الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا (١٤١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"الذين يتربصون بكم"، الذين ينتظرون، أيها المؤمنون، [[انظر تفسير"التربص" فيما سلف ٤: ٤٥٦، ٥١٥ / ٥: ٧٩.]] بكم="فإن كان لكم فتح من الله"، يعني: فإن فتح الله عليكم فتحًا من عدوكم، فأفاء عليكم فَيْئًا من المغانم="قالوا" لكم="ألم نكن معكمْ"، نجاهد عدوّكم ونغزوهم معكم، فأعطونا نصيبًا من الغنيمة، فإنا قد شهدنا القتال معكم="وإن كان للكافرين نصيب"، يعني: وإن كان لأعدائكم من الكافرين حظّ منكم، بإصابتهم منكم [[انظر تفسير"نصيب" فيما سلف ص ٢١٢، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] ="قالوا"، [[في المطبوعة وحدها: "وقالوا ألم نكن معكم"، وهو سهو من الناشر الأول.]] يعني: قال هؤلاء المنافقون للكافرين="ألم نستحوذ عليكم"، ألم نغلب عليكم حتى قهرتم المؤمنين="ونمنعكم" منهم، بتخذيلنا إياهم، حتى امتنعوا منكم فانصرفوا="فالله يحكم بينكم يوم القيامة"، يعني: فالله يحكم بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة، فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل، [[انظر تفسير"الحكم" فيما سلف ص: ١٧٥.]] بإدخال أهل الإيمان جنّته، وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار ناره="ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، يعني: حجة يوم القيامة. [[انظر تفسير"السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.]]
وذلك وعدٌ من الله المؤمنين أنه لن يدخل المنافقين مدخلَهم من الجنة، ولا المؤمنين مدخَل المنافقين، فيكون بذلك للكافرين على المؤمنين حجة بأن يقولوا لهم، إن أدخلوا مدخلهم: ها أنتم كنتم في الدنيا أعداءَنا، وكان المنافقون أولياءنا، وقد اجتمعتم في النار، فجمع بينكم وبين أوليائنا! فأين الذين كنتم تزعمون أنكم تقاتلوننا من أجله في الدنيا؟ فذلك هو"السبيل" الذي وعد الله المؤمنين أن لا يجعلها عليهم للكافرين.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٧١١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله:"فإن كان لكم فتح من الله". قال: المنافقون يتربَّصون بالمسلمين="فإن كان لكم فتح"، قال: إن أصاب المسلمون من عدوهم غنيمة قال المنافقون:"ألم نكن معكم"، قد كنا معكم فأعطونا غنيمة مثل ما تأخذون="وإن كان للكافرين نصيب"، يصيبونه من المسلمين، قال المنافقون للكافرين:"ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين"، قد كنا نثبِّطهم عنكم.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"ألم نستحوذ عليكم".
فقال بعضهم: معناه: ألم نغلب عليكم.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٧١٢- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:"ألم نستحوذ عليكم"، قال: نغلب عليكم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ألم نبيِّن لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه.
* ذكر من قال ذلك:
١٠٧١٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج:"ألم نستحوذ عليكم"، ألم نبين لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه.
* * *
قال أبو جعفر: وهذان القولان متقاربا المعنى. وذلك أن من تأوله بمعنى:"ألم نبين لكم"، إنما أراد -أن شاء الله-: ألم نغلب عليكم بما كان منا من البيان لكم أنا معكم.
* * *
وأصل"الاستحواذ" في كلام العرب، فيما بلغنا، الغلبة، ومنه قول الله جل ثناؤه: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ ، [سورة المجادلة: ١٩] ، بمعنى: غلب عليهم. يقال منه:"حاذ عليه واستحاذ، يحيذ ويستحيذ، وأحاذ [[قوله: "أحاذ يحيذ"، لم أجده في معاجم اللغة، وهو صحيح في العربية، وقالوا مكانه: "أحوذ ثوبه" إذا ضمه، وجاءوا ببيت لبيد الآتي شاهدا عليه. وانظر ما سيأتي بعد بيت لبيد.]] يحيذ". ومن لغة من قال:"حاذ"، قول العجاج في صفة ثور وكلب:
يَحُوذُهُنَّ وَلَهُ حُوذِيّ [[ديوانه: ٧١، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٤١، واللسان (حوذ) (حوز) ، ورواية الديوان: يَحُوذُها وَهْوَ لَهَا حُوذِيُّ ... خَوْفَ الخِلاطِ فَهْوَ أَجْنَبِيُّ
كَمَا يَحُوذُ الفِئَةَ الكَمِيُّ
وفسروا"يحوذها": يسوقها سوقًا شديدًا، ومثله"يحوزها" في الرواية الآتية.]]
وقد أنشد بعضهم:
يَحُوزُهُنَّ وَلَهُ حُوزِيُّ [[انظر اللسان (حوذ) و (حوز) .]]
وهما متقاربا المعنى. ومن لغة من قال"أحاذ"، قول لبيد في صفة عَيْرٍ وأتُنٍ: [["العير" حمار الوحش، و"الأتن" جمع"أتان"، وهي أنثاه.]]
إذَا اجْتَمَعَتْ وَأَحْوَذَ جَانِبَيْهَا ... وَأَوْرَدَها عَلَى عُوجٍ طِوَالِ [[ديوانه: القصيدة: ١٧، البيت: ٣٩، واللسان (حوذ) ، وقوله: "إذا اجتمعت" يعني إناث حمار الوحش حين دعاها إلى الماء، فضمها من جانبيها، يأتيها من هذا الجانب مرة، ومن هذا مرة حتى غلبها ولم شتاتها، و"العوج الطوال" قوائمه، وبعد البيت: رَفَعْنَ سُرَادِقًا في يَوْمِ رِيحٍ ... يُصَفَّقُ بين مَيْلٍ واعْتِدالِ
يعني غبارها، ارتفع كأنه سرادق تصفقه الريح وتميله مرة هكذا ومرة هكذا، فهو يميل ويعتدل.]]
يعني بقوله:"وأحوذ جانبيها"، غلبها وقهرَها حتى حاذ كلا جانبيها، فلم يشذّ منها شيء.
وكان القياس في قوله: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ أن يأتي:"استحاذ عليهم"، لأن"الواو" إذا كانت عين الفعل وكانت متحركة بالفتح وما قبلها ساكن، جعلت العرب حركتها في"فاء" الفعل قبلها، وحوَّلوها"ألفًا"، متبعة حركة ما قبلها، كقولهم:"استحال هذا الشيء عما كان عليه"، من"حال يحول"= و"استنار فلان بنور الله"، من"النور"= و"استعاذ بالله" من"عاذ يعوذ". وربما تركوا ذلك على أصله كما قال لبيد:"وأحوذ"، ولم يقل"وأحاذ"، وبهذه اللغة جاء القرآن في قوله: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ .
* * *
وأما قوله:"فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، فلا خلاف بينهم في أن معناه: ولن يجعل الله للكافرين يومئذ على المؤمنين سبيلا.
ذكر الخبر عمن قال ذلك:
١٠٧١٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن ذَرّ، عن يُسَيْع الحضرمي قال: كنت عند علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أرأيت قول الله:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون؟ قال له عليّ: ادْنُه، ادْنُهْ! ثم قال:"فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، يوم القيامة.
١٠٧١٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن ذَرّ، عن يسيع الكندي في قوله:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: كيف هذه الآية:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"؟ فقال علي: ادْنُهْ،"فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله"، يوم القيامة،"للكافرين على المؤمنين سبيلا".
١٠٧١٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن ذر، عن يُسيع الحضرمي، عن علي بنحوه.
١٠٧١٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر، عن شعبة قال: سمعت سليمان يحدّث، عن ذر، عن رجل، عن عليّ رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، قال: في الآخرة. [[الآثار: ١٠٧١٤ - ١٠٧١٧-"ذر" (بفتح الذال) هو: "ذر بن عبد الله المرهبي" ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم: ٢٩١٨.
و"يسيع بن معدان الحضرمي، والكندي"، تابعي ثقة. مضى برقم: ٢٩١٨. وكان في المطبوعة هنا: "نسيع" بالنون، وهو خطأ صرف.]]
١٠٧١٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، يوم القيامة.
* * *
١٠٧١٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، قال: ذاك يوم القيامة.
وأما"السبيل"، في هذا الموضع، فالحجة، [[انظر تفسير"السبيل" فيما سلف قريبًا ص: ٣٢٤، تعليق: ٤، والمراجع هناك.]] كما:-
١٠٧٢٠- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، قال: حجةً.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یَتَرَبَّصُونَ بِكُمۡ فَإِن كَانَ لَكُمۡ فَتۡحࣱ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ وَإِن كَانَ لِلۡكَـٰفِرِینَ نَصِیبࣱ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَیۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُم مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۚ فَٱللَّهُ یَحۡكُمُ بَیۡنَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ وَلَن یَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ سَبِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق