الباحث القرآني

ولَمّا نَهاهم عَمّا تَقَدَّمَ؛ وبَشَّرَهُمْ؛ سَلّاهُمْ؛ وبَصَّرَهُمْ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ يَمْسَسْكم قَرْحٌ﴾؛ أيْ: مُصِيبَةٌ؛ بِإدالَتِهِمْ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ؛ ﴿فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ﴾؛ أيْ: الَّذِينَ لَهم مِن قُوَّةِ المُحاوَلَةِ ما قَدْ عَلِمْتُمْ؛ أيْ: في يَوْمِ ”أُحُدٍ“؛ نَفْسِهِ؛ وفي يَوْمِ ”بَدْرٍ“؛ ﴿قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾؛ أيْ: في مُطْلَقِ كَوْنِهِ قَرْحًا؛ وإنْ كانَ أقَلَّ مِن قَرِحِكم في يَوْمِ ”أُحُدٍ“؛ وأكْثَرَ مِنهُ في يَوْمِ ”بَدْرٍ“؛ عَلى أنَّهُ كَما أنَّهُ ظَفَّرَهم - بَعْدَما أصابَهم وأنْكَأهم يَوْمَ بَدْرٍ بِالزُّهْدِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ وهْنٌ - بِقَتْلِ مِثْلِ مَن قُتِلَ مِنكُمْ؛ وأُسِرَ مِثْلَكُمْ؛ ويَوْمَ ”أُحُدٍ“؛ بِالقَتْلِ (p-٧٩)والهَزِيمَةِ؛ أوَّلَ النَّهارِ؛ وهم أعْداؤُهُ؛ فَهو جَدِيرٌ بِأنْ يُظْفِرَكم بَعْدَ وهْنِكُمْ؛ وأنْتُمْ أوْلِياؤُهُ؛ فَكَما لَمْ يُضْعِفْهم وهْنُهُمْ؛ وهم عَلى الباطِلِ؛ فَلا تَضْعُفُوا أنْتُمْ؛ وأنْتُمْ عَلى الحَقِّ؛ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ؛ فَقَدْ أدَلْناكم عَلَيْهِمْ يَوْمًا وأدَلْناهم عَلَيْكم آخَرَ؛ ﴿وتِلْكَ الأيّامُ﴾؛ ولَمّا نَبَّهَ عَلى تَعْظِيمِها بِأداةِ البُعْدِ؛ وكانَتْ إنَّما تَعْظُمُ بِعِظَمِ أحْوالِها؛ ذَكَرَ الحالَ المُنَبَّهَ عَلَيْها؛ بِقَوْلِهِ: ﴿نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ﴾؛ أيْ: بِأنْ نَرْفَعَ مَن نَشاءُ تارَةً؛ ونَرْفَعَ عَلَيْهِ أُخْرى. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: ”لِيُدالَ عَلى مَن كانَتْ لَهُ الدَّوْلَةُ؛ فَيَعْلَمَ كُلُّ أحَدٍ أنَّ الأمْرَ لَنا بِلا شَرِيكٍ؛ ولا مُنازِعٍ“؛ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ولِيَعْلَمَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المُحِيطُ بِجَمِيعِ الكَمالِ؛ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أيْ: بِتَصْدِيقِ دَعْوى الإيمانِ؛ بِنِيَّةِ الجِهادِ؛ فَيُكْرِمَهُمْ؛ ومَعْنى ”لِيَعْلَمَ“؛ أنَّهُ يَفْعَلُ فِعْلَ مَن يُرِيدُ عِلْمَ ذَلِكَ؛ بِأنْ يُبْرِزَ ما يَعْلَمُهُ غَيْبًا إلى عالَمِ الشَّهادَةِ؛ لِيُقِيمَ الحُجَّةَ عَلى الفاعِلِينَ عَلى ما يَتَعارَفُهُ النّاسُ بَيْنَهُمْ؛ ﴿ويَتَّخِذَ مِنكم شُهَداءَ﴾؛ أيْ: بِأنْ يَجْعَلَ قَتْلَهم عَيْنَ الحَياةِ؛ الَّتِي هي الشَّهادَةُ؛ لا غَيْبَةَ فِيها؛ فَهو - سُبْحانَهُ وتَعالى - يَزِيدُ في إكْرامِهِمْ بِما صَدَقُوا في إيمانِهِمْ؛ بِألّا يَكُونُوا مَشْهُودًا عَلَيْهِمْ (p-٨٠)أصْلًا؛ بِفِتْنَةٍ في قُبُورِهِمْ؛ ولا غَيْرِها؛ ولا يَغْفُلُوا بِخَوْفٍ؛ ولا صَعْقٍ؛ ولا غَيْرِهِ؛ فَإنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُؤْمِنِينَ؛ ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ ظَلَمُوا؛ ويَمْحَقَ مِنهم أهْلَ الجَحْدِ والِاعْتِداءِ ﴿واللَّهُ﴾؛ أيْ: المَلِكُ الأعْلى؛ ﴿لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾؛ أيْ: الَّذِينَ يُخالِفُ فِعْلُهم قَوْلَهُمْ؛ فَهو لا يَسْتَشْهِدُهُمْ؛ وإنَّما يَجْعَلُ قَتْلَهم أوَّلَ خَيْبَتِهِمْ؛ وعَذابِهِمْ؛ وفِيهِ بِشارَةٌ في تَرْغِيبٍ بِأنَّهُ لا يَفْعَلُ مَعَ الكَفَرَةِ فِعْلَ المُحِبِّ؛ لِئَلّا يَحْزَنُوا عَلى ما أصابَهُمْ؛ ونِذارَةٌ في تَأْدِيبٍ بِأنَّهم ما أُخِذُوا إلّا بِتَضْيِيعِهِمُ الثَّغْرَ الَّذِي أمَرَهم بِهِ مَنِ التَزَمُوا طاعَتَهُ؛ وأمَرَ اللَّهُ بِها في المَنشَطِ؛ والمَكْرَهِ؛ بِحِفْظِهِ؛ وأقْبَلُوا عَلى الغَنائِمِ قَبْلَ أنْ يَفْرُغُوا مِنَ العَدُوِّ؛ والآيَةُ مِنَ الِاحْتِباكِ: ”إثْباتُ الِاتِّخاذِ أوَّلًا؛ دالٌّ عَلى نَفْيِهِ ثانِيًا؛ وإثْباتُ الكَراهَةِ ثانِيًا دالٌّ عَلى المَحَبَّةِ أوَّلًا“.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب