الباحث القرآني

قوله -عز وجل-: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ قال مجاهد [[رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 55، والطبري 18/ 107، وابن أبي حاتم 7/ 30 أ، والطبراني في "الكبير" 23/ 157 - 158. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 167، وزاد نسبته لعبد بن حميد والفريابي، وابن المنذر.]]، وأكثر المفسرين [[انظر: "الطبري" 18/ 106 - 108، وابن أبي حاتم 7/ 29 ب، 30 أب، والثعلبي 3/ 75 ب، وابن كثير 3/ 276، و"الدر المنثور" 6/ 167 - 168.]]: ﴿الْخَبِيثَاتُ﴾ من الكلام والقول ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الناس، ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ من الناس ﴿لِلْخَبِيثَاتِ﴾ من الكلام، ﴿وَالطَّيِّبَاتُ﴾ من الكلام ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ من الناس، ﴿وَالطَّيِّبُونَ﴾ من الناس ﴿لِلطَّيِّبَاتِ﴾ من الكلام. وهذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن معنى الآية: الخبيثات من القول إنما يليق بالخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس يليق بهم الخبيثات من القول [[في (ع): (الكلام).]]. يعني أنّ كلّ [[(كل) ساقطة من (ظ).]] كلام إنما يحسن في أهله فيضاف سيء [[في (ظ): (من).]] القول إلى من يليق به ذلك، وكذلك الطيب من القول، وعائشة رضي الله عنها لا يليق بها الخبيثات من الكلام، فلا يصدق فيها؛ لأنها طيبة فيضاف إليها طيبات الكلام من الثناء الحسن وما يليق بها. قال مقاتل بن سليمان: ﴿الْخَبِيثَاتُ﴾ يعني قذف عائشة ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الرجال [[في "تفسير مقاتل" زيادة: والنساء.]] الذين قذفوها ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ من الرجال والنساء [﴿لِلْخَبِيثَاتِ﴾ يعني السيئ [[في (ع): (للشيء)، والمثبت من (أ)، و"تفسير مقاتل".]] من الكلام، لأنه يليق بهم الكلام السيئ و ﴿الطَّيِّبَاتُ﴾ يعني الحسن من الكلام ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ من الرجال والنساء،] [[ساقطة من (ظ).]] يعني: الذين ظنّوا بالمؤمنين والمؤمنات خيرا ﴿وَالطَّيِّبُونَ﴾ من الرجال والنساء ﴿لِلطَّيِّبَاتِ﴾ يعني: الحسن [[في (أ)، (ع): (للحسن)، والمثبت من (ظ)، و"تفسير مقاتل".]] من الكلام، لأنَّه يليق بهم الكلام الحسن [["تفسير مقاتل" 2/ 37 أ.]]. وعلى هذا المعنى [[(المعنى) ساقطة من (ظ)، (ع).]]: ذمُّ القذفة بالخبث، ومدحُ الذين برَّؤا عائشة بالطهارة. والكاشف لهذا ما ذكره الزجاج فقال: أي لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء، ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء، قال: ويجوز أن يكون معنى هذا [[في (ظ)، و"معاني الزجاج": (هذه)، فتكون العبارة هذه الكلمات.]]: الكلمات الخبيثات إنّما تلصق بالخبيثات من النساء، والرجال، فأما الطاهرات الطيبات فلا يلصق بهن السب [[عند الزجاج: شيء.]] [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 37.]]. وهذا هو [[(هو) ساقطة من (ط).]] بيان المعنى الأول الذي ذكرنا قبل حكاية قول [[(قول) ساقطة من (أ).]] مقاتل. وهذا [[في (أ)، (ع): (هذا).]] الذي ذكرنا قول أكثر أهل التفسير والمعاني [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 248، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 515.]]. وقال الحكم [[هو: الحكم بن عتيبة، ولم أجد من ذكره عنه.]]، وابن زيد [[ذكره عند الثعلبي 7/ 75 ب بهذا اللفظ. ورواه عنه الطبري 18/ 108، وابن أبي حاتم 7/ 30 أ، 31 أ، والطبراني في "الكبير" 23/ 156 بمعناه.]]: ﴿الْخَبِيثَاتُ﴾ من النساء ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الرجال ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ من الرجال ﴿لِلْخَبِيثَاتِ﴾ من النساء ﴿وَالطَّيِّبَاتُ﴾ من النساء ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ من الرجال ﴿وَالطَّيِّبُونَ﴾ من الرجال ﴿لِلطَّيِّبَاتِ﴾ من النساء. وهذا معنى قول ابن عباس -في رواية عطاء- قال: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ يعني يريد أمثال عبد الله بن أبيّ ومن يشك في الله تعالى، ﴿وَالطَّيِّبَاتُ﴾ يريد عائشة طيبها الله -عز وجل- لرسول الله [[في (أ)، (ع): (لرسوله).]] -ﷺ- أتاه بها جبريل في سرَقَة [[سَرَقَة: قطعة من جيِّد الحرير، وجمعها سَرَق. وقيل هي البيضاء خاصة من الحرير. "لسان العرب" 10/ 156 - 157 (سرق).]] من حرير، فقال هذه عائشة بنت أبي بكر زوجتك في الدنيا وزوجتك في الآخرة [[هكذا في (أ)، والطبراني. وفي (ظ)، (ع)، "الدر المنثور": (الجنَّة).]] عوضًا من [[في (أ): (عن)، والمثبت من باقي النسخ والطبراني و"الدر المنثور".]] خديجة، فسر بها رسول الله -ﷺ- وقرّ بها عينًا ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ يريد رسول الله -ﷺ- طيّبه الله لنفسه، وجعله سيد ولد آدم ﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ يريد لعائشة. انتهى كلامه [[رواه الطبراني في "الكبير" 23/ 155 - 156 من رواية عطاء، عن ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 152 وعزاه للطبراني. ومجيء جبريل بعائشة في سرقة من حرير رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: النكاح- باب: النظر إلى المرأة قبل التزويج 9/ 180، ومسلم في "صحيحه" كتاب: فضائل الصحابة- باب: في فضل عائشة 4/ 1889 - 1890 من حديث عائشة -رضي الله عنها- قال: قال لي رسول الله -ﷺ-: "أريتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير". ورواه ابن حبان "الإحسان" 9/ 111 من وجه آخر عن عائشة بلفظ: جاء بي جبريل - عليه السلام - إلى رسول الله -ﷺ- في خرقة حرير فقال: "هذه زوجتك في الدنيا والآخرة"]]. وفي هذا ذمّ للمنافقين وأزواجهم بالخبث ومدح لرسول الله -ﷺ- وعائشة بالطهارة، وكأنه قيل: المنافقون والمنافقات هم الذين بالصفّة التي رَمَوا [[في (أ): (رضوا).]] بها عائشة وصفوان، لا عائشة والنبي -ﷺ-. قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ قال مقاتل: يعني الطيبات والطيبون مبرؤون مما يقول [[في (أ): (يقولون).]] القاذفون [["تفسير مقاتل" 2/ 37 أ.]]. قال الفراء: يعني عائشة وصفوان فذكر الاثنين بلفظ الجمع كقوله ﴿فَإِن [[في جميع النسخ: (وإن).]] كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: 11] يريد [[في (أ): (يريدون).]]: أخوين، وقوله ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: 78] يريد داود وسليمان [["معاني القرآن" للفراء 2/ 249]]. وقال الزَّجَّاج: كل من قُذف من المؤمنين والمؤمنات مبرؤن مما يقول أهل الخبث القاذفون [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 38.]]. وهذا معنى ما ذكرنا من قول مقاتل. و ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارة إلى الطيبين والطيبات. وعلى قول الفراء إشارة إلى عائشة وصفوان. وهذان هما الوجهان الصحيحان في معنى الآية. وذُكر قولان [[في (ظ)، (ع): (قولاً).]] آخران: أحدهما: رواه ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ قال: فمن كان طيبًا فهو مبرأ من كل قول [[قول: ساقط من (أ)، (ظ).]] [خبيث يقوله يغفره [[في (أ): (يغفر).]] الله له. ومن كان خبيثًا فهو مبرأ من كل] [[ساقط من (ظ).]] قول صالح يقوله، يردّه الله عليه ولا يقبله [[في (ظ)، (ع): (لا يقبله).]] منه كلٌّ برئ مما ليس له بحقّ من الكلام [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 55، والطبري 18/ 109، وابن أبي حاتم 7/ 31 ب، والطبراني في "الكبير" 23/ 161 من طريق ابن أبي نجيح. وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 167، ونسبه أيضًا لعبد بن حميد والفريابي وابن المنذر.]]. وعلى هذا الإشارة بقوله ﴿أُولَئِكَ﴾ تعود إلى [[(إلى): ساقطة من (ظ).]] الخبيث والطّيب من الفريقين و ﴿يَقُولُونَ﴾ خبرٌ عنهم لا عن غيرهم. القول الثاني: رواه طلحة بن عمرو، عن عطاء موقوفًا عليه [[رواه أبو الشيخ بن حيّان في كتاب "التوبيخ والتنبيه" باب: ما روي في قول الله -عز وجل- "الخبيثات للخبيثين" الآية ص 197 من طريق طلحة بن عمرو، عن عطاء موقوفًا عليه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 168 عن عطاء موقوفًا عليه وعزاه لعبد بن حميد.]]، وروي مرفوعًا عنه إلى ابن عباس [[رواه الطبراني في "الكبير" 23/ 159 من طريق طلحة بن عمرو، عن عطاء مرفوعًا إلى ابن عباس. وسنده ضعيف جدًا؛ لأن فيه طلحة وقد تقدم بيان حاله.]]: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾: ألا ترى أنّك تسمع الكلمة الخبيثة من الرجل الصالح فتقول: غفر الله لفلان ما [[في (أ): (فما).]] هذا من شيمته ولا من خلقه ولا مما يقول! ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ أن يكون ذلك من أخلاقهم ومن شيمتهم [[في "التوبيخ": شيمهم.]]، ولكن الرجل قد يكون منه الزلل. وعلى هذا الإشارة بقوله ﴿أُولَئِكَ﴾ تعود إلى الطيب من الفريقين، والمعنى: نفي الكلمة الخبيثة عنهم، وإنْ بدرت منهم بادرة [[في (أ): (وإن ندرت منهم نادرة).]] فهم مبرؤن منها؛ لأن الله يغفرها لهم بأنها ليست من شيمتهم ولا من أخلاقهم. قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ قال ابن عباس [[رواه الطبراني في "الكبير" 23/ 161 من طريق عطاء عن ابن عباس، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 152 ونسبه للطبراني.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 37 أ.]]: رزق حسن في الجنّة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب