الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ والخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُونَ لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ اعْلَمْ أنَّ الخَبِيثاتِ يَقَعُ عَلى الكَلِماتِ الَّتِي هي القَذْفُ الواقِعُ مِن أهْلِ الإفْكِ، ويَقَعُ أيْضًا عَلى الكَلامِ الَّذِي هو كالذَّمِّ واللَّعْنِ، ويَكُونُ المُرادُ مِن ذَلِكَ لا نَفْسَ الكَلِمَةِ الَّتِي هي مِن قِبَلِ اللَّهِ تَعالى، بَلِ المُرادُ مَضْمُونُ الكَلِمَةِ، ويَقَعُ أيْضًا عَلى الزَّوانِي مِنَ النِّساءِ، وفي هَذِهِ الآيَةِ كُلُّ هَذِهِ الوُجُوهِ مُحْتَمَلَةٌ، فَإنْ حَمَلْناها عَلى القَذْفِ الواقِعِ مِن أهْلِ الإفْكِ كانَ المَعْنى الخَبِيثاتُ مِن قَوْلِ أهْلِ الإفْكِ لِلْخَبِيثَيْنِ مِنَ الرِّجالِ، وبِالعَكْسِ والطَّيِّباتُ مِن قَوْلِ مُنْكِرِي الإفْكِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجالِ وبِالعَكْسِ وإنْ حَمَلْناها عَلى الكَلامِ الَّذِي هو كالذَّمِّ واللَّعْنِ، فالمَعْنى أنَّ الذَّمَّ واللَّعْنَ مُعَدّانِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجالِ، والخَبِيثُونَ مِنهم مُعَرَّضُونَ لِلَّعْنِ والذَّمِّ. وكَذا القَوْلُ في الطَّيِّباتِ ”وأُولَئِكَ“ إشارَةٌ إلى الطَّيِّبِينَ وأنَّهم مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُ الخَبِيثُونَ مِن خَبِيثاتِ الكَلِماتِ، وإنْ حَمَلْناهُ حَمَلْناهُ عَلى الزَّوانِي فالمَعْنى الخَبِيثاتُ مِنَ النِّساءِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجالِ وبِالعَكْسِ، عَلى مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلّا زانِيَةً﴾ [النور: ٣] والطَّيِّباتُ مِنَ النِّساءِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجالِ، والمَعْنى أنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الرَّمْيِ الواقِعِ مِنَ المُنافِقِينَ لا يَلِيقُ إلّا بِالخَبِيثاتِ والخَبِيثِينَ لا بِالطَّيِّباتِ والطَّيِّبِينَ كالرَّسُولِ ﷺ وأزْواجِهِ. فَإنْ قِيلَ فَعَلى هَذا الوجه يَلْزَمُ أنْ لا يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ العَفِيفُ بِالزّانِيَةِ، والجَوابُ: ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: (p-١٧٠)﴿الزّانِي لا يَنْكِحُ إلّا زانِيَةً﴾ وقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ﴾ يَعْنِي الطَّيِّباتِ والطَّيِّبِينَ مِمّا يَقُولُهُ أصْحابُ الإفْكِ، سِوى قَوْلِ مَن حَمَلَهُ عَلى الكَلِماتِ فَكَأنَّهُ قالَ: الطَّيِّبُونَ مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُهُ الخَبِيثُونَ، ومَتى حَمَلَ أُولَئِكَ عَلى هَذا الوجه كانَ لَفْظُهُ كَمَعْناهُ في أنَّهُ جَمَعَ، ومَتى حَمَلْتَهُ عَلى عائِشَةَ وصَفْوانَ وهُما اثْنانِ فَكَيْفَ يُعَبَّرُ عَنْهُما بِلَفْظِ الجَمْعِ ؟ فَجَوابُهُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ ذَلِكَ الرَّمْيَ قَدْ تَعَلَّقَ بِالنَّبِيِّ ﷺ وبِعائِشَةَ وصَفْوانَ فَبَرَّأ اللَّهُ تَعالى كُلَّ واحِدٍ مِنهم مَنِ التُّهْمَةِ اللّائِقَةِ بِهِ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِهِ كُلُّ أزْواجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَأنَّهُ تَعالى بَرَّأهُنَّ مِن هَذا الإفْكِ. لَكِنْ لا يَقْدَحُ فِيهِنَّ أحَدٌ كَما أقْدَمُوا عَلى عائِشَةَ، ونَزَّهَ الرَّسُولَ ﷺ بِذَلِكَ عَنْ أمْثالِ هَذا الأمْرِ وهَذا أبْيَنُ كَأنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّ الطَّيِّباتِ مِنَ النِّساءِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجالِ، ولا أحَدَ أطْيَبُ ولا أطْهَرُ مِنَ الرَّسُولِ، فَأزْواجُهُ إذَنْ لا يَجُوزُ أنْ يَكُنَّ إلّا طَيِّباتٍ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّ: ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ﴾ يَعْنِي بَراءَةً مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ ”﴿ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾“ في الآخِرَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا مَقْطُوعًا بِهِ، فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أنَّ أزْواجَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ هُنَّ مَعَهُ في الجَنَّةِ، وقَدْ ورَدَتِ الأخْبارُ بِذَلِكَ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِشَرْطِ اجْتِنابِ الكَبائِرِ والتَّوْبَةِ، والأوَّلُ أوْلى لِأنّا إنَّما نَحْتاجُ إلى الشَّرْطِ إذا لَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ الآيَةِ عَلَيْهِ، أمّا إذا أمْكَنَ فَلا وجْهَ لِطَلَبِ الشَّرْطِ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها تَصِيرُ إلى الجَنَّةِ بِخِلافِ مَذْهَبِ الرّافِضَةِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَها بِسَبَبِ حَرْبِ يَوْمِ الجَمَلِ فَإنَّهم يَرَدُّونَ بِذَلِكَ نَصَّ القُرْآنِ فَإنْ قِيلَ القَطْعُ بِأنَّها مِن أهْلِ الجَنَّةِ إغْراءٌ لَها بِالقَبِيحِ. قُلْنا ألَيْسَ أنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَدْ أعْلَمَهُ اللَّهُ تَعالى بِأنَّهُ مِن أهْلِ الجَنَّةِ ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إغْراءً لَهُ بِالقَبِيحِ، وكَذا العَشَرَةُ المُبَشَّرَةِ بِالجَنَّةِ فَكَذا هاهُنا، واللَّهُ أعْلَمُ، تَمَّتْ قِصَّةُ أهْلِ الإفْكِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب