الباحث القرآني

ثُمَّ وصَفَهم - سُبْحانَهُ وتَعالى - بِما يُعَرِّفُ بِهِمْ؛ فَقالَ: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ﴾؛ أيْ: يَثْبُتُونَ عَلى حالِهِمُ؛ انْتِظارًا لِوُقُوعِ ما يَغِيظُكُمْ؛ ﴿فَإنْ كانَ لَكم فَتْحٌ﴾؛ أيْ: ظُهُورٌ؛ وعِزٌّ؛ وظَفَرٌ؛ وقالَ: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ العَظَمَةُ كُلُّها - تَذْكِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِما يُدِيمُ اعْتِمادَهم عَلَيْهِ؛ وافْتِقارَهم إلَيْهِ -؛ ﴿قالُوا﴾؛ أيْ: الَّذِينَ آمَنُوا نِفاقًا لَكم أيُّها المُؤْمِنُونَ؛ ﴿ألَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾؛ أيْ: ظاهِرًا بِأبْدانِنا؛ بِما تَسْمَعُونَ مِن (p-٤٤٠)أقْوالِنا؛ فَأشْرِكُونا في فَتْحِكُمْ؛ ﴿وإنْ كانَ لِلْكافِرِينَ﴾؛ أيْ: المُجاهِرِينَ؛ وقالَ: ﴿نَصِيبٌ﴾؛ تَحْقِيرًا لِظَفَرِهِمْ؛ وأنَّهُ لا يَضُرُّ بِما حَصَلَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الفَتْحِ؛ ﴿قالُوا﴾ لِلْكافِرِينَ؛ لِيُشْرِكُوهم في نَصِيبِهِمْ؛ ﴿ألَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾؛ أيْ: نَطْلُبْ حِياطَتَكم والمُحافَظَةَ عَلى مَوَدَّتِكُمْ؛ حَتّى غَلَبْنا عَلى جَمِيعِ أسْرارِكُمْ؛ واسْتَوْلَيْنا عَلَيْها؛ وخالَطْناكم مُخالَطَةَ الدَّمِ لِلْبَدَنِ؛ مِن قَوْلِهِمْ: ”حاذَهُ“؛ أيْ: حاطَهُ؛ وحافَظَ عَلَيْهِ؛ ﴿ونَمْنَعْكم مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾؛ أيْ: مِن تَسَلُّطِهِمْ عَلَيْكم بِما كُنّا نُخادِعُهم بِهِ؛ ونُشِيعُ فِيهِمْ مِنَ الإرْجافاتِ؛ والأُمُورِ المُرَغِّباتِ الصّارِفَةِ لَهم عَنْ كَثِيرٍ مِنَ المَقاصِدِ؛ لِتَصْدِيقِهِمْ لَنا؛ لِإظْهارِنا الإيمانَ؛ ورِضانا مِن مُداهَنَةِ مَن نَكْرَهُ بِما لا يَرْضاهُ إنْسانٌ. ولَمّا كانَ هَذا لِأهْلِ اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - أمْرًا غائِظًا؛ مُقْلِقًا؛ مُوجِعًا؛ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ: ﴿فاللَّهُ﴾؛ أيْ: بِما لَهُ مِن جَمِيعِ صِفاتِ العَظَمَةِ؛ ﴿يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾؛ أيْ: أيُّها المُؤْمِنُونَ؛ والكافِرُونَ؛ المُساتِرُونَ؛ والمُجاهِرُونَ. ولَمّا كانَ الحُكْمُ في الدّارَيْنِ؛ بَيَّنَ أنَّهُ في الدّارِ الَّتِي لا يَظْهَرُ فِيها لِأحَدٍ غَيْرِهِ أمْرٌ؛ ظاهِرًا ولا باطِنًا؛ وتَظْهَرُ فِيها جَمِيعُ المُخَبَّآتِ؛ فَقالَ: ﴿يَوْمَ القِيامَةِ﴾؛ ولَمّا كانَ هَذا رُبَّما أيْأسَهم مِنَ الدُّنْيا؛ قالَ: ﴿ولَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ﴾؛ عَبَّرَ بِأداةِ التَّأْكِيدِ؛ وبِالِاسْمِ الأعْظَمِ؛ لِاسْتِبْعادِ الغَلَبَةِ (p-٤٤١)عَلى الكَفَرَةِ؛ لِما لَهم في ذَلِكَ الزَّمانِ مِنَ القُوَّةِ؛ والكَثْرَةِ؛ ﴿لِلْكافِرِينَ﴾؛ أيْ: سَواءٌ كانُوا مُساتِرِينَ؛ أوْ مُجاهِرِينَ؛ ﴿عَلى المُؤْمِنِينَ﴾؛ أيْ: كُلِّهِمْ؛ ﴿سَبِيلا﴾؛ أيْ: بِوَجْهٍ؛ في دُنْيا؛ ولا آخِرَةٍ؛ وهَذا تَسْفِيهٌ لِآرائِهِمْ؛ واسْتِخْفافٌ بِعُقُولِهِمْ؛ فَكَأنَّهُ يَقُولُ: ”يا أيُّها المُتَرَبِّصُونَ بِأحْبابِ اللَّهِ الدَّوائِرَ؛ المُتَمَنُّونَ لِأعْدائِهِ النَّصْرَ - وقَدْ قامَتِ الأدِلَّةُ عَلى أنَّ العِزَّةَ جَمِيعًا لِلَّهِ - ما أضَلَّكم في ظَنِّكم أنَّهُ يَخْذُلُ أوْلِياءَهُ! وما أغْلَظَ أكْبادَكُمْ!“؛ ويَدْخُلُ في عُمُومِها أنَّهُ لا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ؛ ولا يَمْلِكُ كافِرٌ مالَ مُسْلِمٍ قَهْرًا؛
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب