الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ الخون والخيانة والمخانة: خون الحق [[أي تنقصه وعدم الوفاء به، قال ابن فارس في "مقاييس اللغة" (خون) 2/ 231: الخاء والواو والنون أصل واحد، وهو التنقص، يقال: خانه يخونه خونًا: وذلك نقصان الوفاء.]] الذي قد ضمن فيه التأدية، وخان: يتعدى إلى مفعولين، نحو: اعطى، ويجوز أن يقتصر على أحدهما، ويدلك على تعدي (خان) إلى مفعولين قول أوس:
خانتك ميّة ما علمت كما ... خان الإخاء خليلَه لبد [["ديوانه" ص 22. قال ابن منظور: لبد: اسم آخر نسور لقمان بن عاد وتزعم العرب أن لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها، فلما أُهلكوا خُيّر لقمان بين بقاء سبع بَعْرات سمْر، من أظْبٍ عفر، في جبل وعر، لا يسمها القطر، أو بقاء سبعة أنسر كلما هلك نسر خلص بعده نسر، فاختار النسور، فكان آخر نسوره يسمى لبدًا، وقد ذكرته الشعراء. "لسان العرب" (لبد) 7/ 3984.]]
قال ابن عباس في رواية عطاء [[ذكرها ابن الجوزي 3/ 344، وأبو حيان 4/ 486، ورواها مختصرة الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 180 من رواية الكلبي.]]، والزهري [[رواه عنه ابن جرير 9/ 221، والثعلبي 6/ 53 ب، ورواه مختصراً مالك في "الموطأ" ص 321، ورواه عن الزهري، عن كعب بن مالك الإمام الصنعاني في "المصنف" 5/ 407.]] والكلبي [[رواه الثعلبي 6/ 53 ب، ورواه مختصرًا الفيروزأبادي ص180 عنه عن ابن عباس.]] وعبد الله [بن أبي قتادة [[رواه ابن جرير 9/ 222، وابن أبي حاتم 5/ 1684، وابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 3/ 254، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 323 - 324، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وسعيد بن منصور وأبي الشيخ.]]] [[في (ح): (بن أبي، وقتادة)، وهو خطأ وما أثبته موافق للمصادر السابقة، وهو عبد الله بن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي المدني تابعي ثقة قليل الحديث، توفي سنة 99 هـ. انظر: "التاريخ الكبير" 1/ 3/ 175، و"الكاشف" 1/ 586، و"تهذيب التهذيب" 2/ 404.]]: نزلت هذه الآية في أبي لبابة [[هو: أبو لبابة بن عبد المنذر الأوسي الأنصاري أحد نقباء الأنصار، شهد بيعة == بيعة العقبة، وكذلك بدرًا وقيل: بل استعمله النبي ﷺ على المدينة حين خرج إلى بدر، وكانت راية بني عمرو معه يوم الفتح، توفي في خلافة علي، ويقال بعد سنة 50 هـ.
انظر: "أسد الغابة" 5/ 284، و"الإصابة" 4/ 168، و"تهذيب التهذيب" 4/ 578.]] حين بعثه رسول الله ﷺ إلى قريظة لما حاصرهم، وكان أهله وولده فيهم قالوا: يا أبا لبابة ما ترى لنا؟ أننزل على حكم سعد فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه، أي: إنه الذبح فلا تفعلوا، فكانت تلك منه خيانة لله ورسوله [[جميع روايات الأثر التي ذكرها المؤلف ضعيفة، فروايتا عطاء والكلبي عن ابن عباس ساقطتان، وروايتا الزهري وابن أبي قتادة مرسلتان، وقد رواه عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 406، عن الزهري، عن كعب بن مالك، والزهري لم يدرك كعبًا الذي مات سنة 40 هـ، والزهري ولد سنة 50 هـ. على أقل تقدير.
انظر: "تهذيب التهذيب" 8/ 384، 9/ 387، وقال ابن جرير 13/ 483: جائز أن تكون نزلت في أبي لبابة، وجائز أن تكون نزلت في غيره، ولا خبر عندنا بأي ذلك كان يجب التسليم له بصحته.]].
وقال السدي: كانوا يسمعون الشيء من رسول الله ﷺ فيفشونه ويلقونه إلى المشركين فنهاهم الله عن ذلك [[رواه ابن جرير 13/ 483 مختصرًا.]].
وقال ابن زيد: نهاهم الله أن يخونوا كما صنع المنافقون؛ يظهرون الإيمان ويسرون الكفر [[رواه مختصرًا ابن جرير 13/ 483.]]، ونحو هذا قال محمد بن إسحاق، أي: لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم ثم تخالفونه [[في "السيرة النبوية": تخالفوه اهـ. وهو الصواب لأنه معطوف على الفعل المجزوم.]] في السر إلى غيره [["السيرة النبوية" 2/ 669.]].
وقال ابن عباس: لا تخونوا الله بترك فرائضه، والرسول بترك سنته [[رواه ابن جرير 9/ 223، وابن أبي حاتم 5/ 1683 - 1684، والثعلبي 6/ 54 أ.]].
وقوله تعالى: ﴿وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾، قال الفراء: إن شئت جعلت (وتخونوا) جزمًا على النهي، وإن شئت جعلته صرفًا [[الصرف: أن يصرف المتكلم الفعل الثاني عن معنى الفعل الأول المتقدم عليه، وانظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 275، وقال الفراء في "معاني القرآن" 1/ 33: فإن قلت: وما الصرف؟ قلت: أن تأتي بالواو معطوفة على كلام في أوله حادثة لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليها، فإذا كان كذلك فهو الصرف.]] ونصبته كقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله [[هذا صدر بيت، وعجزه:
عار عليك إذا فعلت عظيم
وقد اختلف في قائله، فقيل: هو الأخطل، وهذا رأي سيبويه في "الكتاب" 3/ 42، وقيل: المتوكل الليثي، وقيل: الطرماح بن حكيم، وقيل: سابق البربري، انظر: "الخزانة" 8/ 564، و"معجم شواهد العربية" 2/ 887.
قال في خزانة الأدب، الموضع السابق: والصحيح أنه لأبي الأسود الدؤلي اهـ. وهو في "ديوانه" ص 404، ونسب إليه في "شرح التصريح" 2/ 238، و"شرح شذور الذهب" ص 310، و"همع الهوامع" 2/ 13.]] [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 408 بتصرف.]]
والجزم مذهب الأخفش [[هو: أبو الحسن سعيد بن مسعدة. تقدمت ترجمته.]] [[ذكر مذهبه هذا الثعلبي 6/ 54 أ، ولم يتعرض الأخفش لتفسير الآية في كتابه "معاني القرآن"، ولكنه ذكر رأيه في مثلها وهي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾ [البقرة: 42] ، هو في هذه المواضع يذهب إلى جواز == النصب والجزم، حيث قال: إن شئت جعلت (وتكتموا الحق) نصبًا، إذا نويت أن تجعل الأول اسمًا فتضمر مع (تكتموا)، (أن) حتى تكون اسمًا، وإن شئت عطفتها فجعلتها جزمًا على الفعل الذي قبلها. "معاني القرآن" للأخفش 1/ 71، وانظر تفاصيل الخلاف في المسألة في: "الإنصاف في مسائل الخلاف" ص 448.]]، ويدل على صحته ما روي في حرف عبد الله، (ولا تخونوا أماناتكم) [["معاني القرآن" للفراء 1/ 408، و"تفسير الرازي" 15/ 52، ولم يشر إليها أصحاب القراءات الشاذة.]]، وقد ذكرنا الوجهين بالشرح في قوله: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾ [البقرة: 42].
وذهبت طائفة إلى أن قوله: ﴿وَتَخُونُوا﴾ جواب للنهي بالواو [[ساقط من (م).]]، والعرب تجاوب بالواو كما تجاوب بالفاء [[ذكر هذا القول الثعلبي 6/ 54 أ، ومكي في "مشكل إعراب القرآن" ص 314، والرازي 15/ 152، وأبو حيان 4/ 486.]]، ومنهم من يجعل الواو بدلاً من الفاء، وكلا الوجهين قد شرحنا في قوله: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأنعام: 27]، في قراءة من قرأ بالنصب [[وهي قراءة حفص وحمزة ويعقوب، انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص 143، و"إرشاد المبتدئ" ص 307، و"تحبير التيسير" ص 108.]].
والأمانة هاهنا: مصدر سمي به المفعول [[ساقط من (ح).]] ولذلك جمع، قال ابن عباس في رواية الوالبي: الأمانات: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد، يعني الفرائض، يقول: لا تنقصوها [[في (ح): (لا تنقضوها)، وكذلك في "تفسير الثعلبي" وابن كثير، وما أثبته موافق لمصادر تخريجه عدا الثعلبي وابن كثير.]] [[رواه ابن جرير 9/ 223، وابن أبي حاتم 5/ 1684، والثعلبي 6/ 54 أ، وانظر: == "زاد المسير" 3/ 345، و"الوسيط" 2/ 453، وابن كثير 2/ 333، وصحيفة علي ابن أبي طلحة ص 251.]].
وقال الكلبي: أما خيانة الله ورسوله: فمعصية الله ورسوله، وأما خيانة الأمانة: فكل أحد مؤتمن على ما افترض الله عليه إن شاء خانها، وإن شاء أداها لا يطلع عليه أحد إلا الله [[انظر: "تفسير كتاب الله العزيز" للشيخ هود بن محكم 2/ 29.]].
وقال قتادة في قوله: ﴿وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ إن دين الله أمانة [[في (ح)، و (س): هي أمانة، وأثبت ما في (م) لموافقته لما في المصدرين التاليين.]]، فأدوا إلى الله ما ائتمنكم عليه من فرائضه وحدوده [[رواه الثعلبي 6/ 54 ب، والبغوي 3/ 348.]].
وهذه الأقوال توجه على قول من قال: موضع [[في (س): (في قول من قال في موضع)، وهو خطأ.]] ﴿وَتَخُونُوا﴾ جزم وعلى هذا الوجه قول ابن زيد: ﴿وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ قال: يعني دينكم، وقد فعل ذلك المنافقون [[رواه ابن جرير 13/ 485، وابن أبي حاتم 3/ 238 ب، والثعلبي 6/ 54 أ.]].
وقال السدي: إذا خانوا الله ورسوله فقد خانوا أماناتهم [[رواه ابن جرير 13/ 484، والثعلبي 6/ 54 أ، والبغوي 3/ 348.]]، وهذا يتوجه على قول من يقول بالصرف، أو يجعل الواو جوابًا للنهي، بمعنى: لا تخونوا الله والرسول فتخونوا أماناتكم، أي إنكم إذا خنتم الرسول فقد خنتم أماناتكم.
واختار أبو علي الجزم وقال: يمكن أن يكون هذا من باب حذف المضاف، فيكون المعنى: ولا تخونوا ذوي أماناتكم، قال: وهذا أشبه بما قبله، وذوو الأمانة: نحو المودع والمعير والموكل والشريك ومن يدك في ماله يد أمانة لا يد ضمان [[اهـ. كلام أبي علي، انظر: "الحجة" 1/ 218.]]، ثم حذفت المضاف [[يعني لفظ (ذوي) في قوله: والمعنى: ولا تخونوا ذوي أماناتكم، وقد ساق المؤلف العبارة على وجه الخطاب للتمثيل، ولا يخفى أنه لا يعني الجملة القرآنية، إذ لا يصح أن يخاطب بشر بأنه حذف شيئًا من القرآن.]]، وقد ذكرت إحدى مفعولي الخيانة، ولم تذكر الثاني وهو المنهي عن الخيانة فيه [[ساقط من (س).]]، وإذا لم [[ساقط من (س).]] تقدر حذف المضاف فقد ذكرت المنهي عن الخيانة فيه ولم تذكر صاحب الأمانة، كقولك: أعطيت درهمًا.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي تعلمون أنها أمانة من غير شبهة، وقيل: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [ما في الخيانة، خلاف الجهال بتلك المنزلة [[ذكر هذا القول الماوردي في "النكت" 2/ 311 ولم يعين القائل.]]، وقال صاحب النظم: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] أن ما فعلتم من الإشارة إلى الحلق خيانة لله ورسوله [[ذكر هذا القول المؤلف في "الوسيط" 2/ 454، كما ذكره البغوي في "تفسيره" 3/ 348 لكن من غير نسبة.]].
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق