الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً﴾ الآية، اللام في (لتجدن) لام القسم، والنون دخلت تفصل بين الحال والاستقبال، عند الخليل وسيبويه [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 199، "زاد المسير" 2/ 408.]]، قال المفسرون: إن اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين حسدًا للنبي ﷺ، وكان ينبغي أن يكونوا أقرب إلى المؤمنين، لأنهم يؤمنون بموسى والتوراة، والكفار كانوا يكذبون بهما، لكنهم حسدوا المؤمنين ومحمدًا عليه السلام [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 199، "الوسيط" 2/ 216.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾، قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي: يعني: النجاشي ووفده الذين قدموا من الحبشة على رسول الله ﷺ فآمنوا به، ولم يُرِد جميع النصارى مع ظهور عداوتهم للدين والمسلمين، وهذا قول مجاهد والكلبي ومقاتل [[انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 497، و"معاني القرآن" للفراء 1/ 318، والطبري 7/ 2، و"بحر العلوم" 1/ 453، و"النكت والعيون" 2/ 58، والبغوي 3/ 85، و"زاد المسير" 2/ 408.]]، وقال قتادة: هؤلاء قوم من أهل الكتاب كانوا على الحق متمسكين بشريعة عيسى عليه السلام، فلما جاء محمد ﷺ آمنوا به [[أخرجه الطبري 7/ 3، "النكت والعيون" 2/ 58، "زاد المسير" 2/ 408.]].
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا﴾، قال الزجاج: القس والقسيس رؤساء النصارى [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 200، و"بحر العلوم" 1/ 454، و"الصحاح" 3/ 963 (قس).]].
وقال الفراء في كتاب "الجمع": يجمع القسيس قسيسين كما قال الله، ولو جمع قسوسًا كان صوابًا؛ لأنهما في معنى واحد، يعني القس والقسيس، قال: ويجمع القسيس قساوسة، جمع على مثال مَهَالبَة، وكان قساسية، فكثرت السينات فأبدلوا إحداهن واوًا [[كلام الفراء من "تهذيب اللغة" 3/ 2959 (قس)، و"تفسير الطبري" 7/ 3.]]، والقسوسة مصدر القس والقسيس، وقد تكلمت العرب بالقس والقسيس، أنشد المازني:
لو عَرضتْ لأِيبُليٍّ قَسِّ ... أشعثَ في هيكلِه مُنْدسَّ
حَنَّ إليها كحنينِ الطَّسِّ [[الرجز منسوب للعجاج، وقد سبق ذكره عند تفسير المؤلف للآية الأول من سورة النساء.]]
وقال أمية:
لو كان مُنفَلتٌ كانت قساوسةٌ ... يُحييهم اللهُ في أيديهم الزُّبُرُ [[البيت في "تهذيب اللغة" 3/ 2959 (قس).]]
وقساوسة جمع قسيس، على ما ذكرنا، هذا كلام أهل اللغة في القسيس، وقال ابن زيد: "القسيسين: العُبَّاد" [[أخرجه الطبري 7/ 3.]].
وقال عروة بن الزبير: ضيعت النصارى الإنجيل، وأدخلوا فيه ما ليس منه، وبقي واحد من علمائهم على الحق والاستقامة وهو قسّيسا، فمن كان على هديه ودينه فهو قسيس" [[لم أقف عليه.]].
وقال قطرب: القس والقسيس: العالم بلغة الروم [[انظر: "الوسيط" 2/ 217، والبغوي 3/ 87، و"زاد المسير" 2/ 408.]].
وقال ورقة [[الظاهر أنه ورقة بن نوفل المشهور، من أهل الكتاب. وتقدمت ترجمته.]]:
بما خبَّرتنا مِن قولِ قَسٍّ ... من الرهبانِ أكرهُ أنْ يعوجا
وعلى هذا فالقس والقسيس مما وقع الوفاق فيه بين اللغتين، وأما الرهبان فهو جمع راهب، مثل راكب وركبان، وفارس وفرسان، قال الليث: الرهبانية مصدر الراهب، والترهيب التعبد في صومعة [["تهذيب اللغة" 2/ 148 (رهب)، "اللسان" 3/ 1749 (رهب).]]، وقال أبو الهيثم: الرهبان يكون واحدًا وجمعًا، فمن جعله واحداً جعله بناء على فُعلان [["تهذيب اللغة" 2/ 1483 (رهب)، "اللسان" 3/ 1748 (رهب).]]، وأنشد:
لو عاينت رُهبان ديْرٍ في القُلَلْ ... لأقبلَ الرُّهبانُ يعْدُو ونَزَلْ [[البيت دون نسبة في: "تهذيب اللغة" 2/ 1483 (رهب)، "اللسان" 3/ 1748 (رهب).]]
قال: ووجه الكلام: أن يكون جمعًا بالنون، قال: وإن جمع الرهبان الواحد رهابين ورهابنة جاز، وإن قلت: رهبانيون، كان صوابًا، ينسبه إلى الرهبانية [["تهذيب اللغة" 2/ 1483 (رهب)، "اللسان" 3/ 1748 (رهب).]]، وأصل الرهبانية من الرهبة بمعنى المخافة [["تهذيب اللغة" 2/ 1483 (رهب)، "تفسير الطبري" 7/ 3.]].
وقال جرير:
رهبانُ مديَن لو رأوك تنزَّلوا ... والعُصمُ من شَعَفِ العَقُول الفادِرِ [[البيت في الطبري 7/ 3، و"اللسان" 3/ 1748 (رهب)، وقال موضحًا البيت: "وعِلٌ عاقل: صعد الجبل، والفادر: المسن من الوعول.]] فهذا جمع، ويقال: كيف مدحهم الله عز وجل بأن منهم قسيسين ورهبَانًا وليس هذان من أمور المسلمين، وقد نهى النبي ﷺ عنهما فقال: "إني لا آمركم أن تكونوا قسيسين ولا رهبانًا" [[أخرجه الطبري 7/ 9 بسنده عن أبي عبد الرحمن (وقد يكون ابن مسعود). وقد أخرج الإِمام أحمد في مسنده 6/ 226 من حديث عائشة في قصة عثمان بن مظعون قوله ﷺ: "يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا"، والدارمي في كتاب النكاح/ باب 3 النهي عن التبتل 3/ 1386 - 1387 برقم (2215) من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ: (يا عثمان إني لم أومر بالرهبانية).]]؟، والجواب عن هذا ما ذكره أبو بكر محمد بن القاسم [[ابن الأنباري.]] رحمه الله فقال: إنما مدحهم الله تعالى بالتمسك بدين عيسى، وبأنهم استعملوا في أمر محمد ﷺ ما أخذ عليهم في التوراة والإنجيل، وكانت الرهبانية مستحسنة في دينهم، ولذلك كانوا يسمون الرئيس في دينهم قسًا وقسيسًا، فذكر الله تبارك وتعالى أسماءهم وألقابهم على سبيل ما يُعرف لهم، ومدح منهم تصديق النبي ﷺ [[انظر: "الوسيط" 2/ 217، "زاد المسير" 2/ 408، 409.]]، فكان تأويل قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا﴾، ذلك بأن منهم عليما أوصاه عيسى عليه السلام، الدليل على هذا قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ فلما دخلوا في الإِسلام [...] [[بياض في (ش) بمقدار كلمة.]] ما كان قبله وألزمهم الأخذ بما يأمر رسول الله ﷺ ورفض ما كانوا يستعلمونه في شريعتهم.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي عن اتباع الحق والإذعان به كما يستكبر اليهود وعبدة الأوثان) [["تفسير الطبري" 7/ 4، و"زاد المسير" 2/ 409.]] [[إلى هنا نهاية السقط الذي سبقت الإشارة إلى بدايته من نسخة (ج).]].
{"ayah":"۞ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّیسِینَ وَرُهۡبَانࣰا وَأَنَّهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق