الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ﴾ الآية. لمَّا ادعت اليهود والنصارى أنهم على دين إبراهيم، أخبرهم النبي ﷺ أنهم ليسوا على دينه، غضبوا، وقالوا: ما يرضيك منا يا محمد إلا أن نتخذك ربًّا ونعبدَك؟. فقال رسول الله ﷺ: "معاذ الله أن نعبد غير الله، أو نأمر بعبادة غير الله، ما بذلك بعثني ربي". فأنزل الله عز وجل هذه الآية. هذا قول ابن عباس [[قوله في "تفسير الطبري" 3/ 325، "تفسير الثعلبي" 3/ 64 ب، "أسباب النزول" للواحدي: (116)، "تفسير ابن كثير" 1/ 404، "لباب النقول" 54، "الدر المنثور" 2/ 82 وزاد نسبة إخراجه إلى ابن إسحاق، وابن المنذر، والبيهقي في "الدلائل".]].
وقال الضحاك [[قوله في "تفسير الثعلبي" 3/ 64 ب، "أسباب النزول" للواحدي: 116، "تفسير البغوي" 2/ 59، "زاد المسير" 1/ 413.]]، ومقاتل [[قوله في "تفسيره" 1/ 286، "تفسير الثعلبي" 3/ 64 ب، "تفسير البغوي" 2/ 59 "زاد المسير" 1/ 413.]]: كانت النصارى تقول: إن عيسى إلهٌ معبودٌ، وزعموا أن عيسى قال لهم ذلك، فنزلت الآية فيهم.
فقوله [[(فقوله): ساقط من: (ج).]]: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ [[في (أ): (وما).]]؛ يعني: محمدًا عليه السلام على قول ابن عباس. وعلى قول مقاتل، يعني: عيسى.
و (الحُكْم) [[من قوله: (والحكم ..) إلى نهاية بيت الشعر: من قول الليث بن المظفر، نقله المؤلف بتصرف من "تهذيب اللغة" 4/ 111.]] في اللغة وفي التفسير: العلم والفقه؛ قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: 12]، يعني: العلم والفقه.
و (الحُكْم): القضاء بالعدل [[في (ب): والعدل. في (ج): (بالعذاب).]] أيضًا؛ ومنه قول النابغة:
واحْكُم كحُكْمِ فتاةِ [[في (ب): قناة. في (ج): (فتادة).]] الحَيِّ. [[صدر بيت، وتمامه: == واحكم كحكم فتاةِ الحي إذْ نَظَرَتْ ... إلى حَمامٍ شِراع واردِ الثَّمَدِ
وهو في ديوانه: 34، وورد منسوبًا له، في "كتاب سيويه" 1/ 168، والحيوان، للجاحظ: 3/ 221، "تهذيب اللغة" 1/ 885 (حكم)، "الصحاح" 5/ 1902 (حكم)، "أمالي ابن الشجري" 3/ 29، "اللسان" 2/ 951 (حكم)، (1006) (حمم)، "التصريح" 1/ 225، "شرح شواهد المغني" 1/ 75.
ويروى: (.. سِراع) بدلًا من (شراع).
والشاعر هنا يخاطب النعمان بن المنذر، ويعتذر إليه، ويطلب منه أن يحكم بالعدل في أمره، كما حكمت فتاةُ الحيِّ، وهي زرقاء اليمامة، المشهورة بحدَّةِ النظر، حيث نظرت إلى سرب حمام في الجو، فأحصتها، ولم تخطيء في عددها. و (شِراع): مقبلة على شِرعةِ الماء؛ أي: مَوْرِدهِ. و (الثَّمَدِ): الماء القليل. انظر: "اللسان" 4/ 2238 (شرع)، "القاموس" 270 (ثمد)، "شرح شواهد المغني" 1/ 76 - 77. وقيل: إن معنى قوله: (احكم كحكم ..)؛ أي: كن حكيمًا كفتاة الحي؛ أي: إذا قلت فأصِبْ كما أصابت هذه المرأة في حكمها. انظر: "التهذيب" 1/ 885.]] .. البيت.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَقُولَ للِنَّاسِ﴾. عطف على قوله: ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ﴾ أي: ما كان لبشرٍ أن يجمع بين هذين: بين النُّبُوَّة، وبين دعاء الخلق إلى عبادة غير الله.
قال الزجاج [[في "معاني القرآن" له: 1/ 435، نقله عنه بتصرف.]]: أي: الله عز وجل لا يصطفي لنبوته الكَذَبَةَ [[في (ب): (مثل ذ) ابدلا من (الكذبة).]]، ولو فعل ذلك بشَرٌ، لَسَلَبَهُ الله عز وجل آياتِ النُّبُوّة، و [[الواو ساقطة من: (أ)، (ب). والمثبت من (ج)، و"معاني القرآن".]] علاماتها. ونصب ﴿ثُمَّ يَقُولُ﴾ على الاشتراك [[في (ج): (الإشراك).]] بين أن يُؤتِيَه وبين أن يقولَ [[في "معاني القرآن": (يقول) بدون واو.]]؛ أي: لا يجتمع لنبي إتيانُ [[الأوْلى أن تكون (إيتاء النبوة) بدلًا من (إتيان)؛ لأن الإتيان: المجيء، وهو == مصدر: (أتى يأتي)، ومن مصادره أيضًا: (أتْيًا، وأُتِيَّا، وإتِياَّ، ومأتاة). أما قوله تعالى: ﴿يُؤْتِيَهُ﴾، فهو من: (آتاه، يُؤْتيه)؛ أي: أعطاه، يعطيه. والمصدر: إيتاء. انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 115 (أتى)، والسان: 1/ 21 (أتي).]] النُّبوَّةِ والقولُ للناس: ﴿كُونُوا عِبَادًا لِي﴾.
وقال صاحبُ النَّظْمِ: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾: نفيٌ، والنفي واقع غير موقعه؛ لأن التأويل ما كان لبشر يُؤتِيَه الله الكتابَ والحكمَ والنبوةَ. وقوله تعالى [[(تعالى): ساقطة من: (ج).]]: ﴿يُؤتِيَهُ اَللَّهُ﴾ [[في (ب): ﴿يَقُولَ للِنَّاسِ﴾.]] صفة للنكرة [[(صفة للنكرة): ساقطة من (ب).]]؛ على تأويل: (ما كان لِبَشَرٍ يكون بهذه الحال، أن يقول للناس: كونوا عبادًا لي من دون الله).
فالمنفي [[في (ب): (والمنفي).]]: قوله: (أن يقول الناس). فلمَّا [[في (ب): (وإنما).]] وقع ﴿أَنْ﴾ في غير موقعه، نسق [[أي: عطف. وحروف النسق، هي: حروف العطف.]] عليه بـ ﴿ثُمَّ﴾. ففي الآية تقديم حرف حقُّهُ أن يُؤَخَّرَ، ومثله من تقديم ما وجب أن يؤخر في النظم: قوله تعالى [[(تعالى): ساقطة من: (ج).]]: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ [[(أن تطؤوهم): ساقطة من: (ج).]]﴾ [الفتح: 25]، التأويلُ: ولولا أن تطؤوا رجالًا مؤمنين ونساءً مؤمناتٍ لم تعلموهم؛ أي: لم تعرفوهم.
وقوله تعالى: ﴿كُونُوا عِبَادًا لِي﴾. قال ابن عباس [[قوله في "تفسير الثعلبي" 3/ 65 أ.]]: هذه لغة مُزَيْنَة [[قبيلة عربية مُضَرية عدنانية، كانت مساكنهم بين المدينة ووادي القرى. وقد قاتلت مُزينة مع النبي ﷺ في غزوة حنين، واشتركوا في فتح مكة مع خالد بن الوليد رضي الله عنه. انظر: "معجم قبائل العرب" 3/ 1083.]]، تقول للعبيد: (عِبَاد) [[فرق الراغب بينهما، فجعل (العبد) بمعنى (العابد)، وجعل (العبيد) جمع (العبد) الذي هو مسترقٌّ. أي: أن (العباد) من العبادة، و (العبيد) من العبودية، وهي لا تمتنع أن تكون لغير الله. ثم قال: (فـ (العبيد) إذا أضيف إلى الله، أعم من (العباد)؛ ولهذا قال: ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ق: 29]، فنبه إلى أنه لا يظلم من يختص بعبادته، ومن انتسب إلى غيره من الذي تسموا بـ (عبد الشمس)، و (عبد اللات)، ونحو ذلك). "المفردات" 543 (عبد). ويرى ابن عطية أن (العباد) (جمع (عبد)؛ متى سيقت اللفظةُ في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة، دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن)، وضرب لذلك أمثلة، منها: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ [البقرة: 27]، و ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: 26]. "المحرر الوجيز" 3/ 187، وانظر: "روح المعاني" 3/ 207.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾. أي: ولكن تقول: كُونُوا، فحذف القول؛ لدلالة الأولى عليه.
و (الرَّبّانِي): العالم، في قول كلهم.
أخبرني العَرُوضِيُّ، عن الأزهري، قال [[قوله هذا في "تهذيب اللغة" 2/ 1336. ومن قوله: (قال ..) إلى (.. بصغار العلوم قبل كبارها): موجود مع اختلاف يسير في "التهذيب" 15/ 179.]]: أخبرني المُنْذِري، عن أبي طالب [[هو: المفضَّل بن سَلمة بن عاصم، أبو طالب الضَّبِّي، تقدمت ترجمته.]]، قال: الرَّبّاني: العالم. والجماعة [[في (ب): (للجماعة).]]: الربّانِيُّون. وقال أبو العباس [[هو ثعلب كما في "تهذيب اللغة" قوله: (الربّاني: العالم. والجماعة: الربَّانيون).]]: الربَّانِيُّون: العلماء.
وقال سيبويه: زادوا ألِفًا ونونًا في (الرَّبّاني)، إذا [[(إذا): ساقطة من (ج).]] أرادوا تخصيصًا بعلم الرَّبِّ، دون غيره من العلوم، وهذا كما قالوا: (شَعْراني)، و (لِحْيانِي)، و (رَقَباني): إذا خُصَّ بكثرة الشَّعْر، وطول اللِّحْيَة، وغِلظ الرَّقَبَة. فإذا نسبوا إلى الشَّعْر، قالوا: (شَعْرِي)، وإلى الرَّقَبَة: (رَقَبِي)، وإلى اللِّحْيَة: (لِحْيِي) [[انظر: "كتاب سيبويه" 3/ 380. "المقتضب" 3/ 144.]].
وقال ابنُ الأعرابي: الرباني: العالم المُعَلِّم، الذي يَغْدُوا الناسَ [[في (ج): (للناس).]] بصِغار العلوم قبل كبارها.
وقال المبرد [[قوله بنصه، في "تفسير الثعلبي" 3/ 65 ب، "تفسير القرطبي" 4/ 122.]]: الربّانِيُّون: أرباب العلم، وأحدهما: رَبّاني، وهو: الذي يَرُبُّ العِلم، ويَرُبُّ الناسَ؛ أي: يعلمهم ويصلحهم، ويقوم بأمورهم [[انظر: "الزاهر" 1/ 576، "تهذيب اللغة" 2/ 1336 (ربَّ)، "تاج" 2/ 10 (ربب).]].
والأَلِف والنُّونُ: للمبالغة؛ كما قالوا: (رَيّان) [[في (أ)، (ب)، (ج): (ربَّان). والمثبت من "تفسير الثعلبي".]]، و (عطشان)، و (شبعان)، و (عُرْيان) [[في (ب): (وعرقان)، في (ج): (وعرثان).]]، و (نَعْسان)، و (وَسْنان) [[يقال: (وَسِنَ، يَوْسَنُ، وَسَنًا)، و (سِنَةً)، و (وَسْنَةً)، أي: أخذ في النُّعاس، فهو: (وَسِنٌ)، و (وَسْنان)، و (مِيْسان). والاسم: (الوَسَن)، وهو: النعاس. انظر (وسن) في "المجمل" 925، "القاموس" (1238)، "المعجم الوسيط" 1033.]]، ثم ضمَّت إليه ياءُ النسبة، كما قيل: (لِحياني)، و (رَقَبانِي).
فعلى قول سيبويه؛ الرَّبّاني: منسوب إلى الرَّبِّ؛ على معنى التخصيص بعلم الرَّبِّ، أي: يَعْلَم الشريعة، وصفات الرب. وعلى قول ابن الأعرابي، والمبرد؛ الرّبّانِي: من الرَّبِّ، الذي هو بمعنى: التربية، على البيان الذي ذكر.
وقال أبو عبيدة [[قوله في "مجاز القرآن" 1/ 97.]]: لم تعرف العرب (رَبّانِيِّين) [[ونص قول أبي عبيدة كما في "مجاز القرآن" (لم يعرفوا ربّانيِّين). وفي "تهذيب اللغة" 2/ 1336: (قال أبو عبيدة: وأحسب الكلمة ليست بعربية، وإنما هي عبرانية أو سريانية: وذلك أن أبا عبيدة زعم أن العرب لا تعرف الربّانيين. قال أبو عبيد: وإنما عرفها الفقهاء وأهل العلم).]]. هذا قول أهل اللغة في معنى [[(معنى): ساقطة من: (ب).]] هذا [[(هذا): مطموسة في (أ). ومثبتة من: (ب)، (ج).]] الحرف.
قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير [[الرواية في "تفسير الطبري" 3/ 325، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 691، "تفسير الثعلبي" 3/ 65 أ.]]: ربانيين؛ أي: معلِّمِين [[في (ب): (مسلمين). واختلفت ألفاظ هذه الرواية عن ابن عباس في مصادرها، فعند الطبري، ورد: (حكماء فقهاء)، وعند ابن أبي حاتم: (الفقهاء المعلمون)، ومثله عند الثعلبي. وورد عن ابن عباس من رواية عطية العوفي: (حكماء فقهاء)، هكذا عند الطبري. وعند الثعلبي: (حكماء علماء). ومن رواية الضحاك عنه: (الفقهاء العلماء). انظر المراجع السابقة.]]. وهو قول مُرَّة الهَمْداني [[هو: أبو إسماعيل، مُرَّة بن شَرَاحِيل، الكوفي، البكيلي الهَمْداني، تقدم 2/ 77]]، واختيار عبد الله بن مُسْلِم [[هو ابن قتيبة وقوله في "تفسير غريب القرآن" له: 107.]]، ويقوى هذا قول ابن الأعرابي والمبرد [[قال الطبري: (وأولى الأقوال عندي بالصواب في (الرَّبانيِّين): أنهم جمع (رَبّاني)، وأن (الرَّبّاني): المنسوب إلى (الرَّبَّان) الذي يربُّ الناسَ، وهو الذي يُصْلح أمورهم، و (ويربُّها)، ويقوم بها ..). ثم قال: (يقال منه: (رَبَّ أمري فلان، فهو يُربُّه رَبًّا، وهو رَابُّه). فإذا أريد به المبالغة في مدحه، قيل: (هو ربّان) ..). ثم تابع قائلاً جامعًا بين الأقوال المختلفة: (فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا وكان (الربَّان) ما ذكرنا، و (الربّاني) هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفتُ وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين يَرُبّ أمورَ الناس، بتعليمه إياهم الخيرَ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم وكان كذلك الحكيمُ التقيُّ لله، والوالي الذي يلي أمورَ الناس على المنهاج الذي وَليَهُ المقسطون من المصلحين أمورَ الخلق، بالقيام فيهم بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم، وعائدةُ النفع عليهم في دينهم، ودنياهم، كانوا جميعًا يستحقون أن [يكونوا] مِمّن دَخل في قوله: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾. فـ (الرَّبّانيُّون) إذًا، هم عمادُ الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا. ولذلك قال مجاهد: (وهم فوق الأحبار)؛ لأن (الأحبار): هم العلماء، و (الرَّبّانِي): الجامع إلى العلم والفقه، البصرَ بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم). تفسيره: 3/ 296.]].
وقوله تعالى: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ [[(الكتاب): ساقطة من (ج).]]. ويُقرأ: ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ [[في (أ): (تُعَلمون). وفي (ب)، (ج) مهمل، لم يضبط بالشكل. وما أثبته هو الصواب. وهذه القراءة بفتح التاء، وإسكان العين وفتح اللّام، قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ بضم التاء وتشديد اللام المكسورة. انظر: "السبعة" 213، "الكشف" 1/ 351.]]، من: العلم. والباء [[من قوله: (الباء ..) إلى (.. أبلغ في هذا الوضع): نقله باختصار وتصرف من "الحجة" للفارسي: 3/ 59 - 61.]] في ﴿بِمَا﴾، متعلقة بقوله: ﴿كُونُوا﴾. و (ما) في القراءتين، هي التي بمعنى المصدر مع الفعل، والتقدير: كونوا رَبَّانِيِّين، بكونكم عالمين؛ [أو: معلِّمين] [[ما بين المعقوفين: غير مقروء في (أ)، وساقط من (ب). ومثبت من (ج). إلّا أنه ورد في (ج): (أي: معلمين)، بدلًا من: (أو معلمين)، ولم أرَ لها وجهًا. والصواب ما أثبته؛ لأن المؤلف هنا يذكر التقدير في القراءتين باعتبار أنَّ (ما) مصدرية فيهما. ففي القراءة الأولى ﴿تَعلمون﴾، يكون التقدير: (بكونكم عالمين)، أو يكون التقدير: (بكونكم مُعَلِّمين) على اعتبار القراءة الثانية ﴿تُعَلِّمُونَ﴾.
ويعزز هذا ما ورد في "التفسير الوسيط" للمؤلف؛ حيث أورد في هذا الموضع القراءتين، فقال عن قراءة: ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ (أي: بكونكم عالمين). وقال عن قراءة ﴿تُعَلِّمُونَ﴾ بالتشديد: (بكونكم معلمين). "الوسيط" تحقيق بالطيور: 255.]].
وعلى هذا التقدير أيضًا قوله تعالى [[لفظة (تعالى): ساقطة من: (ج).]]: ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾. ومثل هذا مِنْ كَوْن [[في (ب): (ممن تكون فيه).]] (ما) مع الفعل بمنزلة [[في (ب): (بمعنى).]] المصدر؛ قوله [تعالى] [[ما بين المعقوفين زيادة من: ب.]]: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: 51]؛ أي: كنسيانهم لقاء يومهم، وككونهم [[في (ج): (ولكونهم).]] بآياتنا جاحدين.
فأما قوله: ﴿تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ﴾، من قرأه [[في (ج): (قرأ).]] بالتخفيف؛ فهو من (العِلم) الذي يراد [[في (ج): (يريد).]] به: المعرفة، فيتعدى إلى مفعول واحد؛ كقوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ [البقرة: 65]، وقوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: 220]، وحجته: ما رُوي عن عمرو [[هو أبو عمرو بن العلاء، ممن قرأ ﴿تَعْلَمون﴾.]] أنه احتج بقوله: ﴿تَدْرُسُونَ﴾ ولم يقل: (تُدَرِّسُون)، وأيضًا فإن التشديد يقتضي مفعولين، والمفعول ههنا واحد، فالتخفيف أولى.
ومن قرأ بالتشديد: فالمفعول الثاني محذوف، تقديره: بماكنتم تُعَلِّمونَ الناسَ الكتابَ، أو غيرَكم الكتابَ. وحُذِف؛ لأن المفعول به قد يُحذَف من الكلام كثيرًا.
وحجته في التشديد: أن التعليم [[في (ج): (العلم).]] يَدُل على العِلْم؛ لأن الذي يُعَلِّم لا يكون إلا عالمًا بما يُعَلِّم، والعِلْم لا يدل على التعليم، فالتشديد أبلغ في هذا الموضع. وأيضًا فإن الرَّبّانِيّين لا يقتصرون على أن يَعْلَموا لأنفسهم حتى يتقربوا إلى الله بالتعليم، يدل عليه: قول مُرَّة بن شَراحيل [[قوله في "تفسير الثعلبي" 3/ 65 أ، "حلية الأولياء" 2/ 98، "صفة الصفوة" 2/ 16.]]: كان عَلْقَمَةُ من الربّانيين الذي يُعَلِّمون الناسَ القرآن.
قال الزجاج [[في "معاني القرآن" له: 1/ 435. نقله عنه بالمعنى.]]: معنى قوله: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾: كونوا معلِّمِي الناس بعِلْمِكم ودَرْسِكم، عَلِّموا الناسَ وبَيِّنوا لهم؛ كما تقول: انفعوهم بمالِكم. وقيل [[هذا القول يدخل ضمن معنى قول الزجاج في المصدر السابق.]]: كونوا ممن يستحق أن يُطلق [[في (ب): (تطلق).]] له صفة عالم بعلمه؛ لإخلاصه وقيامه بحقه.
وقوله تعالى: ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾. أي: تقرأون [[في (ج): (تقرون).]]. ومنه قوله تعالى: ﴿وَدَرَسُوا مَا فِيهِ﴾ [الأعراف: 169]. وشَرْحُ معنى الدَّرسِ والدراسة، يُذكر عند قوله: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: 105].
{"ayah":"مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُؤۡتِیَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ یَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا۟ عِبَادࣰا لِّی مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُوا۟ رَبَّـٰنِیِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق