الباحث القرآني

ثم أعلم الله تعالى أنه لو شاء لأعطى نبيه -ﷺ- من الدنيا خيرًا مما اقترحوا أن يكون له فقال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾ أي: خيرا مما قالوا [[هذا قول مجاهد. وما بعده من كلام الواحدي. "تفسير مجاهد" 447. وأخرجه عن مجاهد ابن جرير 18/ 185. وابن أبي حاتم 8/ 2666. وذكره عنه الثعلبي 8/ 92 ب، وذكر ابن جرير 18/ 185، قولاً آخر: خيرًا من أن تمشي في الأسواق، وتلتمس المعاش كما يلتمسه الناس. ونسبه لابن عباس، لكنه من طريق محمد بن إسحاق. وأخرجه ابن أبي حاتم 8/ 2666، من قول محمد بن إسحاق. وذكره الثعلبي 8/ 92 ب، منسوبًا لابن عباس. وهذا القول فيه تخصيص بدون مخصص، وظاهر الآية رجوع اسم الإشارة إلى كل ما سبق ذكره من اقتراحات المشركين. والله أعلم.]] من إلقاء كنز، وأن تكون لك جنة تأكل منها. وقال مقاتل: يعني أفضل من الكنز والجنة [["تفسير مقاتل" ص 43 ب.]]. ثم بَيَّن ذلك الذي هو خير مما قالوا بقوله: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾. وقال الكلبي: ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾ تحت غرفها وشجرها ومساكنها [["تنوير المقباس" ص 301.]]. يعني في الدنيا؛ لأنه قد شاء أن يعطيه إياها في الآخرة. قال خيثمة [[خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة، لأبيه وجده صحبة، حدّث عن أبيه، وعائشة وغيرهم -رضي الله عنهم- أدرك ثلاثة عشر صحابيًا. ت: 80 هـ "تاريخ الثقات" للعجلي ص 145. "تهذيب التهذيب" 3/ 154. "سير أعلام النبلاء" 4/ 320. وذكره العلائي في "جامع التحصيل" ص 209. فالحديث مرسل.]]: قيل للنبي -ﷺ-: إن شئت أعطيناك مفاتيح الأرض وخزائنها لا ينقصك ذلك عندنا شيئًا في الآخرة، ونزلت هذه الآية [[أخرجه ابن جرير في تفسيره 18/ 186، بسنده عن حبيب قال: قيل للنبي -ﷺ- إن شئت أن نعطيك من خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك، ولا يعطى مَنْ بعدك، ولا ينقص ذلك مما عند الله تعالى، فقال: اجمعوها لي في الآخرة، فأنزل الله -عز وجل- في ذلك: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم 8/ 2666، بسنده عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة مختصرًا قريباً من سياق ابن جرير. وذكره السمرقندي 2/ 454. وابن كثير 6/ 95، كلاهما بدون إسناد، عن سفيان الثوري عن حبيب، به. وحبيب بن أبي ثابت، ثقة فقيه جليل، ولكنه كان كثير الإرسال والتدليس. "جامع التحصيل" للعلائي ص190، و"التقريب" ص 218. وهنا لم يصرح بالتحديث. إضافة إلى علة الإرسال من خيثمة كما سبق في ترجمته قريبًا.]]، فزهد فيها رسول الله -ﷺ- وآثر أمر الآخرة [[هذا من كلام الواحدي -رحمه الله- وليس من الرواية. وهو بنصه في "معاني القرآن" للز جاج 4/ 59.]]؛ وذلك أنه شاور جبريل في ذلك؛ فقال جبريل: تواضع لله، فقال النبي -ﷺ-: "الفقر أحب إليّ وأن أكون عبدًا صابرًا شكورًا". وهذا معنى قول ابن عباس في رواية جويبر عن الضحاك عنه [[أخرج هذه الرواية الثعلبي 892 ب، مطوّلة جدًا. وفيها (الفقر أحب إليّ ...). == وأخرجها الواحدي في "أسباب النزول" ص 332، من طريق الثعلبي. وهي رواية منقطعة، وضعيفة؛ فالضحاك لم يسمع من ابن عباس -رضي الله عنهما-. وجويبر ضعيف جداً.]]. قوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا﴾. قرئ بجزم اللام ورفعه [[قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: ﴿ويجعلُ﴾ بالرفع، والباقون بالجزم. "السبعة في القراءات" ص 462. و"الحجة للقراء السبعة" 5/ 336. و"النشر في القراءات العشر" 2/ 333.]]؛ فمن جزم فلأن المعنى: إن يشأ يجعلْ لك جنات ويجعلْ لك قصورًا. هذا قول أبي إسحاق [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 59، بنصه.]]. وشرحه أبو علي؛ فقال: من جزم ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ﴾ عطفه على موضع: جعل؛ لأن موضع جعل جزم بأنه جزاء الشرط فإذا جزم ﴿يَجْعَلْ﴾ حمله على ذلك، وإذ كانوا قد جزموا ما لم يلِه فعل لأنه في موضع جزم كقراءة من قرأ: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ﴾ [الأعراف: 186] [[﴿وَيَذَرُهُمْ﴾ فيها ثلاث قراءات: بالياء والرفع، والنون والرفع، وبالياء مع الجزم، والثالثة هي الشاهد من ذكر القراءة، وقرأ بها حمزة والكسائي وخلف. "السبعة في القراءات" ص 299، و"النشر" 2/ 273.]] فالفعل أولى أن يحمل عليه من حيث كان الفعل بالفعل أشبه منه بغير الفعل، وحكم المعطوف أن يكون مناسبًا للمعطوف عليه ومشابهًا له. ومن رفع قطعه مما قبله واستأنف، والجزاء في هذا النحو موضع استئناف ألا ترى أن الجمل من الابتداء والخبر تقع فيه كقوله: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: 186] وقوله: ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [[سبق ذكر الشاهد في الآية الأولى، وأما الآية الثانية فلم يذكر الشاهد فيها، وهو قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ﴾ بالرفع. قرأ == نافع وحمزة والكسائي وخلف وابن عامر، بجزم الراء، وقرأ الباقون برفعها. "السبعة في القراءات" ص 191، و"النشر في القراءات العشر" 2/ 236.]] [البقرة: 271] هذا كلامه [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 336.]]. وبين القراءتين فرق في المعنى؛ وهو: أن يقف على ﴿الْأَنْهَارُ﴾ واستأنف ﴿ويجعلُ﴾ فيكون المعنى: ويجعلُ لك قصورًا في الآخرة [["الحجة للقراء السبعة" 5/ 337، بمعناه. والوقف على هذه القراءة على ﴿الْأَنْهَارُ﴾ وقف كاف. "القطع والائتناف" 2/ 479، و"المكتفى" 414.]]. قال أبو إسحاق: أي سيعطيك الله قصورًا في الآخرة أكثر مما قالوا [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 59، بنصه.]]. قال مجاهد في قوله تعالى: ﴿قُصُورًا﴾ بيوتًا مبنية مشيدة كانت قريش ترى البيت من حجارة قصرا كائنًا ما كان [["تفسير مجاهد" 448. وأخرج ابن جرير 18/ 186. وابن أبي حاتم 8/ 2666. كلهم من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.]]. وقال مقاتل: إن قريشًا يسمُّون كلَّ شيء من الصوف والشعر: البيوت، ويسمون بيوت الطين: القصور [["تفسير مقاتل" ص 43 ب، وفيه: وذلك أن قريشاً يسمّون بيوت الطين: القصور. أما ما قبله فغير موجود عند تفسير هذه الآية.]]. ومعنى القصر في اللغة: الحبس [["تهذيب اللغة" 8/ 359 (قصر). ومنه قوله تعالى: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ [الرحمن: 72]. وذكر هذا الثعلبي 8/ 92 ب.]]. وسمّي هذا المبني: قصرًا؛ لأن مَنْ فيه مقصور عن أن يوصل إليه [["تفسير الطوسي" 7/ 475.]]. وكل محوط على شيء فهو قصر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب