغوي 4/ 100، والحديث في "صحيح البخاري"، كتاب: الجنائز، باب: إذا قال المشرك: لا إله إلا الله، و"صحيح مسلم" (39)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت.]]، وهذا قول الزهري [[لم أجد من ذكره عنه، وإنما يروى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه، انظر: المصادر السابقة، نفس المواضع.]] وسعيد بن المسيب [[رواه ابن جرير 11/ 42.]] وعمرو بن دينار [[رواه ابن جرير 11/ 41 - 42.]] ومحمد بن كعب [[رواه ابن أبي حاتم 6/ 1894 - 1895، والثعلبي 6/ 152 ب، وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 505.]]، واستبعده الحسين بن الفضل؛ لأن هذه السورة من آخر القرآن نزولاً، ووفاة أبي طالب كانت بمكة في عنفوان الإسلام [[انظر قول الحسين بن الفضل في "تفسير الثعلبي" 6/ 152 ب واعتراضه هذا محل نظر؛ فإن السور المدنية قد يتخللها بعض الآيات المكية، لاسيما وقد صح نزول الآية في قصة أبي طالب وخرجها البخاري ومسلم كما تقدم، وثمة احتمال آخر وهو أن النبي ﷺ استمر في الاستغفار لعمه حتى نزلت عليه هذه الآية في المدينة، والله أعلم.]]، والله أعلم. وقال عطاء عن ابن عباس: إن رسول الله ﷺ سأل جبريل عن قبر أبيه وأمه فأرشده فذهب إليهما وكان يدعو لهما، وعلي يؤمن فنزلت هذه الآية) [[لم أجده.]] [وهذا قول أبي هريرة [[ذكره الثعلبي 6/ 153 ب، والبغوي 4/ 101 بغير سند.]]. وقال الوالبي عنه [[يعني عن ابن عباس كما في المصادر التالية.]]: كانوا يستغفرون لأمواتهم المشركين فنزلت هذه الآية [[رواه ابن جرير 11/ 42، وابن أبي حاتم 6/ 1893، والثعلبي 6/ 153 ب.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] وهو قول قتادة، وقال: استأذنوا رسول الله ﷺ أن يستغفروا لآبائهم فقال: "وأنا والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه" فنزلت هذه الآية) [[رواه ابن جرير 11/ 43، والثعلبي 6/ 153 ب، والبغوي 4/ 101.]]. قال أهل المعاني: قوله ﴿مَا كاَنَ لِلنَّبِيِّ﴾ حظر وتحريم ونهي، وقد يأتي في القرآن بمعنى النفي البتة، كقوله: ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾ [النمل: 60] و ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 145] [[ذكره عنهم دون تعيين الثعلبي في "تفسيره" 6/ 153 ب بنحوه، وانظر: "تفسير القرطبي" 8/ 274.]]. والاستغفار طلب المغفرة، وليس يجوز أن يطلب من الله غفران الشرك؛ لأنه طلب ما أخبر أنه لا يفعل [[يعني في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48، 116].]]. وقوله تعالى ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾، قال أبو إسحاق: (أي من بعد ما تبين لهم أنهم ماتوا كافرين، ثم أعلم الله -عز وجل- كيف كان استغفار إبراهيم لأبيه [فقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ﴾ [[اهـ. كلام أبي إسحاق الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 473.]] الآية] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]]. قال عطاء عن ابن عباس: (كان أبو إبراهيم وعد إبراهيم أن يؤمن بالله ويخلع الأنداد، فلما مات على الكفر [[ساقط من (ى).]] تبين لإبراهيم عداوة أبيه لله فترك الدعاء له) [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 528، والقرطبي في "تفسيره" 8/ 274، وبدون نسبة الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 473، والثعلبي 6/ 154 أ، وابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 509. وقد سبق بيان أن رواية عطاء عن ابن عباس مكذوبة، ثم إن هذا القول مستبعد من == أبي إبراهيم لقوله فيما أخبر الله عنه: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ [مريم: 46 - 47] والآية الثانية تدل على أن إبراهيم وعده بالاستغفار وهو مصر على كفره.]]، فعلى هذا قوله: ﴿وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ الكناية في ﴿إِيَّاهُ﴾ تعود على إبراهيم، والواعد أبوه، ويجوز أن تعود على أبي إبراهيم ويكون الواعد إبراهيم، وذلك أنه وعد أباه [أن يستغفر له رجاء إسلامه وأن ينقل الله أباه باستغفاره له] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] من الكفر إلى الإسلام، فلما مات مشركًا ويئس [[في (م): (تبين)، وهو خطأ.]] من مراجعته الحق تبرأ منه، وقطع الاستغفار له، والدليل على صحة هذا قراءة الحسن (وعدها أباه) بالباء [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 154 ب، و"الكشاف" 2/ 217، والبغوي 4/ 101. ونسبها ابن خالويه إلى حماد الراوية وقال: (يقال إنه صحفه). انظر: " مختصر في شواذ القرآن" ص 55، وزاد أبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 105 نسبتها إلى ابن السميفع وأبي نهيك ومعاذ القارئ.]]، وهذا الوعد من إبراهيم ظاهر في قوله تعالى: ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ [مريم: 47] وقوله: ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة: 4]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ﴾ روي عن النبي ﷺ أنه قال: "الأواه: الخاشع المتضرع" [[رواه ابن جرير 11/ 51، وابن أبي حاتم 6/ 1896، والثعلبي 6/ 154 ب، وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/ 509 عن عبد الله بن شداد وهو تابعي فالحديث مرسل، ولم أجد من ذكره موصولاً، ثم إن في سنده شهر بن حوشب، متكلم فيه، قال ابن حجر: صدوق كثير الإرسال والأوهام، وقال ابن عدي: (ضعيف جدًا). "تقريب التهذيب" 1/ 355، و"تهذيب التهذيب" 4/ 338.]]. ويروى أن عمر سأل رسول الله ﷺ عن الأواه فقال: "الأواه الدعاء" [[ذكره الرازي في "تفسيره" 16/ 211 ولم أجد من ذكره غيره، وذكر الثعلبي بغير سند عن أنس قال: تكلمت امرأة عند رسول الله -ﷺ- بشيء كرهه فنهاها عمر -رضي الله عنه- فقال رسول الله -ﷺ-: "دعوها فإنها أواهة"، قيل يا رسول الله وما الأواهة؟ قال: "الخاشعة". "تفسير الثعلبي" 6/ 154 ب.]]. قال ابن عباس [[في (ى): (ابن إسحاق)، وهو خطأ.]] في رواية عطاء: (الأواه: الدعاء [[ساقط من (م).]] الكثير البكاء) [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 528.]]. وقال في رواية عطية: (الأواه: المؤمن [بالحبشية) [[رواه ابن جرير 11/ 50، والثعلبي 6/ 155 أ.]]، وقال في رواية الوالبي: (الأواه: المؤمن التواب) [[رواه ابن جرير 11/ 50، وابن أبي حاتم 6/ 1886، والثعلبي 6/ 155 أ، والبغوي 4/ 102.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]]. وقال في رواية أبي ظبيان: (الأواه: الموقن) [[رواه ابن جرير 11/ 49، والثعلبي 6/ 155/ أ.]] وهو قول مجاهد [[انظر: المصدرين السابقين، نفس الموضع، و"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1896، والبغوي 4/ 102.]]. وقال الفراء: (هو الذي يتأوه من الذنوب) [["معاني القرآن" 2/ 23، ونسبة هذا القول للفراء فيها نظر؛ فإن نصر عبارته: (قوله (أواه): دعاء، ويقال: هو الذي يتأوه من الذنوب).]]. وقال ابن مسعود والحسن وقتادة: (الأواه: الرحيم) [[رواه عنهم ابن جرير 11/ 47 - 49، وابن أي حاتم 6/ 1896، والثعلبي 6/ 155 أ.]]. وقال أبو عبيدة: (الأواه: المتأوه شفقًا وفرقًا، المتضرع يقينًا ولزوماً للطاعة) [["مجاز القرآن" 1/ 270 بنحوه، والنص بلفظ المؤلف عند "الثعلبي" 6/ 155 ب.]]. قال الزجاج: (انتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روي في الأواه) [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 473.]]، ويقال: تأوه الرجل تأوهًا، وأوه تأويهًا إذا قال: آه للتوجع ومنه قوله: تأوهُ آهة الرجل الحزين [[عجز بيت، وصدره: إذا ما قمت أرحلها بليل والبيت للمثقب العبدي في "ديوانه" ص 194، و"الصحاح" (أوه)، و"مجازالقرآن" 1/ 270، "المفضليات" ص 291. والشاعر يتحدث عن دابته، وأنها تشكو كثرة أسفاره.]] ويقال لتلك الكلمة: آه وهاه وآهة [[في (ي): (هاهه).]] وأوه، قال أبو تراب: (وهو توجع الحزين الكئيب يخرج نفسه بهذا الصوت لينفرج عنه بعض ما به، ولو جاء من الأواه فعل لكان آه يؤوه أوهًا، مثل قال يقول قولًا) [[لم أقف عليه.]]. وقوله تعالى: ﴿حَلِيمٌ﴾، قال ابن عباس: (لم يعاقب أحدًا إلا لله ولم ينتصر من أحد إلا لله) [[ذكره المؤلف في "الوسيط" 2/ 529، واعتبره القرطبي 8/ 276 أحد قولين في الكلمة لكن لم ينسبه لابن عباس.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب