الباحث القرآني

ولَمّا أتَمَّ - سُبْحانَهُ وتَعالى - ما أرادَ؛ مِن تَقْبِيحِ حالِ المُجالِسِينَ الخائِضِينَ في آياتِهِ؛ بِما هي مُنَزَّهَةٌ عَنْهُ؛ ومِمّا يَتْبَعُهُ مِن وصْفِهِمْ؛ وبَيانِ قَصْدِهِمْ (p-٤٤٧)بِتِلْكَ المُجالَسَةِ؛ مِنَ النَّهْيِ عَنْ مِثْلِ حالِهِمْ؛ ومِن جَزاءِ مَن فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ - إلى أنْ خَتَمَ بِأشَدِّ عَذابِ المُنافِقِينَ؛ وحَثَّ عَلى التَّوْبَةِ بِما خَتَمَهُ بِصِفَتَيِ الشُّكْرِ؛ والعِلْمِ؛ أخْبَرَ أنَّهُ يُبْغِضُ خَوْضَ الكافِرِينَ؛ الَّذِينَ قَبَّحَ مُجالَسَتَهم حالَ التَّلَبُّسِ بِهِ؛ وكَذا كُلَّ جَهْرٍ بِسُوءٍ؛ إلّا ما اسْتَثْناهُ؛ فَمَن أقْدَمَ عَلى ما لا يُحِبُّهُ؛ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّ عُبُودِيَّتِهِ؛ فَقالَ - مُعَلِّلًا ما مَضى؛ قَبْلَ افْتِتاحِ أمْرِ المُنافِقِينَ؛ مِنَ الأمْرِ بِإحْسانِ التَّحِيَّةِ -: ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المُخْتَصُّ بِصِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿الجَهْرَ﴾؛ أيْ: ما يَظْهَرُ؛ فَيَصِيرُ في عِدادِ الجَهْرِ؛ ﴿بِالسُّوءِ﴾؛ أيْ: الَّذِي يَسُوءُ؛ ويُؤْذِي؛ ﴿مِنَ القَوْلِ﴾؛ أيْ: لِأحَدٍ؛ كائِنًا مَن كانَ؛ فَإنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِن شُكْرِ اللَّهِ (تَعالى) في الإحْسانِ إلى عِبادِهِ؛ وعِيالِهِ؛ ولا مِن شُكْرِ النّاسِ في شَيْءٍ؛ ولا يَشْكُرُ اللَّهَ مَن لا يَشْكُرُ النّاسَ؛ ﴿إلا مَن﴾؛ أيْ: جَهَرَ مَن؛ ﴿ظُلِمَ﴾؛ أيْ: كانَ مِن أحَدٍ مِنَ النّاسِ ظُلْمٌ إلَيْهِ؛ كائِنًا مَن كانَ؛ فَإنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الجَهْرُ بِشَكْواهُ؛ والتَّظَلُّمُ مِنهُ؛ والدُّعاءُ عَلَيْهِ؛ وإنْ ساءَهُ ذَلِكَ؛ بِحَيْثُ لا يَعْتَدِي. ولَمّا كانَ القَوْلُ مِمّا يُسْمَعُ؛ وكانَ مِنَ الظُّلْمِ ما قَدْ يَخْفى؛ قالَ -مُرَغِّبًا مُرَهِّبًا -: ﴿وكانَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ؛ ﴿سَمِيعًا﴾؛ أيْ: لِكُلِّ ما يُمْكِنُ سَماعُهُ؛ مِن جَهْرٍ وغَيْرِهِ؛ ﴿عَلِيمًا﴾؛ أيْ: بِكُلِّ ما يُمْكِنُ أنْ يُعْلَمَ؛ (p-٤٤٨)فاحْذَرُوهُ؛ لِئَلّا يَفْعَلُ بِكم فِعْلَ السّاخِطِ؛ وجَهْرُ مَن ظُلِمَ - وإنْ كانَ داخِلًا فِيما يُحِبُّهُ اللَّهُ (تَعالى)؛ عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الِاسْتِثْناءِ مُتَّصِلًا - لَكِنَّ جَعْلَهُ مِن جُمْلَةِ السُّوءِ؛ وإنْ كانَ مِن بابِ المُشاكَلَةِ؛ فَإنَّ فِيهِ لَطِيفَةٌ؛ وهي نَهْيُ الفَطِنِ عَنْ تَعاطِيهِ؛ وحَثُّهُ عَلى العَفْوِ؛ لِأنَّ مَن عَلِمَ أنَّ فِعْلَهُ بِحَيْثُ يَنْطَلِقُ اسْمُ السُّوءِ - عَلى أيِّ وجْهٍ كانَ إطْلاقُهُ - كَفَّ عَنْهُ؛ إنْ كانَ مُوَفَّقًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب