الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ﴾ الآية. وهذا أيضًا من صفة المنافقين. والتربص بالشيء أن ينتظر به يومًا [["العين" 7/ 120، و"تهذيب اللغة" 2/ 1344 (ربص)، وفي الأخير: "يومًا ما".]]، قال الشاعر: تربَّص بها ريبَ المنونِ لعلها ... تُطَلَّق يومًا أو يموتُ حَليلُها [[في المخطوطة: "أخليلها"، والظاهر أنه تصحيف، انظر: "لسان العرب" 3/ 1558 (ربص). ولم أقف على قائل هذا البيت.]] قال الكلبي: ينتظرون بكم الدوائر. ﴿فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ﴾ أي: ظهور على اليهود. ﴿قَالُوا﴾ للمؤمنين. ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ أي أعطونا من الغنيمة. قاله المفسرون [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 101.]]. ﴿وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ﴾ يعني اليهود. قاله الكلبي [[الطبري 5/ 331، و"بحر العلوم" 1/ 398، و"الكشف والبيان" 4/ 134 ب.]]. ﴿نَصِيبٌ﴾ قال ابن عباس: يريد ظفر على المسلمين [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 101.]]. ﴿قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ قال الفراء. استحوذ عليهم، أي: غلب عليهم [["تهذيب اللغة" 1/ 694 (حوذ)، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 134 ب.]]. وقال الليث: استحوذ عليه الشيطان، إذا غلب عليه [["العين" 3/ 284، و"تهذيب اللغة" 1/ 694 (حوذ).]]. وقال أبو طالب: يقال أحوذ الشيء، إذا جمعه وضمه، ومنه يقال: استحوذ على كذا، إذا حواه [["تهذيب اللغة" 1/ 694 (حوذ) ولم يتبين من هو أبو طالب القائل.]]، قال لبيد: إذا اجتمعت وأحوذَ جانبيها ... وأورَدَها على عُوجٍ طِوَالِ [[شعره ص 86، و"تهذيب اللغة" 1/ 694 (حوذ).]] هذا هو الأصل، ثم جعلوا الاستحواذ بمعنى الاستيلاء على الشيء، لأن المستولي على الشيء بمنزلة المحيط به، وكذلك يقال: حاز الحمار أتنه إذ استولى عليها وجمعها [["تهذيب اللغة" 1/ 694.]]، ومنه قول العجاج: يحُوذُهن وله حُوذِيُّ [["ديوانه" ص 524، والطبري 5/ 332، و"تهذيب اللغة" 1/ 694 (حوذ).]] قال النحويون: هذا الحرف خرج على الأصل من بين نظائره إشعارًا بالأصل إذا استمر بالإعلال في نظائره، نحو استعاروا، واستطاروا، واستقام، وما أشبه ذلك. ويجوز: استحاذ يستحيذ على قياس: أطاب، وهو لغة [[انظر: الطبري 5/ 333، و"معاني الزجاج" 2/ 122، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 462، و"تهذيب اللغة" 1/ 694 (حوذ)، و"الكشف والبيان" 4/ 134 ب.]]. فأما معنى قوله: ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ فقال فيه كثير من أهل المعاني والتفسير، الزجاج وغيره: ألم نغلب عليكم بالموالاة لكم والإخبار بعورة محمد، ونطلعكم على سر المسلمين [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 122، وانظر: الطبري 5/ 332، و"بحر العلوم" 1/ 399، و"النكت والعيون" 1/ 537.]]. وهذا لا يظهر في تفسير هذا الحرف، إلا أن يقال: إن المنافقين غلبوا عليهم بهذا، حيث لم يقدروا هم على الاطلاع على عورة المسلمين ومعرفة أسرارهم إلا من جهة المنافقين، فهذا وجه لا يبعد. وأظهر من هذا ما قاله المبرد، وهو أنه قال: معناه ألم نغلبكم على رأيكم ونصرفكم عن الدخول في جملة لمؤمنين [[انظر: البغوي 2/ 302، و"زاد المسير" 2/ 229.]]؟ وقوله تعالى: ﴿وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. أي: (بتخذيلهم) عنكم، ومراسلتنا إياكم بأخبارهم. قال أهل المعاني: ومراد المنافقين بهذا الكلام إظهار المنّة على الكافرين، أي: فاعرفوا لنا الحق في هذا عليكم [[انظر: "زاد المسير" 2/ 229.]]. وقوله تعالى: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ يريد المؤمنين والمنافقين. قال ابن عباس: يريد أنه أخّر عقاب المنافقين إلى الموت ووضع عنهم السيف في الدنيا [[انظر: "زاد المسير" 2/ 230.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141]. أي حجة يوم القيامة. قاله ابن عباس والسدي، وهو قول علي -رضي الله عنه-، أن المراد بهذا في القيامة [[أخرج الآثار عن الثلاثة: الطبري 5/ 333، 334، وانظر: "زاد المسير" 2/ 230.]]؛ لأنه عطف على قوله: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. قال أهل المعاني: وذلك أن الله تعالى يُظهر ثمرة إيمان المؤمنين ويصدّق موعودهم، ولم يشركهم الكفار في شيء من اللذات كما شاركوهم اليوم، حتى يعلموا أنَّ الحق معهم دونهم [[جاء عن علي وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما، أن ذلك كائن يوم القيامة وفي الآخرة. انظر: الطبري 5/ 333، 334، و"بحر العلوم" 1/ 399، و"النكت والعيون" 1/ 537 - 538، والبغوي 2/ 302.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب