الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾. قال ابن عباس: (أما ﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾ فآدم [[في (أ): (آدم).]]، وأما ﴿صَوَّرْنَاكُمْ﴾ [[في (أ): (ثم صورناكم).]] فذريته) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 126، وابن أبي حاتم 5/ 1442 بسند جيد.]]. وبيان هذا ما قاله مجاهد: (﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾ يعني: آدم ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ [[لفظ: (ثم) ساقط من (ب).]] في ظهر آدم) [["تفسير مجاهد" 1/ 232، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 127، وابن أبي حاتم 5/ 1442 من طرق جيدة، وقال النحاس في "معانيه" 3/ 13: (هذا أحسن الأقوال، يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم، ثم صورهم حين أخذ عليهم الميثاق، ثم كان السجود لآدم بعد، ويقوي هذا: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الأعراف: 172]، والحديث أنه أخرجهم أمثال الذر فَأخّذ عليهم الميثاق) اهـ. وسيأتي تخريج الحديث.]]، وإنما ﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾ بلفظ الجمع وهو يريد آدم؛ [لأنه أبو البشر وفي خلقه خلق يخرج من صلبه، وعلى هذا أيضًا يجوز أن يكون ﴿صَوَّرْنَاكُمْ﴾ لآدم وحده، وهو قول يونس [[يونس بن حبيب الضبي، لُغوي. تقدمت ترجمته.]]، قال: (يجوز أن يكون معنى ﴿صَوَّرْنَاكُمْ﴾ لآدم] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] كما تقول: قد ضربناكم وإنما ضربت سيدهم) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 188 أ.]]، واختار أبو عبيد [[لم أقف عليه بعد طول بحث عنه.]] في هذه الآية قول مجاهد لقوله بعده [[في (ب): (بعد).]]: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا}، وكان قوله: ﴿لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا﴾ قبل خلق ذرية آدم وتصويرهم في الأرحام، و (ثم) يوجب التراخي [[انظر: "حروف المعاني" للزجاجي ص 16، و"معاني الحروف" للرماني ص 105، وذكر عدة أوجه في هذه الآية، و"رصف المباني" ص 249، و"المغني" لابن هشام 1/ 117.]] والترتيب، فمن جعل الخلق والتصوير في هذه الآية لأولاد آدم في الأرحام لم يكن قد راعى حكم (ثم) في الترتيب، إلا أن يأخذ. بقول الأخفش فإنه يقول: ((ثم) هاهنا في معنى الواو) [["معاني الأخفش" 2/ 294.]]. قال الزجاج: (وهذا خطأ لا يجيزه الخليل [[انظر: "العين" 8/ 218.]] وسيبويه [[انظر: "الكتاب" 1/ 291، 1/ 429، 3/ 89، 3/ 501.]] وجميع من يوثق بعلمه) [["معاني الزجاج" 2/ 321، ونحوه ذكر النحاس في "معانيه" 3/ 12. وقال: (هذا القول خطأ على مذهب أهل النظر من النحويين، ولا يجوز أن تكون، (ثم) بمعنى الواو لاختلاف معنييهما) اهـ.]]. قال أبو عبيد [[لم أقف عليه.]]: (وقد بينه مجاهد [[سبق تخريجه.]] حين قال: إن الله خلق آدم [و] صورهم [[لفظ: (الواو) ساقطة من (ب).]] في ظهره ثم أمر بعد ذلك بالسجود) قال: وهذا بين في حديث [آخر] [[لفظ: (آخر) ساقطة من (ب).]] وهو أنه أخرجهم من ظهر آدم في سورة الذر) [[أخرج أحمد في "المسند" 1/ 272، وابن أبي عاصم في "السنة" 1/ 89 رقم == (202)، والنسائي في "تفسيره" 1/ 506 رقم (211)، والطبري 9/ 111، والحاكم في "المستدرك" 1/ 27 - 2/ 544، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: "أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان -يعني عرفة- فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا"، قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ -إلى- ﴿الْمُبْطِلُونَ﴾) [الأعراف:172، 173]. وصححه الحاكم في "المستدرك" ووافقه الذهبي في "التلخيص". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 25: (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) اهـ. وقال الشوكاني في "تفسيره" 2/ 384، وصديق خان 5/ 73 (إسناده لا مطعن فيه) اهـ. وحسن إسناده الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة" لابن أبي عاصم 1/ 89، وصححه في "السلسلة الصحيحة" رقم (1623). وفي الباب أحاديث كثيرة بمعناه، انظر: "الدر المنثور" 3/ 261.]]. [و] قوله [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] تعالى: ﴿فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾. قال الزجاج: (وهو استثناء ليس من الأول ولكنه ممن أمر بالسجود مع الملائكة بدليل قوله: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف:12] فدل أن إبليس ممن أُمِر بالسجود) [["معاني الزجاج" 2/ 14، وعلى هذا القول يكون الاستثناء منقطع، وإبليس ليس من الملائكة لكنه أمر بالسجود معهم، وذهب الجمهور إلى أن الاستثناء متصل وإن إبليس من الملائكة أو من طائفة منهم، واختاره الطبري في "تفسيره" 1/ 224، 225، والبغوي 1/ 81، وابن عطية 1/ 245، 246، وغيرهم، والظاهر والله أعلم أنه ليس من الملائكة؛ لأن الملائكة خلقت من نور وإبليس خلق من نار ولأن الملائكة مسخرة لا تعصي الله تعالى وإبليس عصى وكفر ولقوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: 50] وتوجه الخطاب إليه وأمر بالسجود مع الملائكة لأنه كان في عامتهم ومعهم يعمل بعملهم ويتعبد كما يتعبدون ولكن غلب عليه الطبع الخبيث. أفاده شيخنا محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- في كتاب "أحكام من القرآن الكريم" 1/ 162 - 164، وانظر: "معاني النحاس" 3/ 14، و"النكت والعيون" للماوردي 1/ 102، و"زاد المسير" 1/ 65.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب