الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ الآية.
مَعْنَى ﴿يَمْسَسْكُمْ﴾: يُصِبْكم [[انظر: "تفسير الطبري" 4/ 104.]]. يقال: (مَسَّهُ أَمْرُ كذا)، [أو] [[(أو): في (أ)، (ب): و. والمثبت من (ج).]] (مَسَّتْهُ الحَاجَة)؛ أي: أصابته. وتأويله: لَصِقَ بِهِ، وأصابَهُ في ذاته [[أصل (المَسِّ): لمس الشيء باليد. ثم تُوُسِّعَ فيه، واستعير للتعبير عن معانٍ عدَّة. انظر: (مسس) في: "تهذيب اللغة" 4/ 3394، و"اللسان" 7/ 4201.]].
و (القَرْحُ): قُرِئ بِضَمِّ القَافِ، وفَتْحِه [[القراءة بضم القاف في (قُرْح)، هي من رواية أبي بكر عن عاصم، وقراءة حمزة، الكسائي. والقراءة بفتحها (قَرْح)، من رواية حفص عن عاصم، وابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر.
انظر: "علل القراءات" 1/ 126، و"الحجة" للفارسي 3/ 79، و"التبصرة" 464.]].
قال أهل اللغة [[هو قول الليث. ذكره الأزهري في: "تهذيب اللغة" 3/ 2918 (قرح).]]: هُمَا لُغَتَانِ في عَضِّ السِّلاح ونَحْوِهِ، مِمَّا يَجْرَحُ [الجَسَدَ] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ)، والمثبت من (ب)، (ج).]]، مثل: (الوَجْد، والوُجْد) [[يقال: (وَجَدَ الشيءَ، يجِدُه، جِدَةً، ووُجْدًا، ووَجْدًا، ووجودا؛ ووُجْدانًا، وإجْدانًا). وتأتي (الوُجْدُ) و (الوَجْدُ)، بمعنى: اليَسَار، والسَّعَة. انظر: "اللسان" 8/ 4770 (وجد).]]، و (الضَّعْف، والضُّعْف)، وبابه [[ومنها: (الكَرْه والكُرْه)، و (الفَقر والفُقْر)، و (الدَّف والدُّفُّ)، و (الشَّهْد والشُّهْد)،== و (الجَهْد والجُهْد)، و (الوَسْع والوُسْع).
انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 234، و"الحجة" للفارسي 3/ 79.]].
قال الفراء [[في "معاني القرآن" له 1/ 234. نقله عنه بنصه.]]: وكأن (القُرْح): أَلَمُ الجِرَاحات، وكأن (القَرْح): الجراحات [[(وكأن القرح الجراحات): ساقط من (ج).
وفي "معاني القرآن" الجرح -بدلًا من: الجراحات-.]] بأعيانها.
وقال الزجاج [[في "معاني القرآن" للزجاج 1/ 470. نقله عنه بنصه.]]: هما عند أهل اللغة بمعنى واحد؛ ومعناهما: الجراح وألَمُهَا. يقال: (قَرَحَهُ): إذا جَرَّحهُ [[هكذا جاءت في (أ): (جَرَّحَه). وفي (ب)، (ج): مهملة من علامات الشكْل. والأصوب: (جَرَحَه) بدون تشديد في الرَّاء. وهكذا وردت في مصادر اللغة.
قال ابن السكيت: (قَرَحَه، يَقْرَحُهُ، قَرْحًا: إذا جَرَحَه). "إصلاح المنطق" ص 80، 195. وانظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2918 (قرح)، و"مفردات ألفاظ القرآن" 665 (قرح)، و"الدر المصون" 3/ 403.]].
قال الشاعر:
لا يُسلِمُونَ قَرِيحًا حَلَّ وَسْطَهُمُ ... يَوْمَ اللِّقَاءِ ولا يُشْوُونَ مَنْ قَرَحُوا [[البيت للمتنخل الهذلي. وقد ورد منسوبًا له في: "إصلاح المنطق" 81، 195، و"شرح أشعار الهذليين" 1279، و"الأمالي" للقالي 1/ 28، و"الصحاح" 395 (قرح)، و"اللسان" 6/ 3571 (قرح).
وورد غير منسوب في: كتاب "المعاني الكبير" 901، و"جمهرة اللغة" 520 (قرح). وقد وردت روايته في "الجمهرة":
لا يُسْلِمون قَرِيحا كان وسْطَهُمُ ... تحت العَجَاج ولا يشوون من قرحوا
القريح: الجريح. و (لا يُشْوُون مَن قَرَحُوا): يقال: (أشواه): إذا أصاب (شَوَاهُ)، وهي: أطرافه، وأخطأ مقتله. ومعنى البيت: أن من جُرِح منهم حاموا عليه حتى يستنقذوه، ولا يخطِئون مقتل من جرحوه. انظر: "المعاني الكبير" 901، و"الجمهرة" 520 (قرح)، و"اللسان" 6/ 3571 (قرح).]] و (قَرِحَ الرَّجُلُ، يَقْرَحُ): إذا صَارَ قَرِيحا [[انظر: المعاني السابقة لـ (قرح) في: "إصلاح المنطق" 81، 195، و"جمهرة اللغة" 520 (قرح)، و"التهذيب" 37 (قرح)، و"المخصص" 5/ 90.]].
قال المفسِّرُون [[انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 303، و"الطبري" 4/ 104، و"بحر العلوم" 1/ 304، و"تفسير الثعلبي" 3/ 122 ب، و"النكت والعيون" 1/ 426.
وقد رجح هذا القول: البغوي، والقرطبي، والنسفي، والشوكاني، وصديق خان.
انظر: "تفسير البغوي" 2/ 110، و"تفسير القرطبي" 4/ 217، و"تفسير النسفي" 1/ 84، و"فتح القدير" 1/ 584، و"فتح البيان" 2/ 137.]]: يقول: إنْ أصابكم جُرْحٌ يوم أُحُد، فقد أصابَ المشركين [[في (ب)، (ج): (المشركون).]] مثْلُهُ يومَ بَدْر.
وقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ﴾.
قال ابنُ عبَّاس [[لم أقف على مصدر قوله هذا. وُيفهم من قوله -هنا- عموم أيام الدنيا، وما فيها من مداولة بين الناس، من عُسْر وُيسْر، وفَرَح وغَمِّ، بينما وردت آثار أخرى عنه، تخصص هذه الأيامَ بما حدث يوم بدر واحد، حيث كانت الدولة للمسلمين على المشركين يوم بدر، وللمشركين على المسلمين يوم أحد. انظر: "تفسير الطبري" 4/ 105، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 772.]]: يعني: أيَّام الدُّنْيَا، نُداوِلُها [بَيْنَ النَّاس] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). والمثبت من (ب)، (ج).]]. [قال الحَسَنُ] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). والمثبت من (ب)، (ج).
وقول الحسن، في: "تفسير الطبري" 4/ 104 - 105، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 773، و"النكت والعيون" 1/ 426.]]، وقَتادة [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 105، و"النكت والعيون" 1/ 426.]]، والرَّبِيع [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 105، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 773.]]، والسُّدِّي [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 105.]]: نصرفها مَرَّةً لِفِرْقَةٍ ومَرَّةً عليها.
والدَوْلَةُ: الكَرَّةُ [[(الدَّوْلَة) -بفتح الدال-، أو (الدُّوْلَة) -بضم الدال-: أصل معناهما: تَحَوُّل شيء من مكان إلى مكان. يقال: (تداولوا الشيء بينهم): إذا صار مِن بعضهم إلى بعض. وتستعمل (الدوْلَة) -بفتح الدال وبضمها-: لانقلاب الزمان من حال البؤس، إلى حال السرور. وكذلك في العُقْبَة في المال، أي: النَّوبة فيه.
ويرى بعضُ أهل اللغة أن بينهما فرقًا، فقالوا: الدَّولة -بالفتح-: تستعمل في العرب خاصة، وهو أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى. وبالضم: في المال خاصة. يقال: (صار الفيءُ دوْلة بينهم)؛ أي: يتداولونه مرَّة لهذا ومرة لهذا. وقيل: بالفتح: للفعل، وهو الانتقال من حال إلى حال. وبالضم: اسمٌ للشيء المتداول بعينه. وقيل: بالفتح: أن ترجع الكرة للجيش المهزوم، فينتصر على من هزمه، فتكون له الدَّوْلة. وبالضم: في الملْك والسنن التي تُغير وتُبدل عن الدهر. انظر (دول) في: "التهذيب" 2/ 1248، و"المقاييس" 2/ 314، و"اللسان" 3/ 1455، و"التاج" 14/ 245.]]. و (أَدَالَ اللهُ فُلانًا مِن [فُلان): إذا جَعَلَ الكَرَّةَ لَهُ عليه؛ يريد] [[ما بين المعقوفين ورد مكانه في سورة الأصل: العبارةُ التالية: (عن خلق وتأتي مثله). وهي عِبَارَةٌ مكانها في الصفحة التي تليها في الأصل، ولكن نظْرًا لوجود خرم في الأصل في هذا الموضع، فقد ظهرت هذه العبارة في المصورة في هذه الصفحة. وقد أثبتها من (ب)، (ج).]]: أَنَّهُ أدالَ المسلمينَ مِنَ المُشْرِكين يَوْمَ بَدْر، وأدال المشركين مِنَ المسلمين يوم أُحُد.
وقوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. اختلفوا في العامل في اللام، فذكروا فيه وجهين:
أحدهما: أن اللام صِلَةٌ لِفِعْلٍ مُضْمَر [[في (ب): (لمضمر). -بدلًا من: لفعل مضمر-.]]، يدل عليه أولُ الكلام، بتقدير: ولِيَعلم اللهُ الذين آمنوا؛ نُدَاولها [[انظر: "تفسير الطبري" 4/ 106.]].
الوجه الثاني: أن العامل فيه: ﴿نُدَاوِلُهَا﴾ [[في (ج): (تداولها).]] المذكور؛ بتقدير: نداولها بين الناس؛ ليظهر أمرهم، وليَتَبَيَّنَ [[ورد هذا النص في: "الدر المصون" 3/ 405 ينقله عن ابن الأنباري، وفيه: (ولِيُظْهِرَ أمرَهم، ولِنبيِّن أعمالهم).]] أعمالَهم، وليعلم الله الذين آمنوا.
فَلَمَّا انكشف معنى اللّامِ المُضمَرة في (لِيظهر)، و (لِيَتبيَّن)، جرت مجرى الظاهرة؛ فأمكن [[في (ب): (وليكن).]] العطْفُ عليها. [و] [[غير واضحة في (أ)، وفي (ب): (بـ). والمثبت من (ج).]] الوجهان، ذكرهما ابنُ الأنباري [[لم أقف على مصدر قوله. وقد أورده السمين الحلبي في "الدر" 3/ 405.]]، وغيرُهُ مِن أهلِ النَّحْو.
و (العِلْمُ) إذا لم يتعلق بالذَّاتِ، اقتَضَى مَعْلُومَيْنِ؛ كما تقول: (عَلِمْتُ زَيْدًا عاقلًا، وَجَوادا). فلا [[في (ج): (ولا).]] تقول: (عَلِمْتُ زَيْدًا) فقط؛ إلّا أن تريد به: عَرَفْتَهُ، وعَلِمْتَ مَنْ هُوَ [[أي: أن العِلْمَ -هنا- متعلق بذاته. ويجوز أن يتعدى (عَلِمَ) إلى مفعول واحد؛ وذلك إذا كان بمعنى (عَرَف)، أو أن يكون العِلْمُ متعلقًا بالذوات دون الأحوال. فأما إذا كان بمعنى (عرف) فيرى السمينُ الحلبيُّ أنه يُشْكِلُ في هذا الموضع؛ لأن الله -تعالى- لا يجوز أن يوصف بذلك، وإنما يوصف بالعلم؛ لأن المعرفة هي: إدراك الشيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بجهل، أو نسيان حاصل بعد العلم.== أما العِلْم، فهو: الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع، إذ هو صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض. انظر: كتاب "التعريفات" للجرجاني 155، 221، و"التوقيف على مهمات التعاريف" 523، 666، و"الدر المصون" 3/ 406، و"الكليّات"، لأبي البقاء: 868.]].
والمفعول الثاني -ههنا- محذوف. والتقدير: وَلِيَعلمَ اللهُ الذين آمنوا [مُمَيَّزينَ] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ)، وساقط من (ب). والمثبت من (ج).]] بالإيمان مِنْ غيرهم؛ أي: إنما يجعل الدَّولةَ للكفارِ على المسلمين، لِيُميِّزَ [[في (ب): (ليتميز).]] [المؤمن] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ)، وساقط من (ب). والمثبت من (ج).]] المخلص [[في (ب): (الملخص).]]، مِمَّن يرتد عن الدين إذا أصابته نكبةٌ.
ويحتمل أن يكون (العِلْمُ) -ههنا- بمعنى: معرفة الذات؛ والتأويل: وَلِيَعلمَ اللهُ الذين آمنوا بما يظهر من صبرهم على جهاد عدوِّهم؛ أي: لِيَعرِفَهم بأعيانهم. إلَّا أنَّ سَبَبَ العِلْم، -وهو: ظهور الصبر -حذف ههنا-.
وقال الفراء [[في "معاني القرآن" له 1/ 234. نقله عنه باختصار، وتصرف يسير. وانظر: "تفسير الطبري" 4/ 106.]]: هذا في مذهب [(أيّ)] [[ما بين المعقوفين في (أ) غير مقروء. وفي (ب): (أين). والمثبت من (ج).]] و (مَنْ)؛ التأويل: ليعلم الله مَن المؤمن، وأيّهُم المؤمن؛ كما قال: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى﴾. وجاز ذلك؛ لأنَّ في (الذي)، وفي الأَلِفِ واللَّامِ تأويل (مَن) و (أيّ)؛ كما قال: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 3].
وتأويل قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، واللهُ تعالى يعلم الشيءَ قبلَ وُجُودهِ، ولا يحتاج إلى سَبَبٍ حَتى يعلم؛ وإنما المعنى: وَلِيَعْلَمَ ذلك واقِعًا منهم.
أي: لِيَقَعَ ما عَلِمَهُ غَيْبًا، مُشَاهَدَةً للناس. والمُجَازاة إنَّمَا تَقَع بِما يعلمه موجودًا كائِنًا، لا [[(لا): ساقطة من (ج).]] بِمَا عَلِمَهُ غَيْبًا [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 470 - 471، و"معاني القرآن" للنحاس 1/ 482، و"المحرر الوجيز" 3/ 341، و"البحر المحيط" 3/ 63.]]. وهذا كقوله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد: 31]. وقد استقصينا ما في هذا عند قوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ [البقرة: 143].
وقوله تعالى: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ أي: وَلِيُكْرِمَ قَوْمًا بالشَّهَادةِ؛ وذلك أنَّ المسلمين تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوَّ، وأنْ يَكُونَ لهم يومٌ كيوم بَدْر، يقاتِلُوا فيه العَدُوَّ، ويَلْتَمِسُوا الشهادة [[من قال ذلك: ابن عباس، ومجاهد، وابن جريج، والضحاك، وقتادة، والربيع، والسدي، وابن إسحاق. انظر: "تفسير الطبري" 4/ 106 - 107.]].
والشُّهَدَاء: جمع شَهِيد؛ كـ (الكُرَمَاء)، و (الظُّرَفَاء). والمقتول مِنَ المسلمين بِسَيْفِ الكُفَّار، يُسَمَّى: شهيدًا.
واختلفوا فيه: لِمَ سُمِّيَ شهيدًا؟:
فقال النَضْرُ بن شُمَيْل [[قوله، في: "تهذيب اللغة" 2/ 1943 (شهد)، و"اللسان" 4/ 2348 (شهد).]]: الشَّهِيد: الحَيُّ. قال الأزهري [[قوله، في "التهذيب" 2/ 1943 (شهد). نقل أكثر قوله بنصِّه وتصرف قليلًا في آخره.]]: أراه تَأَؤَّلَ قولَ اللهِ جلَّ وَعَزَّ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [[سورة آل عمران 169. وبقيتها: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.]]، كأنَ أرواحَهُم أُحْضرَت [[في (ج): (حضرت).]] دارَ السَّلام [أحياءً، و] [[ما بين المعقوفين زيادة لازمة من: "تهذيب اللغة".]] أرواحَ غيرهم لا يَشهَدها [[وفي "التهذيب": وأرواح غيرهم أخِّرَتْ إلى يوم البَعْث.]]. وهذا قولٌ حَسَنٌ.
وقال ابنُ الأنباري [[قوله، في: المصدر السابق. نقله عنه بمعناه.]]: سُمَّي شهيدا، لأن الله وملائكته شُهُودٌ له. فهو (فَعِيل)، بمعنى: (مَفْعُول له).
وقال قومٌ [[أورد هذا القول الأزهريُّ في المصدر السابق، ولم ينسبه لقائل.]]: سُمُّوا شُهَداء؛ لأنهم يُسْتَشْهَدُونَ يومَ البَعثِ [[في (ب): (بالبعث). بدلًا من: (يوم البعث).]]، مع الأنبياء والصِّدِّيقِينَ على الأمم؛ كما ذَكَرَهُ اللهُ تعالى في قوله: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: 143].
قالَ أبو منصور [[هو الأزهري، وقوله في: "تهذيب اللغة" 2/ 1943. نقله عنه بتصرف واختصار.]]: والشهادة -يومئذ- تكون للأفضل [[في (أ)، (ب): الأفضل. والمثبت من (ج)، و"تهذيب اللغة".]] فالأفضل مِنَ الأُمَّةِ. فأفضلهم مَن قُتِلَ في سبيل الله؛ أَبَانَهم اللهُ من غيرهم -بالفضل الذي يميَّزوا به- مِن جَمَاعَةِ المؤمنين. [[وعبارة "التهذيب": ميّزت هذه الطبقة عن الأمة بالفضل الذيَ حازوه.- بدلًا من عبارة المؤلف: (أبانهم .. المؤمنين).]] وبَيَّن أنَّهم ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [آل عمران: 169]، الآية. ثم يتلوهم في الفضل مَنْ عَدَّه النبيُّ ﷺ مِنَ المسلمين شهيدا؛ فإنه قال: "المَبْطْونُ شَهِيد [[في (أ): (شهيدا). والمثبت من: (ب)، (ج)، و"التهذيب"، ومصادر الخبر.]]، والغرِيق شَهيد [[في (ب): (شهيدا).]] " [[الحديث ورد من رواية جابر بن عتيك، ونصه: (.. فقال رسول الله ﷺ: "وما تعدُّون الشهادة؟." قالوا: القتل في سبيل الله. فقال رسول الله ﷺ: "الشهداء سَبْعَةٌ، سوى القَتْل في سبيل الله: المَطْعُونُ شهيد، والغَرِقُ شهيد، وصاحبُ ذات الجَنْب شهيد، والمَبْطُونُ شهيد، والحَرِقُ شهيد، والذي يموت تحت الهَدْمِ شهيد، والمرأَة تموت بِجُمْعٍ شهيد".
وقد أخرجه مالك في: "الموطأ" 161 رقم (36) كتاب الجنائز. باب النهي عن البكاء على الميت. واللفظ له.
وأخرجه أحمد في "المسند" 5/ 446 انظر: "الفتح الرباني" 14/ 39)، وأبو داود في "السنن" رقم (3111). كتاب الجنائز. باب في فضل من مات في الطاعون. وأخرجها النسائي في "السنن" رقم (1846) كتاب الجنائز. باب النهي عن البكاء على الميت. رقم (3194) كتاب الجهاد. باب من خان غازيا ..
وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (2803) كتاب الجهاد. ما يرجى فيه الشهادة، وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" رقم (2261).
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 3/ 562 رقم (6695).
وابن حبان في صحيحه 7/ 461 رقم (3189)، 463 رقم (3190).
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" 1/ 351 كتاب الجنائز، وصححه ووافقه الذهبي،
والطبراني في "المعجم الكبير" 2/ 191 رقم (1779)، 192 رقم (1780)، و"الأوسط" 2/ 142 (1265)، والبغوي في "شرح السنة" 5/ 433 رقم 1532.
وأخرج الشافعى أوَّلَه في "المسند" 1/ 199 رقم (556)، وكذا البيهقي في "السنن" 4/ 69 واقتصر على أوَّله.
وقد ورد حديث آخر بنحو هذا الحديث عن أبي هريرة: (الشهداء خمسة: ..) وذكر بعضر الأنواع التي وردت في الحديث السابق. == أخرجه البخاري في "الصحيح" (2829). كتاب الجهاد: باب الشهادة سبع سوى القتل، ومسلم في "الصحيح" رقم (1914) كتاب الإمارة. باب بيان الشهداء. وأحمد في "المسند" 2/ 441، 310، وابن ماجة في "السنن" رقم (2804)، والطيالسي 316 رقم (2407)، وعبد الرزاق في "المصنف" 5/ 270 رقم (9574).
وانظر أحاديث، وآثارًا أخرى في: "صحيح البخاري" (5733) كتاب الطب. باب ما يذكر في الطاعون، و"مصنف عبد الرزاق" 5/ 269 رقم (9572)، 271 رقم (9575، 9576، 9577)، و"سنن سعيد بن منصور" 2/ 235 - 236 رقم (2615، 2616، 2617)، و"فتح الباري" 6/ 43 - 44، و"كنز العمال" 4/ 421 - 424 رقم (11213 - 11231)، و"الفتح الرباني" 14/ 34 - 39.
و (المبطون): الذي مات بداء البطن، كالاستسقاء، ونحوه من العلل. و (المطعون): الذي مات من إصابته بالطاعون. و (المرأة تموت بجُمْع): التي تموت وولدها في بطنها. وقيل: التي تموت بكرًا. و (ذات الجنب): التهاب يصيب غلاف الرئة، ينتج عنه سُعال وحمى، ونخس في الجنب، ويسمى- كذلك (الجُناب).]].
وذَكَرَ -أيضًا- غيرَ هذين. ويدل على هذا ما رُوي أنَّ النَبِيَّ ﷺ قال: "مالَكُمْ إذا رَأَيتم الرَّجلَ يُخَرِّقُ [[(يُخرِّق) جاءت في: (أ)، (ب)، (ج) مهملة من الشكل، وفي "تهذيب اللغة" 2/ 1944: (يَخرِق)، خلاف ما جاء في مخطوط التهذيب، كما أشار إلى ذلك محقق التهذيب. وكذا ورد ضبطها في: "اللسان" 4/ 2348 (شهد)، وما أثبتُّه هو ما استصوبته؛ لأنها وردت في مصادر الخبر (يُخرِّق)، ومن هذه المصادر: أصل مخطوط "تهذيب اللغة"؛ حيث أشار إلى ذلك محقق التهذيب في هامش نفس الصفحة قائلًا: (ضُبط في مُصوَّرة التهذيب بضم أوَّلِه؛ فكأنه يُراد فيها مشدَّد الراء من (التخريق). ولكن المحقق أثبتها (يَخرِق) إما باجتهاد منه، أو اعتمادًا على ما في "اللسان".
وكذا وردت (يُخرَق) في: "غريب الحديث" لابن سلّام 1/ 102، 2/ 28، و"الفائق" للزمخشري 2/ 414، و"غريب الحديث" لابن الجوزي 2/ 78، و"النهاية" لابن الأثير 3/ 201.]] أغرَاَض الناس، ألآ تُعَرِّبُوا عليه [[(تُعَرِّبوا) وردت في (أ)، (ب)، (ج) مهملة من الشكل. ووردت في "تهذيب اللغة" (تُعرِبوا)، وهو خلاف ما ورد في أصل التهذيب كما أشار إلى ذلك == محققه؛ حيث قال: (ضُبطت بتشديد الراء في المصورة).
وكذا وردت بتشديد الراء في مصادر الخبر المشار إليها سابقًا. وهي ما اعتمدت عليه في ضبط الكلمة.
أما في "لسان العرب" 4/ 2348 (شهد) فقد نقل هذا النص عن الأزهري وفيه: (أنْ لا تَعْزِمُوا عليه).]] "؟ فقالوا: نَخَاف لِسَانَهُ يا رَسُولَ الله. فقال: "ذلك [أدْنَى] [[ما بين المعقوفين زيادة من "تهذيب اللغة"، وبقية مصادر الأثر التالية.]] أنْ لا تَكُونوا شُهَداء" [[الأثر، لم أهتد إليه في كتب السنة، وقد أورده: أبو عبيد بن سلّام في: "غريب الحديث" 1/ 102 من قول عمر - رضي الله عنه -، حيث قال: (وقد روي عن عمر أنه قال: ..) وذكره، وفي: 2/ 28 قال: (وفي حديث عمر: ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل ..) وذكره وأشار محقق "غريب الحديث" في هامش: 2/ 252 إلى أنه وردت زيادة في بعض نسخ الغريب فيها سند هذا الأثر، وهو: (.. قال: حدثناه أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن زيد بن صوحان، عن عمر ..).
وفي "التهذيب" 6/ 74: جعله من قول عمر، حيث قال: القوله (..)، وقد أورده الزمخشري في "الفائق" 2/ 414، وابن الجوزي في "غريب الحديث" 2/ 78 وقال: (قال عمر: مالكم ..) وذكره، وابن الأثير في "النهاية" 3/ 201.
وفي جميع المصادر السابقة التي أوردت الأثر لم يرد فيها قولهم: (.. يا رسول الله ..). وقوله: (تُعَرِّبوا عليه)؛ أي: تقبِّحوا قولَه، وتعيبوه، وتَرَدُّوه عليه، وتُفسِدوا عليه كلامَه، وتهجِّنوه.
انظر: "الفائق" 2/ 414، و"اللسان" 5/ 2866 (عرب)، في كتاب "النخل" لأبي حاتم السجستاني 101: (وفي الحديث: (فما عرَّبتم عليه)، أيَ: فما غيَّرتم).]] معناه: أنكم إذا لَمْ تُعَرِّبُوا على مَن يتناول أعراضَ المسلمين؛ مَخَافَة لِسَانِهِ، لم تَدْخُلُوا في جُمْلَةِ المُسْتَشْهَدِين يومَ القيامة على الأمم التي كَذَّبَتْ أنبياءَها.
وقيل في الشَّهِيد: إنَّه سُمِّيَ (شَهِيدا) [[لم أقف على من قال بهذا القول.]]: لأنه شَهِد الجَنَّة؛ أي: حَضَرَها حين استشهد. فهو على هذا التأويل، بمعنى [[في (أ)، (ب): (معنى). والمثبت من (ج).]]: (شاهد)، وهو: الحاضر؛ كما يقال: (سميع وسامع)، و (عليمٌ وعالِم) [[وردت -هنا- عبارة مكررة في (ج)، وهي: (فهو على هذا التأويل).]]. وهذا قريب مِمَّا قاله ابنُ شميل [[أورد ابن حجر في "فتح الباري" هذه الأقوال في سبب تسمية الشهيد بهذا الاسم، وزاد عليها أقوالًا أخرى، ثم قال: (وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله، وبعضها يعم غيره، وبعضها قد ينازع فيه). "فتح الباري" 6/ 43.]].
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ قال ابن عباس [[قوله، في "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 774.]]: أي: المشركين.
وفي هذا [إشارة] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). والمثبت من (ب)، (ج).]] إلى أنه إنَّما [يُدِيل] [[ما بين المعقوفين في (أ)، (ب): (يريد). والمثبت من (ج). وهو الصواب.]] الكافرين على المؤمنين؛ لِمَا ذَكَرَ [[أي في قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾]]، لا [[لا: ساقطة من (ج).]] لأنَّهُ يُحِبُّهم. وإذْ [[في (ب)، (ج): (وإذا).]] أَدَالَ المؤمنين، أدَالَهُمْ نُصْرَةً لهم، ومَحَبَّةً منه إيَّاهم.
وجملة معنى الآية: أنها [تَسْلِيَة] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). والمثبت من (ب)، (ج).]] للمؤمنين [عَمَّا نالَهُم مِنَ الجِرَاح] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). والمثبت من (ب)، (ج).]] بِأَنَّ عَدُوَّهم قد نَالَ مِثْلَهُ، وأَنَّ سُنَّةً لَهُ في عِبَادِهِ أنْ يَبْلُوهم مَرَّةً بالخير، ومَرَّةً بالشَّرِّ [كما قال] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). والمثبت من (ب)، (ج).]]: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [[سورة الأنبياء: 35. وتمامها: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾.]]] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). والمثبت من (ب)، (ج).]].
{"ayah":"إِن یَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحࣱ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحࣱ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَیۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَاۤءَۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق