ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى نِعْمَتَهُ عَلى آدَمَ الَّتِي سَرَتْ إلى بَنِيهِ، وبَيَّنَ لَهم عَداوَةَ إبْلِيسَ وما انْطَوى عَلَيْهِ مِنَ الحَسَدِ لِأبِيهِمْ، لِيَحْذَرُوهُ ولا يَتَّبِعُوا طَرائِقَهُ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١١] ﴿ولَقَدْ خَلَقْناكم ثُمَّ صَوَّرْناكم ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾
" ﴿ولَقَدْ خَلَقْناكم ثُمَّ صَوَّرْناكم ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ هَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ (p-٢٦٢٠)إنِّي خالِقٌ بَشَرًا مِن صَلْصالٍ مِن حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٨] ﴿فَإذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٩] وفي تَصْدِيرِ هَذِهِ الآيَةِ بِالقَسَمِ وحَرْفِ التَّحْقِيقِ، كالَّتِي قَبْلَها، إعْلامٌ بِكَمالِ العِنايَةِ بِمَضْمُونِها.
قالَ أبُو السُّعُودِ: وإنَّما نَسَبَ الخَلْقَ والتَّصْوِيرَ إلى المُخاطَبِينَ، مَعَ أنَّ المُرادَ بِهِما خَلْقُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وتَصْوِيرُهُ حَتْمًا، تَوْفِيَةً لِمَقامِ الِامْتِنانِ حَقَّهُ، وتَأْكِيدًا لِوُجُوبِ الشُّكْرِ عَلَيْهِمْ، بِالرَّمْزِ إلى أنَّ لَهم حَظًّا مِن خَلْقِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وتَصْوِيرِهِ، لِما أنَّهُما لَيْسا مِنَ الخَصائِصِ المَقْصُورَةِ عَلَيْهِ، بَلْ مِنَ الأُمُورِ السّارِيَةِ إلى ذُرِّيَّتِهِ جَمِيعًا، إذِ الكُلُّ مَخْلُوقٌ في ضِمْنِ خَلْقِهِ عَلى نَمَطِهِ، ومَصْنُوعٌ عَلى شاكِلَتِهِ، فَكَأنَّهُمُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ خَلْقُهُ وتَصْوِيرُهُ. أيْ: خَلَقْنا أباكم آدَمَ طِينًا غَيْرَ مُصَوَّرٍ، ثُمَّ صَوَّرْناهُ أبْدَعَ تَصْوِيرٍ، وأحْسَنَ تَقْوِيمٍ، سارَ إلَيْكم جَمِيعًا – انْتَهى-.
{"ayah":"وَلَقَدۡ خَلَقۡنَـٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَـٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ ٱسۡجُدُوا۟ لِـَٔادَمَ فَسَجَدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ لَمۡ یَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ"}