الباحث القرآني

ثم استثنى فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ الآية. اختلف العلماء والمفسرون في حكم هذا الاستثناء: فذهب كثير [[سيذكر الواحدي من قال بذلك.]] منهم إلى أنَّ هذا الاستثناء راجع إلى رد الشهادة والفسق، وقالوا: إذا تاب قبلت شهادته وزال فسقه. وذهب كثير منهم إلى أن الفسق يزول بالتوبة، وأما الشهادة فلا تقبل أبدًا. روى عطاء الخراساني عن ابن عباس في هذه الآية قال: فتاب عليهم من الفسق، فأما الشهادة فلا تجوز [[رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 147 من رواية عطاء الخراساني، عن ابن عباس. وذكره ابن حزم في " المحلى" 9/ 431 من رواية عطاء الخراساني، عنه، به، وقال 9/ 433: وأما الرواية عن ابن عباس فضعيفة، والأظهر عنه خلاف ذلك. وذكره ابن حجر في "فتح الباري" 5/ 257 من رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس، وعزاه لعبد الرزاق، وقال: وهو منقطع، ولم يصب من قال إنّه سند قويّ. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 131 عن ابن عباس، وعزاه لأبي داود في ناسخه وابن المنذر.]]. وهذا قول شريح، وإبراهيم، والحسن، وقتادة، وسعيد بن المسيب [[رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" 147 - 148 عنهم جميعًا، إلا أنَّ قول قتادة من روايته عن الحسن وابن المسيب، وذكره ابن حزم في "المحلى" 9/ 431 عن إبراهيم النخعي، والحسن، وسعيد بن المسيب في أحد قوليه. وقال 9/ 433: كل من رُوي عنه أنَّه لا تقبل شهادته وإن تاب فقد رُوي عنه قبولها إلا الحسن والنخعي فقط. اهـ. وقول شريح رواه أيضًا عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 52، وفي "مصنفه" 7/ 388، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 171، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 158 أ)، والطبري 18/ 78، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 13 ب - 14 أ، والبيهقي في "السنن" 10/ 156. ولشريح قول آخر في قبول شهادته رواه البخاري في "صحيحه" (كتاب: الشهادتين - باب: شهادة القاذف، 5/ 255) معلقًا، ورواه موصولاً ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 169، والطبري 18/ 78، وقال ابن حجر في "فتح البارى" 5/ 257: بإسناد صحيح. وقول إبراهيم رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 7/ 387، وابن أبي شيبة 6/ 171، == وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 158 أ)، وابن الجعد في "مسنده" 2/ 323، والطبري 18/ 79، وابن أبي حاتم 7/ 14 ب، والبيهقي في "السنن" 10/ 156. وقول الحسن رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 52، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 171 وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 158 أ)، والطبري 18/ 79، وابن أبي حاتم 7/ 13 ب - 14 أ، والبيهقي في "السنن" 10/ 156. وعن قتادة رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 52 وفي "مصنفه" 8/ 363 والطبري 18/ 79 من رواية عن الحسن، والطبري 18/ 79 من رواية عن سعيد بن المسيب. ولقتادة قول آخر في قبول شهادته رواه عنه البخاري في "صحيحه" (كتاب: الشهادات باب: شهادة القاذف .. 5/ 255) معلقًا، ورواه موصولاً عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 362، والطبري في "تفسيره" 18/ 78 من رواية عن ابن المسيب. وقول سعيد بن المسيب رواه عنه الطبري 18/ 79. ولسعيد قول آخر في قبول شهادته رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 53، وفي "مصنفه" 7/ 384، 8/ 362، والطبري 18/ 78، وابن أبي حاتم 7/ 14 ب، والبيهقي 10/ 153.]]. وهذا قول من رأى أن التوبة إنما نسخت الفسق وحده [[من قوله، وهذا قول .. إلى هنا. هذا كلام أبي عبيد في "الناسخ" ص 149 بنصَّه.]]، وقالوا: إنه قضاء من الله أن [[في (ظ)، (ع) أي.]] لا تقبل شهادته أبدًا، وإنما توبته فيما بينه وبين الله. وقد رأى آخرون أنها نسخت الفسق وإسقاط الشهادة معًا [[من قوله: (وقد رأى .. إلى هنا). هذا كلام أبي عبيد في "الناسخ" ص 149 بنصَّه.]]. روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ قال: فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل [[رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 149، والطبري 18/ 80، والبيهقي في "السنن" 10/ 153 من رواية علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس به.]]. وروى محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب ضرب الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة، وهم: أبو بكرة [[في (أ): (أبو بكر بن)، وهو خطأ. وهو: أبو بكرة، نفيع بن الحارث بن كلدة.]]، وشبل بن معبد [[هو: شبل بن معبد بن عبيد البجلي، الأحمسي. تابعي مخضرم، لم يصح له سماع من رسول الله -ﷺ-. وأمُّه سمية مولاة الحارث بن كلدة والدة أبي بكرة ونافع. "الإصابة" لابن حجر 5/ 159.]]، ونافع بن الحارث بن كلدة [[هو: نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي، أبو عبد الله، أخو أبي بكرة لأمه. كان ممن نزل إلى رسول الله -ﷺ- من الطائف، وأمه سميَّة مولاة الحارث بن كلدة أم أبي بكرة وشبل وزياد. سكن البصرة. وهو أول من أفتلى -هكذا عند ابن سعد، وفي "الإصابة": اقتنى- الخيل بالبصرة؛ سأل عمر أرضًا ليست من أرض الخراج ولا تضر أحدًا يتخذها فضاءً لخيله، فأقطعه إياها. "طبقات ابن سعد" 5/ 507، 7/ 70، "الإصابة" لابن حجر 3/ 514.]]. ثم قال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل ومن لم يفعل لم أجز شهادته. فأكذب شبل نفسه ونافع وتابا، وأبى أبو بكرة أن يفعل فكان لا تقبل شهادته [[ذكره الثعلبي 3/ 68 ب من رواية ابن إسحاق، به بهذا اللفظ. ورواه الطبري 18/ 76 من طريق ابن إسحاق، به، بنحوه. ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 152 من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب بنحوه. قال ابن كثير في "مسند عمر بن الخطاب" 2/ 558 - بعد ذكره لهذه الطرق-: وهذه طرق صحيحة عن عمر -رضي الله عنه-. ورواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 149، وعبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 52 - 53، وفي "مصنفه" 8/ 362 من طريق محمد بن مسلم الطائفي، عن إبراهيم بن ميسرة، عن ابن المسيب بمعناه.]]. وهذا قول الزهري [[رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 150، وعبد الرزاق في "تفسيره". 2/ 52، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 9170. == ورواه البخاري في "صحيحه" (كتاب: الشهادات - باب: شهادة القاذف 5/ 255) عنه معلقًا.]]، والقاسم بن محمد [[رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" 150، وذكره عنه ابن حزم في "المحلى" 9/ 432.]]، وسالم بن عبد الله [[رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" 150، وذكره عنه ابن حزم في "المحلى" 9/ 432.]]، ومحارب بن دثار [[رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 151. ورواه البخاري في "صحيحه" (كتاب: الشهادات - باب: شهادة القاذف 5/ 255) معلقًا، ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" 3/ 380، عن محارب، عن رواية الكرابيسي في كتاب: القضاء. وذكره عنه ابن حزم في "المحلى" 9/ 432.]]، وحبيب بن أبي ثابت [[رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 152 من روايته عن عبد الله بن عتبة. وذكره ابن حزم في "المحلى" 9/ 432 عن حبيب.]]، وابن أبي نجيح [[رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 152، والشافعي في "الأم" 7/ 82، والطبري 18/ 77، والبيهقي في "السنن" 10/ 153.]]، وعطاء [[رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (1523)، وعبد الرزاق في "مصنفه" 7/ 383، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 157 ب) وابن أبي شيبة 6/ 168، والطبري 18/ 77، وابن أبي حاتم 7/ 14 ب، والبيهقي في "السنن" 10/ 153.]]، وطاووس [[رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 152، وعبد الرزاق في "مصنفه" 7/ 383، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 168، والطبري 18/ 77، والبيهقي في "السنن" 10/ 153 من طريق ابن نجيح عنه. ورواه البخاري في "صحيحه" في الشهادات - باب: شهادة القاذف 5/ 255 عنه معلقًا، ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" 3/ 379 من رواية سعيد بن منصور وغيره.]]، والشعبي [[رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 151، وعبد الرزاق في "مصنفه" 7/ 388، 3693، والشافعي في "الأم" 7/ 89، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 58 أ)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 170، والطبري 18/ 76، وابن أبي حاتم 7/ 14 ب، والبيهقي في "السنن" 10/ 153. ورواه عنه البخاري في "صحيحه" كتاب: الشهادات - باب: شهادة القاذف 5/ 255) معلقًا. ووصله ابن حجر في "تغليق التعليق" 3/ 380 من رواية الطبري وغيره.]]، وعكرمة [[رواه البخاري في الشهادات (باب: شهادة القاذف 5/ 255) عنه معلقًا. ووصله ابن حجر في "الفتح" 5/ 257 وفي "تغليق التعليق" 3/ 380 من رواية علي بن الجعد، عن شعبة عن يونس بن عبيد، عن عكرمة. وهو في "مسند علي بن الجعد" 1/ 600 من الرواية المذكورة. وذكره عنه ابن حزم في "المحلى" 9/ 432. وحكى عنه 9/ 431 قولًا آخر أنه لا تقبل شهادته أبدًا وإن تاب.]]، ومجاهد [[رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 152، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 157 ب)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 168، والطبري 18/ 77، والبيهقي في "السنن" 10/ 153 من رواية ابن أبي نجيح عنه. ورواه البخاري في الشهادات (باب شهادة القاذف 5/ 255) عنه معلقًا. ووصله ابن حجر في "الفتح" 5/ 257 وفي "تغليق التعليق" 3/ 379 من رواية سعيد بن منصور - وغيره.]]، وعبد الله [[في (أ): (عبيد الله)، وهو خطأ.]] بن عتبة [[هو: عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، من أبناء المهاجرين. وابن أخي عبد الله بن مسعود. ولد في عهد النبي -ﷺ-، واختلف في رؤيته للنبي -ﷺ-. فقيل له رؤيه، وقيل: لم يره فهو تابعي. روى عن النبي -ﷺ-، وعن عمّه عبد الله، وعن أبي هريرة وغيرهم. قال ابن سعد: وكان ثقة، رفيعًا، كثير الحديث والفتيا، فقيهًا. توفي سنة 74 هـ. "طبقات ابن سعد" 5/ 58، "الكاشف" للذهبي 2/ 107، "تهذيب التهذيب" == 5/ 311، "الإصابة" 2/ 332. وقوله رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 153، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 158 أ)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 170، والطبري 18/ 78، والبيهقي في "السنن" 10/ 153. ورواه عنه البخاري في الشهادات - باب: شهادة القاذف 5/ 255) معلقًا. ووصله ابن حجر في "فتح الباري" 5/ 256، وفي "تغليق التعليق" 3/ 378 من رواية الطبري.]]، والضحاك [[رواه عنه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 158 أ)، والطبري 18/ 78، والبيهقي في "السنن" 10/ 153.]]: وقول أهل الحجاز جميعًا [[قوله: وهذا قول أهل الحجاز جميعًا. هذا كلام أبي عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 153 بنصِّه.]]، واختيار الشافعي -رضي الله عنه- [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 68 ب. وهو في "الأم" 7/ 81.]]. والأول قول أهل العراق [[هذا كلام أبي عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (153).]]، واختيار أبي حنيفة -رضي الله عنه- [[انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 273، "بدائع الصنائع" 6/ 271، "تبيين الحقائق" 4/ 218 - 219.]]. قال أبو عبيد: وكلا الفريقين إنما تأوّل الآية [[في "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص 153: إنما تأول فيما نرى الآية.]]، فالذي لا يقبلها يذهب إلى أن الكلام انقطع من عند قوله ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ ثم استأنف فقال: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ فأوقع التوبة على الفسق خاصة دون الشهادة، وأما الآخرون فذهبوا إلى أن الكلام معطوف بعضه على بعض فقال ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، ثم أوقعوا الاستثناء في التوبة على كل الكلام ورأوا [[في (أ): (وراء).]] أنَّه منتظم له. قال أبو عبيد: والذي يُختار هذا القول؛ لأن من قال به أكثر وأعلى، منهم عمر بن الخطاب فمن وراءه، مع أنه في النظر على هذا [[في "الناسخ والمنسوخ": على هذا أصح.]]، ولا يكون المتكلم بالفاحشة أعظم جرمًا من راكبها، ألا ترى أنهم لا يختلفون في العاهر أنه مقبول الشهادة إذا تاب، فراميه بها أيسر جرمًا إذا نزع عما قال وأكذب نفسه؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا قبل الله التوبة من عبده كان العباد بالقبول أولى. مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن؛ من ذلك: قوله ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ إلى قوله ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [المائدة: 33 - 34] فليس يختلف المسلمون أن هذا الاستثناء ناسخ للآية من أولها، وأن التوبة لهؤلاء جميعًا بمنزلة واحدة. وكذلك قوله في الطهور حين قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ إلى قوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: 43] فصار التيمم لاحقًا بمن وجب عليه الاغتسال كما [[في جميع النسخ: (كمن)، والتصويب من "الناسخ والمنسوخ".]] لحق من وجب عليه الوضوء، كذلك قوله: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ﴾ إلى آخر الآية كلام واحد بعضه معطوف على بعض وبعضه تابع بعضًا، ثم انتظمه الاستثناء وأحاط به. انتهى كلامه [["الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص 153 - 154 مع اختلاف في آخره.]]. واختار أبو إسحاق هذا القول أيضًا، فقال: إذا استثنوا من الفاسقين خاصة [[في المعاني: أيضًا.]] فقد وجب قبول شهادتهم أيضًا؛ لأنهم قد زال عنهم اسم الفسق [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 32.]]. قال: والقياس أيضًا هذا؛ لأن الله -عز وجل- يقول في الشهادات ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: 282] فليس القاذف بأشد جرمًا من الكافر، فحقّه إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته، كما أن الكافر إذا أسلم وأصلح قبلت شهادته. فإن قال قائل: فما الفائدة في قوله ﴿أَبَدًا﴾؟ قيل: الفائدة أن الأبد لكل إنسان مقدار مدته في حياتهن ومقدار مدته فيما يتصل بقصته، فتقول: الكافر لا تقبل منه [[(منه) ساقطة من (أ).]] شيئًا أبدًا، معناه: ما دام كافرًا فلا تقبل منه شيئًا [[عند الزجاج: لا يقبل منه شيء أبدًا، فمعناه: ما دام كافرًا فلا يُقبل منه شيء.]]، وكذلك إذا قلت: القاذف لا تقبل منه شهادة أبدًا، فمعناه: ما دام قاذفًا، فإذا زال عنه الكفر فقد زال عنه أبده، وإذا زال عنه الفسق [[في المطبوع من المعاني: القذف.]] فقد زال أبده، لا فرق بينهم في ذلك [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 31 مع اختلاف يسير.]]. وهذا الذي ذكره معنى قول الشافعي -رضي الله عنه-: وإذا قبلتم توبة الكافر والقاتل عمدًا فكيف لا تقبلون شهادة القاذف وهو أحسن دينا! وقد قال الشعبي: يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته [["الأم" 7/ 41 - 42 مع اختلاف يسير. وقول الشعبي رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 7/ 388، 8/ 363 وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص 151، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل 158 أ)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 153. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 170، والطبري 18/ 77 بنحوه.]]. واختلفوا في كيفية توبته: فقال طاووس: توبته أن يكذب نفسه [[رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 172، والطبري 18/ 80، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 131 عن طاووس وغيره وعزاه لعبد بن حميد.]]. وقال عامر: توبته أن يقوم مثل مقامه يكذب [[في (ع): (مكذب)، وعند ابن أبي شيبة: فيكذب.]] نفسه [[رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 172 - 173 عنه بهذا الفظ، ورواه بنحو الطبري 18/ 76، 77، وابن أبي حاتم 7/ 14 ب، والبيهقي في "السنن" 10/ 153.]]. وقال آخرون: التوبة منه كالتوبة من سائر الذنوب يندم على ما قال، ويستغفر منه، ويترك العود فيما بقي من العمر [[ذكر هذا الطبري 18/ 81، والثعلبي 3/ 68ب. وحكاه الطبري عن جماعة من التابعين وغيرهم 18/ 77 - 78، 81 وعن الإمام مالك بن أنس. قال الطبري 18/ 81: وهذا القول أولى القولين في ذلك بالصواب؛ لأن الله جعل توبة كل ذي ذنب من أهل الإيمان تركه العود فيه، والندم على ما سلف منه، واستغفار ربَّه منه فيما كان.]]. هذا كله إذا حدَّ بقذفه. فأما إذا لم يحد بعفو المقذوف عنه أو بموته قبل أن يطالب القاذف بحدٍّ أو لم يرفع إلى السلطان فإن شهادته تقبل. بهذا احتج الشافعي -رحمة الله عليه [[في (ع): (رضي الله عنه).]] - فقال: هو قبل أن يحد شر منه [حين يحد] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]] لأن الحدود كفارات فكيف تردونها في أحسن حاليه [["الأم" 7/ 41 - 42.]]. يعني بعد الحد والتوبة. قوله ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ قال ابن عباس: يريد إظهار التوبة [[ذكر القرطبي 12/ 182 هذا القول ولم ينسبه لأحد.]]. وقال مقاتل: وأصلحوا العمل فليسوا بفساق [["تفسير مقاتل" 2/ 34 ب.]]. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قال ابن عباس: ﴿غَفُورٌ﴾ لذنبهم، يعني لقذفهم ﴿رَحِيمٌ﴾ بهم حيث تابوا [[ذكر القرطبي 12/ 182 الشطر الأخير منه، ولم ينسبه لأحد.]]. "فلما نزلت هذه الآية قرأها النبي -ﷺ- على الناس في خطبة [[في (أ)، (ظ): (خطبته)، والمثبت من (ع)، وتفسير مقاتل.]] يوم الجمعة، فقال عاصم بن عدي الأنصاري [[هو: عاصم بن عدي بن الجدِّ بن العجلان البلوي، حليف الأنصار. كان سيد بني عجلان. شهد أحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله -ﷺ-، ولم يشهد بدرًا؛ لأن النبي -ﷺ- استخلفه على العالية من المدينة وضرب له رسول الله -ﷺ- بسهمه فيها. توفي في خلافة معاوية سنة 45 هـ وقد جاوز المائة. "طبقات ابن سعد" 3/ 466، "الاستيعاب" 2/ 781، "أسد الغابة" 3/ 75، "الكاشف" للذهبي 2/ 51، "الإصابة" 2/ 237.]] - للنبي -ﷺ-: جعلني الله فداك، لو أن رجلاً منا وجد على بطن امرأته رجلاً [[(رجلاً) ساقط من (ط)، (ع).]]، فتكلم وأخبر بما رأى جلد [[في (أ): (فجلد)، وفي (ظ): (يجلد)، والمثبت من (ع) وتفسير مقاتل.]] ثمانين جلدة، وسماه المسلمون فاسقًا، ولا تقبل له شهادة أبدًا، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء؟ إلى أن يلتمس أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته! فقال النبي -ﷺ-: "كذلك أنزلت يا عاصم بن عدي". فخرج عاصم سامعًا مطيعًا، فلم يصل إلى منزله حتى استقبله هلال بن أمية يسترجع، فقال: ما وراءك؟ فقال: شر! وجدت شريك بن السحماء [[في (ظ)، (ع): (السمحاء)، وهو خطأ. وهو: شريك بن عبدة بن مغيث بن الجد بن العجلان البلوي، حليف الأنصار. == وسحماء -بفتح السين وسكون الحاء- أمه. يقال إنه سعد مع أبيه أحدًا. "الاستيعاب" 2/ 705، "أسد الغابة" 5/ 66، "الإصابة" 2/ 147.]] على بطن امرأتي خولة [[(خولة) ساقطة من (ع).]] يزني بها!. وهي [[(وهي) ساقطة من (أ)، وفي (ظ): (وخولة)، فسقط منها: هي.]] خولة بنت [[في (ع): (ابن)، وهو خطأ.]] عاصم [[ذكرها بهذا الاسم ابن حجر في "الإصابة" 4/ 285 وأشار إلى قصة اللعان وقال: لها ذكر ولا يعرف لها رواية. قاله ابن منده.]]. قال: هذا - والله [[(والله) ليس في (ظ)، (ع).]] سؤالي النبي -ﷺ- أنفًا. فرجع إلى النبي -ﷺ- وأخبره [[في (ع): (فأخبره).]] هلال بن أمية بالذي كان، فبعث إليها، فقال: "ما يقول زوجك"؟ فقالت: يا رسول الله إنّه رآني وشريكًا نطيل السهر ونتحدث، فلا أدري أدركته المغيرة أو بخل علي بالطعام؟ فأنزل الله آية اللعان ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾. وهذا قول ابن عباس في رواية جويبر، عن الضحاك، عنه [[ما ذكره الواحدي جاء من عدة روايات مختلفة فأدخل المصنف بعضها على بعض وساقها مساقًا واحدًا، فأول الرواية إلى قوله "فرغ الرجل من حاجته" نصُّ رواية مقاتل في "تفسيره" 2/ 34 ب، وذكرها الثعلبي في "تفسيره الكشف والبيان" 3/ 70 أ، وصدّرها بقوله: قال ابن عباس في سائر الروايات ومقاتل. وأما بقية الرواية من قوله: هكذا أنزلت إلى آخر الرواية، فهذا نصّ رواية جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس والتي أخرجها الواحدي في "تفسيره الوسيط" 2/ 305 - 306 بسنده إلى جويبر، عن الضحاك عن ابن عباس. لكن وقع في الرواية التي ساقها الواحدي في "الوسيط" أن المرأة قالت: يا رسول الله، إن ابن السحماء كان يأتينا في منزلنا فيتعلم الشيء من القرآن، فربما تركه عندي وخرج زوجي ولم ينكر علي ساعة من ليل ولا نهار، فلا أدري أدركته الغيرة، .. والرواية المذكورة هنا فيها: إنه رآني وشريكًا نطيل السهر ونتحدث. == وهذه اللفظة في تفسير الثعلبي "الكشف والبيان" 3/ 70 أ. وأخذها المصنف من تفسير الثعلبي وأدخلها على رواية جويبر. ورواية جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رواية شديدة الضعف سندًا غريبة متنًا، فأما ضعفها سندًا فلأنها من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، وجويبر هذا قال عنه الذهبي في "المغني" في "الضعفاء" 1/ 138: قال الدارقطني وغيره: متروك. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب" 1/ 36: ضعيف جدًا. كما أن في سندها انقطاعًا فإن الضحاك لم يلق ابن عباس كما قال ذلك الأئمة. انظر: "تهذيب التهذيب" لابن حجر 4/ 453 - 454. أما غرابة المتن فلأن فيه: "فخرج عاصم سامعًا مطيعًا فاستقبله هلال" والمعروف في الروايات الصحيحة كما سيأتي أن الذي لقي عاصمًا هو عويمر ابن عمه. ولذلك قال الزيلعي في تخريجه لأحاديث "الكشاف" 2/ 421 بعد ذكره الرواية التي ساقها الزمخشري في "الكشاف" وهي نحو الرواية المذكورة هنا-: غريب بهذا السياق، وفيه تخليط، فإن حديث عاصم بن عدي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس من غير هذا الوجه، وروى مسلم أوله عن ابن مسعود وليس فيه ذكر الأسامي. وقصة شريك وهلال رواها مسلم، وليس فيها ذكر عاصم وغيره. ثم قال الزيلعي: ونقله الثعلبي يعني الرواية التي ساقها صاحب "الكشاف" هكذا بتمامه عن ابن عباس. قال ابن حجر في كتابه تخريج أحاديث "الكشاف" معلقًا على قول الزيلعي الأخير وكأنه من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه، والمحفوظ عن ابن عباس بغير هذا السياق وهو متفق عليه وليس فيه تسميتهم. وكلام ابن حجر يدل على أنه لم يطلع على رواية جويبر هذه. والله أعلم. ولما ذكر القرطبي رواية الواحدي هنا قال: والصحيح خلافه. يعني أن عاصمًا استقبله هلال بن أمية 12/ 184.]]. وقال مقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 34 أ.]]، وآخرون [[هذا قول مقاتل بن حيان: انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 7/ 16 ب.]]: الذي وجد امرأته مع شريك بن السحماء [[في (ظ)، (ع): (السمحاء). وهو خطأ.]]: عويمر [[هو: عويمر بن أبي أبيض العجلاني، ويقال: هو عويمر بن الحارث بن زيد بن جابر بن الجدَّ بن العجلان، وأبيض لقب لأحد آبائه. "الإصابة" 3/ 45.]] ابن عم لعاصم بن عدي، وامرأته خولة بنت قيس بن محصن [[نقل هذا ابن حجر في "الفتح" 9/ 448 عن القرطبي عن مقاتل بن سليمان. ولم أجد من ترجم لخولة هذه.]]. وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بني عم عاصم. وأما قصة هلال بن أمية: فروى عكرمة، عن ابن عباس قال: لمَّا نزلت ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ قال سعد بن عبادة: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله -ﷺ-: "يا معشر الأنصار ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم"؟ فقال سعد: والله -يا رسول الله- إني لأعلم [[في (أ): (لا أعلم)، وهو خطأ.]] أنها حق وإنّها من الله. ثم ذكر نحو حديث عاصم لرسول الله -ﷺ-، فما لبثوا إلا [[(إلا) ساقط من (ع).]] يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية -وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم- فقذف امرأته بشريك بن عبدة، وأمه السحماء، فقال رسول الله -ﷺ-: "البينة وإلا حد في ظهرك". فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن في أمري ما يبرئ ظهري من الحد. فنزلت آية اللعان [[قصة هلال بن أمية التي ساقها هنا الواحدي من رواية عكرمة عن ابن عباس قد جاءت من طرق عن عكرمة عن ابن عباس، لكن الواحدي أدخل بعض الروايات على بعض وساقها مساقًا واحدًا، فمن قوله "لما نزلت" .. إلى قوله: "وكان أحد الثلاثة" رواه االإمام أحمد في "مسنده" 4/ 6 - 9 طبعة شاكر وأبو داود في "سننه" == كتاب: الطلاق- باب: في اللعان 6/ 344 - 347، وأبو يعلى في "مسنده" 5/ 124 - 127، والطبري في "تفسيره" 18/ 82 - 83، وابن أبي حاتم (ج 3 ل 15 أ)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 7/ 394، والمصنف الواحدي في "أسباب النزول" ص 262 كلهم من طريق عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس به. قال الحافظ المنذري في كتابه "مختصر سنن أبي داود" 3/ 169: في إسناده عبّاد بن منصور، وقد تكلَّم فيه غير واحد، وكان قدريًا داعية. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/ 12 - بعد ذكره لرواية أبي يعلى-: ومداره على عبّاد بن منصور وهو ضعيف. وقال في "مجمع الزوائد" 7/ 74: رواه أحمد وفيه عباد بن منصور وهو ضعيف، وقد وثق.]]. وقال الكلبي: الذي وجد امرأته مع شريك هو عاصم بن عدي، رجع يومًا إلى أهله فوجده على بطن امرأته، فأتى النبي -ﷺ- وأخبره بما رأى فنزل آية اللعان [[ذكره الرازي في "تفسيره" 23/ 165: من رواية الكلبي عن ابن عباس. وروايات الكلبي لا يعتمد عليها.]]. وهذه ثلاثة أقوال في الواجد امرأته مع رجل: أحدها [[في (أ): (أحدهما).]]: أنه هلال بن أمية. والثاني: أنه عويمر العجلاني. والثالث: أنه عاصم [[حكى ابن حجر في "الفتح" 8/ 451 هذا القول ثم قال: فيه نظر لأنَّه ليس لعاصم فيه قصة، وإنما الذي وقع من عاصم نظير الذي وقع من سعد بن عبادة. اهـ. ومما يدل على ما قاله ابن حجر ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" للهيثمي 4/ 240 عن عاصم بن عدي أنه كان عند رسول الله -ﷺ- فلما نزلت هذه الآية ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ فقلت. يا رسول الله: == حتى يأتوا بأربعة شهداء قد قضى الخبيث حاجته، قال: فما قام حتى جاء ابن عمه أخي أبيه، وامرأته تحمل صبيًا وهي تقول: هو منك، وهو يقول: ليس منه، فأنزلت آية اللعان. قال: فأنا أول من تكلم به وأول من ابتلي به. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/ 12 - 13: ورجاله رجال الصحيح.]]. واتفقوا على أن الموجود زانيًا هو شريك. والأظهر أن الواجد كان عويمر لكثرة ما روي أن النبي -ﷺ- لاعن بين العجلاني وامرأته [[ذكر ابن حجر في "الفتح" 8/ 405 اختلاف العلماء فيمن نزلت فيه آية اللعان، فقال: وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع: فمنهم من رجَّح أنَّها نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجَّح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضًا فنزلت في شأنهما معًا في وقت واحد. وقد جنح النووي إلى هذا، وسبقه الخطيب .. ويؤيد التعدد أن القائل في قصة هلال سعد بن عبادة. والقائل في قصة عويمر عاصم بن عدي .. ولا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النزول. اهـ. وذكر ابن حجر أنَّ النووي نقل عن الواحدي أن أظهر هذه الأقوال أنه عويمر، ثم تعقبه بقوله 8/ 451: وأما قول النووي تبعًا للواحدي وجنوحه إلى الترجيح فمرجوح، لأن الجمع مع إمكانه أولى من الترجيح.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب