الباحث القرآني

﴿إنْ يَمْسَسْكم قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وابْنُ عَيّاشٍ عَنْ عاصِمٍ بِضَمِّ القافِ، والباقُونَ بِالفَتْحِ، وهُما لُغَتانِ كالدُّفِّ والدَّفِّ، والضُّعْفِ والضَّعْفِ، وقالَ الفَرّاءُ: القَرْحُ بِالفَتْحِ الجِراحَةُ، وبِالضَّمِّ ألَمُها، ويُقْرَأُ بِضَمِّ القافِ والرّاءِ عَلى الإتْباعِ كاليُسْرِ واليُسُرِ، والطُّنْبِ والطُّنُبِ، وقَرَأ أبُو السِّمالِ بِفَتْحِهِما، وهو مَصْدَرُ قَرِحَ يَقْرَحُ إذا صارَ لَهُ قُرْحَةٌ، والمَعْنى إنْ نالُوا مِنكم يَوْمَ أُحُدٍ فَقَدْ نِلْتُمْ مِنهم قَبْلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ لَمْ يُضْعِفُ ذَلِكَ قُلُوبَهم ولَمْ يُثَبِّطْهم عَنْ مُعاوَدَتِكم بِالقِتالِ وأنْتُمْ أحَقُّ بِأنْ لا تَضْعُفُوا؛ فَإنَّكم تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ تَعالى ما لا يَرْجُونَ، والمُضارِعُ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ العَلّامَةُ التَّفْتازانِيُّ لِحِكايَةِ الحالِ لِأنَّ المَساسَ مَضى، وأمّا اسْتِعْمالُ إنْ فِبَتَقْدِيرِ كانَ أيْ إنْ كانَ مَسَّكم قَرْحٌ، و(إنْ) لا تَتَصَرَّفُ في كانَ لِقُوَّةِ دَلالَتِهِ عَلى المُضِيِّ، أوْ عَلى ما قِيلَ: إنَّ ( إنْ ) قَدْ تَجِيءُ لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ مِن غَيْرِ نَقْلِ فِعْلِهِ مِنَ الماضِي إلى المُسْتَقْبَلِ، وما وقَعَ في مَوْضِعِ جَوابِ الشَّرْطِ لَيْسَ بِجَوابِ حَقِيقَةٍ لِتَحَقُّقِهِ قَبْلَ هَذا الشَّرْطِ، بَلْ دَلِيلُ الجَوابِ، والمُرادُ إنْ كانَ مَسَّكم قَرْحٌ فَذَلِكَ لا يُصَحِّحُ عُذْرَكم وتَقاعُدَكم عَنِ الجِهادِ بَعْدُ؛ لِأنَّهُ قَدْ مَسَّ أعْداءَكم (p-68)مِثْلُهُ وهم عَلى ما هم عَلَيْهِ، أوْ يُقالُ: إنْ مَسَّكم قَرْحٌ فَتَسَلَّوْا فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، والمِثْلِيَّةُ بِاعْتِبارِ كَثْرَةِ القَتْلى في الجُمْلَةِ فَلا يَرِدُ أنَّ المُسْلِمِينَ قَتَلُوا مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ وأسَرُوا سَبْعِينَ، وقَتَلَ المُشْرِكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ خَمْسَةً وسَبْعِينَ وجَرَحُوا سَبْعِينَ، والتَزَمَ بَعْضُهم تَفْسِيرَ القَرْحِ بِمُجَرَّدٍ الِانْهِزامِ دُونَ تَكْثِيرِ القَتْلى فِرارًا مِن هَذا الإيرادِ، وأبْعَدَ بَعْضٌ في تَوْجِيهِ الآيَةِ وحَمَلَها عَلى ما لا يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلامُ اللَّهِ تَعالى، فَقالَ: الأوْجَهُ أنْ يُقالَ: إنَّ المُرادَ ﴿إنْ يَمْسَسْكم قَرْحٌ﴾ فَلا تَهِنُوا لِأنَّهُ ﴿مَسَّ القَوْمَ﴾ أيِ الرِّجالَ ﴿قَرْحٌ مِثْلُهُ﴾ والقَرْحُ لِلرِّجالِ لا لِلنِّساءِ، فَمَن هو مِن زُمْرَةِ الرِّجالِ يَنْبَغِي أنْ لا يُعْرِضَ عَمّا هو سَمْتُهُ بَلْ يَنْبَغِي أنْ يَسْعى لَهُ، وبِهَذا يَظْهَرُ بَقاءُ وجْهِ التَّعْبِيرِ بِالمُضارِعِ، وأنَّهُ عَلى ظاهِرِهِ، وكَذا يَنْدَفِعُ ما قِيلَ: إنَّ قَرْحَ القَوْمِ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ قَرْحِهِمْ، ولا يَحْتاجُ إلى ما تَقَدَّمَ مِنَ الجَوابِ. وقِيلَ: إنْ كِلا المَسَّيْنِ كانَ في أُحُدٍ، فَإنَّ المُسْلِمِينَ نالُوا مِنهم قَبْلَ أنْ يُخالِفُوا أمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَإنَّهم قَتَلُوا مِنهم نَيِّفًا وعِشْرِينَ رَجُلًا أحَدَهم صاحِبَ لِوائِهِمْ، وجَرَحُوا عَدَدًا كَثِيرًا، وعَقَرُوا عامَّةَ خَيْلِهِمْ بِالنَّبْلِ، وقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ القَرْحَ الَّذِي مَسَّهم أنَّهم رَجَعُوا خائِبِينَ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وغَلَبَتِهِمْ بِحِفْظِ اللَّهِ تَعالى لِلْمُؤْمِنِينَ. ﴿وتِلْكَ الأيّامُ﴾ اسْمُ الإشارَةِ مُشارٌ بِهِ إلى ما بَعْدَهُ كَما في الضَّمائِرِ المُبْهَمَةِ الَّتِي يُفَسِّرُها ما بَعْدَها نَحْوُ - رَبَّهُ رَجُلًا - ومِثْلُهُ يُفِيدُ التَّفْخِيمَ والتَّعْظِيمَ، و( الأيّامُ ) بِمَعْنى الأوْقاتِ لا الأيّامُ العُرْفِيَّةُ، وتَعْرِيفُها لِلْعَهْدِ إشارَةٌ إلى أوْقاتِ الظَّفَرِ والغَلَبَةِ الجارِيَةِ فِيما بَيْنَ الأُمَمِ الماضِيَةِ والآتِيَةِ، ويَوْما بَدْرٍ وأُحُدٍ داخِلانِ فِيها دُخُولًا أوَّلِيًّا. ﴿نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ﴾ نُصَرِّفُها بَيْنَهم فَنُدِيلُ لِهَؤُلاءِ مَرَّةً ولِهَؤُلاءِ أُخْرى كَما وقَعَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ ويَوْمَ أُحُدٍ، والمُداوَلَةُ نَقْلُ الشَّيْءِ مِن واحِدٍ إلى آخَرَ، يُقالُ: تَداوَلَتْهُ الأيْدِي إذا انْتَقَلَ مِن واحِدٍ إلى واحِدٍ، و(النّاسِ) عامٌّ، وفَسَّرَهُ ابْنُ سِيرِينَ بِالأُمَراءِ، واسْمُ الإشارَةِ مُبْتَدَأٌ، و(الأيّامُ) خَبَرُهُ، و(نُداوِلُها) في مَوْضِعِ الحالِ، والعامِلُ فِيها مَعْنى الإشارَةِ أوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ (الأيّامُ) صِفَةً أوْ بَدَلًا أوْ عَطْفَ بَيانٍ، و﴿نُداوِلُها﴾ هو الخَبَرُ، و(بَيْنَ النّاسِ) ظَرْفٌ لِنُداوِلُها، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الهاءِ، وصِيغَةُ المُضارِعِ الدّالَّةُ عَلى التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ لِلْإعْلامِ بِأنَّ تِلْكَ المُداوَلَةَ سُنَّةٌ مَسْلُوكَةٌ فِيما بَيْنَ الأُمَمِ قاطِبَةً إلى أنْ يَأْتِيَ أمْرُ اللَّهِ تَعالى، ومِن كَلامِهِمُ: الأيّامُ دُوَلٌ والحَرْبُ سِجالٌ، وفي هَذا ضَرْبٌ مِنَ التَّسْلِيَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وقُرِئَ يُداوِلُها. ﴿ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تَعْلِيلٌ لِما هو فَرْدٌ مِن أفْرادِ مُطْلَقِ المُداوَلَةِ المُشارِ إلَيْها فِيما قَبْلُ، وهي المُداوَلَةُ المَعْهُودَةُ الجارِيَةُ بَيْنَ فَرِيقَيِ المُؤْمِنِينَ والكافِرِينَ، واللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِما دَلَّ عَلَيْهِ المُطْلَقُ مِنَ الفِعْلِ المُقَيَّدِ بِالوُقُوعِ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ المَذْكُورَيْنِ، أوْ بِنَفْسِ الفِعْلِ المُطْلَقِ بِاعْتِبارِ وُقُوعِهِ بَيْنَهُما، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى عِلَّةٍ أُخْرى لَها مُعْتَبَرَةٍ، إمّا عَلى الخُصُوصِ والتَّعْيِينِ لِلدَّلالَةِ المَذْكُورَةِ عَلَيْها كَأنَّهُ قِيلَ: ﴿نُداوِلُها﴾ بَيْنَكم وبَيْنَ عَدُوِّكم لِيَظْهَرَ أمْرُكم ولِيُعْلَمَ، وإمّا عَلى العُمُومِ والإبْهامِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ العِلَلَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِيما عُدَّ مِنَ الأُمُورِ، وأنَّ العَبْدَ يَسْؤُوهُ ما يَجْرِي عَلَيْهِ ولا يَشْعُرُ بِما لِلَّهِ في طَيِّهِ مِنَ الألْطافِ كَأنَّهُ قِيلَ: نَجْعَلُها دُوَلًا بَيْنَكم لِتَكُونَ حِكَمًا وفَوائِدَ جَمَّةً ﴿ولِيَعْلَمَ﴾ إلَخْ وفِيهِ مِن تَأْكِيدِ التَّسْلِيَةِ ما لا يَخْفى، وتَخْصِيصُ البَيانِ بِعِلَّةِ هَذا الفَرْدِ مِن مُطْلَقِ المُداوَلَةِ دُونَ سائِرِ أفْرادِها الجارِيَةِ بَيْنَ بَقِيَّةِ الأُمَمِ تَعْيِينًا أوْ إيهامًا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الغَرَضِ العِلْمِيِّ بِبَيانِها، ولَكَ أنْ تَجْعَلَ المَحْذُوفَ المُبْهَمَ عِبارَةٌ عَنْ عِلَلِ سائِرِ أفْرادِها لِلْإشارَةِ إجْمالًا إلى أنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِن أفْرادِها لَهُ عِلَّةٌ داعِيَةٌ في الظّاهِرِ إلَيْهِ كَأنَّهُ قِيلَ: (p-69)﴿نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ﴾ كافَّةً لِيَكُونَ كَيْتَ وكَيْتَ مِنَ الحِكَمِ الدّاعِيَةِ إلى تِلْكَ الإفْرادِ، ﴿ولِيَعْلَمَ﴾ إلَخْ فاللّامُ الأُولى مُتَعَلِّقَةٌ بِالفِعْلِ المُطْلَقِ بِاعْتِبارِ تَقْيِيدِهِ بِتِلْكَ الأفْرادِ، والثّانِيَةُ بِاعْتِبارِ تَقْيِيدِهِ بِالفَرْدِ المَعْهُودِ، قالَهُ مَوْلانا شَيْخُ الإسْلامِ، وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ الفِعْلُ مَعْطُوفًا عَلى ما قَبْلَهُ بِاعْتِبارِ المَعْنى كَأنَّهُ قِيلَ: داوَلَتْ بَيْنَكُمُ الأيّامُ لِأنَّ هَذِهِ عادَتُنا (ولِيَعْلَمَ) إلَخْ، وقِيلَ: إنَّ الفِعْلَ المُعَلَّلَ بِهِ مَحْذُوفٌ ويُقَدَّرُ مُؤَخَّرًا، والتَّقْدِيرُ ( ﴿ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ) فِعْلَ ذَلِكَ، ومِنهم مَن زَعَمَ زِيادَةَ الواوِ وهو مِن ضِيقِ المَجالِ، والكَلامُ مِن بابِ التَّمْثِيلِ أيْ لِيُعامِلَكم مُعامَلَةَ مَن يُرِيدُ أنْ يَعْلَمَ المُخْلِصِينَ الثّابِتِينَ عَلى الإيمانِ مِن غَيْرِهِمْ، والعِلْمُ فِيهِ مَجازٌ عَنِ التَّمْيِيزِ مِن بابِ إطْلاقٍ اسْمِ السَّبَبِ عَلى المُسَبَّبِ أيْ لِيَمِيزَ الثّابِتِينَ عَلى الإيمانِ مِن غَيْرِهِمْ. وحَمْلُ العِلْمِ عَلى التَّمْيِيزِ في حالِ التَّمْثِيلِ تَطْوِيلٌ مِن غَيْرِ طائِلٍ، واخْتارَ غَيْرُ واحِدٍ حَمْلَ العِلْمِ عَلى التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزَيِّ المُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الجَزاءُ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ الكَلامِ عَلى ذَلِكَ في البَقَرَةِ. وبِالجُمْلَةِ لا يَرِدُ لُزُومُ حُدُوثِ العِلْمِ الَّذِي هو صِفَةٌ قائِمَةٌ بِذاتِهِ تَعالى وإطْلاقُ الإيمانِ مَعَ أنَّ المُرادَ هو الرُّسُوخُ والإخْلاصُ فِيهِ لِلْإشْعارِ بِأنَّ اسْمَ الإيمانِ لا يَنْطَلِقُ عَلى غَيْرِهِ. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ التَّقْدِيرَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ المُؤْمِنَ مِنَ المُنافِقِ إلّا أنَّهُ اسْتَغْنى بِذِكْرِ أحَدِهِما عَنِ الآخَرِ ولا حاجَةَ إلَيْهِ، ومِثْلُهُ القَوْلُ بِحَذْفِ المُضافِ أيْ صَبْرَ الَّذِينَ، والِالتِفاتُ إلى الغَيْبَةِ بِإسْنادِهِ إلى الِاسْمِ الجَلِيلِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ والإشْعارِ بِأنَّ صُدُورَ كُلِّ واحِدٍ مِمّا ذُكِرَ بِصَدَدِ التَّعْلِيلِ مِن أفْعالِهِ تَعالى بِاعْتِبارِ مَنشَأِ مُعَيَّنٍ مِن صِفاتِهِ الَّتِي اسْتَجْمَعَها هَذا الِاسْمُ الأعْظَمُ مُغايِرٌ لِمَنشَأِ الآخَرِ. ﴿ويَتَّخِذَ مِنكم شُهَداءَ﴾ جَمْعُ شَهِيدٍ وهو قَتِيلُ المَعْرَكَةِ وأرادَ بِهِمْ شُهَداءَ أُحُدٍ كَما قالَهُ الحَسَنُ وقَتادَةُ وابْنُ إسْحاقَ، و(مِن): ابْتِدائِيَّةٌ أوْ تَبْعِيضِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَتَّخِذَ، أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن (شُهَداءَ)، وقِيلَ: جَمْعُ شاهِدٍ أيْ ويَتَّخِذَ مِنكم شُهُودًا مُعَدَّلِينَ بِما ظَهَرَ مِنَ الثَّباتِ عَلى الحَقِّ والصَّبْرِ عَلى الشَّدائِدِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن شَواهِدِ الصِّدْقِ لِيَشْهَدُوا عَلى الأُمَمِ يَوْمَ القِيامَةِ، و(مِن) عَلى هَذا بَيانِيَّةٌ لِأنَّ تِلْكَ الشَّهادَةَ وظِيفَةُ الكُلِّ كَما يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ ويُؤَيِّدُ الأوَّلَ ما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: لَما أبْطَأ عَلى النِّساءِ الخَبَرُ خَرَجْنَ يَسْتَخْبِرْنَ، فَإذا رَجُلانِ مَقْتُولانِ عَلى دابَّةٍ أوْ عَلى بَعِيرٍ، فَقالَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأنْصارِ: مَن هَذانِ ؟ قالُوا: فُلانٌ وفُلانٌ أخُوها وزَوْجُها أوْ زَوْجُها وابْنُها، فَقالَتْ: ما فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ قالُوا: حَيٌّ، قالَتْ: فَلا أُبالِي يَتَّخِذُ اللَّهُ تَعالى مِن عِبادِهِ الشُّهَداءَ، ونَزَلَ القُرْآنُ عَلى ما قالَتْ، ﴿ويَتَّخِذَ مِنكم شُهَداءَ﴾ وكَنّى بِالِاتِّخاذِ عَنِ الإكْرامِ لِأنَّ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَقَدِ اخْتارَهُ وارْتَضاهُ، فالمَعْنى لِيُكْرِمَ أُناسًا مِنكم بِالشَّهادَةِ ﴿واللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾ (140) أيْ يُبْغِضُهم، والمُرادُ مِنَ الظّالِمِينَ إمّا المُنافِقُونَ كابْنِ أُبَيٍّ وأتْباعَهُ الَّذِينَ فارَقُوا جَيْشَ الإسْلامِ عَلى ما نَقَلْناهُ فِيما قَبْلُ فَهم في مُقابَلَةِ المُؤْمِنِينَ فِيما تَقَدَّمَ المُفَسَّرُ بِالثّابِتِينَ عَلى الإيمانِ الرّاسِخِينَ فِيهِ الَّذِينَ تُوافِقُ ظَواهِرُهم بَواطِنَهم، وإمّا بِمَعْنى الكافِرِينَ المُجاهِرِينَ بِالكُفْرِ، وأيًّا ما كانَ فالجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ لِتَقْرِيرٍ مَضْمُونِ ما قَبْلَها، وفِيها تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ تَعالى لا يَنْصُرُ الكافِرَ عَلى الحَقِيقَةِ وإنَّما يُغَلِّبُهُ أحْيانًا اسْتِدْراجًا وابْتِلاءً لِلْمُؤْمِنِ، وأيْضًا لَوْ كانَتِ النُّصْرَةُ دائِمًا لِلْمُؤْمِنِينَ لَكانَ النّاسُ يَدْخُلُونَ في الإيمانِ عَلى سَبِيلِ اليُمْنِ والفَأْلِ، والمَقْصُودُ غَيْرُ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب