الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ والرَّسُولَ﴾ أصْلُ الخَوْنِ النَّقْصُ كَما أنَّ أصْلَ الوَفاءِ الإتْمامَ، واسْتِعْمالُهُ في ضِدِّ الأمانَةِ لِتَضَمُّنِهِ إيّاهُ؛ فَإنَّ الخائِنَ يُنْقِصُ المَخُونَ شَيْئًا مِمّا خانَهُ فِيهِ، اعْتَبَرَ الرّاغِبُ في الخِيانَةِ أنْ تَكُونَ سِرًّا، والمُرادُ بِها هُنا عَدَمُ العَمَلِ بِما أمَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ ورَسُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ خِيانَةَ اللَّهِ سُبْحانَهُ بِتَرْكِ فَرائِضِهِ والرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِتَرْكِ سُنَّتِهِ وارْتِكابِ مَعْصِيَتِهِ.
وقِيلَ: المُرادُ النَّهْيُ عَنِ الخِيانَةِ بِأنْ يُضْمِرُوا خِلافَ ما يُظْهِرُونَ أوْ يَغُلُّوا في الغَنائِمِ، وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي حَبِيبٍ، رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّ المُرادَ بِها الإخْلالُ بِالسِّلاحِ في المَغازِي.
وذَكَرَ الزُّهْرِيُّ والكَلْبِيُّ ««أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ حاصَرَ يَهُودَ قُرَيْظَةَ إحْدى وعِشْرِينَ لَيْلَةً - وفي رِوايَةِ البَيْهَقِيِّ، - خَمْسًا وعِشْرِينَ. فَسَألُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ الصُّلْحَ. كَما صالَحَ إخْوانَهم بَنِي النَّضِيرِ عَلى أنْ يَسِيرُوا إلى إخْوانِهِمْ بِأذْرُعاتٍ مِن أرْضِ الشّامِ فَأبى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنْ يُعْطِيَهم ذَلِكَ إلّا أنْ يَنْزِلُوا عَلى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ فَأبَوْا وقالُوا: أرْسِلْ لَنا أبا لُبابَةَ رَفاعَةَ بْنِ عَبْدِ المُنْذِرِ وكانَ مُناصِحًا لَهُمْ؛ لِأنَّ مالَهُ ووَلَدَهُ وعِيالَهُ كانَ عِنْدَهم. فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأتاهم فَقالُوا: يا أبا لُبابَةَ، ما تَرى أنَنْزِلُ عَلى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ فَأشارَ بِيَدِهِ إلى حَلْقِهِ؛ يَعْنِي أنَّهُ الذَّبْحُ فَلا تَفْعَلُوا. قالَ أبُو لَبابَةَ: واللَّهِ ما زالَتْ قَدَمايَ عَنْ مَكانِهِما حَتّى عَرَفْتُ أنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ تَعالى ورَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ثُمَّ انْطَلَقَ عَلى وجْهِهِ ولَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وشَدَّ نَفْسَهُ عَلى سارِيَةٍ مِن سَوارِي المَسْجِدِ وقالَ: واللَّهِ لا أذُوقُ طَعامًا ولا شَرابًا حَتّى أمُوتَ أوْ يَتُوبَ اللَّهُ تَعالى عَلَيَّ، فَلَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَبَرُهُ قالَ: أما لَوْ جاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ، أمّا إذا فَعَلَ ما فَعَلَ فَإنِّي لا أُطْلِقُهُ حَتّى يَتُوبَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ أيّامٍ لا يَذُوقُ طَعامًا ولا شَرابًا حَتّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ثُمَّ تابَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ: يا أبا لُبابَةَ قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ. فَقالَ: واللَّهِ لا أحُلُّ نَفْسِي حَتّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ هو الَّذِي يَحُلُّنِي فَجاءَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قالَ أبُو لُبابَةَ: إنَّ تَمامَ تَوْبَتِي أنْ أهْجُرَ دارَ قَوْمَيِ الَّتِي أصَبْتُ فِيها الذَّنْبَ وأنْ أنْخَلَعَ مِن مالِي. فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: يَجْزِيكَ الثُّلْثُ أنْ تَصَدَّقَ بِهِ ونَزَلَتْ فِيهِ الآيَةُ»».
وقالَ السُّدِّيُّ: كانُوا يَسْمَعُونَ الشَّيْءَ مِن رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ (p-196)فَيُفْشُونَهُ حَتّى يُبَلِّغَ المُشْرِكِينَ فَنَهَوْا عَنْ ذَلِكَ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ وغَيْرُهُ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أنَّ أبا سُفْيانَ خَرَجَ مِن مَكَّةَ فَأتى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالَ: إنَّ أبا سُفْيانَ بِمَكانِ كَذا وكَذا فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: إنَّ أبا سُفْيانَ بِمَكانِ كَذا وكَذا فاخْرُجُوا إلَيْهِ واكْتُمُوا. فَكَتَبَ رَجُلٌ مِنَ المُنافِقِينَ إلى أبِي سُفْيانَ أنَّ مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُرِيدُكم فَخُذُوا حِذْرَكم فَنَزَلَتْ».
﴿وتَخُونُوا أماناتِكُمْ﴾ عُطِفَ عَلى المَجْزُومِ أوَّلًا والمُرادُ النَّهْيُ عَنْ خِيانَةِ اللَّهِ تَعالى والرَّسُولِ وخِيانَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، والكَلامُ عِنْدَ بَعْضٍ عَلى حَذْفِ مُضافٍ أيْ: أصْحابَ أماناتِكُمْ، ويَجُوزُ أنْ تُجْعَلَ الأمانَةُ نَفْسُها مَخُونَةً، وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ الفِعْلُ مَنصُوبًا بِإضْمارِ أنَّ بَعْدَ الواوِ في جَوابِ النَّهْيِ كَما في قَوْلِهِ:
؎لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ عارٌ عَلَيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ
والمَعْنى: لا تَجْمَعُوا بَيْنَ الخِيانَتَيْنِ، والأوَّلُ أوْلى؛ لِأنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ كُلِّ واحِدٍ عَلى حِدَتِهِ بِخِلافِ هَذا فَإنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الجَمْعِ ولا يَلْزَمُهُ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ واحِدٍ عَلى حِدَتِهِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما تَفْسِيرُ الأماناتِ بِالأعْمالِ الَّتِي ائْتَمَنَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْها عِبادَهُ، وقَرَأ مُجاهِدٌ: (أمانَتَكُمْ) بِالتَّوْحِيدِ، وهي رِوايَةٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو، ولا مُنافاةَ بَيْنَها وبَيْنَ القِراءَةِ الأُخْرى.
﴿وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أيْ: تَبِعَةُ ذَلِكَ ووَبالُهُ. أوْ أنَّكم تَخُونُونَ أوْ أنْتُمْ عُلَماءُ تُمَيِّزُونَ الحَسَنَ مِنَ القَبِيحِ، فالفِعْلُ إمّا مُتَعَدٍّ لَهُ مَفْعُولٌ مُقَدَّرٌ بِقَرِينَةِ المَقامِ أوْ مُنَزَّلٌ مَنزِلَةَ اللّازِمِ، قِيلَ: ولَيْسَ المُرادُ بِذَلِكَ التَّقْيِيدُ عَلى كُلِّ حالٍ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَخُونُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤا۟ أَمَـٰنَـٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق