الباحث القرآني
﴿ما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الكِتابَ والحُكْمَ والنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبادًا لِي مِن دُونِ اللَّهُ﴾ تَنْزِيهٌ لِأنْبِياءِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ إثْرَ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعالى عَنْ نِسْبَةِ ما اِفْتَراهُ أهْلُ الكِتابِ إلَيْهِ، وقِيلَ: تَكْذِيبٌ ورَدٌّ عَلى عَبَدَةِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وأخْرَجَ اِبْنُ إسْحَقَ وغَيْرُهُ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما قالَ: «”قالَ أبُو رافِعٍ القُرَظِيُّ حِينَ اِجْتَمَعَتِ الأحْبارُ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى مِن أهْلِ نَجْرانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ودَعاهم إلى الإسْلامِ: أتُرِيدُ يا مُحَمَّدُ أنْ نَعْبُدَكَ كَما تَعْبُدُ النَّصارى عِيسى اِبْنَ مَرْيَمَ؟ فَقالَ رَجُلٌ مِن أهْلِ نَجْرانَ نَصْرانِيٌّ يُقالُ لَهُ الرَّئِيسُ: أوَ ذاكَ تُرِيدُ مِنّا يا مُحَمَّدُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:“مَعاذَ اللَّهِ أنْ نَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ أوْ نَأْمُرَ بِعِبادَةِ غَيْرِهِ ما بِذَلِكَ بَعَثَنِي ولا بِذَلِكَ أمَرَنِي ”فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى الآيَةَ». وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ، قالَ: «“ بَلَغَنِي أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ كَما يُسَلِّمُ بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ، أفَلا نَسْجُدُ لَكَ؟ قالَ: لا ولَكِنْ أكْرِمُوا نَبِيَّكم واعْرِفُوا الحَقَّ لِأهْلِهِ فَإنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُسْجَدَ لِأحَدٍ مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى" فَنَزَلَتْ». وأخْرَجَ اِبْنُ أبِي حاتِمٍ، قالَ: «كانَ ناسٌ مِن يَهُودَ يَتَعَبَّدُونَ النّاسَ مِن دُونِ رَبِّهِمْ بِتَحْرِيفِهِمْ كِتابَ اللَّهِ تَعالى عَنْ مَوْضِعِهِ فَقالَ: ما كانَ لِبَشَرٍ» الخ. والمَعْنى ما يَصِحُّ، وقِيلَ: ما يَنْبَغِي، وقِيلَ لا يَجُوزُ لِأحَدٍ، وعَبَّرَ بِالبَشَرِ إيذانًا بِعِلَّةِ الحُكْمِ فَإنَّ البَشَرِيَّةَ مُنافِيَةٌ لِلْأمْرِ الَّذِي أسْنَدَهُ الكَفَرَةُ إلى أُولَئِكَ الكِرامِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
والجارُّ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِ كانَ والمُنْسَبِكُ مِن أنْ والفِعْلِ بَعْدَ اِسْمِها، ولا بُدَّ لِاسْتِقامَةِ المَعْنى مِن مُلاحَظَةِ العَطْفِ إذْ لَوْ سُكِتَ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ لَأنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ آتى كَثِيرًا مِنَ البَشَرِ الكِتابَ وأخَوَيْهِ، وعَطْفُ الفِعْلِ عَلى مَنصُوبِ أنْ بِ (ثُمَّ) تَعْظِيمًا لِهَذا القَوْلِ فَإنَّهُ إذا اِنْتَفى بَعْدَ مُهْلَةٍ كانَ اِنْتِفاؤُهُ بِدُونِها أوْلى وأحْرى فَكَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ هَذا الإيتاءَ العَظِيمَ لا يُجامِعُ هَذا القَوْلَ أصْلًا وإنْ كانَ بَعْدَ مُهْلَةٍ مِن هَذا الإنْعامِ، والحُكْمُ بِمَعْنى الحِكْمَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ مَعْناها، والعِبادُ جَمْعُ عَبْدٍ، قالَ القاضِيَ: وهو هُنا مِنَ العِبادَةِ ولَمْ يَقُلْ عَبِيدًا لِأنَّهُ مِنَ العُبُودِيَّةِ وهي لا تَمْتَنِعُ أنْ تَكُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى، ولِهَذا يُقالُ: هَؤُلاءِ عَبِيدُ زَيْدٍ، ولا يُقالُ: عِبادُهُ، والظَّرْفُ الَّذِي بَعْدَهُ مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لَهُ، أيْ عِبادًا كائِنِينَ لِي و﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِلَفْظِ ﴿عِبادًا﴾ لِما فِيهِ مِن مَعْنى الفِعْلِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً ثانِيَةً وأنْ يَكُونَ حالًا لِتَخْصِيصِ النَّكِرَةِ بِالوَصْفِ، أيْ مُتَجاوِزِينَ اللَّهَ تَعالى إشْراكًا وإفْرادًا كَما قالَ الجُبّائِيُّ فَإنَّ التَّجاوُزَ مُتَحَقِّقٌ (p-208)فِيهِما حَتْمًا، ثُمَّ إنَّ هَذا الإيتاءَ في الآيَةِ حَقِيقَةٌ عَلى الرِّوايَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مُجازٌ عَلى الرِّوايَةِ الأخِيرَةِ كَما لا يَخْفى.
﴿ولَكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ﴾ إثْباتٌ لِما نَفى سابِقًا، وهو القَوْلُ المَنصُوبُ بِأنْ، كَأنَّهُ قِيلَ: ما كانَ لِذَلِكَ البَشَرِ أنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَكِنْ يَقُولُ كُونُوا رَبّانِيِّينَ، فالفِعْلُ هُنا مَنصُوبٌ أيْضًا عَطْفًا عَلَيْهِ، وجُوِّزَ رَفْعُهُ عَلى المَعْنى لِأنَّهُ في مَعْنى لا يَقُولُ، وقِيلَ: يَصِحُّ عَدَمُ تَقْدِيرِ القَوْلِ عَلى مَعْنى لا تَكُونُوا قائِلِينَ لِذَلِكَ، ولَكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ وفَسَّرَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وابْنُ عَبّاسٍ الرَّبّانِيُّ بِالفَقِيهِ العالِمِ، وقَتادَةُ والسُّدِّيُّ بِالعالِمِ الحَكِيمِ، وابْنُ جُبَيْرٍ بِالحَلِيمِ التَّقِيِّ، وابْنُ زَيْدٍ بِالمُدَبِّرِ أمْرَ النّاسِ، وهي أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ وهو لَفْظٌ عَرَبِيٌّ لا سُرْيانِيٌّ عَلى الصَّحِيحِ، وزَعَمَ أبُو عُبَيْدَةَ أنَّ العَرَبَ لا تَعْرِفُهُ [وإنَّما عَرَفَها الفُقَهاءُ وأهْلُ العِلْمِ]، وهو مَنسُوبٌ إلى الرَّبِّ كَإلَهِيٍّ، والألِفُ والنُّونُ يُزادانِ في النَّسَبِ لِلْمُبالَغَةِ كَثِيرًا كَلِحْيانِيٍّ لِعَظِيمِ اللِّحْيَةِ، والجُمّانِيِّ لِوافِرِ الجُمَّةِ، ورَقَبانِيٍّ بِمَعْنى غَلِيظِ الرَّقَبَةِ، وقِيلَ: إنَّهُ مَنسُوبٌ إلى رَبّانَ صِفَةٌ كَعَطْشانَ بِمَعْنى مُرَّبًى.
﴿بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتابَ وبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [ 79 ] الباءُ السَّبَبِيَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِ كُونُوا أيْ كُونُوا كَذَلِكَ بِسَبَبِ مُثابَرَتِكم عَلى تَعْلِيمِكُمُ الكِتابَ ودِراسَتِكم لَهُ، والمَطْلُوبُ أنْ لا يَنْفَكَّ العِلْمُ عَنِ العَمَلِ، إذْ لا يُعْتَدُّ بِأحَدِهِما بِدُونِ الآخَرِ، وقِيلَ: مُتَعَلِّقَةٌ بِرَبّانِيِّينَ لِأنَّ فِيهِ مَعْنى الفِعْلِ، وقِيلَ: بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لَهُ، والدِّراسَةُ التَّكْرارُ، يُقالُ: دَرَسَ الكِتابَ أيْ كَرَّرَهُ، وتُطْلَقُ عَلى القِراءَةِ، وتَكْرِيرُ ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ لِلْإشْعارِ بِاسْتِقْلالِ كُلٍّ مِنَ اِسْتِمْرارِ التَّعْلِيمِ واسْتِمْرارِ القِراءَةِ المُشْعِرِ بِهِ جَعْلُ خَبَرِ (كانَ) مُضارِعًا -بِالفَضْلِ وتَحْصِيلِ الرَّبّانِيَّةِ، وقَدَّمَ تَعْلِيمَ الكِتابِ عَلى دِراسَتِهِ لِوُفُورِ شَرَفِهِ عَلَيْها، أوْ لِأنَّ الخِطابَ الأوَّلَ: لِرُؤَسائِهِمْ، والثّانِيَ: لِمَن دُونَهُمْ، وقِيلَ: لِأنَّ مُتَعَلِّقَ التَّعْلِيمِ الكِتابُ بِمَعْنى القُرْآنِ، ومُتَعَلِّقُ الدِّراسَةِ الفِقْهُ، وفِيهِ بُعْدٌ بِعِيدٌ وإنْ أشْعَرَ بِهِ كَلامُ بَعْضِ السَّلَفِ.
وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ ويَعْقُوبُ وأبُو عَمْرٍو ومُجاهِدٌ (تَعْلَمُونَ) بِمَعْنى عالِمِينَ، وقُرِئَ (تُدَرِّسُونَ) بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّدْرِيسِ، وتُدْرِسُونَ مِنَ الإدْراسِ بِمَعْناهُ، ومَجِيءُ أفْعَلَ بِمَعْنى فَعَّلَ كَثِيرٌ، وجُوِّزَ كَوْنُ القِراءَةِ المَشْهُورَةِ أيْضًا بِهَذا المَعْنى عَلى أنْ يَكُونَ المُرادُ تُدَرِّسُونَهُ لِلنّاسِ.
{"ayah":"مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن یُؤۡتِیَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ یَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا۟ عِبَادࣰا لِّی مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُوا۟ رَبَّـٰنِیِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق