أخْبَرَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّيرازِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَمِيرُويَهْ الهَرَوِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا أبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الخُزاعِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو اليَمانِ، قالَ: أخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أبِيهِ قالَ: لَمّا حَضَرَ أبا طالِبٍ الوَفاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وعِنْدَهُ أبُو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي أُمَيَّةَ، فَقالَ: ”أيْ عَمِّ، قُلْ مَعِي: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحاجُّ لَكَ بِها عِنْدَ اللَّهِ“ . فَقالَ أبُو جَهْلٍ وابْنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبا طالِبٍ، أتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزالا يُكَلِّمانِهِ حَتّى قالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهم بِهِ: عَلى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”لَأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ما لَمْ أُنْهَ عَنْكَ“ . فَنَزَلَتْ: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ .
رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ إسْحاقَ بْنِ إبْراهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ورَواهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
أخْبَرَنا أبُو سَعِيدِ بْنُ أبِي عَمْرٍو النَّيْسابُورِيُّ، قالَ: أخْبَرَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُؤَمَّلٍ، قالَ: أخْبَرَنا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ البَصْرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهّابِ، قالَ: أخْبَرَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قالَ: أخْبَرَنا مُوسى بْنُ عُبَيْدَةَ، قالَ: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، قالَ: بَلَغَنِي أنَّهُ لَمّا اشْتَكى أبُو طالِبٍ شَكْواهُ الَّتِي قُبِضَ فِيها، قالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: يا أبا طالِبٍ، أرْسِلْ إلى ابْنِ أخِيكَ فَيُرْسِلَ إلَيْكَ مِن هَذِهِ الجَنَّةِ الَّتِي ذَكَرَها لِيَكُونَ لَكَ شِفاءً. فَخَرَجَ الرَّسُولُ حَتّى وجَدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وأبا بَكْرٍ جالِسًا مَعَهُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ عَمَّكَ يَقُولُ لَكَ: إنِّي كَبِيرٌ ضَعِيفٌ سَقِيمٌ، فَأرْسِلْ إلَيَّ مِن جَنَّتِكَ هَذِهِ الَّتِي تَذْكُرُ مِن طَعامِها وشَرابِها شَيْئًا حَتّى يَكُونَ لِي فِيهِ شِفاءٌ. فَقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّ اللَّهَ تَعالى حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ. فَرَجَعَ إلَيْهِمُ الرَّسُولُ فَقالَ: بَلَّغْتُ مُحَمَّدًا الَّذِي أرْسَلْتُمُونِي بِهِ فَلَمْ يُحِرْ إلَيَّ شَيْئًا، وقالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ. فَحَمَلُوا أنْفُسَهم عَلَيْهِ حَتّى أرْسَلَ رَسُولًا مِن عِنْدِهِ، فَوَجَدَهُ الرَّسُولُ في مَجْلِسِهِ فَقالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”إنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلى الكافِرِينَ؛ طَعامَها وشَرابَها“ . ثُمَّ قامَ في إثْرِ الرَّسُولِ حَتّى دَخَلَ مَعَهُ بَيْتَ أبِي طالِبٍ فَوَجَدَهُ مَمْلُوءًا رِجالًا، فَقالَ: ”خَلُّوا بَيْنِي وبَيْنَ عَمِّي“ . فَقالُوا: ما نَحْنُ بِفاعِلِينَ، ما أنْتَ أحَقُّ بِهِ مِنّا، إنْ كانَتْ لَكَ قَرابَةٌ فَلَنا قَرابَةٌ مِثْلُ قَرابَتِكَ. فَجَلَسَ إلَيْهِ فَقالَ: ”يا عَمِّ، جُزِيتَ عَنِّي خَيْرًا، كَفَلْتَنِي صَغِيرًا وحُطْتَنِي كَبِيرًا، جُزِيتَ عَنِّي خَيْرًا، يا عَمِّ أعِنِّي عَلى نَفْسِكَ بِكَلِمَةٍ واحِدَةٍ أشْفَعُ لَكَ بِها عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ“ . قالَ: وما هي يا ابْنَ أخِي ؟ قالَ: ”قُلْ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ“ . فَقالَ: إنَّكَ لِي ناصِحٌ، واللَّهِ لَوْلا أنْ أُعَيَّرَ بِها فَيُقالَ: جَزِعَ عَمُّكَ مِنَ المَوْتِ لَأقْرَرْتُ بِها عَيْنَكَ. قالَ: فَصاحَ القَوْمُ: يا أبا طالِبٍ، أنْتَ رَأْسُ الحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ الأشْياخِ. فَقالَ: لا تَحَدَّثُ نِساءُ قُرَيْشٍ أنَّ عَمَّكَ جَزِعَ عِنْدَ المَوْتِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”لا أزالُ أسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي حَتّى يَرُدَّنِي“ . واسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَما ماتَ. فَقالَ المُسْلِمُونَ: ما يَمْنَعُنا أنْ نَسْتَغْفِرَ لِآبائِنا ولِذَوِي قَراباتِنا ؟ قَدِ اسْتَغْفَرَ إبْراهِيمُ لِأبِيهِ، وهَذا مُحَمَّدٌ ﷺ يَسْتَغْفِرُ لِعَمِّهِ. فاسْتَغْفَرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، حَتّى نَزَلَتْ: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى﴾ .
أخْبَرَنا أبُو القاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أحْمَدَ الحَرّانِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعَيْمٍ، قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأُمَوِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، قالَ: أخْبَرَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أيُّوبَ بْنِ هانِئٍ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الأجْدَعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَنْظُرُ في المَقابِرِ، وخَرَجْنا مَعَهُ فَأخَذْنا مَجْلِسَنا، ثُمَّ تَخَطّى القُبُورَ حَتّى انْتَهى إلى قَبْرٍ مِنها فَناجاهُ طَوِيلًا، ثُمَّ ارْتَفَعَ نَحِيبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ باكِيًا، فَبَكَيْنا لِبُكاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ إنَّهُ أقْبَلَ إلَيْنا، فَتَلَقّاهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما الَّذِي أبْكاكَ فَقَدْ أبْكانا وأفْزَعَنا ؟ فَجاءَ فَجَلَسَ إلَيْنا فَقالَ: ”أفْزَعَكم بُكائِي ؟“ . فَقُلْنا: نَعَمْ. فَقالَ: ”إنَّ القَبْرَ الَّذِي رَأيْتُمُونِي أُناجِي فِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وهْبٍ، وإنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في زِيارَتِها فَأذِنَ لِي فِيها، واسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في الِاسْتِغْفارِ لَها فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فِيهِ، ونَزَلَ عَلَيَّ: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ - حَتّى خَتَمَ الآيَةَ - ﴿وما كانَ اسْتِغْفارُ إبْراهِيمَ لِأبِيهِ إلّا عَن مَّوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاهُ﴾ . فَأخَذَنِي ما يَأْخُذُ الوَلَدَ لِلْوالِدَةِ مِنَ الرِّقَّةِ، فَذَلِكَ الَّذِي أبْكانِي“ .
{"ayahs_start":113,"ayahs":["مَا كَانَ لِلنَّبِیِّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن یَسۡتَغۡفِرُوا۟ لِلۡمُشۡرِكِینَ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ أُو۟لِی قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ","وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَ ٰهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةࣲ وَعَدَهَاۤ إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥۤ أَنَّهُۥ عَدُوࣱّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَ ٰهِیمَ لَأَوَّ ٰهٌ حَلِیمࣱ"],"ayah":"مَا كَانَ لِلنَّبِیِّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن یَسۡتَغۡفِرُوا۟ لِلۡمُشۡرِكِینَ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ أُو۟لِی قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"}