الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ قال أهل المعاني: ولا غير الجهر أيضًا، ولكن يشبه أن تكون الحال أوجبت هذه القضية، كقوله: ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ [النساء: 94] والتبيُّن واجب في الظعن والإقامة، ولكن الحال أوجبت ذلك. وقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾. اختلفوا في وجه هذا الاستثناء: فأبو عبيدة ذهب إلى أن هذا من باب حذف المضاف، على تقدير: إلا جهر من ظلم، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 142.]]. وذهب الزجاج إلى أن المصدر ههنا بمعنى الفعل، على معنى: لا يحب الله أن يُجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم، فيكون (من) رفعًا بدلًا من معنى أحد، المعنى: لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول إلا المظلوم. ويجوز: إلا المظلوم أيضًا بالنصب، كقولك: ما جاءني أحد إلا زيد رفعًا، وهو الأجود، و: إلا زيدًا جائز [[انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 126.]]. والذي ذكره الزجاج من أن المراد بالمصدر الفعل، هو قول الفراء أيضًا [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 293.]]، وذكرا جميعًا وجهًا آخر، وهو أن يكون: (إلا من) استثناء منقطعًا من الأول، ويكون موضعه نصبًا؛ لأنه استثناء ليس من الأول، والمعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، لكن المظلوم يجهر بظلامته تشكيًا [[انظر: "معاني الفراء" 1/ 293، و"معاني الزجاج" 2/ 125، 126]]. وقرأ جماعة من الكبار -الضحاك وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير-: إلا من ظَلم، بفتح الظاء [[انظر: الطبري 1/ 3، والقرطبي 3/ 6.]]، ويكون الاستثناء منقطعًا، ويكون قوله: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء:148] كلامًا تامًا، ثم قال: ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ على معنى: لكن من ظلم فدعوه وخلوه. قاله الفراء [["معاني القرآن" 1/ 293.]]. وقال الزجاج: لكن من ظلم فإنه يجهر بالسوء من القول ظلمًا واعتداءً. قال: ويجوز أن يكون المعنى: لكن من ظلم اجهروا له بالسوء من القول [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 126.]]. قال الفراء: ومثله مما يجوز أن يُستثنى الأسماء وليس قبلها شيء ظاهر قولك: إني لأكره الخصومة والمراء، اللهم إلا رجلاً، يريد بذلك الله، فجاز استثناء الرجل ولم يذكر قبله شيء من الأسماء، لأن الخصومة والمراء لا يكونان إلا من الآدميين [["معاني القرآن" 1/ 294.]]. فأما التفسير فقال ابن عباس في رواية عطاء: "يريد الضيافة، ينزل الرجل بالرجل عنده سعةٌ فلا يضيفه، فإن تناوله بلسانه فقد عذره الله" [[لم أقف عليه.]]. وهذا قول مجاهد [[انظر: الطبري 6/ 3، و"الكشف والبيان" 4/ 137 ب، و"النكت والعيون" 1/ 431، والقرطبي 6/ 2.]] وسعيد بن المسيب [[لم أقف على قوله.]] وجميع أهل المعاني [[أهل المعاني يقولون بعموم الآية في الظلم دون خصوصها بنقص حق الضيف. انظر: الطبري 6/ 3، و"معاني الزجاج" 2/ 125، 126، و"الكشف والبيان" 4/ 127 ب.]]. وزعم مجاهد أن ضيفًا تضيف قومًا فأساءوا قراه، فاشتكاهم، فنزلت هذه الآية رخصةً في أن يشكو [[أخرجه الطبري 6/ 2.]]. وذهب جماعة من المفسرين إلى أن هذه الآية عامة في كل مظلوم، وله أن ينتصر من ظالمه بالدعاء عليه. يُروى ذلك عن ابن عباس [["تفسيره" ص 163، وأخرجه من طريق ابن أبي طلحة أيضًا: الطبري 6/ 1.]] وقتادة والحسن والسدي [[أخرج الآثار عنهم: الطبري 6/ 1، وانظر: "النكت والعيون" 1/ 431، و"زاد المسير" 2/ 238.]] وابن زيد [[لم أقف عليه.]] ويمان بن رئاب [[لم أقف عليه.]]. قال العلماء: للمظلوم أن يشكو من ظالمه إذا صدق في شكايته، وله أن يدعو عليه بما لا يعتدي فيه، مثل أن يقول: اللهم استخرج حقي منه، اللهم حِلْ بينه وبين ما يريد من الظلم، اللهم اكفني شره [[أخرج الطبري 6/ 1 عن الحسن أنه قال في هذِه الآية: "هو الرجل يظلم الرجل فلا يدْع عليه، ولكن ليقل: "اللهم أعني عليه، اللهم استخرج لي حقي، اللهم حل بينه وبين ما يريد".]]. فإن قذف إنسانٌ غيره، فليس للمقذوف، أن يقابله بمثل ذلك [[انظر: القرطبي 6/ 2.]]، وإنما يحل له الانتصار منه بالتعزير ورفع الصوت عليه بالتظلم منه، وقد قال رسول الله ﷺ: "المستبان [[في المخطوط: "المستبان".]] شيطانان" [[أخرجه الإِمام أحمد في "مسنده" 4/ 162، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" 6/ 15 (6696).]]. وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ قال ابن عباس: "سميعًا لقول المظلوم الضيافة، عليمًا بما في قلبه" [[لم أقف عليه.]]. قال أهل المعاني: معنى قوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ التحذير من التعدي في الجهر الذي أذن فيه بما يظهر أو يضمر، فليتق الله ولا يقل إلا الحق، ولا يقذفه مستورًا فإنه عاص بذلك، والله سميع لما يقوله، عليم بما يضمره [[انظر: الطبري 6/ 4، و"زاد المسير" 2/ 239، والقرطبي 6/ 4 و"البحر المحيط" 3/ 385.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب