الباحث القرآني

قوله تعالى: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا، يعني: ما ينبغي وما جاز للنبي والذين آمنوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ. وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: «سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟» فقال: ألم يستغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان؟ فذكرت ذلك للنبي ﷺ، فنزل مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ. وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى، يعني: ذا قرابة في الرحم. مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ، يعني: أهل النار وماتوا على الكفر وهم في النار. ويقال أراد النبيّ ﷺ أن يستغفر لأبويه وهما مشركان، واستأذن منه المسلمون أن يستغفروا لآبائهم، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وقال: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ. وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «خرج رسول الله ﷺ وخرجنا معه، حتى انتهينا إلى قبر فجلس إليه فناجاه طويلاً، ثم رفع رأسه باكياً، فبكينا لبكاء رسول الله ﷺ. ثم إن النبيّ ﷺ أقبل إلينا، فتلقاه عمر رضي الله عنه فقال: «ما الذي أبكاك يا رسول الله؟» فأخذ بيد عمر وأقبل إلينا، فأتيناه فقال: «أفْزَعَكُمْ بُكَائِي» ؟ فقلنا: نعم يا رسول الله. فقال: «إنَّ الْقَبْرَ الَّذِي رَأَيْتُمُونِي أُنَاجِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتُ وَهْبٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَإنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي بِالاسْتِغْفَارِ لَهَا، فَلَمْ يَأْذَنْ لي، فأنزل الله تعالى مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ فَأَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ الْوَلَدَ لِلْوَالِدَيْنِ مِنَ الرِّقَّةِ، فذلك الَّذِي أبْكَانِي» [[عزاه السيوطي: 4/ 302 إلى ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، وابن ماجة (1571) والحاكم 2/ 336 وأصله في مسلم (976) (108) وأبي داود (3234) وابن ماجة (1572) والبيهقي: 4/ 76.]] . وروى أبو هريرة، عن النبيّ ﷺ أنه قال «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِوَالِدَيَّ، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاْستَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهُمَا، فَأَذِنَ لِي» [[حديث أبي هريرة: أخرجه مسلم (976) وأبو داود (3234) والنسائي: 4/ 90 وابن ماجة (1572) والبيهقي 4/ 76 وأحمد 2/ 442 والبغوي (1554) .]] فنزلت هذه الآية مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الآية. ثم قال تعالى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ وذلك أن أباه وعد إبراهيم أن يسلم، فكان يستغفر له رجاء أن يسلم. وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: «ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فَلَمَّا مات، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ يعني: ترك الدعاء ولم يستغفر له بعد لأنه مات على الكفر» [[عزاه السيوطي: 4/ 300 إلى الطيالسي وأحمد وابن أبي شيبة وأبي يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم والترمذي والنسائي وابن مردويه.]] . وللآية هذه وجه آخر: روي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب بن حرب قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله ﷺ، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية، فقال النبيّ ﷺ لأبي طالب: «يَا عَمِّ، قُلْ لا إله إِلا الله كَلِمة النَّجَاةِ، أشْهَدْ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله تَعَالَى» . فقال أبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل النبي ﷺ يعرضها عليه ويعانده أبو جهل بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر مما كلمهم: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبيّ ﷺ «أمَا وَالله لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عنه» [[أخرجه البخاري (1360) و (3884) و (4675) و (6681) ومسلم (24) وأحمد 5/ 433 والنسائي: 4/ 90.]] ، فأنزل الله تعالى إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: 56] ونزل مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الآية. قوله تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ. وروى سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: «كل القرآن أعلمه إلا أربعة: «غسلين، وحناناً، والأواه، والرقيم» . وروي عن عبد الله بن عباس، في رواية أُخرى أنه قال: الأواه الذي يذكر الله في أرض الوحشة» . وروي عن ابن مسعود أنه قال: «الأواه الرحيم» . وقال مجاهد: الأواه الموقن. وقال الضحاك: الأواه الداعي الذي يلح في الدعاء إلى الله تعالى، المقبل إليه بطاعته. ويقال: الأواه المؤمن بلغة الحبشة. ويقال: الأواه معلم الخير. وقال كعب: الأواه الذي إذا ذكر الله، قال: أواه من النار. وقال القتبي: المتأوه حزناً وخوفاً حَلِيمٌ يعني: حليما عن الجهل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب